قضايا وحريات
قتل البراءة..
ألعاب أطفال اليمن في العيد أسلحة ومناورات
امتلأت الأسواق في المدن اليمنية في الأسبوع الأخير من شهر رمضان بألعاب الأطفال ككل موسم عيد، ويلفت الانتباه انتشار الأسلحة والألعاب النارية الخاصة بالأطفال بشكل كثيف ما يدل على تأثر الحرب على نفوس الصغار الذين يتسابقون على شرائها.
وتتميز الأسلحة البلاستيكية بتشابهها الكبير مع الأسلحة الحقيقة ومع رشاش الكلاشنيكوف والمسدسات الحقيقية، حيث توضع فيها ذخائر مشابهة للذخائر الحية بالإضافة إلى انتشار القنابل الصوتية والمفرقعات التي تصدر انفجارا يقرب من صوت انفجار القنابل الحقيقية.
فلم لم تعد أيام العيد مناسبة تمنح الأطفال في اليمن مشاعر السعادة كما كانت في السابق، فالصغار باتوا ينتهزون المناسبة لممارسة نوع من اللهو يحاكي الكبار في حروبهم ومعاركهم الدائمة بالألعاب النارية التي تشكل خطرا على سلامتهم .
وتطورت ألعاب أطفال اليمن في السنوات الأخيرة لتتراوح بين مسدسات مائية وبنادق قناصة وكلاشنيكوف بلاستيكي، وصارت البنادق لعبة رئيسية في متناول الأطفال يخوضون بها معارك شرسة ومناورات مع أصدقائهم في سلوك وصفه الأخصائيون الاجتماعيون بأنه خطير.
الأطفال يستمتعون في 'لعبة الحرب' بالتخفي والقفز والتصويب كما في حرب الشوارع
ولفتوا إلى أن الكثير من النظريات في علم النفس الاجتماعي تؤكد على دور التقليد والمحاكاة في اكتساب السلوك العدواني لدى الأطفال ولا سيما نظرية التعلم الاجتماعي التي تؤكد أن التعرض لملاحظة نماذج عدوانية يؤدي إلى تقليدهم السلوك العدواني.
وبيّنوا أن انتشار العنف في السنوات الأخيرة مرده تقليد الأطفال لبعض السلوكيات حرفيا وعن طريق الألعاب البلاستيكية باعتبارها وسيلتهم في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم وسلوكياتهم التي تم اكتسابها من الكبار.
ويقول الباحث الاجتماعي ناجي دبوان “للأسف هناك غياب للدور الرقابي بخصوص لجان التفتيش التي لم نلمس لها أي وجود في اليمن، وبالتالي فإن التجار استغلوا سكوت الدولة فقاموا بالمتاجرة بالألعاب النارية نهارا جهارا وأمام الجميع”.
ويتحدث دبوان عن الظاهرة من جوانبها الاجتماعية والنفسية فيقول “عمليات الصراع المسلح تؤثر على شخصيات الأطفال وسلوكياتهم، فيميلون إلى الألعاب القتالية المليئة بمظاهر العنف والرعب.
ليس غريبا أن ترى في اليمن طفلا ماسكا بسلاح بدل قلم، ويحمل جعبة مليئة بالذخيرة والقنابل بدل حقيبة كتبه المدرسية.. إنها ظروف الحرب والنزاعات الدائمة في اليمن تلك التي تدفع بالمئات من الأطفال إلى الوقوف خلف متاريس القتال بدل الاصطفاف أمام فصول الدراسة”.
وتعتمد ألعاب الأطفال الجديدة التي تنتشر بكثرة في الأعياد الأخيرة على إقامة الكمائن والأفخاخ لأصدقائهم، والتخفي خلف إطارات السيارات في الشوارع الفرعية، من أجل صيد الأعداء بواسطة رصاص بلاستيكي.
الصراع المسلح تؤثر على شخصيات الأطفال وسلوكياتهم
ويقوم الأطفال بشراء ذخائرهم البلاستيكية من الأسواق التي توفرها بكميات كبيرة مع حلول الأعياد دون رقيب، رغم أن الجهات الرسمية تقول إن الألعاب النارية ممنوعة وإن ما يدخل البلاد منها يكون عبر التهريب.
ومن لم يشتر رشاشا أو مسدسا بلاستيكيا يصنع لنفسه سلاحا من الكرتون كما فعل الطفل ناظم الذي رفض والده أن يشتري له سلاحا بلاستيكيا فصنع لنفسه كلاشنيكوفا من الكرتون المقوى الذي حصل عليه من الشارع.
ناظم يريد أن يشارك أقرانه في الحارة في لعبة يستمتع فيها بالتخفي والقفز والتصويب كما يقول، وهو ليس الوحيد الذي صنع سلاحه من الكرتون، فهناك
الكثير من أولاد الحارة لا يستطيعون شراء اللعب فيصنعونها بأنفسهم وبطرق مختلفة.
ناظم يقول “أحيانا تدور معارك بين أصحاب الألعاب البلاستيكية وأصحاب الألعاب المصنوعة يدويا، فننتشر في أزقّة الحيّ نضع المتاريس الترابية أو نبحث عن أماكن سرية للاختباء، ولا تنتهي المعركة إلا حين يتعب الجميع أو يحين موعد الغداء أو يسدل الليل ستاره”.
وأصبح الأطفال يفضلون الظهور في العيد ببدلات عسكرية مختلفة ويطلقون على أنفسهم ألقابا عسكرية ويتفاخرون بأسلحتهم، خلافا لما كان عليه الحال في سنوات سابقة من التسابق على الظهور ببدلات رسمية ذات ربطات عنق أو ثياب عربية جاهزة ومفصلة.
يختبئ عبدالسلام، صديق ناظم الذي يطلق عليه رفاقه لقب القائد خلف أحد الجدران حاملا سلاحه الكرتوني منتظرا قدوم أحد الأطفال الذين يلعب معهم لعبة الحرب حتى يقوم بإطلاق الكرات البلاستيكية عليه.
ويتعلم الأطفال تفاصيل هذه اللعبة من خلال مشاهداتهم لما تعرضه القنوات الإخبارية من فصول الحرب الدائرة في اليمن.
انتشار ألعاب بشكل أسلحة مختلفة تستخدم فيها ذخائر على شكل كرات من الخرز أو المعدن ويتم إطلاقها بشكل عشوائي، يشكل خطرا عليهم وعلى المارة. وتسببت هذه الألعاب في إصابات خطيرة لعيون الأطفال.
ويشير الأطباء إلى أن المستشفيات في الأعياد تستقبل مئات الحالات من الأطفال، ذكورا وإناثا، مصابين في عيونهم.
وأكد منصور أن الجمعية طالبت الجهات الرسمية منذ فترة طويلة بمنع استيراد أو بيع مثل هذه الألعاب، سواء الأسلحة بالذخائر للأطفال أو الألعاب النارية، نظرا لأن فرحة بعض الأسر بالأعياد والمناسبات مع أطفالها ربما تتحول إلى كارثة.
وتنتشر في العيد أيضا الألعاب النارية التي يتسابق الأطفال على شرائها، وتشكل خطرا حقيقيا يهدد سلامة أرواح مستخدميها الذين لا يعون أو يدركون الأضرار والمخاطر التي قد تسببها هذه الألعاب.
ويحذر الأخصائيون التربويون من آثار هذه الألعاب على مستقبل الأطفال كونها تنمي العنف، فالأطفال أصبحوا يتفاخرون بحمل الأسلحة ومحاولة استخدامها وإن كانت مجرد ألعاب إلا أنها تعزز ثقافة العنف، فيحمل الأطفال أسلحة آباءهم وأقاربهم كنوع من المفاخرة
وهذه الثقافة تنتشر بشكل كبير في مجتمع اليمني دون التفات إلى عواقبها من قبل المعنيين.