الأدب والفن
فكر جديد في ظل تنوّع الاقتصاد الوطني..
عام القهوة السعودية.. موروث حضاري يبرز عراقة المملكة عبر ثقافة الشعوب
عندما ترتشف فنجاناً من القهوة السعودية ذات المذاق الخاص؛ فتأكد أنك ستترك همومك وراء ظهرك وتستودع أسرارك أسيرةً داخل فنجانك الساخن، حيث ستتطاير همومك مع تلك الرائحة المميزة، التي تتصاعد من فنجان أصيل بطعم ورائحة البن الخولاني فتذوب همومك ويكتنفك شعور عجيب بالسعادة فتطيل التأمل والتحديق في فنجانك؛ وترتشف منه ببطء حتى تطيل استطعام المذاق الآخاذ.
نعم إنه البن الخولاني أحد أجود وأغلى أنواع القهوة في العالم.. إنها القهوة السعودية، رمز الكرم والجود والتاريخ العريق والأصالة، يحملها الشباب كهوية معبّرة عن ارتباطهم الوثيق بموروث ثقافي حافل بعادات وتقاليد المملكة، في إطار نهضة شاملة، يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وينفذها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي بثّ روح الشباب في أوصال الدولة، بأفكاره الحية ومبادراته المتغردة، ومنها الاحتفاء بالقهوة السعودية كرمز ثقافي أصيل، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالموروث الثقافي للمملكة، الحافل بالعادات والتقاليد..
قامت وزارة الثقافة في المملكة بالاحتفاء بالقهوة السعودية، بوصفها عنصراً ثقافياً دالاً على قيم نبيلة يتميز بها الإنسان السعودي، كالكرم وحسن الضيافة، وإبراز قيمتها بوصفها منتجاً ثقافياً يرتبط بهوية السعوديين وبعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة عبر تنفيذ العديد من المبادرات والفعاليات الثقافية الخاصة “بعام القهوة السعودية 2022″، منذ مطلع العام الجاري، في العديد من مدن ومناطق المملكة.
تمثّل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والتي قادها ولي العهد، وأقرّها خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، بداية مرحلة جديدة من التطوير والتحديث، وتنطلق أهميتها من ارتكازها على مكامن القوة في الوطن الغالي، وقدراته الاستثمارية الضخمة وموقعه الجغرافي، وفي سياق رغبة السلطات السعودية في تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، أطلقت حملتها للترويج لقهوتها، ووجهت المطاعم والمقاهي لاستخدام مصطلح "قهوة سعودية" بدلاً عن "القهوة العربية"، كما أُعلن في المملكة عن خطط لدعم إنتاج البن باستخدام "تقنيات الري"، وتأتي هذه الحملة في إطار جهود وزارة الثقافة لتعزيز الشراكة مع منظمات القطاع الخاص؛ للمشاركة في مبادرة عام القهوة السعودية، التي تنظمها الوزارة بدعم من برنامج جودة الحياة، أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، وإلى تعزيز حضور المبادرة، ورفع مستوى المشاركة المجتمعية في دعمها وتحقيق أهدافها الوطنية.
تحضّر القهوة السعودية من حبوب البن المحمصة التي تغلي بالماء بالدرجة المطلوبة، ما بين الخفيفة الذهبية والسمراء، ولا يضاف إليها السكر، وقد يضاف إليها الزعفران أو القرفة أو الهيل أو القرنفل، وتقدّم في "دلّة وفنجان" صُمّما خصيصاً لها، بملء الجزء السفلي من الفنجان بكمية صغيرة، ما لم يرغب الشارب بعكس ذلك، وتُقدّم مع التمر.
أعلنت شركة أرامكو السعودية العملاقة للطاقة الشهر المنصرم، نيتها بناء مركز للبن في جازان، في خطوة تهدف لاستخدام أحدث التقنيات لتحسين الإنتاج وزيادته، وهذا المشروع من المبادرات المتعددة التي تندرج ضمن سعي المملكة إلى تنويع مصادر دخل اقتصادها المرتهن بالنفط، وتعتبر منطقة جازان؛ حيث المناخ الدافئ الرطب المطير والتربة الجيرية البازلتية، ويُعرف عن البن الخولاني جودته العالية ومذاقه الفريد..
وتشتهر منطقة جازان بالبنّ الخولاني الأحمر، وغالباً ما يتم مزجه مع حبات الهيل المعطّرة؛ إضافة إلى الزعفران؛ لتتخذ بذلك القهوة، أو الـ"غوا" (كما يطلقُ عليها أبناء المنطقة)، مذاقاً رائعاً ولوناً ذهبياً مشرقاً، تتميز به عن القهوة التي تُشربُ في أماكن أخرى من الشرق الأوسط والعالم، وتضم المنطقة الجبلية عدداً من مزارع البن الذي يُزرع على ارتفاعات عالية، وتعتبر محافظة الداير بالجازان (عاصمة للبن الخولاني) أحد أشهر مواقع زراعة البن الخولاني، التي تعتلي مزارعها قمم الجبال؛ فهناك أشجار تتوارثها الأجيال، لها تاريخ وأصالة يحملها أهلها كهوية؛ فهي من أجود وأغلى أنواع القهوة في العالم، وهي موروث شعبي سعودي، وعلامة ثقافية تتميز بها المملكة، سواء من خلال زراعتها، أو طرق تحضيرها وإعدادها وتقديمها للضيوف.
لقد كان ابن سلمان مدركاً بفهم حقيقي وجديد لما يقوده من تغيير؛ فلقد أسست هيئات ثقافية متعددة تساهم في التنوع الاقتصادي، وتهتم بالموروث الثقافي السعودي؛ حيث تعمل على حفظه ونشره على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي الاقتصادي، وهذا ليس بالغريب، عندما نجد شعار اليوم الوطني السعودي، هو شعار تمَّ اتخاذه هويَّةً لليوم الوطني لعام 1444 (هي لنا دار) لما له من دلالات عميقة وصادقة التي ترمز لها؛ حيثُ إنَّ جميع السعوديين اعتادوا على وصف وطنهم بكلمة الدار في الكثير من القصائد الوطنية والشعبيَّة، وقصائد التراث والحضارة، وحتى في الأغاني.
*مجلة سيدتي