الاقتصاد
طهران تتحكم في تدفق المعلومات باستخدام عمليات إغلاق الإنترنت..
الإنترنت الفضائي.. كيف يتجاوز الجدار الرقمي لـ سلطات الملالي بإيران.. خبير رقمي يجيب
رغم القمع الذي يمارسه النظام الإيراني ضد النشطاء وفرض حصار عليهم ومنعهم من الاتصال بالعالم الخارجي عبر الإنترنت، فإن بعضم نجح في تهريب أطباق استقبال الإنترنت الفضائي الذي تقدمه شركة ستارلينك، ما قد يغير قواعد اللعبة.
عمل النظام الإيراني، منذ بدء الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد منذ أكثر من ستة أشهر، على قطع كل وسائل التواصل بين المتظاهرين، وأغلق جميع منافذ الإعلام المعارض، وشدد الرقابة على المنصات الاجتماعية.
ولمساعدة الإيرانيين على تخطي هذا الجدار، عملت دول وعلى رأسها الولايات المتحدة، على توفير بعض الآليات التقنية، مجانا، لصالح المواطنين في إيران، مثل الشبكات الافتراضية الخاصة “في.بي.أن”، لكن تزداد الحاجة إلى آلية أكبر تستطيع تخطي كل محاولات النظام لمنع تدفق الإنترنت على الشعب.
وهناك جيل جديد من الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض يوفر خدمة إنترنت أسرع وأرخص للملايين من الأشخاص في جميع أنحاء العالم، وبإمكان الشعوب التي تقبع تحت نير أنظمة شمولية الاستفادة منها لدعم الاتصال بينها.
لكن التحدي يكمن في كيفية دعمها عن طريق مستقبلات أرضية داخل بلدان لا تزال تحت حكم أنظمة شمولية مثل إيران.
جدار رقمي
اندلعت الاحتجاجات في إيران في سبتمبر الماضي، مباشرة بعد وفاة الشابة مهسا أميني في عهدة الشرطة، التي اعتقلتها بسبب طريقة ارتدائها للحجاب الإسلامي. وحصدت تلك الانتفاضة أرواح المئات بينما يوجد عدد هائل من المعتقلين رهن الحبس، فيما يواجه آخرون خطر الإعدام.
ومنذ ذلك الحين، تقوم الحكومة الإيرانية بقمع التحرك بشدة، وجزء من إستراتيجيتها هو التحكم في تدفق المعلومات باستخدام عمليات إغلاق الإنترنت والرقابة عن طريق “جدار رقمي” يجعل من الصعب الوصول إلى المواقع الأجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة الآمنة.
ويقول بايام، المبرمج الإيراني والمختص في العملات المشفرة، إنه “تم حظر تقريبا جميع تطبيقات المراسلة مثل تلغرام وواتساب وجميع وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك.. وأي شيء يخطر ببالك”.
وتحدث بايام، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه الكامل، ضمن “بودكاست” أعده لشبكة تلفزيون بي.بي.أس الأميركي.
شبكة "ستارلينك" توفر خدمة الإنترنت لأكثر من مليون مستخدم في جميع أنحاء العالم، ولكن لديها عامل قد يعرقل عملها فورا في إيران
وفي عام 2022، وثقت مجموعة حقوق الإنسان “أكسس ناو” 18 إغلاقا للإنترنت في إيران جميعها تقريبا خلال الاحتجاجات التي عمّت أنحاء البلاد.
وهذه الإغلاقات والقيود تجعل من الصعب على المتظاهرين تنظيم أنفسهم، أو على الصحافيين فضح انتهاكات حقوق الإنسان، بل أبعد من ذلك، فقد أصبح أيضا من الصعب على الأشخاص الذين يحاولون فقط كسب عيشهم باستخدام الإنترنت، العمل بحرية.
وأخت بايام، واسمها آزاده، تمتلك ماركة ملابس خاصة بها، حيث تقوم بجلب الأقمشة من القرى النائية البعيدة، لكن منذ أن بدأ وباء كورونا، اعتمد عملها على وسائل التواصل الاجتماعي للمبيعات.
وتقول معلقة على الإغلاق الذي يفرضه النظام “نلتقط صورا لعملنا ونرسلها إلى العملاء عبر واتساب أو تلغرام أو ننشرها على صفحتنا على إنستغرام، لكن مع تصاعد قيود الإنترنت، واجهت مبيعاتنا انخفاضا كبيرا”.
وتقول هذه السيدة، التي لم تكشف عن اسمها خلال حديثها ضمن “بودكاست” أعده موقع “Wider Horizons for You and Yours” إن عمليات الإغلاق والقيود سحقت ما كان بمثابة إحياء للحرف الإيرانية التقليدية.
وأضافت “دون منصات وسائل التواصل الاجتماعي الشعبية، يجد الحرفيون في المناطق النائية صعوبة في الوصول إلى سوق أوسع”.
شبكات افتراضية خاصة
من أجل الالتفاف حول قيود الإنترنت، يستخدم غالبية الإيرانيين تطبيقات توفر شبكات افتراضية خاصة “في.بي.أن”، وعادة ما تكون هذه التطبيقات مدفوعة الأجر، حيث يمكنها إضافة الأمان والخصوصية عبر الإنترنت وحتى خداع مزود خدمة الإنترنت لديك للاعتقاد بأن هاتفك في بلد مختلف. لكن الحكومة تتخذ إجراءات صارمة ضد هؤلاء أيضا.
ونتيجة لذلك، أصبح العثور على تطبيقات “في.بي.أن” التي تعمل بشكل جيد أكثر صعوبة.
وقال رضا غزينوري، الذي يدير برنامج أمان على الإنترنت، وأصبح يقيم الآن في الولايات المتحدة “إنها مشكلة”. وتابع “يستغرق الأمر أحيانا ساعات لفتح شبكات “في.بي.أن” هذه، واختبارها واحدة تلو الأخرى لمعرفة أيها يعمل اليوم وأيها لا يعمل”. وأضاف “كم هو مؤلم أن تعمل بجد كل يوم لمجرد الحصول على القليل من الاتصال بالإنترنت غير الخاضع للرقابة”.
وأصبح غزينوري خبيرا في الأمن عبر الإنترنت والاتصالات، ليس من منطلق المصلحة الشخصية، بل لأنه اضطر إلى ذلك بصفته طالبا ناشطا في إيران، وفق قوله.
وقال “قبل شهر واحد فقط على طرح رسالتي، طُردت من الجامعة بسبب نشاطي، ثم اضطررت لاحقا إلى الفرار من البلاد لتجنب الاعتقال”.
الأقمار الاصطناعية تساعد
منذ فراره من إيران في عام 2011، ساعد غزينوري في دعم المنظمات غير الربحية التي تروّج لإنترنت مفتوح ومجاني يمكن الوصول إليه بسهولة في إيران.
وكجزء من هذه الجهود، يريد غزينوري المساعدة في إيجاد بدائل لشبكات “في.بي.أن”، حيث ينصب اهتمامه الآن على شبكات الأقمار الاصطناعية مثل Starlink وKuiper وAST Spacemobile وOneWeb، والتي من المحتمل أن تعيق البنية التحتية للاتصالات الإيرانية التي يوكل إليها النظام مهمة الرقابة.
وشبكات الأقمار الاصطناعية، سالفة الذكر، ليست سوى أمثلة عن العديد من مزودي الأقمار الاصطناعية، الذين يتسابقون لتقديم خدمات الإنترنت في العالم.
ووفقا لمستشار صناعة الأقمار الاصطناعية ويتني لومير، الذي كان أول مهندس تم تعيينه في شبكة OneWeb، فقد شهدت لجنة الاتصالات الفيدرالية اقتراحات تطبيقات من أكثر من 20 مؤسسة لأكثر من 70 ألف قمر اصطناعي.
وقال بالخصوص “إنه وقت رائع في صناعتنا.. بالنهاية نحن نمنح الناس الاستقلالية والحرية”.
في عام 2022، وثقت مجموعة حقوق الإنسان “أكسس ناو” 18 إغلاقا للإنترنت في إيران جميعها تقريبا خلال الاحتجاجات التي عمّت أنحاء البلاد
وتدور الأقمار الاصطناعية حول الأرض بسرعة 17 ألف ميل في الساعة، بينما تطير على مدار منخفض (بضع مئات من الأميال فقط فوق الأرض).
ولا يقتصر قربها على التخلص من الفاصل الزمني بين المكالمات فحسب، بل إنه يجعل أيضا من الممكن للهواتف الذكية العادية الاتصال مباشرة بها، مما قد يوسع تغطيتنا الخلوية إلى كل ركن من أركان الكوكب.
وهذه الخصائص لا تخدم مجرد المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية، بل تجعل منها أيضا بوابة محتملة لتقديم خدمات الإنترنت لـ2.7 مليار شخص غير متصلين بالإنترنت حاليا.
وشبكة “ستارلينك” التي هي أصلا قيد التشغيل بالفعل، توفر خدمة الإنترنت لأكثر من مليون مستخدم في جميع أنحاء العالم، ولكن لديها عامل قد يعرقل عملها فورا في إيران، حيث يُشترط أن تتصل بطبق استقبال وهو عبارة عن محطة على الأرض بقيمة 500 دولار، بحجم حقيبة.
ويقول مختصون “هذا حاجز كبير في بلدان مثل إيران، حيث يجب تهريب تلك المحطات عبر الحدود في عملية خطيرة ومكلفة”.
وغزينوري الذي يعمل بمعية منظمة غير ربحية ترسل “محطات ستارلينك” إلى إيران، يقول إنه لا يوجد سوى بضع مئات من المحطات النشطة داخل البلاد في الوقت الحالي.
وبالنسبة لبلد يبلغ عدد سكانه 90 مليون نسمة، تبدو بضع مئات من المحطات (الأطباق) بمثابة قطرة في بحر.
لكن في الوقت الحالي، يرى غزينوري أنها وسيلة ناجعة لإيصال الإنترنت غير المقيدة مباشرة إلى أيدي الصحافيين والقادة النشطاء أولا، إلى حين تعميمها إلى باقي المواطنين، لاحقا.