الاقتصاد
تسجيل أكبر نمو للناتج المحلي الإجمالي..
الفوائض المالية ترفع اقتصادات دول الخليج العربي الست خلال العام الجاري
أكدت تقييمات حديثة أن اقتصادات دول الخليج العربي على مشارف نمو قوي هذا العام بسبب الفوائض المالية المنجرة عن طفرة أسعار النفط، ما يحمل في طياته أخبارا إيجابية لحكومات المنطقة بأنها ستحسن مراكزها الائتمانية لدى وكالات التصنيف الدولية.
تعطي انطباعات صندوق النقد العربي حول سير اقتصادات دول الخليج الست خلال العام الجاري في طريق تسجيل أكبر نمو للناتج المحلي الإجمالي منذ سنوات جرعة تفاؤل لحكومات المنطقة بأنها أمام فرصة حقيقية لترسيخ خططها الإصلاحية.
وتوقع الصندوق أن تحقق دول الخليج العربي معدل نمو مرتفعا نسبيا بنحو 6.3 في المئة هذا العام مقابل 3.1 في المئة قبل عام.
وهذا التقييم يأتي بفعل محصلة من العوامل الداعمة للنمو في كل من القطاعات النفطية وغير النفطية، والتأثير الإيجابي للإصلاحات الاقتصادية المطبقة، علاوة على الاستمرار في تبني حزم للتحفيز داعمة للتعافي من الجائحة.
وذكر الصندوق في تقرير “آفاق الاقتصاد العربي” الذي أصدره الأربعاء أن الدول المصدرة للنفط ستستفيد في 2022 من ارتفاع كميات الإنتاج النفطي في إطار اتفاق أوبك+.
واستفاد منتجو النفط في الخليج من الارتفاع الحاد في أسعار الخام منذ بداية العام الماضي وارتفاع الطلب عقب تخفيف قيود الإغلاق في معظم الدول جراء الوباء.
كما أدت الحرب في أوكرانيا إلى حدوث اضطرابات في الإمدادات، ما نتج عنه مواصلة الأسعار ارتفاعها رغم أنها تراجعت قليلا في الفترة الأخيرة تحت حاجز المئة دولار للبرميل.
وانعكس هذا الوضع على تحقيق حكومات الخليج لفوائض مالية في ميزانياتها لأول مرة منذ فترة طويلة، فضلا عن تحسين تصنيفاتها الائتمانية.
ووفق النقد العربي سيدعم تواصل الزيادة في أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية مستويات الإنفاق العام المحفز للنمو في هذه الدول، ليرتفع معدل النمو المتوقع إلى ستة في المئة هذا العام مقابل 3.2 في المئة قبل عام.
وتوقع خبراء الصندوق في تقريرهم أن تستعيد القطاعات المتضررة مستويات ما قبل الوباء مدعومة بعودة الأعمال بالكامل وتدفق الاستثمارات الأجنبية.
كما أن الأثر الإيجابي لارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنفاق الحكومي الرأسمالي يسهم في استمرار الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ودعم القطاع الخاص.
وتُشكل سلطنة عُمان نموذجا لهذا التحول، حيث انتقلت ميزانيتها إلى تحقيق فائض في النصف الأول من هذا العام تجاوز ملياري دولار، مقابل عجز بلغ نحو 2.9 مليار دولار قبل عام.
ويعود تحقيق هذا الفائض الأول منذ 2013 بشكل أساسي إلى الزيادة الكبيرة في صافي الإيرادات النفطية التي قفزت 40 في المئة إلى نحو 8.3 مليار دولار، ومثّلت ما يناهز نصف الإيرادات الإجمالية للبلاد.
واستفادت الحكومة من هذه الإيرادات الإضافية عبر تسريع وتيرة تحفيز النمو من خلال زيادة الإنفاق الإنمائي.
كما تسعى مسقط لخفض الدين العام وإدارة محفظة القروض بإعادة شراء بعض السندات السيادية وسداد قروض عالية الكلفة وإصدار صكوك محلية، والذي أسفر عن تراجع الدين خلال ستة أشهر بمقدار 6 مليارات دولار إلى 48.3 مليار.
وتجلى ذلك على التصنيف الائتماني للبلد، إذ رفعت وكالة فيتش في وقت سابق هذا الأسبوع تصنيف قدرة عُمان على الوفاء بالالتزامات طويلة الأجل بالعملة الأجنبية إلى بي.بي ومنحتها نظرة مستقبلية مستقرة.
وتمثل السعودية، أكبر منتجي أوبك، طليعة المستفيدين من ارتفاع أسعار النفط، حيث حققت خلال الربع الأول من هذا العام فائضا بلغ 21 مليار دولار، مدفوعا بقفزة العوائد النفطية بمعدل 89 في المئة لتبلغ 67.7 مليار دولار بمقارنة سنوية.
ويعد هذا الفائض الربعي الأعلى منذ 2017، وهو تاريخ بدء وزارة المالية بالإعلان عن نتائج الموازنة بشكل فصلي لبلد توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصاده بنحو 7.6 في المئة هذا العام.
وبلغ الفائض في أول ستة أشهر من هذا العام 36.6 مليار دولار، في حين أن الرياض كانت تتوقع في الموازنة الحالية أن يبلغ 24.3 مليار دولار لكامل العام، ما يعني أن الفائض المحقق بالنصف الأول فقط يفوق إجمالي المتوقع للسنة الحالية بواقع الضعف.
أما الإمارات، وهي ثاني أكبر اقتصاد خليجي بعد السعودية، فقد شهدت قفزة بصافي الفائض المالي خلال الربع الأول بلغت 129 في المئة مقارنة بما كان عليه قبل عام.
وعزت وزارة المالية الفائض، البالغ أكثر من 10 مليارات دولار، إلى الزيادة الحادة في إنتاج وأسعار النفط بشكل أساسي، إلى جانب التحسن الملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي.
ووصل متوسط إنتاج النفط بالإمارات إلى 2.95 مليون برميل يوميا، للفترة من يناير إلى مارس الماضيين. وتشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي النفطي زاد بنسبة 13 في المئة على أساس سنوي.
ويتوقع مصرف الإمارات المركزي أن ينمو الناتج المحلي النفطي بنسبة 8 في المئة هذا العام على أن يتراجع إلى 5 في المئة العام المقبل، لكن الأمر رهين تطوّرات الصراع في أوكرانيا، وسرعة تعافي الاقتصادات من الجائحة وتقلبات الاقتصاد العالمي.
أثر ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة الإنفاق يسهمان في استمرار الإصلاحات الهادفة إلى نمو القطاع غير النفطي
ولم تكن قطر بمنأى عن الانعكاسات الإيجابية لارتفاع أسعار الطاقة، لاسيما الغاز الذي ارتفع سعره منذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا قبل خمسة أشهر إلى مستوى يعادل 600 دولار لبرميل النفط.
وفي ضوء ذلك حققت موازنة قطر فائضا خلال الربع الأول من هذا العام بلغ 3.7 مليار دولار، مقابل 54 مليون دولار قبل عام.
وبحسب بيانات وزارة المالية، فقد بلغت العوائد بين يناير ومارس الماضيين زيادة بمقدار 43.8 في المئة لتصل إلى 17.7 مليار دولار، منها 16.2 مليار دولار من قطاعي النفط الخام والغاز الطبيعي.
وكانت وكالة ستاندرد آند بورز قد أكدت في مايو الماضي تصنيف قطر الائتماني عند أي.أي سالب مع نظرة مستقبلية مستقرة وذلك على خلفية المكانة المالية القوية لدى الدول الخليجية، فضلا عن كونها أحد أكبر مصدّري الغاز المسال في العالم.
أما البحرين وهي من بين أضعف اقتصادات المنطقة فقد حققت خلال النصف الأول من هذا العام أول فائض مالي في ميزانيتها منذ 14 عاما، وإن كان متواضعا حيث بلغ 87.5 مليون دولار، بينما كانت التقديرات تُشير إلى تحقيق عجز بمقدار 1.38 مليار دولار.
وآخر فائض مالي سنوي حققته البحرين كان قبيل الأزمة المالية العالمية وانهيار أسعار النفط في 2008.
وعزت وزارة المالية الفائض المحقق إلى الالتزام ببرنامج التوازن المالي وارتفاع أسعار النفط، ما أدى إلى ارتفاع الإيرادات إلى النصف بين يناير ويونيو ليبلغ 4.5 مليار دولار على أساس سنوي.