الاقتصاد
تحقيق رؤية المملكة 2030..
قمة البيانات والذكاء الاصطناعي تقدم رؤية محمد بن سلمان الاستشرافية
عشرة آلاف مختص احتضنتهم القمة العالمية للبيانات والذكاء الاصطناعي في الرياض ليكونوا شهداء على الرؤية الاستشرافية للمملكة العربية السعودية التي أدركت أن عصر النفط أوشك على نهايته، وهي تبحث لتكون شريكا حقيقيا في عصر الذكاء الاصطناعي.
تخيل للحظة أنك لم تسمع من قبل بسور الصين العظيم، الذي اختير عام 2007 ليكون واحدا من عجائب الدنيا السبع، وجاءك من يقترح بناء سور يمتد على مسافة 21 ألف كيلومتر، يمكن رؤيته من سطح القمر! حتما ستتهم صاحب الفكرة بالجنون.
هكذا هي الأفكار الكبيرة، وهكذا هو قدر أصحابها. غالبا ما يثار حولهم الكثير من الشكوك.
لم يسلم المشروع الطموح الذي طرحه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 25 أبريل عام 2016 تحت اسم “رؤية 2030” من حملات التشكيك. المشروع الذي يمهد لمرحلة ما بعد النفط في المملكة العربية السعودية ، تزامن الإعلان عنه مع التاريخ المحدد للانتهاء من تسليم 80 مشروعًا حكوميًا عملاقًا، بلغت كلفة الواحد منها ما لا يقل عن 3.7 مليار ريال ووصلت إلى 20 مليار ريال، كما في مشروع مترو الرياض.
وفي 7 يونيو 2016 وافق مجلس الوزراء السعودي على برنامج التحول الوطني أحد برامج رؤية 2030.
لإنجاز المشروع أطلقت المملكة برنامج صندوق الاستثمارات العامة عام 2017، بهدف تعزيز وضع الصندوق وجعله ذراعاً أساسية لتحقيق رؤية المملكة 2030، باعتباره محفزاً اقتصادياً رائداً للمملكة وعنصراً فعّالاً للاقتصاد المزدهر.
يسعى برنامج صندوق الاستثمارات العامة لتعزيز الاستدامة الاقتصادية والاستثمارية للمملكة من خلال أربعة أهداف مباشرة يقوم من خلالها بتصميم وتطوير مبادراته وفق عدد من الركائز الاستثمارية، التي تتمثل في إطلاق القطاعات المحلية الواعدة، وتطوير المشاريع العقارية المحلية، وإطلاق ودعم المشاريع الكبرى، فضلاً عن زيادة أصول الصندوق العالمية وتنويعها.
استطاع البرنامج منذ إطلاقه تحقيق العديد من الإنجازات الكبيرة من بينها تعظيم أصول الصندوق وزيادة العائد الإجمالي للمساهمين والتوسع في إنشاء الشركات المحلية في مختلف المجالات، وإطلاق عدد من المشاريع الوطنية الكبرى، مما أسهم في استحداث مئات الآلاف من الوظائف المباشرة وغير المباشرة، إلى جانب زيادة مشاركة الصندوق في الناتج المحلي غير النفطي.
ويواصل برنامج صندوق الاستثمارات العامة طموحاته نحو مضاعفة أصوله ليكون أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم والشريك الاستثماري المفضل، بما يرسّخ مكانته في رسم ملامح مستقبل الاقتصاد العالمي.
وأوضح الأمير محمد بن سلمان أن البيانات الأولية تشير إلى أن الصندوق سوف يسيطر على أكثر من 10 في المئة من القدرة الاستثمارية على مستوى العالم، ويقدر حجم ممتلكاته بأكثر من 3 في المئة من الأصول العالمية. مضيفا أن السعودية ستكون قوة استثمارية من خلال الصندوق الذي سيكون بمثابة محرك رئيسي للكرة الأرضية وليس فقط للمنطقة.
طالما احتاجت الأفكار الكبيرة إلى أشخاص يمتلكون الشجاعة، هذا ما احتاج إليه بناء سور الصين العظيم، والأهرامات، والمئات من المشاريع التي ما كان لها أن ترى النور لولا الرؤية الثاقبة لمن يقفون خلفها.
لولا أصحاب القلوب الشجاعة لما تمكنت البشرية من اختراع العجلة، وما تلاها من اختراعات غيرت وجه التاريخ وتوجت اليوم بالثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي.
وبينما اكتفت دول عديدة، بينها دول أنعم الله عليها بثروات كبيرة، بالمراقبة شاركت أخرى في تطوير هذه المنجزات، بعد أن قيض لها من بين أبنائها من امتلك الرؤية والشجاعة لإحداث التغيير.
وإذا كان العالم قد تقبل مشاركة دول مثل الصين وكوريا الجنوبية والهند في الثورة التي يقودها الذكاء الاصطناعي إلى جانب الولايات المتحدة ودول أوروبا، إلا أنه فوجئ بدولة طالما اعتمدت على الاقتصاد الريعي تبحث لها عن مكانة بين الدول العشرة الكبار.
وهو ما تصرّ على فعله اليوم المملكة العربية السعودية بتوجيه مباشر من الأمير الشاب الذي امتلك الرؤية، والأهم امتلك الشجاعة لطرح رؤيته.
تعلم المملكة أن النفط في طريقه إلى زوال، وأن هناك نفط جديد سيحل محله قريبا هو البيانات والذكاء الاصطناعي، لذلك أرادت أن تسخر ثرواتها التي وهبها الله لها في الاستثمار بالتكنولوجيا الذكية الحديثة.
"ذا لاين" هدية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للبشرية
هكذا ولدت “نيوم”.. وهكذا ولد معها مشروع “ذا لاين”. فإذا كان مشروع نيوم العملاق الذي بوشر بإنجازه في شمال غرب البلاد هو تاج رؤية السعودية 2003، فإن “ذا لاين” هو جوهرة التاج.
ستة أشهر من الاجتماعات مع الأمير محمد بن سلمان، أفضت إلى تصميم المشروع الحالي الذي وصفه الرئيس التنفيذي لـ “نيوم” نظمي النصر، بـ”نقلة عالمية لم يرَ العالم مثلها حتى الآن”. وتشارك بتنفيذه شركات هندسية عالمية كبرى، تعمل على تطوير “تكنولوجيا جديدة لم تنفذ من قبل لرفع جودة الحياة في المشروع”.
وكان وليّ العهد السعودي أعلن عن تصاميم مدينة “ذا لاين” التي تستهدف تحقيق مثالية العيش، وتعالج التحديات الملحة التي تواجه البشرية، مذكرا أن التصاميم الاستثنائية للمدينة لا يمكن أن تتجاهل أزمة البيئة وطريقة الحياة اللتين تواجهان مدن العالم.
وتشمل المدينة التي يخترقها قطار فائق السرعة يصل بين طرفي المدينة في 20 دقيقة، مساحات داخلية مبتكرة لخلق تجارب غير عادية، وسيتيح البناء الذي صمم على شكل طبقات عمودية إمكانية التحرك بالاتجاهات الثلاثة.
وتقدم المدينة نهجاً جديداً في تصميم المدن يرتكز على مفهوم انعدام الجاذبية، وستكون مكان الحالمين بغد أفضل، وفيها سيضع الجميع بصمتهم الابتكارية، وفق ما ذكره ولي العهد السعودي.
عرض المدينة يبلغ 200 متر فقط على امتداد 170 كيلومترا، فيما يبلغ ارتفاعها 500 متر.
وتعمل آلاف المعدات حاليا في ميناء “أوكساجون”، وسيكون هناك جزر ومناطق سكنية سيبدأ العمل فيها قريباً. إلى جانب مرافق التعليم والجامعات والصحة لتكون جزءاً من مشروع "نيوم".
وكل شيء في المشروع الطموح يجري بوضوح وشفافية عالية ليس أدل عليها من دعوة المملكة صناع القرار والخبراء والمختصين في مختلف القطاعات للمشاركة في قمة عالمية للبيانات والذكاء الاصطناعي، عقدت النسخة الأولى منها افتراضيا يومي 21 و22 أكتوبر 2020، تحت شعار "الذكاء الاصطناعي لخير البشرية".
واليوم، بعد مرور عامين على انعقاد النسخة الأولى من القمة انطلقت يوم الثلاثاء 13 سبتمبر النسخة الثانية تحت نفس الشعار. وبحضور ميداني لـ10 آلاف شخص من صناع السياسات والقرارات والمختصين والمهتمين بالذكاء الاصطناعي في العالم.
بحثت القمة التي اختتمت أعمالها يوم الخميس تقنيات الذكاء الاصطناعي من حيث الواقع والتطبيقات الراهنة وكذلك الآفاق والتحديات المستقبلية.
وافتتحت القمة بعرض مبهر بعنوان "يمكن للبشر أن يكون لهم مستقبل أفضل بفضل الذكاء الاصطناعي"، تضمن سبعة مشاهد تروي علاقة الإنسان بالذكاء الاصطناعي.
وألقى وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبدالله بن عامر السواحة كلمة سلط فيها الضوء على الدعم والتمكين الذي يوليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لكل ما من شأنه أن يساعد على اغتنام فرص المستقبل، من خلال التركيز على الذكاء الاصطناعي ودوره في خدمة البشرية ورسم مستقبل المملكة لبناء مجتمعات رقمية ومدن ذكية واقتصادات رقمية مزدهرة.
واستحضر رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" عبدالله بن شرف الغامدي في كلمته التي ألقاها، النسخة الأولى من القمة التي عقدت بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي عام 2020 بسبب جائحة كورونا. وحذّر من الفجوة الرقمية بين الدول في ظل التقدم التقني وبأنها لا تزال تتسع مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى أن الفجوة بين الجنسين هائلة.
"الإشارات المبكرة واعدة” كما يقول الغامدي، ونحن نكاد نلامس سطح القدرات الكامنة للذكاء الاصطناعي “حيث يمكن للمزارع الرأسية التي تعمل اليوم عبر أدوات الذكاء الاصطناعي إنتاج أغذية بطاقة إنتاجية تصل إلى ما يتجاوز 400 ضعف ما تنتجه المزارع التقليدية"، مضيفا أن "الذكاء الاصطناعي أثبت أنه يمكن أن يساعد في تقليل الانبعاثات بنسبة 40 في المئة، وأن يتنبأ ببعض أنواع السرطان بشكل أفضل من البشر".
من امتلك الشجاعة فقط قادر على قراءة المستقبل، التاريخ يصنعه هؤلاء. أما المترددون فيكتفون بزراعة اليأس وحصاد الفشل.
الذين يشككون اليوم في الرؤية المستقبلية للأمير الشاب هم من نفس النوعية التي شككت في الماضي ببناء سور الصين العظيم، وشككت بالمحرك الانفجاري والطائرة والهاتف والتلفزيون. وهم من شكك حتى وقت قريب جدا بالذكاء الاصطناعي، وسخروا من فكرة أن تحل الروبوتات مكان البشر في إنجاز المئات من المهمات.
من كانت لديهم شكوك في رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لعام 2030، عليهم أن يعيدوا النظر في شكوكهم.