الأدب والفن
مسرح الآلات..
ليالي الدورة الـ56 لمهرجان الحمامات يعرض أبرز المسرحيات التونسية الجديدة
يحافظ مهرجان الحمامات الدولي بمحافظة نابل التونسية، على عادته في افتتاح فعالياته بعرض مسرحي، وقد افتتحت دورته الجديدة بمسرحية “على هواك” للمسرحي التونسي توفيق الجبالي، والتي واكبها جمهور غفير غصت بهم مدارج المسرح المكشوف.
بدأت ليالي الدورة الـ56 لمهرجان الحمامات الدولي في تونس مساء الأربعاء بالعرض الأول لمسرحية “على هواك” للممثل والمخرج توفيق الجبالي وإنتاج فضاء التياترو.
وغصت مدرجات مسرح الحمامات الفريد بطرازه المعماري الذي صممه المهندس الفرنسي سيشمتوف برواد المهرجان العائد بعد غياب عامين بسبب جائحة كورونا.
وكان في مقدمة الحضور وزيرة الشؤون الثقافية التونسية حياة قطاط القرمازي وعدد من نجوم الفن والمسرح التونسي.
مهرجان الحمامات ثاني أعرق المناسبات الفنية في تونس يمنح مكانة خاصة للأعمال المسرحية الجديدة
في عمله الجديد واصل توفيق الجبالي تفرده ليقدم العرض بأسلوب تجريبي خارج عن المألوف وصفه بأنه “مسرحي آلاتي”.
كانت الآلات الموسيقية جزءا من العرض وجوهر اللعبة الدرامية على غرار لعب الممثل والنص والسينوغرافيا، وبذلك كسر المخرج الوظيفة الكلاسيكية للموسيقى بوصفها فعلا متمما للعمل المسرحي.
ويقول الجبالي في تعريف المسرحية إنه “مسرح آلاتي بالضرورة وليس مسرحا موسيقيا بما يتيح إلغاء مفاهيم السرد والشخصية والتمثيل والأداء الموسيقي”.
وأضاف “الموسيقى باعتبارها فنا والتي يُفترض أن تكون شرفتنا على العالم في كونيته وشموليته وروعته، نحن ندوس بها على أكثر الأشياء قداسة بأناملنا العازفة بالروح وبحناجرنا المحشرجة وأصواتنا القريبة إلى النحيب والعويل تحت مسوغ التطريب”.
ويحيل عنوان المسرحية “على هواك” إلى القاموس الموسيقي حيث يكرر المؤدي مقطعا حسب الرغبة بطريقة حرة وليست مقيدة بالأصل.
وفي المسرحية الكل يعزف “على هواه” أو يغني “على هواه” لتسلب من الموسيقى “قيمها الجمالية التي لا تنضب”.
ولا يتوانى الجبالي عن النقد اللاذع للمجتمع وللواقع السياسي مغرقا عمله الجديد بالكثير من الإسقاطات التي تنهل من واقع تونس اليوم، إذ هي سخرية تشبه الضحك الأسود، ضحك بطعم المرارة، مما يحصل وحصل في بلد لم يتوقف الجبالي عن نقد واقعه منذ عقود في أعمال سابقة على غرار عمله الشهير بأجزائه المتعددة رفقة كبار نجوم المسرح التونسي “كلام الليل”.
يواصل الجبالي في نفس التمشي عبر تفكيك بنية العرض المسرحي التقليدية والذهاب أكثر إلى ما يمكن تسميته بالسكتشات، أو لعبة القص واللصق.
ونشير إلى أن العمل شارك الجبالي في كتابته عياض الشواشي، وقد أنتجه مسرح التياترو الذي يعتبر أول مسرح خاص في تونس أسسه الجبالي، الذي أهدى عرضه الجديد لروح فقيدة الساحة الثقافية التونسية زينب فرحات رفيقة دربه وشريكته في منجزه الفني منذ ثمانينات القرن الماضي.
المسرحية من تمثيل وليد العيادي وآمال العويني وسيرين بن يحيى وإشراق مطر وأحمد عليوين ومهدي الميداني ومحمود السعيدي ومحمد أمين الحرباوي وبدري ميمونة ووسيم الطرابلسي وفاطمة صفر وبديع بوسعايدي.
عروض مسرحية
يمنح مهرجان الحمامات ثاني أعرق المناسبات الفنية في تونس مكانة خاصة للأعمال المسرحية وسيعرض أيضا مسرحيات “آخر مرة” لوفاء الطبوبي وهي مسرحية من ثلاثة فصول، يروي الفصل الأول منها علاقة الرجل بالمرأة في العمل، ويروي الفصل الثاني علاقة الرجل بالأم، ويروي الفصل الثالث علاقة الزوج بالزوجة، وهذه الفصول الثلاثة تتقاطع جميعا في العنف والصراع بين الرجل والمرأة.
ونجد مسرحية “التائهون” لنزار السعيدي وهي عمل مسرحي نابع من صميم واقع المجتمع التونسي، يقدم حكايات ووقائع تأخذنا إلى تجارب إنسانية مرّة، وأخرى شديدة الواقعية في تقديم صورة شاملة عمّا يعيشه التونسيون ويواجهونه من تحديات تعترض يومياتهم.
ويعرض المهرجان مسرحية “هربة” لعزيز الجبالي، وفي هذا العرض، يستند المخرج إلى الخيال العلمي وهي سمة نادرة في المسرح التونسي والعربي ككل، إذ يحكي العمل عن اكتشاف كوكب جديد يشبه الأرض، ومن هنا تبدأ رحلة مثيرة إلى العالم الجديد في نوع من الكوميديا، محاولة لبناء إنسان جديد.
المخرج يتمرد على الوظيفة الكلاسيكية للموسيقى بوصفها فعلا متمما للعمل المسرحي ويخلق منها خيطا ناظما للعرض
ويكون الجمهور على موعد مع عرض “ياقوتة” لليلى طوبال، وهو الذي يمكن اعتباره تكملة لثلاثية مسرحية بدأتها طوبال بمسرحية “سلوان” (2015) و”حورية” (2017)، وذلك بالشراكة مع الجهة المنتجة “الفن مقاومة” والموسيقي لمهدي الطرابلسي. وكلّ عمل منها يغوص في أعماق المعاناة الأنثوية في مجتمع ذكوري بامتياز، حيث حاربت “حورية” و”سلوان” التشدد الديني والتكفير والإرهاب ودافعتا عن حرية المرأة ومكتسباتها في فترة حرجة من تاريخ تونس ما بعد ثورة يناير 2011.
واختارت طوبال لمسرحيتها الجديدة اسم “ياقوتة” إيحاء بأنّ المرأة تلمع كالياقوت مهما “سترها” المجتمع برداء الفضيلة والمحرمات، ووشحها بسواد النوايا والأحكام والعادات والتقاليد والأديان، على حدّ قولها.
كما يعرض المهرجان مسرحية “للرجال بركة” لنجوى ميلاد، تأليف نورالدين الهمامي وإخراج توفيق العايب، وهي تروي بأسلوب الكوميديا السوداء قصة فنانة مسرحية تغوص في ذكريات تجاربها العاطفية إثر زفاف ابنها الوحيد، وعبر هذه الذكريات يتشكل الطرح للعديد من القضايا الاجتماعية.
وتقدم سيرين قنون ضمن فعاليات المهرجان مسرحيتها “ربع الوقت”، و“ربع وقت” أو “CLUB DE CHANT” بعنوانها الفرنسي “نادي الغناء”، حيث المرأة هي العنوان الرئيسي فيها، وهي الفاعلة في سياق المسرحية، تفعل ما تريد بحرية من دون وصاية أو رقابة أو حتى مشاركة من الرجل، الذي بقي حبيس الحكايات والمواقف.
ويقدم المهرجان لرواده عروضا موسيقية للفنانين لطفي بوشناق من تونس وحمزة نمرة من مصر ووائل جسار من لبنان ودلال أبو آمنة من فلسطين.
كما يشمل البرنامج عرض “روميو وجوليت” من إنتاج مسرح الأوبرا وكذلك عرض “محمود مارسيل وأنا” الذي يحكي فيه الفنان اللبناني مارسيل خليفة تجربته الفنية والروحية مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.
ويستمر المهرجان حتى التاسع عشر من أغسطس بمدينة الحمامات السياحية المطلة على البحر المتوسط.