بحوث ودراسات
حرب تقاسم النفوذ الإقليمي على المياه الدولية..
تحليل: تحالف الإخوان والحوثيين.. ابعد من تقويض استقلال الجنوب
يبدو ان المملكة العربية السعودية التي تقود تحالفا عربيا لمنع التمدد الإيراني، في طريقها لخسارة جزء مهم من الجنوب المحرر لمصلحة حلفاء طهران "انقرة والدوحة"، بعد ان فشلت رغم الدعم العسكري والمالي الكبير في حشر الحوثيين في "نطاق الجغرافيا الزيدية"، لاجبارهم على توقيع اتفاقية سلام، تنهي الحرب الدموية التي اقتربت من دخول عامها السابع.
كانت الرياض تعول على حكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، كحلفاء محليين بشرق صنعاء، في تحقيق أي تقدم عسكري ضد الحوثيين على مدى ستة أعوام، بل على العكس استعاد حلفاء إيران المحليون السيطرة على محافظة الجوف الحدودية، وأجزاء من مأرب واقتربوا من مركز المحافظة التي تعد المعقل الرئيس للإخوان التنظيم الحاكم.
لم يجد الإخوان مبرراً للتقدم الحوثي الدراماتيكي واستحواذ ميليشياته على أسلحة ضخمة كانت السعودية قد قدمتها لقوات عسكرية يشرف عليها نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، غير ان مسؤولا عسكريا رفيعا يدعى محسن خصروف، استبق عملية التسليم بالحديث عن رفض السعودية منح قوات مأرب طائرات حربية لمقاتلة الحوثيين.
هذا الحديث اغضب السعودية، مما دفعها لتوجيه عتبها لهادي الذي قام بإقالة خصروف وعزله من منصبه جراء التصريحات التي ادلى بها لقناة اليمن الرسمية التي تبث من الرياض بتمويل سعودي.
ومؤخرا أقرب الحوثيون من السيطرة على مأرب، فيما بدأ الإخوان مرحلة التمهيد للانسحاب نحو حضرموت كبرى مدن الجنوب والغنية بالثروات النفطية وموقعها الاستراتيجي المطل على شريط بحر العرب.
مبرر الانسحاب انجرت خلفه قنوات إخبارية سعودية، ومنها قناة الحدث (النسخة الإخبارية من قناة العربية الأم)، التي تحولت الى منصة للترويج لمشروع الانسحاب من مأرب صوب حضرموت، تحت ذريعة ان هذا الانسحاب هدفه تقويض مشروع استقلال الجنوب، والذي تتبناه تكتلات سياسية ممولة قطريا وإيران، الأول يتزعمه رجل الاعمال النافذ في الرئاسة اليمنية أحمد صالح العيسي والأخر يوالي إيراني ويتزعمه نجل حسن باعوم "فادي"، بالإضافة الى تكتل يتزعمه أحمد الميسري وصالح الجبواني، وهما وزراء في حكومة هادي، وهذا التكتل تحركه المخابرات التركية، التي تنشط في محافظة شبوة.
وبدأ واضحاً ان المشروع الذي تنفذه هذه التكتلات السياسية التي ترفع شعار الولاء للرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، ليس هدفه تقويض مشروع استقلال الجنوب الذي يتبناه المجلس الانتقالي الجنوبي، بل يهدف إلى تحقيق مشروع تقاسم النفوذ بين إيران من جهة وقطر وتركيا من الجهة الأخرى.
وتحقيق هذا المشروع يعني ان السعودية خارجة من مولد اليمن بلا حمص، لكن هذه الخسارة قد لا تعفي الرياض من تحمل تبعات الحرب التي تدور رحاها منذ ست سنوات، وان كانت نتائجها ليست في مصلحة قائدة التحالف العربي.
تقدم حكومة هادي مبررات للسعودية، حرف مسار حربها صوب الجنوب، إلى انها تريد حماية آبار النفط من أي تهديد، وأنها بما تمتلك من صفة شرعية، قادرة على الحفاظ على المصالح الإقليمية والدولية، غير ان هذه الحكومة تدرك عدم تعويل المجتمع الدولي عليها وان الدعم الذي كان يقدم لها من بعض الأطراف الإقليمية قد توقف نتيجة تحالفها مع التنظيمات المتطرفة.
السيطرة اليمنية على حقول نفط الجنوب، يعني استمرار تغذية حروب المشاريع الإقليمية، فالرئيس المنتهية ولايته، دعا مرارا الحوثيين للسلام، لكن لم يفعل ذلك مع الجنوبيين، الذين صعد الحرب صوب أبين لإسقاطها على الرغم من توقيعه اتفاقية سلام وهدنة لوقف القتال، لكن يبدو ان الأمور لم يعد في يده، بل في يد الصقور الذين يتحركون وفق ما تقتضيه المصلحة التركية القطرية.
الوحدة اليمنية او الدولة الاتحادية المشكلة من ستة أقاليم كما يقول هادي، تحقيق او الحفاظ على وحدة اليمن على ما كانت عليه قبل الانقلاب الحوثي، تبدو مسألة صعبة التحقيق، لكن المشاريع الأقرب للتحقيق كما تعتقده حكومة هادي هو المشروع القطري التركي الإيراني والمتمثل في مشروع تقاسم جغرافيا بلدي ما قبل وحدة مايو 1990م.
وحكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته تمضي في هذا الخيار، لقد توقفت كل جبهات القتال ضد الحوثيين، باستثناء قبائل مأرب وبعض وحدات الجيش المحسوبة على الجنرال المؤتمري صغير بن عزيز، الذي يقاتل لكي يقدم نفسه حليف مستقبلي للسعودية، لكن وقع المعارك على الأرض يوحي بانه قد يخسر في نهاية المطاف بخسارة السعودية لمأرب عاصمة ومركز عمليات رئيس ضد الحوثيين في شرق صنعاء.
يرى حلفاء الرئيس هادي ان السيطرة على موارد البلد النفطية، وموانئ استراتيجية في شبوة وحضرموت، قد يسهل عليهم عملية تمويل الحرب والحصول على الأسلحة المهربة من القرن الافريقي والجزيرة التركية في الصومال.
كما تمثل أهمية تسليم مأرب او اسقاطها عسكريا من قبل الحوثيين، "قلب طاولة" على السعودية، والتي قد يجبرها ذلك على توقيع مصالحة مع قطر، لكن الأخيرة قد تظل خصما لدودا للإمارات ومصر وربما البحرين، اقطاب المقاطعة الى جانب السعودية.
وبالتالي فالمعركة في الجنوب، لم تكن معركة اجهاض مشروع الاستقلال، بقدر ما هي ابعد من ذلك، انها معركة منح قطر حقها في مشروع تقاسم النفوذ الإقليمي بين الأقطاب الثلاثة "انقرة والدوحة وطهران"، ويبقى السؤال أين السعودية وما هي خياراتها.
تبقى امام السعودية خيارات عدة، من بينها الضغط على حكومة هادي لتنفيذ بنود اتفاق الرياض والية التسريع المعلن عنها مؤخرا، ودعم اتباع الرئيس اليمني الراحل الذين هلم خصومة مع الحوثيين والإخوان، ولكن شريطة وضع تفاهمات مع المجلس الانتقالي الجنوبي، لأن أي استراتيجية لا تضع في الحسبان مستقبل الجنوب، ستفشل لا محالة.
وبالتالي فمصالح اقطاب التحالف العربي تظل على كف عفريت في ظل التدخلات الإقليمية السافرة، والانقسام السعودي الواضح، وهو الانقسام الذي تجري معالجته ببطء شديد.
معالجة الانقسام - كما يبدو- بدأت بإقالة قائد القوات المشتركة السعودية، لكن وفق العديد من التقارير تظل ناقصة ان لم تطال السفير محمد آل جابر، الذي يرى كثيرون انه يمثل حجر عثرة امام أي تقدم ضد الانقلابيين الحوثيين، لارتباطاته التجارية والاقتصادية بشخوص يمنية من مصلحتها إطالة امد الحرب والصراع.
-----------------------------------------
المصدر| محررو القسم السياسي في صحيفة اليوم الثامن