تقارير وتحليلات
الإسلام السياسي في قفص الاتهام..
تقرير: مواجهة دعاة التطرف من قبل حكومات أوروبا.. هل هو كاف؟
عرفت العلاقة بين الإسلام والغرب منعطفات كثيرة في العقود الماضية لكن أحداث 11 من سبتمبر/أيلول 2001 مثلت المنعطف الأكبر حيث كشفت حجم تغلغل التطرف والتكفير ليس فقط داخل المجتمعات العربية والمسلمة ولكن داخل الجاليات المسلمة سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة.
وبالرغم من ان العلاقة بين أوروبا والإسلام ليست حديثة لكن تلك العلاقة تغيرت بشكل كبير في السنوات الماضية بسبب صعود التنظيمات الإسلامية او ما اصبح يعرف "بالاسلام السياسي".
ومن ابرز الامثلة على تحول النظرة الغربية تجاه الاسلام ما يحدث في ألمانيا اليوم، حيث يدعو حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف إلى فرض حظر على النقاب والمآذن، ويرى أكثر من نصف الألمان الإسلام تهديدا.
وبالعودة إلى فترة ما بين الحربين العالميتين، تفاخرت برلين بطبقة مثقفة من المسلمين ولم تقتصر على المهاجرين والطلاب من جنوب آسيا والشرق الأوسط، بل شملت الألمان الذين اعتنقوا هذه الديانة، حيث كان الإسلام في تلك الفترة يمثّل شكلا من أشكال الثقافة الروحانية بعيدا عن الاستغلال السياسي.
كما ساهمت الجاليات المسلمة بعد الحرب العالمية الثانية في إعادة اعمار فرنسا ولم ينظر اليهم الفرنسيون بنظرات الارتياب التي يعاني منها أحفادهم اليوم بفعل المتغيرات الجيوسياسة.
وبعد عقود من قبول المجتمعات الغربية للإسلام المتسامح أصبحنا نشاهد تغيرا دراماتيكيا في نظرة أوروبا عامة للإسلام والمسلمين داخل أراضيها، فبعد أن مثلوا شريكا مجتمعيا لا غنى عنه تحولوا إلى مصدر قلق للأنظمة الاوروبية.
الإسلام السياسي في قفص الاتهام
وتغير النظرة من قبل اوروبا والعالم الغربي تجاه الاسلام عموما لم يكن وليد اللحظة بل هو نتاج لظهور تنظيمات الاخوان المسلمين والسلفيين او ما يعرف بتنظيمات وافرع الاسلام السياسي.
وما عرفته المجتمعات العربية منذ الستينات من صراع بين تيارات الاسلام السياسي والانظمة انعكس على المجتمعات المسلمة في اوروبا حيث هاجرت تلك التنظيمات وتلك الافكار لتعشش في مساجد اوروبا.
وعوض ان تعمل تلك التنظيمات على تحقيق اندماج بين تلك الجاليات المسلمة والمجتمعات الغربية عملت عكس ذلك على فرض مزيد من العزلة خاصة وان ما يجمع تنظيمات الاسلام السياسي هو أيديولوجيا غير ليبرالية مشتركة لا تحترم القيم العالمية ولا تتبناها ولا تؤمن بفكرة القيم الانسانية.
واحتكرت تنظيمات الإسلام السياسي في أوروبا منذ عقود تمثيل الدين الإسلامي في الدول الغربية عبر شبكة جمعيات ومنظمات شاركت الحكومات الأوروبية نفسها في دعمها وتعزيز نشاطها على أراضيها في إطار قيم حرية المعتقد والتعايش السلمي.
وفي بعض الأحيان استغلت الدول الغربية التنظيمات المتشددة على اراضيها في محاولة للضغط على الأنظمة العربية بحجج حقوق الإنسان إلا أن تلك التنظيمات استثمرت ذلك في اختراق الجاليات المسلمة واستغلالها في تمرير أجنداتها السياسية التي تعادي قيم المجتمعات المستضيفة في الخفاء وتناصرها في العلن.
ولا ينفي مراقبون ان الغرب وخاصة الولايات المتحدة الاميركية منحت السلطة في عدد من الدول العربية الى تنظيمات وأحزاب الاخوان بعد نجاح ثورات الربيع العربي ما ادى في النهاية الى انتشار التطرف والارهاب على حدودها ليصل الى داخل أراضيها بمساندة دول اقليمية.
وتحول عدد كبير من المساجد في اوروبا الى فضاءات لتعليم الانعزالية الاسلامية ورفض قيم المجتمعات الغربية بحجة تناقضها مع الاسلام وهو ما صعب عملية الاندماج.
وتبعا لذلك تنامت شبكة المساجد والجمعيات والمنظمات الإسلامية بشكل واضح في كافة المدن الأوروبية حتى بلغ عدد المراكز المنتشرة في ألمانيا وحدها على سبيل المثال ما يزيد على 30 مركزا رفعت شعار رعاية شؤون الجالية المسلمة، قبل أن تفتضح مناورات هذه التنظيمات التي تمثل النواة الأساسية لانتشار الفكر المتطرف داخل هاته المجتمعات.
وفي الآونة الأخيرة صدم العالم الغربي بحجم خطاب العنف والتطرف ورفض القيم الغربية في المساجد داخل اوروبا بل ووصل الامر لتتحول بعض المنابر الدينية الى منابر دعاية لصالح التطرف
وواجهت اوروبا في السنوات الماضية ملف تجنيد ابناء الجاليات المسلمة وحتى مسلمين من اصول غربية للالتحاق بالتنظيمات المتشددة في بؤر التوتر خاصة سوريا والعراق.
لكن الظاهرة ليست جديدة فمع ظهور تنظيم القاعدة في أفغانستان منذ أواخر السبعينات وطوال فترة الثمانينات، تم تجنيد عدد من ابناء الجاليات المسلمة وان كان ليس بنفس الوتيرة في السنوات الحالية بدعوى مقاومة الاتحاد السوفييتي، ما تحوّل من بعدُ إلى مقاومة ما سمي في أدبيات الجهاد بـ”العدو البعيد”، أي المجتمع الغربي نفسه.
ولم يحاول الغرب حينها التصدي لبداية انتشار الفكر المتطرف لانه في النهاية يصب في صالح صراعه مع المعسكر الشرقي.
وفي محاولة للتشديد على الهوية الإسلامية بالمجتمعات الغربية، نشأت مجتمعات موازية للجاليات والأقليات المسلمة، التي أصبحت لها نظمها وتقاليدها الخاصة، مطبقة الشريعة الإسلامية التي لا تتوافق مع الثقافة الأوروبية.
وأنتجت تلك المجتمعات الموازية المنغلقة مجموعات شديدة التطرف ساهمت في تشويه الاسلام وبقية المسلمين الراغبين في عيش بسلام وفق القيم والمنظومة الغربية.
ويقول سونر جاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن إن مهاجمة الإسلام، ولا الإسلام السياسي، أمر خطير، فهي تغذّي فقط فكرة “صراع الحضارات” التي تنادي بها جماعات مثل تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية اللذين يستغلان مثل هذه الانقسامات.
من خلال وصفنا لجميع المسلمين كإسلاميين فإننا نمنح فقط مصداقية لنظرتهم الخاصة للعالم
ويضيف جاغابتاي "من خلال وصفنا لجميع المسلمين كإسلاميين، فإننا نمنح فقط مصداقية لنظرتهم الخاصة للعالم من خلال الإيحاء بأن الإسلاميين هم الممثلون الوحيدون للإسلام”.
ويتابع "الإسلام لا يعني الإسلام السياسي، بل إن الإسلام هو الإيمان، والإسلام السياسي هو أيديولوجيا متطرفة وعنيفة أحيانا وغير تاريخية تسعى إلى كسب شرعيتها عبر الإسلام وتركّز جهود التجنيد التي تقوم بها على المسلمين".
ضرورة ايقاف نزيف التطرف
ورغم ان عددا من الدول الغربية أصبحت أكثر وعيا بخطر التطرف حيث مثلت الهجمات الإرهابية الاخيرة في فرنسا والمانيا والنمسا دافعا لاصدار قوانين أوروبية موحدة لمواجهة التطرف اضافة الى ترحيل عدد من المتشددين وغلق بعض الجمعيات والمساجد التابعة للاسلام السياسي لكن ذلك يبقى غير كاف.
ويرى باحثون أنّ أبرز التحديات التي تواجه المسلمين في أوروبا تتمثل في إشكالية تربية الشباب المسلم والمحافظة على هويته المتعددة الأوجه، من دون إغفال المسارات التي تجذب الشباب نحو التطرف والانغلاق أو نحو الانحراف والضياع ورد الاعتبار للتأطير العائلي.
ويواجه المسلمون في أوروبا تحديات كثيرة، خاصة في الزمن الراهن الذي اشتبكت فيه عناصر دينية وسياسية بشكل غير مسبوق، فأصبح الإسلام ورقة سياسية توظفها أطراف تزعم تمثيله، وأخرى تدعي أنها تنوب عن المجتمعات الأوروبية وحمايتها منه.
ودفعت العولمة بجميع مكونات هذه الظاهرة إلى أقصى مدى، إذ لم يعد زوال الصفة الإقليمية يرتبط بانتقال الأشخاص فقط، بقدر ما بات يرتبط بانتقال الأفكار والمواد الثقافية، حيث أثبت قدرة التيارات المتطرفة على استقطاب جزء من الشباب وشحنهم بأيديولوجيا الكراهية والعنف.
وقال الباحث الباكستاني شيما خان بعد اعتداءات 11 سبتمبر2001 بنيويورك وواشنطن، ذلك عندما حذّر من مغبة “اختطاف الإسلام”، إذ تم الانتقال من مرحلة الحركات الإسلامية (الدعوية والسياسية) إلى ركوب الحركات المتطرفة موجة الاختطاف بترسانة أيديولوجية عنيفة أغرقت بقاعا غير قليلة من عالميْ الإسلام والغرب في غياهب التطرف والتطرف العنيف.
ويرى مراقبون انه لا يمكن تغيير نظرة الغرب تجاه الإسلام والمسلمين دون العمل وفق مبادئ مشتركة تنهي الازمة وتعيد النظرة السابقة للإسلام كديانة تحظ على الإيمان والتسامح بعيدا عن الاستغلال السياسي.