تقارير وتحليلات
"اليوم الثامن" تقدم قراءة تحليلية لمشهد الصراع اليمني..
تحليل: إخوان اليمن.. أجندة اقليمية لتسهيل وصول الحوثيين إلى شبوة
الحوثيون (الأذرع الإيرانية في اليمن)، يؤكدون سيطرتهم على بلدة الرحبة جنوبي مدينة مأرب اليمنية، المعقل الرئيس للإخوان التنظيم الحاكم المدعوم من السعودية قائدة التحالف العربي، مستغلين الأزمات التي افتعلها محافظ شبوة الإخواني محمد صالح بن عديو في محافظة شبوة المجاورة، لكن هذا ليس جديداً، انها انكسارات متكررة لحلفاء التحالف العربي المحليين في اليمن، الأمر الذي يطلب اعادة قراءة المشهد اليمني مرة أخرى لتحليل الصراع وكشف خفايا حرب يمنية بات فيها المدافع عن العاصمة اليمنية صنعاء في العام الأول لعاصفة الجزم 2015م، يشن الهجمات ويسقط المدن، دون اي مقاومة تذكر من جيش يتلقى دعما كبيرا من السعودية التي تقود تحالف دعم شرعية الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي، الذي اطاح به الحوثيون من السلطة أواخر العام 2014م.
لم يكن "الإخوان" التنظيم الفرع في اليمن، جاداً في قتال الحوثيين الموالين لإيران، لقد وقع اتفاقية معاهدة في أغسطس (آب) 2014م، حين سقطت "محافظة عمران" في الـ7 من يوليو (تموز)، قرر عقبها زعيم التنظيم اليمن محمد اليدومي، زيارة زعيم المتمردين الحوثيين في جبال مران بصعدة، لتوقيع اتفاقية سلام ومعاهدة على انهاء الخلافات والبدء في صفحة جديدة عنوانها التعاون بين من يفترض "انهما خصمان لدودان".
ومحمد اليدومي – ضابط مخابرات زيدي يمني، يحمل رتبة لواء، متهم بارتكاب جرائم جرب وتصفيات واخفاء قسري، في مدينتي إب وتعز خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي- قبل ان يتم تنصيبه زعيما لفرع الاخوان في اليمن.
في الـ6 من يناير (كانون الثاني)، العام 2008م، ترأس اليدومي حزب الاخوان والمعروف في اليمن باسم التجمع اليمني للإصلاح، وكان ترأسه جاء بقرار تكليف من المكتب السياسي للتنظيم، للقيام بمهام رئيس الهيئة العليا للتنظيم خلفا للشيخ عبد الله الأحمر، توفي في الـ29 من ديسمبر (كانون الأول)، وكان يفترض ان تكليف اليدومي ينتهي حين عقد المؤتمر العام لتنظيم الإخوان، ولكن فوضى ربيع اليمن العام 2011م، منحت اليدومي صلاحية رئاسة التنظيم اليمني بدون اي انتخاب.
والإخوان في اليمن هو تنظيم سياسي زيدي، على الرغم من انه يمتلك قاعدة شعبية وجماهيرية في مختلف المدن "السنية"، الا ان القيادة العليا للتنظيم فيها اشبه بالتوريث الزيدي، وهو الأمر الذي ساعد الحوثيين (الأقلية الزيدية الأخرى)، كثيراً في الوصول الى صنعاء بعد ان كانوا محاصرين في جبال صعدة، وتعرضوا لهزائم عديدة خلال ستة حروب (2004 – 2009).
"الحوثيون"، او الشباب المؤمن، هم الجماعة الزيدية الأخرى التي يتشابه نظام الحكم فيها مع تنظيم اخوان اليمن "التوريث"، ترى الهضبة الزيدية ان "حكم اليمن هبة الهية لها دون غيرها"، فمنذ خمسينيات القرن الماضي واليمن الزيدي لم يستقر، لكن ظلت الزيدية هي الحاكمة، حكمت الزيدية المملكة المتوكلية الهاشمية، ولاحقا حكم الجمهورية العربية اليمنية، فهي لا تتنازل عن الحكم على الاطلاق، وهو ما أكده موقف التنظيم في سبتمبر (أيلول) 2014م، حين أوقفت قيادة التنظيم العليا 40 الف مقاتل، كانوا في طريقهم لقتال الحوثيين ومنعهم من السيطرة على صنعاء العاصمة، وكذلك فعل الجنرال الزيدي الاخواني علي محسن الأحمر، الذي حيد قوات الفرقة الأولى مدرع من قتال الحوثيين، وكذلك فعل وزير الداخلية أحمد الترب، الذي وجه قوات الشرطة والأجهزة الأمنية بالتعامل مع الحوثيين وعدم اعتراضهم".
كانت سيطرة الحوثيين على صنعاء، بمثابة ضربة قوية لدول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي كانت تراهن على معركة استنزاف للحوثيين في محيط العاصمة اليمنية صنعاء، لكن السقوط كان سريعا ودون أي مقاومة حقيقية تذكر.
غادر " علي محسن صالح الأحمر"، بطائرة عسكرية الى السعودية قبل ساعات من وصول الحوثيين الى الضواحي الشمالي الغربية للعاصمة، لكن السفير السعودي محمد آل جابر، كشف في مقابلة تلفزيونية انه ساعد في انقاذ الأحمر من موت محقق كان ينتظره، زاعما وجود رغبة حوثية انتقامية من الجنرال الزيدي.
لكن تجربة سبع سنوات من الحرب، وترفيع الأحمر الى منصب نائب الرئيس، تبين عدم وجود أي نزعات ثأرية بين الجنرال والحوثيين، مع ان الأخيرين حافظوا على مصالحه الاقتصادية والخاصة في صنعاء، وظل نجله لسنوات يدير بعض المشاريع دون أي اعتراض، وكذلك الحال بالزعيم القبلي والوريث الشرعي لمؤسس اخوان اليمن، حميد بن عبدالله حسين الأحمر، غادر اليمن الى تركيا، بزعم ملاحقة الحوثيين له، لكن شقيقه صادق الأحمر، ظل في صنعاء، في حين لم يمس الحوثيون استثمارات حميد الأحمر بما فيها شركة سبأ فون للهاتف النقال.
ليس صعباً تفكيك طلاسم الصراع اليمني، وفهم طبيعته على نحو جيد، لكن المثير هو إعادة السعودية للتحالف مع القبائل الزيدية التي يمثلها اخوان اليمن، قد يفسر هذا الموقف ان الرياض ارادت الاعتذار للإخوان او تجربتهم مرة أخرى بعد ان وضعتهم على قوائم الإرهاب في العام 2014م.
كانت قطر الدولة الخليجية التي مولت الحوثيين وسهلت لهم التمدد صوب صنعاء العاصمة، فالإمارة الخليجية، لم تطلب من الإخوان الذين تدعمهم عدم قتال الحوثيين، بل العامل الأبرز "تمترس طائفي زيدي"، فالأحمر لا يرغب في هزيمة الحوثيين، وكذلك الحوثيين لا يرغبون في قتل الجنرال، على الرغم من ان بالإمكان استهدافه في مأرب التي يزورها بشكل علني دائما.
استطاع الجنرال الزيدي بناء قوة عسكرية ضخمة في مأرب، لكن هذه القوات كانت تذوب امام الحوثيين، "كقطعة ثلث سقطت في صحراء مأرب القاحلة"، فخلال أكثر من ست سنوات من الحرب، لم تحرز قوات الإخوان أي تقدم ضد الحوثيين، بل على العكس حققت الجماعة الأخيرة إنجازات ميدانية واستحوذت على الأسلحة التي قدمتها السعودية لجيش مأرب.
في أغسطس (آب) العام 2019م، ظهرت صورة أخرى للحرب، فعلى الرغم من ان القتال كان يتوجب ان يتجه صوب صنعاء لاستعادتها من قبضة الاذرع الإيرانية، تحول القتال صوب الجنوب المحرر، كانت شبوة النفطية الهدف الأبرز من تلك الحرب، قبل ان يدفع الإخوان في مأرب بقوات عسكرية ضخمة للسيطرة على عدن العاصمة الجنوبية، في تكرار لمشهدي حرب 1994م و2015م، قبل ان يمنعهم التحالف العربي من ذلك، بقصف ميليشياتهم التي تضم متطرفين في معبر العلم الاستراتيجي الرابط بين العاصمة ومدينة أبين.
حاول التحالف العربي بقيادة السعودية، إعادة تصويب الحرب صوب الحوثيين، ورعت اتفاقية الرياض المتعثرة منذ توقيعها في الـ5 من نوفمبر (تشرين الثاني) العام 2019م، بفعل رفض الإخوان الالتزام بما وقعوا عليه باسم حكومة الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي، الذي يتضح ان صلاحياته كرئيس قد سحبت لمصلحة نائبه الذي يمتلك نفوذا عسكريا وحزبيا كبيرا على عكس هادي، الذي فقد العديد التحالفات العسكرية والسياسية الجنوبية، بفعل ارتهان قراره كرئيس لصالح جماعة الإخوان.
تحاول السعودية إعادة نفخ الروح في اتفاقية الرياض، الا ان كل محاولة يعرقلها الإخوان بافتعال مشكلة هنا او هناك، ودائما ما تتقاطع المصالح العدائية للتحالف العربي عند الحديث عن "السيادة اليمنية"، وهو الشعار الذي يرفعه الحوثيون الذين رهنوا اليمن لإيران، حتى أصبحت اليمن الشمالي، ورقة طهران الرابحة في ملف التفاوض امام الرياض وحلفائها.
خلال أغسطس (آب) المنصرم، اظهر الإخوان والحوثيين تحالفاً استراتيجياً بدأ في المهرة التي أصبحت ساحة صراع لأكثر من طرف إقليمي، فقد نظمت الاذرع المحلية المرتبطة بالإخوان والحوثيين، تظاهرة مناهضة لتواجد السعودي في المحافظة الحدودية مع سلطنة عمان، كان المبرر وجود قوات بريطانية، جاءت لملاحقة عناصر حوثية متهمة بالتورط في استهداف سفينة بريطانية في بحر العرب.
ولم يمض على تظاهرة المهرة سوى أيام قليلة حتى خرج الحاكم الإخواني في شبوة، محمد صالح بن عديو للحديث عن "السيادة اليمنية"، وتوعد بقتال قوات التحالف العربي واخراجها من منشأة بلحاف النفطية.
لا يبدو ان هذا التحرك الإخواني في شبوة، بعيدا عن الرئاسة اليمنية ونائب الرئيس علي محسن الأحمر، اما الرئيس هادي، فالحاكم الإخواني لشبوة بات من المتمردين على سلطته، فعلى الرغم من ان هادي قد طلب حضور محافظي المحافظات الجنوبية للتشاور حول القضايا التنموية وانهيار العملة وتدهور الاقتصاد، الا ان بن عديو كان في مهمة أخرى "تحشيد الميليشيات في محيط منشأة بلحاف.
هذا التحرك لا يمكن يحدث دون دعم من النائب علي محسن الأحمر الذي منح حاكم شبوة الإخواني صلاحيات كبيرة، تجاوز فيها صلاحيات رئيس الحكومة معين عبدالملك، الرجل الضعيف والمرتهن هو الأخر لأجندة غير وطنية، فعبدالملك المحسوب على السعودية يرفض العودة الى عدن، تلبية لرغبة علي محسن الأحمر، الذي يريد تجاوز اتفاق الرياض، من خلال تفجير الأوضاع في أكثر من جبهة، فحروب الأحمر عديدة لكنها بكل تأكيد ليست ضد الحوثيين، فهو يقاتل في جبهة الاستحواذ على موارد النفط في الجنوب، ويخوض حربا أخرى للسيطرة على الرئاسة وعزل هادي، وان كانت الحرب الأخير تسير ببطء شديد، الا ان النائب لا يخفي رغبته في الوصول الى الرئاسة والاطاحة بهادي، من خلال طرح اتباعه "المجلس الرئاسي"، لنقل السلطة من الرئيس لنائبه.
يساعد الأحمر في هذا التوجه أطراف إقليمية كـ"قطر وتركيا"، فالدولتان تريدان تفكيك التحالف العربي الذي اسسته السعودية لمواجهة المشروع الإيراني، فعلى الرغم من المصالحة "القطرية السعودية في قمة العلا مطلع العام الجاري"، الا ان التوجه العدائي للدوحة "سياسيا واعلاميا"، ضد الرياض لم يتوقف ابدا، بل ولا يزال بنفس التوجه الخطاب المتصاعد خلال الازمة مع الدوحة في العام 2017م.
ساد اعتقاد لدى النخب السياسية السعودية واليمنية ان هناك تجار حروب، يرون ان عدم وجود جدية في قتال الحوثيين، يعود الى استئثار قادة الجيش بالدعم الذي تقدمه الرياض، والذي ساهم في تحويل قيادات يمنية الى مستثمرين في تركيا، بأموال قدمت على أساس دعم مقاومة الحوثيين، لكن هذا ليس دقيقاً، فخلال الأشهر الماضية، نقل الحوثيون المعركة صوب شبوة من جهة محافظة البيضاء، وحصل ذات السيناريو "سقوط مواقع ومعسكرات امام الحوثيين دون أي مقاومة حقيقية"، وتكرر سيناريو سقوط الجوف ومحيط مأرب، في عقبة القندع المطلة على بيحان التي توجد فيها حقول جنة النفطية.
التقدم المدروس للحوثيين في مأرب، اختيار توقيت معين لتقدم، خشية من تعرض الميليشيات لضربات الطيران العسكري، يوحي بان شبوة الهدف القادم، وهو ما يكشف أدوار قادة الميليشيات في عتق والمتمثل في الذراع العسكرية لبن عديو "لعكب الشريف"، الذي تربطه علاقة وثيقة بالحوثيين، واحد اقربائه يعد من القيادات العسكرية المهمة التي تقود الحرب صوب شبوة.
معظم حقول النفط في شبوة خاضعة لسيطرة وإدارة قيادات عسكرية يمنية زيدية مرتبطة بالحوثيين، ولم يتبق الا منشأة بلحاف التي تحرسها قوات النخبة الشبوانية، لذلك يقوم الذراع العسكرية للإخوان، بشن هجمات على مواقع حراسات المنشأة، والمستهدف قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.
لا مشكلة لدى نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، في ان يستحوذ الحوثيون على شبوة بشكل كامل، فالهدف هذا قد يدفعه الى تجاوز اتفاقية الرياض، وتجاوز حتى مشروعية التحالف العربي، ومن ثم الدخول في تسوية سياسية مع جماعة زيدية "ترى ان منابع نفط الجنوب"، هي المصلحة المشتركة لكل القوى اليمنية الشمالية، ومثل ما تقاسمت تلك القوى حقول النفط بعد حرب صيف العام 1994م، يمكن لها ان تعيد التقاسم من جديد، فالمصلحة اليمنية واحدة، خاصة وان الثروات الجنوبية قد ظلت محل مطامع يمنية منذ عهد المملكة المتوكلية التي حاولت كثيرا احتلال مدن الجنوب، لنهب ثرواته، والسيطرة على موقعه الاستراتيجي المطل على بحر العرب وخليج عدن ومضيق باب المندب.