تقارير وتحليلات
تورط قطر وتركيا فى تدريب قيادات العمليات النوعية الإرهابية..
تقرير: الحراك المسلح الإخوانى.. هل يبقى مستمراً في القاهرة؟
طفح مجدداً على السطح التنظيم السرى المُسلح للإخوان المسلمين، بعدما صارت الجماعة معزولة عن السلطة؛ حيث أمرت قيادات الجماعة أتباعها بتشكيل خلايا صغيرة، اتخذت لنفسها أسماء مختلفة، لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف مؤسسات الدولة، ورجال الجيش والشرطة، وإحداث حالة من الفوضى فى البلاد.
وبعد سقوط كوادر التنظيم السرى، أثيرت تساؤلات عن مصير الحراك المسلح الإخوانى؟ وهل يبقى مستمراً؟
خلايا إرهابية من رحم الجماعة
مهّد الإخوان المسلمون إحياء عمل التنظيم السرى المسلح عبر حركة «جند الإسلام»، الحركة الدموية التى ظهرت عقب إطاحة محمد مرسى، الرئيس الأسبق من السلطة عام 2013، وأعلنت مسئوليتها عن استهداف مبنى المخابرات الحربية فى مدينة رفح بسيناء.
وتحت شعار «بسواعدنا نحمى ثورتنا»، أعلنت خلية إرهابية أخرى تدعى «حسم» عن نفسها فى ينايرعام 2014، وواجهت الحركة تهماً باعتبارها ذراعاً مسلحة لجماعة الإخوان المسلمين، إذ أفادت التحقيقات فى القضية رقم 724 لسنة 2016، بأن من بين أبرز القيادات المسئولين عن تشكيل «حسم»، هم قيادات «الإخوان» خارج البلاد، ومن بينهم يحيى السيد موسى، وعلى السيد بطيخ، بالاتفاق مع قيادات «الإخوان» داخل مصر حينها، ومنهم محمد كمال، لتنفيذ العمليات النوعية الإرهابية داخل مصر.
وفى 9 أغسطس عام 2014، صدر الحكم بحل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لتعود الجماعة فى ثوب جديد؛ حيث توالت ظهور الخلايا الفرعية الإرهابية، والتى تعد امتداداً للتنظيم السرى لجماعة الإخوان المسلمين، رغم أنها تنفى انتماءها إلى أى تنظيم، وتبدو وكأنها حركات جهادية منفصلة ولم يجمعها رابط تنظيمى واحد.
القضية رقم 420 لسنة 2017، كشفت عن العلاقة بين نشأة وتطور خلايا إرهابية داخل المحافظات بالتنظيم السرى لجماعة الإخوان المسلمين، تبين أن العناصر التى كانت فى اعتصام رابعة العدوية والنهضة من الإخوان المسلمين هى ذات العناصر التى تقوم بتشكيل خلايا إرهابية وترتكب العمليات الإرهابية، لتنطلق منها خلية إرهابية ثالثة تدعى «طلائع حسم» المنبثقة من حركة «حسم».
كما كشفت عن القاسم المشترك بين الخلايا الإرهابية التى ظهرت خلال السنوات الأخيرة، هو تلقى التدريبات القتالية على أيدى قيادات الإخوان الهاربة بالخارج، ودعوتهم باستقطاب جهاديين جدد لاستهداف أكمنة الشرطة واقتحام مبانى السجون.
حركة «حسم» لم تكن الأولى التى خرجت من عباءة التنظيم المسلح السرى لجماعة الإخوان المسلمين عقب الإطاحة بمرسى، إذ سبقتها تنظيم «المقاومة الشعبية» الذى أعلن عن تشكيله فى 14 أغسطس عام 2014، بعد حل حزب الحرية والعدالة بأسبوعين، ليعلن عن وجه التنظيم السرى لتصفية خصومه، حيث أعلن فى أول بيان للحركة تهديدات لرجال الشرطة والجيش، جاءت كالتالى «من التزم من الجيش مكانه فهو آمن، أما من اعتدى فلا يلومن إلا نفسه»، ومن بين إحدى عملياتها اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات عبر تفجير سيارة مفخخة استهدفت موكبه فى 19 يونيو 2015.
وبدأ فى هذا التوقيت ظهور عمليات العمل النوعى بقيادة الإخوانى محمد كمال، القائد الميدانى للجناح المسلح لجماعة الإخوان ولجانها النوعية، عبر عدد من الحركات الإرهابية الجديدة منها «أنصار الإسلام» التى أعلنت مسئوليتها عن هجوم الواحات الذى أودى بحياة 16 من أفراد الشرطة.
ورغم قتل محمود كمال، فى أكتوبر عام 2016، فإنَّ نشاط الخلايا الإرهابية النوعية ازداد حدة، بدأت بمحاولة اغتيال مفتى البلاد السابق، ثم ازدادت وتيرة تشكيل ميليشيات الجماعة وتنامى النشاط المسلح، وكانت أكثرها دموية حركة تدعى «المرابطون» التى أعلنت عن نفسها بتحريض على الجهاد من قبل قائدها هشام على عشماوى، وارتكبت عمليات إرهابية، منها عملية كرم القواديس فى سيناء، وتفجير مقر أمن الدقهلية، مذبحة العريش الثالثة التى راح ضحيتها 29 فرداً.
اتجه التنظيم السرى للإخوان إلى جمع الخلايا الفرعية المسلحة تحت مظلة حركة «المرابطون» التى بدأت تقسيم نفسها إلى مجموعات متفرقة بالمحافظات، مجموعة فى الشمال، وأخرى فى الجنوب، وثالثة بالقاهرة وضواحيها، واعتمدت على تكتيك «الاستخباراتى» داخل المدن والقرى لجمع المعلومات حول أهداف محددة، تمهيداً لتخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية نوعية.
وأحبطت وزارة الداخلية مخططاتهم الإرهابية حين أعلنت عن ضبط 102 من عناصر الإخوان المسلمين، وكشفت فى بيان لها: الإخوان شكلوا خلايا إرهابية فى محافظات البحيرة، الإسكندرية، القليوبية، الجيزة، ونفذت هجمات ضد الجيش والشرطة ومؤسسات حكومية.
نهج «إخوانى» لصناعة الميليشيات
«إن الأمة التى تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب الله لها الحياة العزيزة فى الدنيا والنعيم الخالد فى الآخرة، وما الوهن الذى أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعدوا لأنفسكم لعمل عظيم».. بهذه الكلمات أوصى بها المرشد الأول للإخوان المسلمين حسن البنا جماعته ليضع أول بذور عمل الجناح السرى المسلح.
الجناح المسلح السرى عُرف به جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1948، منذ تنفيذ عمليات اغتيال طالت خصوم الجماعة لعل أبرزها اغتيال رئيس الورزء النقراشى باشا؛ لأنه أمر بحل الجماعة، واغتيال أحمد ماهر، رئيس الوزراء. ومن ثم انكشف الجناح العسكرى للجماعة، المسئول عن تنفيذ العمليات الإرهابية.
نهج «ميليشيات التنظيم السرى» لم يغب عن الجماعة، إذ تتخذ أذرع مسلحة لها غطاء لتنفيذ مخططاتها عقب ثورة 30 يونيو، لتصفية خصومها عبر سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات.
وعل غرار ما قامت به زينب الغزالى، مؤسسة التنظيم السرى لنساء الجماعة عام 1937، تم تشكيل خلية نسائية بقيادة محمود عزت، القائم بأعمال مرشد الجماعة؛ حيث فجرت عمليات تفكيك الخلايا الإرهابية وجود عناصر من بين زوجات وشقيقات القيادات الإخوانية الضالعة فى مجال استقطاب عناصر للخلايا النوعية، وفجرت نيابة أمن الدولة العليا فى القضية رقم 202 لعام 2013، مهام الخلية النسائية بقيادة محمود عزت، تتمثل فى استقطاب عناصر نسائية، وضمهن للتنظيم بهدف استغلالهن فى نقل التكليفات الصادرة من التنظيم الخاص، والموجهة إلى كوادر الجماعة لتلافى الرصد الأمنى.
و إحياءً لوصية «صناعة الموت» لحسن البنا، تأسست خلايا نوعية إرهابية، تختلف فى تشكيلها عن الهيكل التنظيمى الهرمى لجماعة الإخوان، فكل خلية تضم عدة مجموعات: مجموعة للرصد تقوم على جمع المعلومات فقط، ومجموعة أخرى مدربة على صناعة المتفجرات تقوم بتنفيذ العملية الإرهابية. على أن تتبع خلايا عنقودية، كل خلية لا تعلم عن بقية أعضاء الخلايا الأخرى شيئاً، وهو ما اتضح فى اعترافات محمود الأحمدى، أحد عناصر الخلية النوعية بمحافظة الشرقية، والذى لم يكن يعلم أن شقيقه محمد الأحمدى هو قائد الخلية، الذى سافر إلى غزة لتلقى التدريبات على صنع المتفجرات.
وفى هذا السياق، كشفت لجنة التحفظ على أموال جماعة الإخوان، عن دعم وإعداد قيادات إخوانية لعناصر الحراك المسلح السرى للجماعة، كما كشفت عن ضلوع قيادات الإخوان داخل البلاد بالتعاون مع قيادات الجماعة الهاربة بالخارج، فى توفير الدعم اللوجستى للإنفاق على الحراك المسلح للجماعة وأذرعها بالداخل، والمتمثلة فى حركتى «حسم» و«لواء الثورة».
أيادٍ خارجية ترعى «صناعة الموت»
عدة دلائل وبراهين حول دور الجناح العسكرى للجماعة فى ضخ عناصر إرهابية مدربة على فنون القتال وصنع المتفجرات، إلى داخل وخارج مصر، مستعيناً بالحرس الثورى الإيرانى، المصنف على قائمة المنظمات الإرهابية، وفقاً لخزانة الولايات المتحدة فى 15 أبريل عام 2019، إذ كشف تقرير حديث صادر عن المركز البريطانى لبحوث مراقبة التسلح Conflict Armament Research عن دعم إيران لجماعة الإخوان المسلمين، من خلال تدريب مجموعة متمركزة على الحدود الغربية لمصر، تعرف باسم «جيش مصر الحر»، وهو تنظيم يتكون من عناصر إخوانية هاربة قد تم توزيعهم للقتال فى سوريا. كما كشفت أن عناصر من «فيلق القدس»، قاموا بتدريب مجاميع تابعة للإخوان المسلمين الهاربة فى السودان بهدف مهاجمة مصر من الجنوب.
العلاقات المشبوهة التى تربط بين الإخوان المسلمين وإيران بدأت على يد الخمينى وحسن البنا واستمرت حتى الآن، وتوطدت العلاقات بين إيران والإخوان بشكل رسمى عقب وصول الرئيس المعزول محمد مرسى للحكم، عندما سافر إلى إيران فى أغسطس عام 2012، ليصبح أول رئيس عربى يزور إيران منذ ثورة الخمينى فى عام 1979، فضلاً عن محاولة استنساخ النموذج الإيرانى فى الحكم، من خلال إدارة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين جميع شئون الدولة الاقتصادية والأمنية والسياسية.
وعقب سقوط حكم الإخوان المسلمين، استمرت العلاقة بشكل غير رسمى من خلال تمويل أذرع التنظيم السرى للإخوان المسلمين، فضلاً عن علاقات بدول إقليمية آخرى راعية للإرهاب كتركيا وقطر، حيث كشفت القضية المعروفة إعلامياً بـ«الخلايا النوعية التابعة لجماعة الإخوان»، عن تورط قطر وتركيا فى تدريب قيادات العمليات النوعية الإرهابية فى مصر.
وحول العلاقة الخفية بين الإخوان المسلمين والدول راعية للإرهاب، يرى محمد عبدالمعنم، الباحث فى شئون حركات الإسلام السياسى، أن الدعم الإيرانى التركى المتواصل لأذرع جماعة الإخوان المسلمين يستند إلى علاقة المنفعة المتبادلة، مشيراً إلى أن التنظيم السرى للجماعة تمكن من إدارة وتنفيذ عمليات إرهابية بفضل الدعم الخارجى بما يشمل التدريب والتجهيز العسكرى والتعاون الاستخباراتى.
كما أوضح أن دولة قطر تعد الملاذ الآمن للقيادت الإخوانية الهاربة، فضلاً عن إنشاء مكتب القيادة العامة لتنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين فى تركيا.
مصير الحراك المسلح الإخوانى
وعن مصير الحراك المسلح الإخوانى، بعد سقوط رأس التنظيم السرى، محمود عزت، الذى يتولى التنسيق بين أعضاء الجماعة بالخارج والداخل باعتباره القائم بأعمال المرشد، يقول «منعم»، قد يتجه إلى ارتكاب عمليات فردية عشوائية بتمويل ذاتى، وهو ما يؤثر فى الهيكل التنظيمى للخلية الإرهابية، ويحولها إلى مجموعات متفرقة فوضوية الأهداف، ما يسهل سقوط واحد تلو الآخر فى آيدى الأمن، أو قد يحاولون الهرب بشكل فردى للبحث عن ملاذ آمن لتدريبهم وإعادة صناعتهم ضمن جيوش الخلايا النائمة للجماعة.
بينما توقع إبراهيم ربيع، الباحث فى شئون الجماعات الإرهابية، سكون الخلايا النوعية الإرهابية فترة طويلة، خاصة بعد تقلص التمويل؛ نظراً إلى سقوط كوادر التنظيم السرى للجماعة سواء بالقبض عليهم أو تصفيتهم على يد قوات الأمن، محذراً من محاولات خلايا فرعية أن تنمو بعد مرحلة السكون، لتحل محل التنظيم السرى الأم، وتقوم بدمج ما تبقى من عناصر الخلايا النوعية، خاصة أنهم كانوا على صلة وثيقة بمنهج العمليات الدموية للإخوان فى مراحل تكوينهم الأولى، ما يدفعهم إلى الاستعداد للقيام بعمليات انتحارية على شاكلة ما قام به التنظيم السرى.