يقول مثل عربي قديم: "اكتب الإساءة على الرمال، وانحت المعروف على الصخر". ومع بقاء ثلاثة أشهر فقط على انتهاء عام 2020، فليس هناك أدنى شك في أنه عام غير مجرى التاريخ والإنسانية نفسها، ما أجبر الحكومات والأفراد على مراجعة دورهم ووضعهم.
في المملكة العربية السعودية، كان إغلاق الحدود يعني اضطرار المواطنين والمقيمين الأجانب إلى البحث في بلادهم عن الترفيه ومتنفس بعيدًا عن الوباء، وقد أخذهم البحث عن ذلك إلى رحلة استكشاف.
لسنوات، كانت المملكة العربية السعودية منغلقة تمامًا أمام العالم الخارجي. كما أن جزءًا كبيرًا من البلاد كان منغلقًا نسبيًّا أمام العديد من مواطنيها.
وعلى عكس المراكز السياحية الأكثر رسوخًا في المنطقة، مثل الإمارات العربية المتحدة أو عُمان، كانت المملكة دائمًا متحفظة بشأن تسويق نفسها، غير أن الوباء غيَّر ذلك كله، وأنتج طفرة هائلة في السياحة الداخلية وازدهارًا كبيرًا للفنون والحياة الثقافية.
وقد شجعت حملة "الصيف السعودي" المواطنين على استكشاف المنتجعات الشاطئية والجبال والمواقع الأثرية التي، إن لم تكن على مقربة من منازلهم، فهي على الأقل في متناول أيديهم. فلم يُسمع من قبل عن الإبحار كخيار لقضاء الإجازة، ولكن الرحلات البحرية في البحر الأحمر أثبتت أنها حققت نجاحًا كبيرًا، حيث يستكشف السياح الساحل البكر ويستمتعون به مع نجوم الغناء البارزين، كل ذلك مع بقائهم في أمان بالقرب من منازلهم.
أدى الترويج للثقافة المحلية من منظمات، مثل مركز الملك عبد العزيز للثقافة العالمية، إلى إحضار "رجال الزهور" المنعزلين من المحافظات الجنوبية في جيزان وعسير إلى المدن الرئيسية خلال المهرجانات الوطنية مثل اليوم الوطني، لاستعراض الفن القديم لصناعة أكاليل عجيبة غير مألوفة ومعقدة من الزهور، ويعود تقليد رجال القبائل الذين يرتدون الأكاليل الملونة– احتفاءً بالطبيعة وتقاليد أخرى– إلى قرون.
ومع ذلك، فإنه لا يزال غير معروف حتى لدى الكثير من السعوديين. وجاء الموقف المتساهل تجاه ما ترتديه المرأة السعودية، مع خروج بعض النساء في الأماكن العامة دون العباءة، كجزء آخر من حملة ربط المجتمعات المختلفة في البلاد.
وتعد الثقافة مكوِّنًا أساسيًّا في خطة إصلاح المملكة (رؤية 2030)، إذ يقول موقعها على الإنترنت "تُعد الثقافة والترفيه من مقومات جودة الحياة، وندرك أن الفرص الثقافية والترفيهية المتوفرة حاليًا لا ترقى إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، ولا تتواءم مع الوضع الاقتصادي المزدهر المزدهر الذي نعيشه"، ثم يحدد برنامجًا طموحًا لمعالجة القصور، وتعهد بتخصيص الأراضي لإقامة المشروعات الثقافية من مكتبات والمتاحف وفنون وغيرها، كما سيدعم الكتّاب والمؤلفين ومخرجي الأفلام وغيرهم من المبدعين.
وقد رُشِّحَت المملكة العربية السعودية هذا الشهر لعضوية لجنة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي لأول مرة. وفي وقت سابق من هذا العام، جرى تعيين الموسيقية السعودية "جهاد الخالدي" رئيسًا تنفيذيًّا لهيئة الموسيقى السعودية التي تم تشكيلها حديثًا.
وحصل المشهد الفني السعودي على دفعةٍ كبيرة في يوليو الماضي بعد صدور مرسوم ملكي بتوجيه جميع المكاتب والهيئات الحكومية بعدم اقتناء الأعمال الفنية لغير الفنانين السعوديين. ولم تجد هذه المكاتب نقصًا في التنوع، من فن الشارع إلى الفن الكلاسيكي والتجريدي، الذي أبدعه السعوديون من جميع الأعمار.
كانت إحدى فوائد شهور حظر التجول أثناء فيروس كورونا هو الظهور الذي تمتع به الفنانون السعوديون عبر عدد كبير من المسابقات الفنية والمعارض الافتراضية التي تم الترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أدى الطلب المتزايد من "الملتزمين بالبقاء في المنزل" إلى إجبار المؤسسات على تقديم برنامج موسع، حيث تم أخيرًا التعرف على مساهمات الرموز الثقافية التي تعود إلى الستينيات وتوثيقها بشكل صحيح. في الواقع، لقد جعل الوباء المملكة تتطلع إلى الداخل بحثًا عن الإلهام، ما مكَّنها من خوض المزيد من المخاطر الإبداعية.
لكن هل سيستمر هذا بمجرد فتح الحدود مرة أخرى؟ لا يزال السفر إلى الخارج يحمل جاذبية أكبر، وقد أعلنت المملكة هذا الشهر عن استئناف بعض الرحلات الدولية، وسيتم إعادة فتح الحدود بالكامل في الأول من يناير. ومع ذلك، ومع كل الاختبارات والحجر الصحي والأوراق الإضافية المطلوبة الآن، لن يكون السفر سهلًا كما كان من قبل، فضلًا عن التكاليف المالية غير المعقولة.
لقد أثرت جائحة فيروس كورونا على جميع المجالات فلم تعد أي صناعة كما كانت من قبل. وبعد مراجعة الأولويات، باتت المساءلة والاعتمادية أكثر أهمية من أي وقت مضى. لقد كشف الوباء أيضًا عن المزيد من العناصر الأساسية الحقيقية للمجتمع، ومنها: الممارس الطبي، والفرق اللوجستية التي تدير عمليات التسليم، والصحفي الذي ينقل المعلومات الدقيقة للجمهور، وخبراء تكنولوجيا المعلومات.
وإلى تلك القائمة، ينبغي أن نضيف الفنانين والمرفهين، ليس فقط لأن لديهم القدرة على رفع معنوياتنا أو جعلنا نضحك، ولكن لأن لديهم طريقة أخرى في التفكير، فهناك حاجة الآن إلى مفكرين مبدعين بشكل لم يسبق له مثيل؛ لأن في الأوقات العصيبة، لا يوجد شيء اسمه فكرة سيئة.