تقارير وتحليلات

إعلانات مدفوعة الثمن..

تقرير: القوة الناعمة القطرية.. هل نجحت بتشويه أداء التحالف العربي؟

الارتباك يسيطر على موقف واشنطن تجاه قطر

لندن

دوائر أميركية مختلفة باتت مقتنعة بأن أداء إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاه أزمة قطر مع جيرانها، والتي بلغت الآن ثلاث سنوات، كان أداء متذبذبا وأنه قرأ حسابا لدوائر النفوذ المالي والإعلامي على حساب صورة الولايات المتحدة التي كان يفترض أن تتعامل مع القضية بمبدئية وفق مقاربة الحرب على الإرهاب، إذ لا يعقل أن تقاتل واشنطن القاعدة وداعش في مناطق مختلفة ثم تسكت عن إحدى الدول الداعمة للإرهاب.

في شهر يونيو، ومنذ ثلاث سنوات، حدث خلاف حاد تطور إلى قطيعة بين السعودية والإمارات ومصر والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى بسبب شبكات دعم وتمويل وتسليح لفائدة جماعات إسلامية متشددة كانت الدوحة تديرها سرا وعلانية، وامتد صدى هذا الخلاف إلى الساحة الأميركية.

ويقول أميركيون إن المعركة الخليجية على الأرض الأميركية أسفرت عن فوز جماعات الضغط وصناعة الدفاع، فيما خسرت الولايات المتحدة صورتها كقوة توازن في القضايا الإقليمية، والدفاع عن القيم الأميركية خاصة في ما يتعلق بالحرب على الإرهاب، حيث سيطر الارتباك على موقف واشنطن تجاه قطر من بداية قوية وضعت الدوحة أمام خيار مراجعة سريعة لارتباطاتها مع الجماعات المتشددة في دول كثيرة بالشرق الأوسط إلى تراجع غير مفهوم تحت ضغط شركات الضغط.

وخلال السنوات الثلاث الماضية بدا البيت الأبيض مجرد مراقب لما يجري من صفقات. ففي صباح الخامس من يونيو 2017، أعلنت السعودية والإمارات ومصر والبحرين أنها قطعت العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وأوقفت السفر وكل التعاملات معها بسبب دعمها لجماعات مصنفة إرهابية.

وكتب مورغان بالومبو وجيسيكا درابر في تقرير لهما لوكالة أجانس غلوبال، أن هذه الخطوة دفعت القطريين إلى ادخار السلع الأساسية التي كانوا يخشون من نفادها بسرعة، لكن السلطات لم تفهم الرسالة جيدا، وكانت تتوقع أن الأمر مرهون بالوقت وأن المياه ستعود إلى مجاريها.

كما اختارت السلطات الهرولة إلى البيت الأبيض بدل البحث عن بدائل لطمأنة محيطها. لكن سقطت كل هذه الحسابات بعد ثلاث سنوات في وقت بدا أن دول المقاطعة باتت تتعامل مع الملف كموضوع من الماضي تم إغلاقه ولا داعي لفتحه.

ويتطلب فهم هذا الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات، إعادة التركيز على الولايات المتحدة، والتأثير الكبير للعمليات التي كان يديرها الخليجيون هناك، وكيف ارتبط القرار الأميركي بالإغراءات دون وجود استراتيجية واضحة لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب، فهو ضد قطر الراعية للإرهاب، لكنه “يتفهم” وضعها.

ويقود هذا الوضع إلى تحليل وثائق قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، “فارا”، المودعة من قبل الشركات التي تمثل الدول الثلاث منذ بدء الخلاف، لمعرفة تفاصيل المعركة حول النفوذ.

ويشار إلى أنه تم تمهيد المسرح لمقاطعة قطر قبل سبعة أشهر من بدايتها عندما تم انتخاب ترامب رئيسا. ومثلما صدم فوزه الجمهور الأميركي، فقد أدهش فوزه كذلك الحكومات الأجنبية. وكنتيجة لذلك، سعت هذه الحكومات، مثل الحكومة السعودية، لعقد صلات مع أي شخص له علاقات مع الإدارة الجديدة والكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون.

قانون تمثيل المصالح

في عام 2016، بدأت السعودية بالإنفاق بشكل أوضح على شركات الضغط المسجلة التابعة لقانون فارا. وبحلول نهاية عام 2017، بلغ الإنفاق السعودي 27.3 مليون دولار.

وفي الأشهر التي أعقبت فوز ترامب في نوفمبر، أضاف السعوديون، على سبيل المثال، العديد من الشركات المرتبطة به أو المرتبطة بالجمهوريين إلى قائمة كبيرة من الشركات المسجلة بالفعل بموجب قانون فارا لتمثيل مصالحها.

وعلى سبيل المثال، استحوذ السعوديون على مجموعة شركات “سي.جي.سي.أن” التي كان يرأسها كبير مسؤولي السياسة مايكل كاتانزارو، في فريق ترامب الانتقالي ثم خدم في إدارته.

ومن أجل التقرب من الكونغرس، استأجر السعوديون مجموعة شركات “ماك كيون”، التي يديرها النائب الجمهوري السابق باك ماك كيون، والذي شغل سابقا منصب رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب.

هذه الشركات كانت مسجلة، ولكن كان هناك عدد من الممثلين الذين لم يتم تسجيلهم بموجب قانون فارا يدفعون لصالح الأجندات السعودية، وعلى رأسهم إليوت برويدي وجورج نادر. وكان كل من برويدي، وهو أحد كبار مسؤولي جمع التبرعات لحملة ترامب، ونادر، شريكه في مجال الأعمال، يمتلكان بالفعل مجموعة واسعة من المصالح في السعودية. ومن أجل تأمين هذه المصالح، شرع الرجلان في إطلاق حملة لتحويل الرئيس الجديد والمؤسسة الجمهورية ضد قطر.

وكانت إحدى النتائج هي عقد مؤتمر معاد لقطر في مايو 2017، نظمه برويدي، واستضافه مركز أبحاث بارز في واشنطن، وهو “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”. عرض مركز الأبحاث على النائب إد رويس منصة لمناقشة خططه لتقديم مشروع قانون، إتش.آر 2712، من شأنه أن يقر بأن قطر دولة راعية للإرهاب. وكان من المقرر عرض مشروع القانون هذا على مجلس النواب بعد يومين فقط من انتهاء المؤتمر.

منذ اللحظة التي تأسست فيها كانت شبكة الجزيرة أداة للقوة الناعمة القطرية، حيث استخدمها المسؤولون القطريون للهجوم على التحالف العربي وتشويه أدائه

وكانت قطر في ذلك الوقت حليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وكانت موطنا لقاعدة العديد الجوية، حيث لا يزال يتمركز بها أكثر من 10 آلاف جندي أميركي. لذا فإن مشروع القانون هذا يمثل تطورا لافتا للنظر في العلاقات الأميركية القطرية وكان نتيجة واضحة للجهود السعودية والإماراتية للضغط.

وبينما تصاعدت الحملة المعادية لقطر في واشنطن، كانت السعودية تفتح قنوات تواصل وبسرعة مع الرئيس الأميركي الجديد الذي زارها في أول رحلة رسمية له إلى الخارج. وبدت جهودها تؤتي ثمارها عندما نشر ترامب تغريدة له على تويتر بعد يوم واحد من قرار المقاطعة “خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ذكرت أنه يجب وقف تمويل الأيديولوجية المتطرفة. وكنتيجة لذلك، أشار القادة العرب بأصابعهم نحو قطر!”.

وبعد أسبوع من المقاطعة، كتب السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة مقالة افتتاحية لصحيفة وول ستريت جورنال تطالب بنقل قاعدة العديد الجوية من قطر، وهو تطور أربك القطريين وأشعرهم بأن إدارة ترامب، التي أعلنت تشددها في ما يخص الإرهاب وضرورة مواجهته بحزم، يمكن أن تضعهم تحت دائرة الشكوك، وتحركوا بسرعة بحثا عن شراء الولاءات ومجموعات الضغط في العاصمة الأميركية.

وقام القطريون بتوظيف مجموعة من شركات الضغط والعلاقات العامة ذات العلاقات الوثيقة مع ترامب والجمهوريين في الكونغرس. وبعد يومين فقط من بدء المقاطعة، وقعوا صفقة مع مكتب المحامي العام السابق جون أشكروفت، ودفعوا 2.5 مليون دولار مقابل 90 يوما فقط من العمل كبداية.

كما وظفوا شركة “ستونينغتون ستراتيجيز” برئاسة نيك موزين، الذي عمل في حملة ترامب الانتخابية. ثم سعت “ستونينغتون” للتقرب من شخصيات بارزة من وكالة “فوكس نيوز”، كانت تحظى باهتمام ترامب مثل حاكم أركنساس السابق، مايك هاكابي. وقد حصل هاكابي على 50 ألف دولار للسفر إلى قطر بعد ذلك بعدة أشهر.

إعلانات مدفوعة الثمن

في سبتمبر 2017، استأجر القطريون أيضا شركة “بلو فرونت ستراتيجيز” لإطلاق عمليات وسائط متعددة، والتي كان من المقرر أن تشمل الإعلانات التجارية على جميع شبكات الأخبار الرئيسية، بالإضافة إلى الإعلانات الرقمية والمطبوعة في مجموعة من المنشورات البارزة، وكذلك إطلاق حملة لوقف المقاطعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وهدفت شركة “بلو فرونت” إلى التأثير على الرأي العام قبل الجلسة التالية للجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك الشهر. ثم استخدمت قطر ووكلاؤها الحملة “لاستهداف صانعي القرار الرئيسيين الذين يحضرون اجتماع الجمعية العامة، بما في ذلك ترامب” لكسب الدعم الدولي، لكن شركات الضغط هذه لم تكن تدافع فقط، بل هاجمت بدورها اللوبي السعودي.

وعلى سبيل المثال، بعث باري بينيت من شركة “أفنيو ستراتيجيز”، وهي شركة علاقات عامة استأجرتها قطر، رسالة إلى مساعد المدعي العام للأمن القومي يتهم فيها السعودية ولجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأميركية بانتهاك قانون فارا من خلال دعمهما لحملة إعلامية تهدف إلى ربط قادة قطر بالتطرف والأنشطة الإرهابية. وكنتيجة لهذه الضغوط شعرت لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأميركية بأنها ملزمة بالتسجيل بموجب قانون فارا.

وأخيرا، في اجتماع الأمم المتحدة، جلس ترامب مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وقال له “أشعر بأن الأزمة الدبلوماسية القطرية سيتم حلها بسرعة”.

بعد ذلك، قام القطريون بالدفاع ضد مشروع قانون إتش.آر 2712 (دعم المنظمات المصنفة إرهابية أميركيا مثل حماس والجهاد) حيث أطلقت شركات الضغط التي استأجرتها، مثل “أفنيو ستراتيجيز” و”هوش بلاكويل”، حملة لمنع تمرير هذا التشريع. حتى أن إليوت برويدي اتهم في دعوى قضائية الحكومة القطرية والعديد من أعضاء جماعات الضغط فيها باختراق حساب بريده الإلكتروني وأنهم وزعوا رسائل إلكترونية خاصة به على أعضاء الكونغرس في محاولة لتشويه سمعة عمله مع السعوديين.

وفي نوفمبر 2017، هاجم باري بينيت من شركة “أفنيو ستراتيجيز” باستخدام سلاح قوي في سياسة واشنطن: وهي إسرائيل. حيث قام بتوزيع رسالة على أعضاء الكونغرس كتبها مسؤول سابق رفيع المستوى في جهاز الأمن القومي الإسرائيلي زعمت أن قطر لم تقدم دعما عسكريا لحماس، كما ادعى مشروع القانون.

وبعد ثلاثة أشهر، هددت شركة “هوش بلاكويل” الكونغرس وإدارة ترامب بإلغاء عقد بوينغ بقيمة 6.2 مليار دولار لبيع مقاتلات “أف 15” للجيش القطري إذا تم تمرير مشروع القانون ومن ثم فرض العقوبات على هذه الدولة. وواجه السعوديون وحلفاؤهم مشكلة أخرى، وهي تحركات الكونغرس لقطع الدعم عن الحرب التي تقودها السعودية في اليمن ضد ميليشيات الحوثي. وفي 28 فبراير 2018، قدم السناتور بيرني ساندرز قرارا مشتركا لسحب دعم الولايات المتحدة لتلك الحرب. ووفقا لوثائق فارا، اتصلت شركة “براونستين حياة فاربر شريك” التي تمثل وزارة الخارجية السعودية، بالعديد من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وخاصة الديمقراطيين، لإقناعهم بالتصويت ضد الإجراء.

وفي مارس، أرسلت الشركة العشرات من رسائل البريد الإلكتروني إلى أعضاء الكونغرس داعية إياهم إلى حضور حفل عشاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وبناء على دعوة من شركة “سي.جي.سي.أن”، وهي شركة أخرى مسجلة بموجب قانون فارا تمثل السعوديين، فإن “حفل العشاء بين السعودية والولايات المتحدة” كان للتأكيد على “التعاون الدائم في مجال الدفاع ومكافحة الإرهاب والتحالف التاريخي بين الدولتين”. وجاء هذا العشاء بعد يومين فقط من تصويت مجلس الشيوخ على مشروع قانون ساندرز.

كما تواصلت جماعات الضغط الإماراتية مع الكونغرس للحفاظ على الدعم لدورها في تلك الحرب. على سبيل المثال وزعت شركة “هاجر العوض وشركاؤها”، مقالة افتتاحية كتبها أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية يبرر فيها الحرب، ورسالة كتبها السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة إلى 50 جهة اتصال في الكونغرس للدفاع عن جهود التحالف السعودي في اليمن لتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين وجادل بأن “للولايات المتحدة مصلحة واضحة في نجاح التحالف في اليمن”.

وعندما بدأ هذا الصراع، كانت قطر لا تزال عضوا في التحالف، لكن قرار المقاطعة دفعها إلى سحب قواتها من اليمن. ثم استخدم المسؤولون القطريون شبكة الجزيرة الإخبارية للهجوم على التحالف العربي وتشويه أدائه.

القوة الناعمة القطرية

منذ اللحظة التي تأسست فيها عام 1996، كانت الجزيرة أداة للقوة الناعمة القطرية، لذلك لم يكن من المستغرب أن تضغط السعودية والإمارات على أعضاء الكونغرس منذ فترة طويلة لإجبار الشبكة على التسجيل بموجب قانون فارا كوكيل أجنبي. ولم تذهب هذه الضغوط سدى. ففي أوائل مارس 2018، وقع 19 عضوا في الكونغرس وأرسلوا رسالة إلى النائب العام آنذاك جيف سيشنز، يحثّون فيها وزارة العدل للمطالبة بتسجيل قناة الجزيرة تحت قانون فارا. كما أرسل ستة أعضاء في مجلس الشيوخ وممثلان خطابا آخر من نفس النوع إلى وزارة العدل في يونيو 2019 يتساءلون فيه “لماذا لم يُطلب من الجزيرة وموظفيها التسجيل؟”. ومع ذلك لم تسجل الجزيرة كوكيل أجنبي. وضاعفت قطر من إغراءاتها المالية بعروض خاصة لصناعة الدفاع في الولايات المتحدة، حيث اشترت 24 طائرة هليكوبتر من طراز أباتشي مقابل 3 مليارات دولار، وبعد بضعة أشهر، وافقت على دفع وإدارة توسيع قاعدة العديد الجوية بقيمة 1.8 مليار دولار لضمان استمرار الوجود العسكري الأميركي في المستقبل المنظور.

ومن خلال القيام بذلك، كانت قطر تعمل بشكل واضح على تكوين اثنين من أقوى مجموعات الضغط في واشنطن: وهما الجيش وصناع الأسلحة.

ويقول خبراء في مجال العلاقات العامة إن التنافس بين دول الخليج المعنية لشراء جماعات الضغط كان أمرا متوقعا في سياق حسابات شراء المواقف، لكن الخاسر الحقيقي في هذا الصراع من أجل النفوذ هو الولايات المتحدة.

وكشفت جهود كلا الجانبين لتعميق علاقاتهما مع المجمع العسكري الصناعي، وزيادة نفوذهما في الكونغرس أن المصالح الحقيقية للولايات المتحدة احتفظت بالمركز الثاني مقارنة بمصالح الزعماء الشرق أوسطيين. كما ساعدت أعمالهما على ضمان الحفاظ على مستويات تاريخية لمبيعات الأسلحة إلى المنطقة، والتي نتجت عنها إطالة الحروب في اليمن وسوريا.

وكتب مورغان بالومبو وجيسيكا درابر في تقرير لهما لوكالة أجانس غلوبال أنه لم تكن لأي من هذا أي علاقة بمصالح للأميركيين، إلا إذا كان القصد صناعة الأسلحة وجماعات الضغط، الذين كانوا الفائزين الوحيدين في حرب العلاقات العامة التي لا تنتهي في واشنطن.

التحالف الحوثي-الروسي: تجنيد مقاتلين يمنيين للقتال في جبهات أوكرانيا


تسييس الاستخبارات الأميركية: تهديد جديد للأمن القومي في عهد ترامب


حزب الله والحوثيون في صدارة المشهد: تداعيات الهجمات الإسرائيلية على المنطقة


18 مشروعًا عربيًا يتنافس على جائزة إيكروم-الشارقة... ولبنان في الصدارة