بحوث ودراسات
حكومة اليمن شريك ثلاثي للإرهاب..
تحليل: زعيم تنظيم الإخوان في اليمن.. كيف يعزز نظرية داعش
سمحت ثورات ما يسمى بـ "الربيع العربي" المندلعة مطلع العام 2011، بتصدر جماعات الإسلام السياسي للمشهد، حيث لم تتوانئ جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر عن اغتنام فرصة التربع على كرسي الحكم، وكذلك سعت بنات الجماعة الأم وفروعها في كل من تونس وليبيا وسوريا واليمن للاقتداء والسير على نفس المنهاج.
في البدء ما تحقق لجماعة إخوان مصر وتونس، تحقق سياسيا قبل العودة للتعثر والفشل سياسيا أيضا، بينما مالم يتحقق سياسيا في كل من ليبيا وسوريا واليمن لظروف مختلفة، سعت جماعات الإسلام السياسي في هذه الدول إلى تحقيقه عسكريا. وسمحت ثورات الربيع العربي مرة أخرى بتصدر الجماعات والتنظيمات الإرهابية للمشهد، تنظيم الدولة الإسلامية [داعش] وأنصار الشريعة وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
بدى الأمر وكأن المنطقة العربية تحاول التحليق والطيران بجناحيين إسلاميين، جناح سياسي أصيب بالكسح من الوهلة الأولى في مصر وتونس، وجناح عسكري ينكسر الآن في سوريا وليبيا واليمن.
إلا ان السيرة السياسية والعسكرية لجماعة الإخوان في اليمن تختلف كليا عن مثيلاتها. فهي تفضل التواري والاختباء خلف الحاكم الحالي كعادتها، بما يجعلها حركة تنظيمية أكثر منها حزب سياسي. كذلك فعل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب فلم يتماثل للظهور في اليمن كتنظيم الدولة في الشام. ومثلما لم تقتدي جماعة اخوان اليمن بنظيراتها العربية لم يقتدي تنظيم القاعدة بنظيره في الشام.
خالط إخوان اليمن الحكومة اليمنية سياسيا فخالط تنظيم القاعدة الإخوان عسكريا، بما يسمح لوصول الحكومة اليمنية، كمنتج لثورات الربيع العربي، لنفس المصير من الصدارة والانتكاس الذي حدث لجماعة الإخوان في مصر. هذا الخط المتعرج لجماعة الاخوان والتنظيمات الإرهابية في اليمن استطاع إطالة وتأخير موعد النهاية بمحاولة التواري والإفلات وهو يتكوّم أخيراً في شكل حكومة يمنية لا تُخطئها عين الإدانة والملاحقة الدولية.
مؤخرا يبذل المتابع الدولي جهدا في محاولة تتبع وفك رموز وشفرات رسائل زعيم تنظيم القاعدة في اليمن، خالد باطرفي. قد ينسحب الأمر إلى محاولة فك رموز وشفرات رسائل وبيانات جماعة الإخوان وهذا يعني سريان الأمر على الحكومة اليمنية، لأسباب عدة منها:
1- الإشارة الدولية لتغيّر منهجية القيادة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، من العقائدية إلى السياسية بما يحقق مقاربة تنظيمية بينه وجماعة الإخوان.
2- الإشارة الدولية لاستقدام واستخدام الحكومة اليمنية لعناصر التنظيم في حربها ضد القوات الجنوبية في كل من شبوة وأبين.
3- تواجد الحكومة اليمنية على نفس قوس الجغرافيا اليمنية لتواجد التنظيم [مأرب - شبوة – أبين].
4- اتحاد كل من التنظيم والإخوان والحكومة في خطابهم العقائدي والسياسي والعسكري وفي تناولهم الإعلامي الموجه جنوبا وفي مواقفهم من القضايا الدولية.
الإرهاب الرقمي
برعت التنظيمات الإرهابية منذ نشأتها في الملف الإعلامي والرقمي وأولت وسائل التواصل الاجتماعي اهتمامها لتوجيه رسائلها لكسب أنصار وعناصر جدد (انظر كتاب" الدولة الإسلامية .. الخلافة الرقمية" الصادر باللغة الانجليزية لعبدالباري عطوان).
حملت دقة تنظيم الدولة الإسلامية في الإخراج الفلمي لفيديوهاته، الكثير من المشتغلين في مجال السينما إلى التساؤل عن هذه القدرة المدهشة للتنظيم [فيلم اعدام اقباط مصر على يد تنظيم الدولة في ليبيا].
يرشدنا السؤال عن أي جماعات الإسلام السياسي تمتلك براعة في العمل الإعلامي، إلى الإجابة: جماعة الإخوان المسلمين، لتقف على رأس القائمة قناة الجزيرة التي تبث من قطر وتبدو داعمة ومتبنية لخطاب الجماعة الإعلامي.
على الصعيد اليمني تصدرت جماعة الإخوان مؤخرا منذ ثورة 2011 العمل الإعلامي بشكل لافت اقتحم الفن والمسرح.
اليدومي وداعش
مثال على التناول الإعلامي حاول تنظيم الدولة الإسلامية التطرق لجائحة وباء كورونا من زاويته الخاصة، حسب الباحثة الإسرائيلية ماور هيرش تناول التنظيم وباء كورونا من ثلاث جهات رئيسية:
- أسلمة الوباء: من خلال الحث على اتباع النصوص الدينية من أعمال وارشادات للرسول صلى الله عليه وسلم.
- أنسنة المؤمنين بالخلافة وشيطنة الغرب: من خلال مد يد العون والمساعدة في الحد من انتشار الوباء في نفس السياق الهجومي على الغرب عبر الحديث عن الوباء من زاوية نظرية المؤامرة.
- استغلال الأزمة من أجل تنفيذ استراتيجية داعش: من خلال استثمار وباء كورونا وضمها للخطاب العقائدي الموجه ضد الغرب.
تناول القيادي الإخواني في اليمن ورئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح محمد اليدومي جائحة كورونا في منشور له على صفحته بفيسبوك يوم 21 مارس 2020، حاول فيه إلى حد ما أسلمة الوباء وأنسنة الإخوان من خلال توظيف الخطاب الديني، جاء فيه " كورونا.. إسم لفيروس لا يُرى بالعين المجردة، نشر الرعب في جميع أنحاء المعمورة، وقهر جبابرة الأرض، وزرع الخوف في قلوب الأقوياء والضعفاء، والأغنياء والفقراء، وأقفر بطغيانه أغلب معالم الحياة، جائحة أرغمت الناس- كل الناس - على الانزواء في مساكنهم استجابة لنداء من لهم علم بخطر هذه الجرثومة وأضرارها القاتلة".
يضيف اليدومي" الملفت في دوامة هذا الحدث الجلل أن المسلمين ينتظرون من غيرهم من يقدم لهم طوق النجاة من هذه المصيبة التي كشفت عورات القابعين على هامش الحياة"، ويتسائل متعجبا: "ما هذه المكانة التي ارتضاها المسلمون لأنفسهم، وما هذا العقم الذي يندى له الجبين؟
يقول اليدومي أن "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لهم بكل وضوح وبلا لبس ولا خفاء أنه (ما أنزل الله عز وجل داءً إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله)"
ويضيف عقب ذلك مباشرة "لا تتحدثوا عن الماضي فقد أُرهقت الرقاب لكثرة الالتفات إليه وآن الأوان لأن نمعن النظر إلى حقيقة أوضاعنا وإلى غياب طموحاتنا ".
بدى حديث اليدومي متناقضاً، ففي حين ظهر حديثه وهو يحاول أسلمة الوباء لكنه في الوقت الذي يعزز فيه حديثه بما قاله "محمد صلى الله عليه وسلم"، يدعو أتباعه مباشرة بعدم "الالتفات للماضي".
إرهاب حكومي
على صعيد متصل بجائحة كورونا تعرضت سلطة محافظة حضرموت جنوبي اليمن لهجوم عنيف من قبل نشطاء وإعلام جماعة الإخوان، استهدف الإجراءات الوقائية والأمنية المتخذة للحد من انتشار وباء كورونا. مازالت الجماعة تستخف عقيدتها الدينية بالوباء وتسعى للنيل من خصومها السياسيين حتى في لحظة الوقوف على حافة الهاوية.
وهذا ما تجّلى عقب إعلان التحالف العربي لوقف إطلاق النار والسلام من طرف واحد في حربه مع الحوثيين، أصدرت الحكومة ترحيبها البارد وهي تتوجس خيفة من سلام كهذا يترجمها عدم اتخاذها أي إجراءات وقائية في مناطق سيطرتها، ليمتزج موقف الحكومة السياسي بموقف جماعة الإخوان العقائدي الناظر للوباء بمنطق إيماني لا يصدق ما يحدث.
هذا عامل آخر يكوّم الحكومة والإخوان والتنظيمات الإرهابية كطرف واحد. يضاف إلى اعترافات أحد أعضاء تنظيم داعش بالعلاقة بين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والحكومة اليمنية المدارة من قبل جماعة الإخوان.
ما ينبئ به مستقبل هذه العلاقة الثلاثية في ظل انكشافها هو الإقدام على ما يسمى بتهور اللحظات الأخيرة. فعلى الأرجح مثلما ستشتد أواصر العلاقة أكثر بما يسمح بمواجهة ذات المصير في حرب طرفها التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وليس التحالف العربي لدعم حكومة ستكون حينها فاقدة للشرعية تماما.
ينبغي على المجتمع الدولي النظر إلى استخفاف الحكومة اليمنية بجائحة كورونا على أنه تهور يضاف لاستهتارها بحياة الناس ومقدرات البلد وفسادها المالي والإداري، فالتعامل معها كمنظمة إرهابية هو الخيار الأمثل والصائب.