تقارير وتحليلات
وضع حدٍّ للأزمة المتفاقمة جراء الحرب الدائرة على مدار نحو 6 أعوام..
تقرير: ماهي مآلات تشكيل حكومة المناصفة الجديدة برعاية السعودية
بصيص من أمل بات يلوح في الآفق متسللاً إلى الواقع اليمني شديد العتمة، مع البدء الفعلي في تنفيذ "اتفاق الرياض"، بتشكيل حكومة كفاءات سياسية جديدة تضم كامل مكونات الطيف اليمني، بعد تنفيذ الترتيبات العسكرية الخاصة بخروج القوات العسكرية خارج محافظة عدن، وفصل القوات في أبين ونقلها إلى مواقع أخرى، وسط توقعات متفائلة بأن تسهم في وضع حدٍّ للأزمة المتفاقمة جراء الحرب الدائرة في البلاد على مدار نحو 6 أعوام متواصلة.
جاء الإعلان عن الحكومة الجديدة بعد الانتهاء من تنفيذ الشق العسكري لاتفاق الرياض الذي عقد بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية السعودية
وبعد مخاض عسير أبصرت الحكومة اليمينة النور في الثامن عشر من كانون الأول (ديسمبر) الجاري برئاسة معين عبد الملك، وسط ترحيب عربي ودولي وأممي، أملاً في أن تكون معبرة عن مختلف طوائف الشعب، وأن تبدأ في اتخاذ قرارات عاجلة وصعبة من شأنها وضع حد للتعقيدات المتزايدة على مدار الأعوام الماضية وتحقيق أقصى درجة ممكنة من الأمان والاستقرار والتنمية للشعب اليمني. ويستبشر المراقبون أن تضع الحرب القائمة في البلاد منذ أعوام أوزارها أخيراً لتتمكن الحكومة من العمل والإنجاز.
تنفيذ "اتفاق الرياض" ونهاية السنوات العجاف
وجاء الإعلان عن الحكومة الجديدة بعد الانتهاء من تنفيذ الشق العسكري لاتفاق الرياض، الذي عقد بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية السعودية، العام الماضي، وتنص أبرز بنوده على "عودة الحكومة، وتسليم الأسلحة الثقيلة، ودمج جميع القوات تحت وزارتي الدفاع والداخلية"، غير أنّ الاتفاق شهد محطات تعثر عديدة تسببت في تجاوز الفترة الزمنية المحددة التي كان من المقرر أن تنتهي في كانون الثاني (يناير) 2020.
ويعتبر السياسي اليمني محمد الفقيه مدير مكتب الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، أن تشكيل الحكومة خطوة جيدة للبدء فعلياً بتنفيذ "اتفاق الرياض" الذي يهدف إلى وقف الحرب في البلاد ووضع حلول لمعاناة الشعب اليمني المتفاقمة على مدار الأعوام الماضية، شريطة أن تلتزم الحكومة بتنفيذ أجندة تتفق مع أولويات الوضع الراهن وتراعي مصالح اليمنيين وتعمل على تقديم الدعم والمساعدة لهم خاصة في الملفات التي تحتاج حلولاً عاجلة مثل الصحة والتعليم.
وفي تصريحات لموقع حفريات ثمّن الفقيه الدور الذي لعبته كل من السعودية والإمارات في دعم الشعب اليمني والسعي المستمر من كلا البلدين لإيقاف الحرب الدائرة بالبلاد بالرغم من الاستفزازات المستمرة من جانب ميلشيا الحوثي المدعومة من إيران، مشيراً إلى أنّ عملية إقرار السلام والتهدئة في اليمن بعد سنوات من الاقتتال والحرب ليست عملية سهلة ولن تحدث بين عشية وضحاها، ولكن تحتاج سياسة قوية وإدارة ودعم إقليمي ودولي.
ويصف الفقيه تشكيل الحكومة بأنّه المكتسب الوحيد الذي خرج به اليمنيون من عام 2020 بعد سنوات عجاف، في انتظار استكمال بقية بنود الاتفاق وتحقيق خطوات أخرى تتسق مع طموحات الشارع، وتعمل بشكل جذري على إنهاء النفوذ الإيراني في البلاد باستئصال جماعة الحوثي الإرهابية، والبدء في عملية إصلاح شاملة لكافة الهيئات والمؤسسات في الدولة كذلك إعادة صياغة الخريطة السياسية مرة أخرى بما يتفق مع الشارع، مؤكداً أنها مهمة ليست سهلة لكن يمكن البدء بالعمل على أولوياتها وتنفيذيها تدريجياً.
الحل الوحيد في مواجهة إرهاب الحوثي
ويقول محلل سياسي يمني، فضل عدم ذكر اسمه، لأسباب تتعلق بسلامته، إنّ البدء بتنفيذ "اتفاق الرياض" وإن جاء متاخراً يعد خطوة إيجابية على اعتبار أن تنفيذ الاتفاق هو الحل الوحيد للإبقاء على كيان الشرعية موحداً في مواجهة الانقلاب الحوثي؛ أي إنّ اتفاق الرياض بغض النظر عن بعض المآخذ عليه يعد الحل الأخير الذي لابد من التمسك به للحفاظ على الشرعية، لكن هناك الكثير من الخطوط العريضة محل القلق تتمثل بتحركات جماعة الإخوان سياسياً وعسكرياً لتعطيل الاتفاق وفي أحايين كثيرة من داخل الشرعية، كما أنّ هناك تشاؤماً، قليلاً، مصدره الإبقاء على وزيري الدفاع والمالية في منصبيهما رغم الفشل الذريع في الجانب العسكري والاقتصادي خلال المرحلة الماضية، وهذا دليل لانعدام الجدية من قبل قيادة الشرعية في إحداث تغييرات حقيقية في الجانبين العسكري والاقتصادي، وهما التحديان الأبرز بالنسبة للحكومة الجديدة.
ويرى الكاتب والمحلل اليمني أن مشاركة القوى السياسية بتسمية أعضاء الحكومة يعد مؤشراً إيجابياً على أنّ الجميع شركاء في المرحلة القادمة، وستدخل جميع القوى السياسية في جردة الحساب والمسؤولية سواء نجحت الحكومة الجديدة في إحداث نجاحات حقيقية وملموسة أو كررت أخطاء الحكومات السابقة، وبالمجمل هناك تفاؤل حذر من الحكومة الجديدة خاصة مع الإبطاء الشديد في تنفيذ الآلية المزمنة لتنفيذ "اتفاق الرياض".
خروج "الحوثي" شرط لتحقيق الاستقرار
ويرى المراقبون أنّ تصنيف جماعة الحوثي المدعومة من إيران قد يمثل عائقاً أمام خطوات الإصلاح السياسي في البلاد، لكن التقارير المتداولة عن نية الولايات المتحدة إعلانها تنظيماً إرهابياً وما سوف يتبعها من خطوات ستؤدي لتضييق الخناق على التنظيم بشكل كبير، يمثل عاملاً إيجابياً في معادلة السياسة اليمنية.
ويقول الفقيه إنّ تنظيم الحوثي ارتكب جرائم بشعة بحق اليمنين ولا يمكن التعويل على أي عملية للإصلاح السياسي أو الاجتماعي بدون وجود آليات واضحة لمواجهة لتنظيم وردع القوى الداعمة له وتقليص مساحة تواجده ووضع حدود لتحركاته العسكرية.
محلل سياسي: تشكيل الحكومة المكتسب الوحيد الذي خرج به اليمنيون من عام 2020 بعد سنوات عجاف، في انتظار استكمال بقية بنود اتفاق الرياض
وفي سياق متصل يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد بن بجاد العتيبي أنّ تحقيق أي استقرار في اليمن يبقى مرهوناً بقدرة الأطراف على ردع التواجد الحوثي في البلاد، ويقول في مقاله المنشور في صحيفة "الشرق الأوسط": لضمان البناء على هذه النجاحات المهمة ينبغي أن تكون الحكومة اليمنية الجديدة صارمة في تعقب صنّاع الفتن وأرباب التفرقة، مع مراعاة كاملة لطموحات مكونات الشعب اليمني ومطالبها، واعتماد السياسة لا الحرب منهجاً للتحكم في أي خلافاتٍ قد تطرأ خلال المرحلة المقبلة، وبعد تحرير الأرض اليمنية واستعادة الدولة تتم مناقشة الملفات الكبرى في بيئة طبيعية ومستقرة وآمنة".
ويقول العتيبي إنّ السعودية أنجزت تنفيذ "اتفاق الرياض" التاريخي؛ بتطبيق الشق العسكري للاتفاق، ولم تلبث أن أتبعته بتشكيل الحكومة اليمنية الجديدة ما يفتح الباب رحباً أمام تحركٍ مستقبلي نحو تحرير جميع التراب اليمني من الاحتلال الحوثي، وطرد العملاء الإيرانيين إلى بلادهم غير مأسوفٍ عليهم.
ويتابع: "تبنّت السعودية والتحالف العربي كل الخطط والاستراتيجيات لجمع الصف وتوحيد الكلمة، وتركيز الجهود على إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة وتوفير جميع وسائل الاستقرار والأمان للشعب اليمني الشقيق، وتقديم المساعدات المتتابعة لتغطية جميع الاحتياجات في جميع المناطق اليمنية، وبشكل أخص تلك التي تم تحريرها من قبضة الحوثي، ولم تعد خاضعة له ولا للنظام الإيراني، بينما خرجت أطرافٌ كانت ضمن التحالف العربي من هذا التحالف، وأخذت تعمل بجهدٍ كبيرٍ وتمويلات ضخمة لشق الصف اليمني، وزرع الفتنة بين الفرقاء، وتقوية ودعم ميليشيا الحوثي، وتحشيد قوى من الإسلام السياسي ضد السعودية والتحالف العربي، ولم تكسب تلك الأطراف شيئاً يُذكر سوى إطالة أمد الحرب في اليمن، وهو أمرٌ سيتذكره اليمنيون طويلاً في المستقبل.