بحوث ودراسات
فيروس كورونا يُحيي النظام العالمي البائد..
تحليل: مستقبل اليمن.. بين جنوب عربي وشمال إسلاميٍ غير عربي
ما لم تستطع أحداث العالم الأخيرة فعله والدفع به إلى الواجهة استطاع وباء كورونا فعله. فمنذ وقت مبكر اشتعلت النزعة القومية في الجزء الشرقي من العالم في صورة حروب ونزاعات، بينما في صورة حراك سياسي محتدم اشتعلت النزعة القومية في الجزء الغربي.
ففي الشرق تحديدا في ولايات الشرق الأوكراني انتهت أزمة شبه جزيرة القرم بانفصالها عن أوكرانيا وانضمامها لروسيا بوازع قومي وكذلك الأمر مازال ساريا على ولايات الشرق الأوكراني. سُئل الرئيس بوتين عن صرعة النزعة القومية من قبل أحد كبار الكتاب الروس في أحد لقاءاته الصحفية السنوية، فأجاب "إن القومية ليست صرعة بل هي مشاعر وطنية".
وفي الشرق الأوسط كذلك تشكّل "التحالف العربي" في صورة قومية ضدّ تدخلات المدّ الإيراني الفارسي والتركي العثماني. صورة الشرق الأوسط الآن شبيهة بمثيلتها مطلع القرن العشرين عند تنامي الفكرِ القومي.
في الغرب سعت بريطانيا إلى الانتصار لقوميّتها من عبث "الاتحاد الأوروبي" وقوانينه بها، وفي سبيل ذلك اختارت الخسارة الاقتصادية وخرجت أخيراً من الاتحاد الأوروبي. في أمريكا صعد التيار اليميني المتطرف بقيادة الرئيس "ترامب" إلى الواجهة حاملا شعار "أمريكا أولاً" واعداً ببناء حائط على طول الحدود مع المكسيك لحماية أمريكا ومدشّناً جملة من قرارات طرد اللاجئين والعمالة الخارجية. وفي فرنسا كادت المرشحة اليمينية "ماريا لوبن" أن تصل إلى الرئاسة كما شهدت باقي أوروبا طفرة صعود للفكر اليميني القومي أمام موجة النزوح الشرق أوسطي والإفريقي من الحروب والنزاعات إلى أوروبا.
لكن كلّ هذه الأحداث لم تستطع زحزحة العالم وحملهِ إلى تعاطي الفكر القومي، لعوامل عدة لعل أهمها هذا النوع من التشبيك الاقتصادي المتداخل الذي أحدثته طفرة التطور التكنولوجي والعولمة.
أخيراً ما بدأته هذه الأحداث يبدو أن فيروس كورونا أنهاه، وأجبر العالم على اتخاذ وضعية الانكفاء القومي والاعتماد على الذات، وقضى قضاءاً مبرماً على كلّ مظاهر العولمة والتشبيك الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي. فقد استطاع فيروس كورونا أن يحيل العالم إلى صورة عالم مقعد قومي. لكنّا مازلنا لا نعرف، هل ما يحدث هو إقعادٌ قسريٌ للعالم أم تقاعد اختياري؟
فهناك الكثير جداً من الرؤى والتحليلات السياسية المتحدثة منذ وقتٍ مبكرٍ عن فشل نظام العولمة العالمي وبالمقابل هناك رؤى تذهب إلى أنّ فيروس كورونا سلاح بيولوجي تم استخدامه عن عمد.
وعلى صعيد متصل بفيروس كورونا يتصاعد الحديث عن انهيار النظام الرأسمالي بالتوازي مع صمود ونجاح النظام الاشتراكي في الصين. هذا ما بدا وكأنه استحضار للقطبية الثنائية البائدة. أيضا تقوم النزعة القومية المتشكلة حديثاً على هذا النوع من الثنائية القطبية.
الجنوبُ عربيٌ
ومن العموم العالمي إلى الخصوص اليمني ينقلنا حديث الخبير السياسي وفيق إبراهيم لوكالة سبوتنيك الروسية عن التمدد المفاجئ وسيطرة الحوثيين على أراضي واسعة ومتاخمة للسعودية من الشمال اليمني، بما أسماه بـ "توازن القوى الجديدة" في المنطقة. يبدو توغّل التحالف العربي في اليمن جنوباً قد أحال الجنوب إلى جنوبٍ عربيٍ بينما أحالت نزعة المقاومة والممانعة والإيغال الإسلامي الشمال إلى يمنٍ إسلاميٍ غير عربي.
ما ذهب إليه وفيق أكدته مسودة مبادرة الحوثيين للسلام في إحدى نقاطها التي نصت على تكفل الجانب السعودي بـ إعاشة القوات المسلحة اليمنية لمدة عشرة سنوات قادمة. هذا الشرط مستجلب من ذاكرة الاتفاقات السياسية بين الشمال اليمني والسعودية، اتفاق الطائف مع الإمام يحيى عام 1934 واتفاق ترسيم الحدود مع الرئيس صالح في العام 2001، "إعاشة القوات المسلحة اليمنية مقابل السلام الحدودي مع السعودية". مؤخراً سيطر الحوثيون عملياً على المحافظة الحدودية الجوف وهم يتجهون للسيطرة على مأرب المحافظة الحدودية مع الجنوب، لتتزامن السيطرة على السلاح والعتاد ما بدا وكأنه عملية تسليح غير مباشرة لجيش الحوثيين. حاليا يطرح الحوثيون نظريا شرط إعاشة جيشهم مستقبلا.
فيما يخص ما وصفها وفيق بـ "توزان القوى الجديدة" في اليمن، بدا أمرٌ كهذا واضحاً في انقسام الدول الخمس حول مشروع القرار المقدم من قبل بريطانيا لمجلس الأمن في أواخر فبراير 2020، الذي عارضته كل من روسيا والصين. الجدير بالذكر أن الأحداث المتسارعة في الشمال اليمني جاءت عقب هذا الانقسام.
الأجدر بالذكر أن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي كان قد التقى في وقت سابق في العاصمة الإماراتية أبوظبي على التوالي بكل من السفير الأمريكي لدى اليمن والسفير الروسي لدى أبوظبي. خرج الدبلوماسي الأمريكي من اللقاء بتصريح نصّ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، في إشارة سياسية يعتقد كثيرون أنها تخص الشمال اليمني ولا تخص الجنوب الذي يبدو أنه عربياً أكثر منه يمنياً.