أعادت اتهامات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة حول تحول إيران إلى "أفغانستان جديدة لتنظيم القاعدة" إلى الواجهة الجدل القائم حول وجود صلات وتعاون بين الجمهورية الإسلامية والتنظيم المتطرف رغم الاختلافات الفكرية والإيديولوجية الشاسعة بينهما.
ويذهب محللون إلى أن العلاقات والاتصالات كانت قائمة بالفعل بين الطرفين لكنها لم تصل إلى أن تتحول إيران إلى مركز للقاعدة.
وواجهت طهران على مدى سنوات اتهامات بالتعاون مع تنظيم القاعدة، لكن في حين تلاقت مصالحهما في بعض الأحيان، تبقى العلاقة بينهما مشوبة بالتشكيك وعدم الثقة، حسب المحللين.
وفاجأت اتهامات بومبيو التي جاءت قبل أسبوع فقط من مغادرة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب منصبه، المراقبين الذين قالوا إنه ليس هناك دليل على استخدام البلاد قاعدة للتنظيم. المتشدد.
وصرح بومبيو علنا للمرة الأولى بأن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عبدالله أحمد عبدالله المعروف باسم أبومحمد المصري، اغتيل في طهران في أغسطس/اب 2020 ليدعم معلومات تفيد بأن طهران قدمت في بعض الأحيان ملاذا للمتطرفين.
ونظريا، إيران وتنظيم القاعدة متعاديان عقائديا، فالأولى تشكل الثقل الإقليمي الفارسي الذي يقوده الإسلام الشيعي، والثاني مستوحى من رؤية متشددة للإسلام السنّي ويهيمن عليه العرب.
ورفضت طهران باستمرار اتهامات بارتباطها بالقاعدة. وقد اتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بومبيو "بإنهاء حياته المهنية الكارثية بالمزيد من الأكاذيب التي تنم عن نزعة حربية"، مشيرا إلى أن جميع المسلحين الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر/ايلول على الولايات المتحدة جاؤوا من "وجهات مفضلة (لدى بومبيو) في الشرق الأوسط"، في إشارة إلى السعودية، منافسة إيران الإقليمية.
وصف دانيال ال بايمان الأستاذ في جامعة جورج تاون العلاقة بين إيران والقاعدة بأنها "مضطربة وتشوبها شكوك متبادلة".
وقال "بشكل عام هناك تعاون وإيران توفر ملاذا آمنا إلى حد ما"، مضيفا أن طهران ""فرضت قيودا على القاعدة رغم أنها أمنت لها ملاذا".
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن بومبيو نجح في "إرباك مسؤولي مكافحة الإرهاب" بتعليقاته وقال بعضهم إن تأكيداته "تبدو وكأنها تمثل استنتاجاته التحليلية الخاصة" بدلا من استنتاجات الاستخبارات الأميركية.
ورأى برايس لويدولت الباحث في 'معهد الدراسات الإستراتيجية الوطنية' ومقره واشنطن أن "العلاقة بين القاعدة وإيران منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول تأرجحت بين فترات عداء وتكيف حذر".
وجاءت تعليقات بومبيو وسط تكهنات بأن إدارة ترامب في أيامها الأخيرة، قد تذهب إلى حد إصدار الأمر بضربة ضد إيران حتى في الوقت الذي يُفكر فيه الرئيس المقبل جو بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي الموقع في 2015.
لكن بعض المحللين يستشهدون ببيانات استخباراتية بما في ذلك وثائق عثر عليها في مخبأ أسامة بن لادن الأخير في باكستان ليؤكدوا أن الاتصالات كانت قائمة بين القاعدة وإيران منذ عقود.
لكن أهم مساعدة إيرانية كانت توفير ملاذ لقادة الناشطين عبر الحدود من أفغانستان بينما ارتبط وضع العلاقات بالمناخ السياسي.
وجاء مقتل عبدالله في طهران الذي أفادت معلومات بأن عملاء للموساد الإسرائيلي قاموا بتنفيذه بأمر من الولايات المتحدة على الرغم من أن بومبيو لم يؤكد ذلك، ليكشف من جديد وجود أعضاء من القاعدة في إيران.
وقال لويدولت إنه بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، لجأ العديد من كوادر القاعدة من أفغانستان إلى إيران، لكن لم تكن هناك يوما علاقة سهلة وهذا ما أدى إلى موجة اعتقالات في 2002 و2003.
وكتب لويدولت في مقال لـ"مجلة دراسات الصراع والإرهاب" (ستاديز اين كوفليكت اند تيروريسم جرنال) أن "رغبة إيران في قبول وجود أعضاء القاعدة لم يأت من دون شروط".
وصف عساف مقدم الأستاذ المساعد في مركز هرتسليا المتعدد الاختصاصات (انترديسيبليناري سنتر هرتسليا) في إسرائيل، العلاقة بين الطرفين بأنها "تعاون تكتيكي".
وقال إن "توفير ملاذ آمن لأعضاء القاعدة في إيران لا يؤمن للإيرانيين خيارا ممكنا لتهديد الولايات المتحدة فحسب، بل كان ضمانا ضد هجمات قد يوجهها تنظيم القاعدة إلى إيران".
وأضاف أن إيران وخصوصا مع تغيير الإدارة الأميركية، لن ترغب في التخلي عن "ورقة القاعدة" التي أثبتت أنها "ثمينة جدا" للقادة الإيرانيين في الماضي.
وأشار مقدم إلى أن علاقات كانت تربط بين إيران وأيمن الظواهري، كبير منظري التنظيم وخليفة بن لادن منذ تسعينات القرن الماضي.
وفي 2015، قضت محكمة أميركية بأن إيران مسؤولة عن تفجير تنظيم القاعدة في العام 2000 للمدمرة الأميركية كول في اليمن، معتبرة أن طهران ساعدت في بناء شبكته في البلاد ودعمت تدريبا في المنطقة.
ولإيران نفوذ قوي في اليمن بعدما سيطرت جماعة أنصار الله الحوثية (شيعية) على العاصمة صنعاء وعلى عدة محافظات وقد تكون ربطت صلات مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي ينفذ هجمات على قوات الحكومة اليمنية في عدن.
واعتقل الحوثيون في السنوات الماضية عناصر من تنظيم القاعدة، لكن بمعزل عن حلقات التعاون هذه، بقيت العلاقة بين طهران والتنظيم المتشدد قائمة على العداء وانعدام الثقة.
وقال باراك مندلسون الأستاذ المشارك في جامعة هافرفورد كوليدج في بنسلفانيا إن "الأمر صمد ليس بوجود ثقة بل بالتهديد المتبادل وبقدرة كل جانب على إيذاء الآخر إذا خرج عن المبادئ المتفق عليها للعلاقة".
ورأى بايمان أن إيران يمكن أن تكون مستعدة لتسليم عناصر القاعدة إلى الولايات المتحدة لمحاكمتهم إذا خفت حدة التوتر، لكنه قال إنه من الواضح أن هذا غير مرجح في أجواء الخلافات الحالية بين البلدين، مؤكدا أن طهران وحسب المناخ السياسي "ستكون سعيدة ببيع القاعدة ولكن فقط لقاء الثمن المناسب".