تقارير وتحليلات
"اليوم الثامن" تبحث في فشل قرار الهيكلة وبنية جيش الأحمر..
تحليل: خفايا واسرار.. كيف أنشئ إخوان اليمن جيشاً طائفياً في مأرب
الجيش اليمني، أو القوات المسلحة اليمنية، هي وحدات وألوية ومناطق عسكرية تنتشر في كل اليمن بما في ذلك الأحمر، فالرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، القائد الأعلى للقوات المسلحة، لم يكن مسؤولاً على كل "الجيش"، فقوات الفرقة الأولى مدرع وقوات المنطقة الشمالية الغربية، كانت تعد ملكية خاصة للواء علي محسن الأحمر، الذراع العسكرية لتنظيم إخوان اليمن، والمسؤول الأول في تجنيد ما عرف بالأفغان العرب، والذين أعاد احتوائهم بعد عودتهم من أفغانستان قبيل الحرب الأولى على الجنوب في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ودمجهم في الفرقة الأولى مدرع التي ذابت، ولم تواجه الحوثيين اثناء اجتياح حرف سفيان وعمران وصولا إلى صنعاء العاصمة في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2014م، وفرار قائدها اللواء علي محسن الأحمر في طائرة خاصة إلى السعودية.
حاول عبدربه منصور هادي، الرئيس التوافقي المؤقت الذي خلف صالح في الحكم في الـ21 من فبراير (شباط) العام 2012م، إعادة تأسيس الجيش اليمني على "أسس وطنية"، وقد مضى في إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية، وتلبية لرغبة الإخوان في تفكيك ما اسموه الجيش العائلي، قام هادي بإبعاد العميد احمد علي عبدالله صالح الذي كان يقود قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة المتخصصة والاحترافية، وكانت تمثل جيش النخبة في القوات المسلحة اليمنية، وعينها سفيرا لليمن في الامارات العربية المتحدة.
لكن تلك الهيكلة تم وأدها في المهد، فالإخوان اعترضوا على تفكيك قوات الفرقة الأولى مدرع وتحويل مقرها الى حديقة عامة في صنعاء، بدعوى ان قوات الفرقة تعتبر حراسة "انتفاضة فبراير (شباط) 2011م"، والهيكلة، تقول مصادر عسكرية لصحيفة اليوم الثامن "ان الإخوان طالبوا هادي ان تقتصر على القوات التي تتبع صالح، على اعتبار انها قوات خاصة بعائلة صالح وليست وطنية، كقوات الفرقة الأولى مدرع".
"هادي" الذي وصل الى الحكم تعرض لمحاولة اغتيال في مستشفى القوات المسلحة اليمنية بالعرضي، الواقع في داخل مبنى وزارة الدفاع التي يفترض انها شديدة التحصين، في الـ5 من ديسمبر (كانون الأول) العام 2013م، حين قام مسلحون باقتحام مستشفى العرضي الذي يقع داخل مجمع وزارة الدفاع اليمنية، متنكرين بلباس عسكري ويحملون أسلحة خفيفة ومتوسطة، مدعومين بسيارات تحمل متفجرات، ومعهم انتحاريين".
محاولة اغتيال هادي، سبقتها عملية مماثلة في نفس الموقع، حيث استهدف تفجير إرهابي وزير الدفاع اللواء محمد ناصر احمد اثناء خروجه من وزارة الدفاع في أكتوبر (تشرين الأول) العام 2012م، وقد مثلت هذه المحاولات نهاية لمشروع إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية، وفق نظرية هادي، ليتم بعدها تسليم قيادة الجيش لقادة من تنظيم الاخوان الذين بدأوا في تأسيس جيش طائفي، لم يصمد امام الحوثيين وظل يسلم المدن والمناطق العسكرية دون قتال حتى اليوم.
عاصفة الحزم وجيش الإخوان
في أواخر مارس (اذار) العام 2015م، أطلق التحالف العربي بقيادة السعودية والامارات ومصر والبحرين بالإضافة إلى ست دول أخرى، عاصفة الحزم لردع الحوثيين، ومنع وصولهم إلى عدن.
الوحدات العسكرية التي لم تعلن الولاء للإخوان، أعلنت الولاء للحوثيين الذين نجحوا في كسب وحدات عسكرية وأمنية، بسبب انتماء قادتها للفكر "السلالي الهاشمي"، على سبيل المثال قائد قوات الأمن المركزي في عدن، العميد عبدالحافظ السقاف الذي رفض قرار أصدره الرئيس هادي، بإقالته بعد ثبتوه علاقته بالحوثيين.
وامام هذا الوضع تشكلت المقاومة الجنوبية في عدن، وهي امتداد لفكرة المقاومة التي تشكلت لمحاربة تنظيم القاعدة في لودر وأبين وشبوة ولحج، وصولا إلى المقاومة الجنوبي التي أسسها اللواء عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (الحالي)، وبعد مرور نحو ستة أشهر على بروز المقاومة الجنوبية وتحقيق انتصارات ضد الحوثيين، حتى تعممت الفكرة في مختلف المدن اليمنية، فتشكلت في تعز المقاومة الشعبية التي تزعمها الاخواني حمود سعيد المخلافي.
ونجحت المقاومة الجنوبية بعد أربعة أشهر من القتال من تحرير عدن ولحج وأبين، وصولا إلى عقبة ثرة في مكيراس، لتتوقف هناك.
جيش علي محسن الأحمر الإخواني
بعيداً عن الأضواء الإعلامية، كان الأحمر الفار من مواجهة الحوثيين في صنعاء، يعمل وبتمويل سعودي وقطري على إعادة تجميع قوات الفرقة الأولى مدرع، فكان ساحل ميدي الغربي ومأرب ابرز مراكز إعادة تجميع قوات الفرقة الأولى مدرع، لكنه ازاح كل القيادات العسكرية (غير المبايعة لتنظيم الإخوان).
وفي ابريل (نيسان) 2016م، أصدر هادي قراراً بإزاحة نائبه ورئيس الحكومة خالد بحاح، وتنصيب الأحمر نائبا للرئيس وأحمد عبيد بن دغر الفار من معسكر الانقلابيين في صنعاء رئيسا للحكومة.
ورغم التهويل الإعلامي من قدرة الأحمر على هزيمة الحوثيين واخراجهم من صنعاء، الا ان الأحمر ظل يؤسس الجيش الذي بني على أسس طائفية في مأرب، حتى خرج وزير الاعلام في حكومة المنفى معمر الارياني ليدلي بتصريحات يؤكد انهم لن يقتحموا صنعاء لتحريرها بدعوى انها مدينة تاريخية يستحال ان يسمحوا بنشوب حرب فيها.
لواء العفاريت وعقوبات الخزانة الأمريكية
بلغ تعداد القوات الإخوانية في مأرب بنحو بـ250 ألف جندي وضابط، لكن من الالوية التي انشأها الإخوان في مأرب "لواء العفاريت"، والذي قال الاخوان انه تأسس لتحرير محافظة البيضاء من ميليشيات الحوثي، على غرار وجود وحدات عسكرية أخرى كلها تدين بالولاء للإخوان التنظيم اليمني الذي يظم في صفوفه متطرفين من تنظيم القاعدة.
في الـ4 من سبتمبر/أيلول 2017 عين الرئيس اليمني المؤقت عبد ربه منصور هادي العميد الركن طاهر علي عيضة العقيلي رئيسا جديدا لهيئة الأركان العامة في الجيش خلفا للواء محمد علي المقدشي، والأخير ظل قائما باعمال وزير الدفاع اللواء محمود الصبحي الأسير لدى الحوثيين منذ مارس (آذار) 2015م، قبل ان يصبح المقدشي وزيرا للدفاع حتى اليوم.
كان تعيين المقدشي وزيرا للدفاع، تأكيدا على تحكم الأحمر في قرارات الرئاسة والرئيس هادي، وقد بدأت المقدشي فعليا في إعادة دمج قيادات الاخوان المدنيين في الجيش اليمني، وعلى وقع القصف الصاروخي الحوثي على مأرب، كان جيش الإخوان في مهمة تأسيس وتسليم حتى أصبح لدى هذا الجيش ما قوامه سبعة ألوية في فرضة نهم شرق صنعاء وحدها، بالإضافة الى ثلاثة ألوية عسكرية في الجوف، وكلها الوية معززة بترسانة أسلحة ضخمة قدمتها السعودية، لكنها أصبحت في مطلع العام 2020م، في قبضة الحوثيين دون أي مقاومة تمنح استحواذهم على كل تلك الأسلحة.
بالعودة إلى لواء العفاريت، الذي تؤكد العديد من التقارير انه يضم في صفوفه متطرفين، الا ان هذا اللواء الذي تأسس في مطلع العام 2016م، لم يخض أي حرب ضد الحوثيين، الأمر الذي دفع قيادات قبلية في البيضاء، الى السؤال عن مصير اللواء العسكري المكلف بتحرير محافظة البيضاء.
الا ان الرد لم يتأخر حتى منتصف مايو (أيار) 2016م، حين وضعت الخزانة الأمريكية محافظ البيضاء الإخواني السابق ومؤسس اللواء نائف القيسي على قوائم الإرهاب، بعد ثبوت تورطه في تمويل تنظيم القاعدة، وتبعته بقرار عقوبات أخر في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2017م، ليسلم القيسي قيادة اللواء لقيادات أخرى وظل هو حتى اليوم يعمل في الظل.
ولواء العفاريت يحمل أسم اللواء 117، لكن بالتعمق أكثر في بنية جيش الإخوان تبين إن قيادة الإخوان استحدثت منصبا جديداً في بنية الجيش الطائفي، وهو "المساعد"، وهو شخص مدني يكون في منصب مساعد قائد اللواء او مساعد مدير الدائرة العسكرية او مساعد قائد الكتيبة، وهذا المنصب هو المتحكم بكل قرارات وتحركات القوة العسكرية، أي انه يكون هو القائد الفعلي، وهو عادة ما يكون من المبايعين للتنظيم عقائديا، حيث لا يستطيع قائد اللواء صرف أي شيء دون توقيع المساعد، فمثلاً في هيئة القوى البشرية "هيئة تتبع وزارة الدفاع وتضم دوائر حكومية متفرعة من الهيئة أهمها دائرة شئون الأفراد والاحتياط العام ودائرة شئون الضباط"، رئيس هذه الهيئة هو اللواء الركن محمد الوضري، لديه مساعد إخواني لا احد يعرف اسمه غير الاسم الحركي "أبو عمار"، يحمل رتبة عميد وهو شخص مدني لا علاقة له بالسلك العسكري.
"أبو عمار" هو المتحكم الوحيد والحصري في هيئة القوى البشرية، ورئيس الهيئة لا يستطيع عمل أي شيء إلا بموافقة من مساعده الإخواني..
وزارة الدفاع اليمنية في مارب والخاضعة لسيطرة تنظيم الإخوان، هي عبارة عن كشوفات قوة بشرية وتسليم ومالية، وترقيات وحتى التجنيد في مكتب "أبوعمار"، وكل شيء يمر عبره.
رغم نجاح الإخوان في شراء ذمم قيادات عسكرية، والبعض بايع التنظيم على الولاء والطاعة، الا انه في أي خلاف يحصل بين القيادات العسكرية والمدنية في جيش مأرب، يكون موقف التنظيم اليمني في صف القيادات المدنية التي تعتبر قيادات عقائدية.
في مأرب استحدث التنظيم مناصب سرية في وزارة الدفاع اليمينة ودوائرها ومناطقها وألويتها، وتتمثل في منصب مسئول التنظيم في كل منطقة ودائرة ووحدة ولواء وكتيبة.
و"مسئول التنظيم" وهو الشخص المسئول عن إدارة الوحدة تنظيمياً عقائدياً، مهمته عقد الاجتماع كل أسبوع بقيادة "الوحدة أو الدائرة أو اللواء أو الكتيبة " ويسمى هذا الاجتماع الأسبوعي بـ"اللقاء" يتم مناقشة فيه الأمور التنظيمية السرية على مستوى الوحدة أو اللواء أو الدائرة أو الكتيبة.
وتتركز هذه الاجتماعات الأسبوعية على التجنيد والولاء والطاعة للتنظيم الإخواني ومصادر التمويل وكيف البحث عن مصادر تمويل جديدة، ودائما ما يخلو ذكر قتال الحوثيين من هذه الاجتماعات واللقاءات".
من المعلومات التي حصلت عليها صحيفة اليوم الثامن، في الدائرة المالية لوزارة الدفاع، فهذه الدائرة مديرها إخواني يمني، وهو عسكري خريج كلية دفاع جوي يدعى العميد الركن علي حسن القباطي، إلا أنه يوجد شخص يطلق عليها حركيا "الفندم"، وقليل من يعرفون أسمه وهو إخواني مدني يدعى عبدالغني الشرعبي، يدير الدائرة المالية بكاملها وكل معاملة وكل وحوالة مالية تتم عبره ويوقع مكان التوقيع الخاص بمدير الدائرة نفسه".
على الرغم من ان الإخوان يطلقون صفة "الجيش الوطني"، على الجيش الموالي لهم، الا انهم يؤسسون جيشا طائفيا لا يقل خطورة من ميليشيات الحوثي الطائفية، لكن مشروعية جيش الاخوان وحربه ليست لتحرير اليمن الشمالي من الحوثيين فالحرب التي يحضر لها الاخوان في مارب، هدفها السيطرة على الجنوب وإخضاعه للهيمنة القطرية والتركية.
وبينت حرب شبوة الأخيرة وجود تحالفات سرية وتقاطع مصالح بين الاخوان والحوثيين، وهو ما أكدته الانسحابات من البيضاء وأجزاء من شبوة في سبتمبر (أيلول) الماضي.