تحليلات
"نزوح 50 ألف يمني منذ بداية 2023..
السعودية وملف اليمن.. مساعٍ لتقاسم طائفي ينهي طموح الجنوبيين في استعادة دولتهم السابقة
"الشكر والتقدير للتدخلات الإنسانية العاجلة من أشقائنا في المملكة العربية السعودية، الذين لطالما كانوا في موعدهم إلى جانب الشعب اليمني في مختلف الظروف"؛ بعبارات الشكر هذه، خرج رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني المؤقت اللواء رشاد العليمي، للحديث عن زيارته المتكررة الى محافظة المهرة التي تنازع الرياض من سنوات للحصول على موطئ قدم في المحافظة الشرقية، ولا تمانع "الجارة الكبرى للجنوب"، في تحقيق طموحاتها ولو كان ذلك على حساب تقسيم الجنوب، كما يقول جنوبيون.
في الـ23 من أكتوبر/ تشرين الأول، نشرت صحيفة اليوم الثامن تقريرا حول الزيارات المتكررة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى محافظة المهرة، بهدف عرقلة مخططات المجلس الانتقالي الجنوبي، الهادفة الى إزاحة القوات العسكرية اليمنية التي تسيطر على المهرة ووادي وصحراء حضرموت، وبات وجودها بالنسبة للسعودية "أهمية كبيرة في تحقيق اهداف استراتيجية، حيث ترى السعودية ان إزاحة هذه القوات من محافظات الجنوب الشرقية، قد يعرقل مشاريع استراتيجية تعمل الرياض عليها منذ عهد نظام علي عبدالله صالح، وقد باتت هذه المشاريع تشكل خلافات حادة بين الرياض ومسقط، التي تسعى أيضا الى السيطرة على المهرة، عبر اذرع محلية في المحافظة باتت تمتلك تشكيلات مسلحة خارج سيطرة السلطة المحلية، بل انها مناوئة لها.
وقالت صحيفة اليوم الثامن في تقرير سابق لها إن ما يفسر الاهتمام السعودي بالمهرة التي أصبحت منطقة "نزاع نفوذ"، اشبه بالمقايضة، التنازل على الإرث السعودي في اليمن الشمالي منذ كانت صنعاء مملكة قبل ستينيات القرن الماضي، مقابل الحصول على بعض الامتيازات في المهرة وحضرموت بالتنسيق مع سلطنة عمان، أو هكذا فسرت زيارة ولي العهد السعودي الى مسقط.
يعتقد على نطاق كبير من الجنوبيين، وجود تقاطع مصالح بين السعودية وسلطنة عمان، بشأن مساعي استقلال دولة الجنوب مرة أخرى، فالرياض التي لم تخف مطامعها في المهرة وحضرموت منذ عقود باتت اليوم تتحرك في هذه المحافظات بشكل مقلق للجنوبيين الذين يبدون استغرابهم من وقوف المملكة الجارة ضد تطلعاتهم في استعادة دولتهم السابقة، على الرغم من انهم ابلو بلاء حسنا في الحرب ضد الأذرع الإيرانية وكانوا العامل الوحيد في طرد الاذرع الإيرانية من كافة المدن الجنوبية.
تسعى السعودية الى تحقيق مشروعها الاستراتيجي والمتمثل في ان تكون لها اطلالة على البحر العربي، ولكن الرياض تدرك ان ذلك لن يتحقق الا بالتنسيق والتشاور مع مسقط.
لم يعد خافيا المطامع الإقليمية في جزء مهم من الجنوب، خاصة وان الرياض قد أشرفت على تشكيل كيانات سياسية جهوية هدفها مناهضة المجلس الانتقالي الجنوبي، الامر الذي تؤكد عليه نخب سياسية سعودية لعل أبرزها سليمان العقيلي الذي تحدث لوسائل إعلام سعودية عن ما اسماه مكاسب التدخل في الحرب "الحصول على نفوذ في المهرة وحضرموت وشبوة"؛ وهي محافظات استراتيجية بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
لم تخف الرياض رغبتها في إنشاء ميناء نفطي في محافظة المهرة، كمتنفس جنوبي يطل على المخيط الهندي، بعيدا عن أي تهديدات إيرانية قد تشكلها طهران على مضيق هرمز ، فالمملكة الثرية أبدت منذ عقود اهتمامها بالمحافظات الجنوبية الاستراتيجية "المهرة وحضرموت وشبوة"، وهو ما بات يتحدث عنه السعودية بشكل طبيعي "الحديث عن إمكانية ضم هذه المحافظات الى الجغرافيا السعودية"؛ فعلى الرغم من صعوبة ذلك، الا ان الحلم السعودي لإيجاد منفذ بحري عبر سلطنة عمان او الجنوب، يمثل طريقا آمنا وبديلا لتصدير النفط.
وعلى الرغم من التهدئة المؤقت خلال الأسابيع الماضية، الا ان الرياض عادت مرة أخرى الى الدفع بأوراقها المناوئة للمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث دفعت برشاد العليمي لزيارة المهرة، اعقبه خروج أذرع الرياض في حضرموت ببيانات وصفت بالكيدية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت قد سحبت قواتها من الجنوب في أواخر العام 2019م.
وهاجم بيان صادر عن – عمرو بن حبريش وهو مسؤول محلي تربطه علاقة بالسعوديين- ان إجراءات أمنية نفذتها السلطة المحلية في المحافظة ضد عناصر خارجة عن النظام والقانون، تمثل انتهاكاً، محملا الإمارات مسؤولية ما خلفته تلك الإجراءات".
وقد عبر ناشطون وسياسيون جنوبيون، عن رفضهم لتلك التصريحات "غير المسؤولة"، مؤكدين على دور أبوظبي التنموي في حضرموت والجنوب بشكل عام.
ولم تكتف الرياض، بهذه المواقف في حضرموت، بل سارعت الى ارسال رشاد العليمي إلى العاصمة عدن، التي يواجه فيها السكان أزمة إنسانية كبيرة، تتمثل في انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 20 ساعة في اليوم، وسط انهيار كبيرة للعملة المحلية المتداولة امام العملات الأجنبية.
ولم يتحرك المجلس الرئاسي المؤقت بشكل جدي في معالجة تلك الازمات، لكنه بات يعمل وفق اجندة إقليمية تهدف الى تقليص نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي، نحو إعادة "حصره في عدن"، وقد شكلت السعودية قوات محلية "تتبع شخصيا رشاد العليمي، أطلق عليها قوات درع الوطن، وسبق للرياض ونشرت بعض تلك القوات في مدن جنوبية، لعل أبرز تواجد لتلك القوات في قاعدة العند الجوية بمحافظة لحج.
بالحديث عن "قاعدة العند"، تحولت أكبر قاعدة عسكرية في الجنوب، إلى موطن للنازحين اليمنيين الذي تركوا شمال اليمن الواقع تحت سيطرة الحوثيين، بحثا عن دعم حكومي يصل عن طريق المنظمات الدولية، لكن لم تخف حكومة معين عبدالملك، استغلال موجة النزوح اليمني صوب الجنوب، في تعزيز حضورها السياسي في المشهد من خلال ملف الازمة التي يشكلها النازحون.
وخلال الأيام الماضية، أوقف المجلس الانتقالي الجنوبي، مؤتمرا لحكومة معين عبدالملك، كان يهدف الى توطين النازحين اليمنيين في مدن الجنوب، الذين يتزايدون بشكل ملحوظ على الرغم من توقف اعمال القتال والعنف في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة جماعتي الحوثيين والاخوان المسلمين.
وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة الإثنين، نزوح أكثر من 4700 أسرة يمنية منذ مطلع العام الجاري 2023، من محافظات يمنية خاضعة لسيطرة إخوان اليمن كمأرب وتعز، وأخرى مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في تهامة وتعز أيضا، صوب مدن الجنوب، في خطوة تؤسس لتقاسم على أساس طائفي ينهي طموحات الجنوبيين في استعادة دولتهم السابقة التي قضت عليها حرب يمنية شمالية في صيف العام 1994م، عقب أقل من ثلاثة أعوام على توقيع اتفاقية وحدة هشة بين البلدين الجارين.
وذكرت المنظمة الأممية في تقرير حصلت وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ)، على نسخة منه، أن "وحدة تتبع النزوح التابعة لها رصدت نزوح 4 آلاف و716 أسرة في اليمن منذ بداية يناير حتى 14 أكتوبر/ تشرين الأول العام الجاري.
وأضافت: "هذه الأسر النازحة يبلغ عدد أفرادها 28 ألفًا و296 شخصًا نزحوا مرة واحدة على الأقل".
وأشارت إلى أن "أكثر المحافظات التي شهدت حالات النزوح، هي الحديدة وتعز ومأرب"، ووفق تقديرات أممية بلغ عدد النازحين اليمنيين في مدن الجنوب المحررة "أربعة ملايين شخص"؛ في حين ان احصائيات حكومية في عدن، أكدت ان عدد النازحين في الجنوب بلغ أكثر من ثمانية ملايين نازح، أي ان تعدادهم قد تساوى مع السكان الأصليين.
ويبلغ تعداد سكان الجنوب نحو ثمانية مليون نسمة، في حين ان اعداد النازحين يصل الى هذا الرقم، واغلب موجة النزوح كانت صوب محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة، وهو ما ضاعف من الازمات الإنسانية التي يقول جنوبيون انها مفتعلة.
وأكد مصدر جنوبي وقيادي سابق في المجلس الانتقالي الجنوبي ان هناك مخططات إقليمية تهدف الى تنفيذ مشروع تقاسم "على أساس طائفي"، ان يذهب اليمن الشمالي للحوثيين الموالين لإيران، والجنوب يصبح دولة يمنية "سنية"، بعيدة عن اليمن الشمالي الشيعي، وهو أمر يقضي تماما على مشروع الجنوبيين في استعادة دولتهم السابقة.
وحذر المصدر من مغبة السماح بتحقيق هذا المشروع، مؤكدا ان على المجلس الانتقالي الجنوبي مسؤولية كبيرة أولا في إعادة النازحين اليمنيين الى مناطقهم التي نزحوا منها، خاصة في ظل وجود هدنة طويلة المدى بدأت فعليا في بداية العام 2022م، ولم تعد هناك أي رغبة لكل أطراف الصراع في اليمن بتجدد القتال، بل أصبح هناك نوع من التقارب بين هذه الأطراف.