تحتدم المعارك في محافظة مأرب الإستراتيجية في اليمن دون أن يظهر في الأفق حسم قريب وسط تصعيد حوثي أدى إلى مقتل وجرح عدد من المدنيين وتسبب في تهجير عدد كبير من أهالي المحافظة وذلك ردا على غارات شنّها التحالف العربي واستنزفت عدد من القوات الحوثية في وقت تفاخرت فيه الجماعة أنها صارت قاب قوسين أو أدنى من وضع يدها على المحافظة بعد سيطرتها على مديريتي الجوبة وجبل مراد.
ونقلت وكالة سبأ، التي تديرها حكومة المنفى، عن مكتب حقوق الإنسان بمحافظة مأرب، أن هجوما لجماعة أنصار الله الحوثية على قرى ومنازل المواطنين في مديرية الجوبة، "تسبب في مقتل وجرح مئات المدنيين مدني، وتهجير ونزوح عدد كبير من الأسر".
من جهتها نقلت وكالة الأنباء العالمية ووسائل إعلام محلية أن هجوما صاروخيا شنّه اليمنيون واستهدف منزل زعيم قبلي موال للحكومة جنوب مدينة مأرب أسفر عن مقتل 13 شخصا بينهم طفل.
ونقلت وكالة فرانس برس عن مسؤول عسكري حكومي إن "صاروخا بالستيا حوثيا استهدف منزل الشيخ عبداللطيف القبلي في الجوبة مساء الخميس خلال اجتماع مع زعماء قبائل يقاتلون إلى جانب الحكومة". وأضاف أن "13 شخصا بينهم طفل قتلوا في الهجوم"، في حصيلة أكّدها مصدر طبي في المنطقة.
جاء هذا القصف ردّا على إعلان التحالف العربي بقيادة السعودية تصفية 95 عنصرا في قوات الحوثيين بغارات جوية قرب مدينة مأرب. وقال التحالف في بيان الخميس إن قواته نفّذت "22 عملية استهداف لآليات وعناصر" تابعة للحوثيين في منطقتي الجوبة على بعد نحو 50 كيلومترا شمال غرب مأرب والكسارة الواقعة على بعد نحو 30 كيلومترا شمال غرب المدينة خلال الـ24 ساعة الماضية".
ومأرب، عاصمة المحافظة الغنية بالنفط التي تحمل الاسم نفسه، هي آخر معقل حكومة المنفى في شمال البلد الغارق في الحرب. وصعّد الحوثيون المدعومون من إيران حملة السيطرة على المدينة في فبراير، وقد زعموا هذا الأسبوع أنّهم باتوا يحاصرونها من عدة جهات وأنّ سقوطها أصبح "مسألة وقت".
ويشن التحالف الذي تقوده السعودية دعما للحكومة اليمنية حملة جوية شرسة منذ 11 أكتوبر لمنع المتمردين من الوصول إلى مدينة مأرب. ومنذ ذلك الحين، قُتل حوالي ألفين من الحوثيين في الجوبة على بعد حوالي 50 كيلومترًا (30 ميلًا) جنوب مأرب ومنطقتين أخريين، وفقا للتحالف.
وبحسب المسؤول العسكري، قُتل في الهجوم الصاروخي أربعة من زعماء القبائل، مشيرا إلى أنّ الجوبة تشهد معارك محتدمة منذ أيام.
وغرّد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني على تويتر إن ما لا يقل عن 12 شخصا قتلوا في الهجوم بينهم اثنان من أبناء الشيخ القبلي الذي بقي مصيره مجهولا.
ولطالما اعتُبرت مأرب بمثابة ملجأ للكثير من النازحين الذين فروا هربا من المعارك أو أملوا ببداية جديدة في مدينة ظلت مستقرة لسنوات، ولكنهم أصبحوا الآن في مرمى النيران في ظل تصاعد القتال للسيطرة عليها.
وتشير الحكومة إلى وجود نحو 139 مخيّما في مدينة مأرب والمحافظة، وقد استقبلت نحو 2,2 مليون نازح.
وكتب الأرياني على تويتر "تواصل مليشيا الحوثي قصف القرى ومنازل المواطنين (...) بشكل ممنهج ومتعمد للإيقاع بأكبر قدر من الضحايا بين المدنيين، ما اضطر مئات الأسر" للنزوح، داعيا المجتمع الدولي إلى "إدانة ووقف هذه الأعمال الانتقامية التي تطال المدنيين الأبرياء وتشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وبين الأول من يناير و30 سبتمبر، بلغ عدد الأشخاص الذين نزحوا من محافظة مأرب أكثر من 55 ألف شخص بينهم 10 آلاف في سبتمبر واحده، حسبما أفادت منظمة الهجرة الدولية.
ونقل موقع فرانس 24 عن الصحافي كونتان مولر، الذي تابع المعركة في مأرب، قوله إن "مأرب صارت محاصرة من الشمال والغرب والجنوب، ولا يفك عزلتها سوى الطريق الشرقي باتجاه حضرموت والذي يحظى بمراقبة نحو أربعين نقطة تفتيش". ولفت كونتان مولر إلى أن هذه الطريق "هي المنفذ الوحيد بالنسبة إلى القوات الحكومية والمخرج الوحيد للسكان في حال سيطر الحوثيون على المدينة". وهو ما يشكل مصدر قلق بإمكانية وقوع كارثة إنسانية مع تزايد أعداد النازحين.
وأعرب المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ الخميس عن قلقه إزاء الوضع "الآخذ بالتدهور" في اليمن، مطالبا الحوثيين بوقف التصعيد العسكري في محافظة مأرب. كما سبق وقال في إحاطته الأولى إلى مجلس الأمن كمبعوث خاص للأمم المتحدة إلى اليمن في سبتمبر الماضي إن هجوم الحوثيين على مأرب تسبب في مقتل آلاف المدنيين. لكن لا يعني تحذير المبعوث الأممي شيئا بالنسبة للحوثيين في حين أن السيطرة على مأرب بالكامل تعني تعزيز موقفهم التفاوضي في أي محادثات سلام في المستقبل.