تقارير وتحليلات
بوادرُ الأمل والتحديات..
تقرير: محافظ عدن.. هل ينقذ العاصمة من وطأة الانهيار شبه الكامل؟
في التاسع والعشرين من يوليو/تموز 2020، صدرَ قرارٌ للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قضى بتعيين الأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي، أحمد حامد لملس، محافظاً لمحافظةِ عدن، إلى جانب مديراً لأمن المحافظة، اللواء الحامدي. قرارُ تعيين لملس جاء بالتزامن مع مفاوضاتٍ مكثفةٍ بينَ المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون، بالعاصمة السعودية الرياض.
وكانَ تعيينُ لملس أولى خطوات تنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض بين الطرفين، ليكون فيما بعد الخطوة العملية الوحيدة من هذا الاتفاق، اعقبها فتورٌ تام في المفاوضات وتأزمٌ حاد، علّقَ الانتقالي الجنوبي على إثره مشاركته في اتفاق الرياض بعد شهرٍ واحدٍ، بسبب ما أسماه استمرار خروقات وقف اطلاق النار التي تقوم بها القوات المحسوبة على الحكومة اليمنية في محافظة أبين، وتردي الوضع الخدمي والمعيشي وانقطاع المرتبات في المحافظاًت الجنوبية.
لملس.. رجلُ المرحلةِ
قُوبلَ قرارُ تعيين لملس محافظاً لعدن بفرح وتفائل جماهيري كبير، إذ رأى مواطنو عدن في تعيينه بارقةَ أملٍ لانتشالهم من جحيم المعاناة غير المسبوقة في المحافظة، فبين خدماتٍ تكاد عند مستوى الصفر، ووضعٍ إنساني وخيم جراء انقطاع المرتبات وانهيار العملة وغلاء الأسعار، بالإضافة إلى الفساد المستشري في جميع قطاعات ومرافق الدولة، يعيش مواطنو عدن أزمة إنسانية واقتصادية حادة انعكست بشكل مأساوي على كافة مظاهر حياتهم.
تطلّبَ وضعُ عدن الاستثنائي إدارة جديدة لها، وهو المطلب الذي تمسك به الانتقالي الجنوبي ضمن الشق السياسي من اتفاق الرياض، ليُترجمَ على أرض الواقع بتعيين لملس محافظاً لعدن، والأخير عمل مديراً عاما لثلاثٍ من مديريات عدن في وقت سابق، ومحافظاً لمحافظة شبوة، قبل أن تتم اقالته لأسابٍ سياسية. وهذه العوامل مجتمعة في شخص لملس بالإضافة إلى مركزه البارز في الانتقالي الجنوبي، جعلته رجل المرحلة والرجل المناسب في المكان والزمان المناسبين، بالنسبة للسواد الأعظم من سكان عدن.
التحديات
عدن مدينةٌ ساحليةٌ واقعةٌ على خطِ الاستواء، تتميزُ بجوها الحار ورطوبتها العالية التي تصل إلى مستويات قياسية في فصل الصيف، تعرّضت هذه المدينة لتدمير شبه كلي مع اندلاع حرب 2015، والتي كانت عدن إحدى أهم بؤر الصراع والقتال فيها، بين المقاومة الجنوبية - أبناء عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة - وجماعة الحوثيين وحلفاءها من المؤتمر الشعبي العام القادمون من شمالِ اليمن. أفرزت حرب 2015 عدنً أخرى مدمرة البنى التحتية بشكل شبه كامل، وتنتشر فيها الجماعات والفصائل المسلحة، قبل أن يتحسن وضعها الأمني عبر قوات الحزام الأمني وقوات أمن عدن بدعم من دول التحالف العربي، لكنّ وضع البنى التحتية في عدن ظل عند نفس المستوى.
محطاتُ الكهرباءِ في عدن تعرّضت للتخريب والتدمير بفعل الحرب، وإلى النهب وبيع القطع والآلات من قبل عصابات وقوى نفوذٍ في المحافظة، وهو ما جعل أهم خدمة في عدن على الاطلاق في مهب الريح تتكرر مأساتها كل عام مع دخول موسم الحر الذي يستمر لأكثر من 7 أشهر.
تُشكّلُ الكهرباءُ إحدى أكبر المعضلات والمشاكل التي يواجهها مواطنو عدن كل عام، وعلى الرغم من الوعود التي قدّمتها دولُ التحالف العربي، لم تشهد كهرباء عدن أي تحسن ملحوظ حتى الآن. أمّا حكومة هادي "الشرعية" فوقفت موقف الصامت والمتفرج أمام معاناة سكان عدن، وتخلت عن مسؤوليتها أمام مواطني هذه المحافظة المنكوبة خدمياً، فضلاً عن مساعيها لإبقاء المدينة تحت وطأة الانهيار شبه الكامل. وطيلة ما يتجاوزُ 5 أعوامٍ تعاقب فيها على منصب محافظ عدن قبل أحمد لملس 4 محافظون، لم يرَ ملف كهرباء عدن النور بعد.
الكهرباء ليست مشكلةَ عدن الوحيدة، فهنالك إلى جانبها تسير بخط متوازٍ مشاكلٌ وملفاتٌ أحالت حياة الناس إلى ما يُشبه الجحيم، المياه ومشكلة تدفق مياه الصرف الصحي (المجاري)، تكسّرُ وتدمّر الطرقات الرئيسية والفرعية، انتشارُ الأمراضِ والأوبئة القاتلة وانهيار الوضع الصحي، النهبُ المنظمُ للمتلكات العامة والخاصة وبالأخص نهبُ الأراضي، الفسادُ واختلاسُ المالِ العام واستغلال المركز الحكومي للمنافع الشخصية في معظم الأحوال. كلُ هذا وقف بجانب كهرباء عدن ليشكّلَ ما يشبه الجدار الضخم الذي تهاوتْ عليه آمالُ العدنيين وتحطّمتْ عليه إداراتٌ نزيهةٌ، لعلّ أبرزها إدارة محافظ عدن السابق، عبد العزيز المفلحي، الذي استقال في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، بسبب ما أسماها كتائب الفساد المحصّنة التي تسرق الماءَ من أفواه الناس في عدن والضوءَ من أعينهم.
لملس يحارب
مع إنَّ تعيينه تم في مستهلِّ شهر أغسطس/آب، إلا أنّه لم يصل عدن إلا في السابع والعشرين من الشهر نفسه. لملس ألقى خطاباً فور وصوله دعا فيه إلى"وحدة الصف في عدن ونبذ الخلافات والسعي لإنقاذ المدينة"، وأكّدَ أنّ من ضمنِ أولوياته توفير الخدمات لأبناء عدن الذين ذاقوا الويلات نتيجة نقص الخدمات إثر الحروب والصراعات التي شهدتها عدن، وقال "إنَّ لدينا دعماً تنموياً من الأشقاء في البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن ودعماً حكومياً للتنمية في عدن". وحثّ لملس "كل الأطراف على تناسي خلافاتها والعمل بصورة مشتركة"، مؤكداً أنّ "المدينة تحتاج إلى جهد الجميع".
وفي فترةٍ وجيزةٍ وقياسيةٍ، اتخذَ لملس قراراتٍ وُصفت بالشجاعة والكبيرة. في 19 من الشهر الجاري سبتمبر/إيلول، أصدرَ لملس قرارً بإقالةٍ جماعيةٍ لمدراء عموم مديريات عدن الثمان واستبدالهم بآخرين، وفي اليوم نفسه أصدر لملس قرار بإقالة المدير العام للمؤسسة المحلية المياه والصرف الصحي، فتحي السقاف، وتعيين المهندس محمد باخبيرة بديلا عنه. وفي 23 من ذات الشهر، زارَ لملس مستشفى 22 مايو العام في مديرية المنصورة بعدن، أعقبه قرار بتوقيف إدارة المشفى وإحالتها للتحقيق، وتكليف الدكتور أحمد باحميد بالقيام بأعمال مدير عام المشفى وتسيير أعماله.
شهدت عدن أيضاً عدداً من المشاريع التنموية ومشاريع إعادة تأهيل البنى التحتية مثل مشروع إعادة تأهيل الخط البحري الرابط بين مديريتي خور مكسر والمنصورة بعدن، ومشاريع حفر آبار جوفية للمساهمة بتخفيض معاناة المواطنين في عدن جراء أزمة المياه المتفاقمة. ومن المفترض أن تتوسع دائرة المشاريع التنموية والخدمية في عدن خلال الأيام القادمة بدعم وتعاون من البرنامج السعودي لإعمار اليمن وجهات مانحة إقليمية ودولية أخرى.
ماذا بعد؟
في الوقت الذي يخوض فيه أحمد حامد لملس حرباً ضروساً لأجل تطبيع الوضع في عدن، وإنقاذ الناس، تجري في بوابة عدن الشرقية – محافظة أبين - معركةٌ عنيفةٌ وداميةٌ بين القوات الجنوبية المدافعة عن عدن، والقوات الحكومية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، والأخيرة استخدمت أسلوب التعبئة الدينية والعقائدية في سبيل هدفها لاجتياح مدينة مثخنة بالجراح، يعاني أطفالها كل ليلة للحصول على نسمة هواء باردة تساعدهم على النوم بسلام.
طرفٌ يدافع عن عدن بيد ويحاول إصلاح وضعها بيد أخرى، وآخر يريد فتحها فتحاً إسلامياً على طريقة خيبر والقسطنطينية. تنتظر عدن ويتطلّع أهلها للسماء بانتظارٍ القادم والمجهول، يحدوهم الأمل بالإدارة الجديدة ولكن هذا الأمل ما يلبث أن يخفت عند صراخ الأطفال في جنح الليل، وحين تلفح حرارة عدن الشديدة جبينَ كهل - كان في يومٍ من الأيامٍ قائداً في أعتى جيوش الجزيرة العربية - يعتصم منذ أكثر من شهرين أمام بوابة معسكّر السعودية، للمطالبة بمرتب لا يكاد يفي بنص متطلبات الحياة الكريمة.