تقارير وتحليلات
عملية قاسم الريمي..
تقرير: ما أهم تداعيات استهداف قيادات القاعدة باليمن؟
بعد أن نجحت الولايات المتحدة مؤخراً، بمعاونة محليين، في القضاء على قاسم الريمي، "قائد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، ثم إعلانها عن جائزة مقدارها 11 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن القيادي سعد العولقي، وخالد باطرفي، انسحبت القاعدة إلى مناطق الملاذات الجبلية الآمنة كعادتها من أجل تقليل خسائرها، بعد أن وصلت لمستوى كبير من الانحدار والاختراق والتفكّك، وذلك بالتزامن مع تقدم الجيش اليمني وقوات النخبة مصحوبة بدعم التحالف العربي للسيطرة على اليمن وتحرير ما تبقى من المدن من يد الحوثيين.
انعكاسات سلبية على التنظيم
إنّ مقتل قاسم الريمي ستكون له انعكاسات سلبية على التنظيم؛ فالرجل يعتبر من مؤسسي الفرع اليمني وأبرز وجوهه المؤثرة، ومن بقايا الرعيل الأول من الأفغان العرب، كما أنّ مقتله جاء في وقت حساس جداً بالنسبة للتنظيم الذي يخوض معارك شرسة مع تنظيم داعش في كثير من مناطق اليمن، إضافة إلى أنّ عملية قتل الريمي أتت في وقت يفتخر فيه التنظيم بأنّه تمكن من "هدم الجاسوسية" كما عبر عن ذلك في سلسلة الأفلام التي أخرجها مؤخراً، مؤكداً أنّه نجح في تأمين قياداته عبر كشفه للخلايا التي اخترقت صفوفه.
في هذا السياق، يؤكد الباحث المغربي مزوز عبدالغني أنّ الفرع اليمني في القاعدة ليس كالفروع الأخرى فهو "يحظى باهتمام خاص من أيمن الظواهري؛ لأنّه المكلف بالعمل الخارجي، وأميره يعتبر نائباً للقيادة العليا، كما أنّه المكلف بالوساطة والحكم في القضايا التي يختلف حولها أفرع التنظيم الأخرى، وبالتالي فمقتله يعتبر خسارة فادحة".
مقتل قاسم الريمي ستكون له انعكاسات سلبية على التنظيم إذ يعتبر من مؤسسي الفرع اليمني وأبرز وجوهه المؤثرة
ويوضح عبد الغني، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ التنظيم اليمني هو الذي نفّذ خلال الأعوام الماضية عدداً كبيراً من العمليات، أهمها على الإطلاق العملية الإرهابية التي طالت صحيفة شارلي إبدو الفرنسية، والتي أعلن المسؤولية عنها القيادي جلال بلعيدي، ثم إطلاق جندي من قوات البحرية بفلوريدا النار على زملائه، وهو ما دفع الولايات المتحدة للتركيز بشكل كبير على اصطياد القيادات عبر الطائرات المسيَّرة (الدرونز).
وأدت عمليات الاستهداف الأمريكية، وبدرجة أقل منها الإماراتية، إلى مقتل عددٍ كبيرٍ من قيادات القاعدة ومنها الهجوم بدون طيار العام 2015، على اجتماع تنظيمي ما تسبب في مقتل زعيم التنظيم، ونائب الظواهري المرشّح لخلافته ناصر الوحيشي، والزعيم إبراهيم الربيش، ونائب القائد العام ناصر بن علي العنسي، والمسؤول الديني البارز حارث بن غازي النظاري.
وفي كانون الثاني (يناير) 2017 هاجمت الطائرات قرية يكلا وقتلت 14 عنصراً، منهم الأمير المحلي للقاعدة عبد الرؤوف الذهب، كما في حزيران (يونيو) قتلت طائرة مسيّرة أبو خطاب العولقي، الأمير المحلي في شبوة، وقد تزامن ذلك مع غارة جوية استهدفت قادة آخرين.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2017 قتلت غارة جوية أبو عبيدة اللودري، أمير القاعدة في أبين، وبعد شهر من ذلك، قُتل مجاهد العدني، الأمير الجديد في شبوة، وأبو الليث الصنعاني، القيادي البارز في تنظيم القاعدة بالبيضاء.
ونفّذت القوات الإماراتية اغتيال عدد من قادة القاعدة في كانون الأول (ديسمبر) 2017 منهم مقداد السيستاني، في غارة جوية على محافظة البيضاء؛ ومسؤول تسهيل حركة الأسلحة حبيب الصنعاني، وعضو اللجنة الدعوية أبو عمر الصنعاني، في غارة على مأرب؛ والأمير المحلي في شبوة مجاهد العدني؛ والمسؤول الإعلامي أبو هاجر المالكي، في مأرب.
الحرب مع الحوثيين واستمرارها سيسهم وفق خبراء في إعطاء نفس أطول للقاعدة
وكان جنود أمريكيون هاجموا في 29 كانون الثاني (يناير) 2017، منزلاً في قرية الغيل بمحافظة البيضاء، في أول عملية عسكرية خارجية يصادق عليها ترامب، في الأسبوع الأول من رئاسته.
أما في آب (أغسطس) 2018 أعلن مسؤولون أمريكيون مقتل إبراهيم العسيري، خبير المتفجرات في القاعدة، بغارة أمريكية بطائرة بدون طيار، كما أعلنوا عن مقتل سامح المارمي بغارة جوية في أيلول (سبتمبر) 2018، وجمال البدوي، أحد كبار العناصر المعتقد وقوفهم وراء هجوم المدمرة الأمريكية (يو إس إس كول)، في كانون الثاني (يناير) 2019.
تراجع مستمر نحو الملاذات الآمنة
رغم كل هذه الاستهدافات، أظهرت القاعدة قدرتها على البقاء وتجاوز الخسائر المتكررة في صفوف قياداتها، في حين تخلق الحرب المستمرة في اليمن نبعاً طبيعياً "للمواهب والخبرات" التي يمكن للقاعدة استقطابها.
ويحاول تنظيم القاعدة التغلغل في النظام الاجتماعي القبلي بالذات في أدبياته (الزوامل- الأشعار- الأناشيد) الحماسية، كما أنّ توسع التنظيم في أساليب الحشد على أساس القبيلة والقرابة من قيادات التنظيم ساهمت بالفعل في توسع التنظيم في ظل غياب المؤسسات الحكومية.
التنظيم اليمني للقاعدة هو الذي نفّذ خلال الأعوام الماضية عدداً كبيراً من العمليات الخارجية
لكن الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، حسام ردمان، يرى، في تقرير له، أنّ القاعدة تشهد معارضة شعبية وقبلية متزايدة تجاهها، سواء من جانب حلفاء الجماعة –وهم أقلية صغيرة– أو من أولئك الذين كانوا غير مبالين أو محايدين تجاهها في السابق، وأنّ الإمارات سعت بانتظام إلى نيل موافقة القبائل والمجتمع في حملاتها، مما تسبب في فقدان القاعدة الحاضن المحلي ومهّد الطريق أمام الحملات العسكرية ضدها.
وأحدث الأدلة على خسارة القاعدة نفوذها المحلي، كما يؤكد ردمان، تمثل في اجتماع تشاوري لشخصيات قبلية في محافظة أبين بداية شباط (فبراير) 2019، وكان من بنود البيان الختامي للاجتماع إعلان القبائل احتفاظها بسياسة "الباب المفتوح" لأي من الأحزاب والأفراد الذين يتخلون عن دعمهم للقاعدة ويثبتون استعدادهم للمشاركة في "حماية" الدولة اليمنية.
من جهته، قال الباحث في شؤون الإسلام السياسي، رشيد عزوز، إنّ "التنظيم سيواجه هزة تنظيمية قوية، ولن نبالغ إن قلنا غير مسبوقة لاعتبارات عديدة ذاتية وأخرى موضوعية، أبرزها أنّ اغتيال الريمي جاء بعد حوالي 5 أعوام من أكبر عملية قام بها"، مضيفاً في حديثه لـ "حفريات" أنّ "الأزمة الأخيرة في البلد عكست حجمه على الأرض دون أن ننسى أن دول الخليج، والعديد من الدول العربية والإسلامية مع حلفائها الأمريكيين والأوروبيين في الأعوام الأخيرة، مصممة على اجتثاث إرهاب القيادات، بالموازاة مع كشف تناقضاتهم الفكرية لدى العامة، ويبدو أنّ هذه السلسلة من الاغتيالات التي طالت رموزاً عدة أبرزها زعيم داعش وزعيم الحرس الثوري وعدة قيادات لتنظيم القاعدة في السنوات المنصرمة رامية إلى دحر التنظيم في اليمن من خلال الاستهداف المباشر لقيادات الصف الأول".
رغم الاستهدافات تظهر القاعدة قدرتها على البقاء وتجاوز الخسائر المتكررة في صفوف قياداتها
في هذا السياق تقول الباحثة في شؤون إدارة النزاعات ندوى الدوسري، في مقابلة سابقة مع مركز كارنيغي، إنّ "القاعدة في شبه الجزيرة العربية تهديد خطير، لكن هذا يتوقّف على مدى استمرار هذه الحرب"، موضحة أنّ "الحرب التي شنّها الحوثيون ضد القبائل المحلية تُضعف هذه الأخيرة وتسمح للتنظيم بتجنيد رجالها، من دون أن تتصدّى له القبائل المشتّتة الآن بفعل القتال للدفاع عن وطنها ضد الحوثيين. ومع مرور الوقت، وإذا استمر القتال، فإنّ قدرة القبائل على محاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية والحفاظ على النظام والسيطرة على مناطقها ستتضاءل".
وعملياً فإنّ هناك من يرى أنّ الحرب مع الحوثيين واستمرارها سيسهم بكل تأكيد في إعطاء نفس أطول للقاعدة، ومنهم منظمة مجموعة الأزمات الدولية (Crisisgroup) التي أكّدت في تقارير سابقة منشورة أنّ "الحوثيين بوصفهم شيعة زيديين هم الأعداء الأيديولوجيون الرئيسيون للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، عززوا من قوة عدوهم عبر اندفاعتهم العسكرية في شباط (فبراير) 2015 إلى المناطق ذات الأغلبية الشافعية (السنية)، ما سمح للقاعدة في شبه الجزيرة العربية بتقديم نفسها كجزء من جبهة "سنية" أوسع ضد توسع الحوثي/ صالح، وفي نهاية المطاف، تظل الوسيلة التي يمكن بها إنهاء تهديد القاعدة في اليمن وخارجه، هي إنهاء النزاع عبر تسوية سياسية تعيد بناء الدولة والمؤسسات العامة، وتستعيد فاعلية قوات الأمن، وإلى أن يتحقق ذلك، فإنّ الانسحابات الاستراتيجية للتنظيم – كالانسحاب الحالي– ستتيح له عودة محتومة، ولن تفيد التدابير الحالية ضد القاعدة أكثر من احتوائها، بدلاً من القضاء عليها كتهديد".
أما مركز أبعاد للدراسات في دراسته المعنونة بـ"تنظيم القاعدة في اليمن.. قدراته العسكرية ومناطق نفوذه" فرأى أنّ "أخطاء الطائرات بدون طيار، تدفع للانتقام والثأر، وتبقى مناطق القبيلة مفتوحة لعناصر التنظيم بما في ذلك الأجانب، لتصبح مواجهة التنظيم صعبة للغاية".
إنّ القراءة الصحيحة لتنظيم القاعدة باليمن تستلزم إدراك أنّ اصطياد قياداته يؤدي إلى تحولات حقيقية يمر بها على المستوى الأيديولوجي والإستراتيجي، وهذا بحدّ ذاته يمثل تحدياً جديداً للحرب مع الإرهاب والقدرة على فهم ما يجري واستشراف المستقبل.