مصادر لـ(اليوم الثامن) تؤكد إيقاف مؤتمر توطين النازحين..

«رشاد العليمي».. رجل السعودية في اليمن يصل المهرة مجدداً.. ما سر اهتمام الرياض بالمحافظة الشرقية؟

منذ نحو ثلاثة عقود تخوض السعودية وسلطنة عمان، سباق النفوذ في المهرة وصحراء حضرموت، فمسقط سبق لها منح بعض افراد القبائل الجنوبية، الجنسية، ومثل ذلك فعلت الرياض، والهدف الحصول على نفوذ في هذه المحافظات الاستراتيجية مستقبلا بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني المؤقت رشاد العليمي - أرشيف

ناصر الخضر
ضابط عسكري متقاعد
عدن

وصل رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني المؤقت "اللواء رشاد العليمي" إلى مدينة الغيضة مركز محافظة المهرة (828 كم شرق العاصمة عدن)، في زيارة وصفت بالطارئة، لدعم جهود السلطة المحلية في مواجهة

التداعيات المحتملة للإعصار المداري "تيج" الذي يدخل المحافظات الشرقية هذا الأسبوع؛ عقب نحو 70 يوما من الزيارة الأولى، حين دفعت الرياض في الـ12 من أغسطس/ آب الماضي برجلها الأول إلى المحافظة الشرقية، في ظل حديث إعلام محلي واقليمي عن طموحات سعودية بالهيمنة على المحافظات الشرقية التي لا تزال تخضع لسيطرة عسكرية من القوات اليمنية الشمالية المدعومة من بعض القوى الإقليمية.

 ورشاد العليمي، وزير داخلية سابق في نظام علي عبدالله صالح، عرف بوقوفه وراء اعمال قمع وحشية نفذتها الأجهزة الأمنية ضد الحراك الجنوبي خلال العقدين الماضيين، ناهيك عن تورط ادارته في ضربة جوية أخطأت أهدافها في بلدة المعجلة بأبين واودت بحياة العشرات من المدنيين بينهم 40 من النساء والأطفال في العام 2009م، وينظر الجنوبيون الى العليمي على اعتبار انه أخر رجال النظام اليمني القديم الذي أطيح به في انتفاضة 2011م.

أصيب العليمي مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، في تفجير يتهم إخوان اليمن بالتخطيط له، في العام 2011م، لكنه نجأ من التفجير الذي استهدف مسجد دار الرئاسة اليمنية في صنعاء.

وظل العليمي حليفا لصالح، حتى انشقاقه عنه في العام 2015م، حين تدخلت السعودية على رأس تحالف عربي لمحاربة التدخلات الإيرانية في اليمن، وعينه هادي مستشارا له، حتى الـ7 من ابريل نيسان العام 2022م، حين تم تعيينه رئيسا لمجلس القيادة الرئاسي المؤقت، عقب تنحية الرئيس عبدربه منصور هادي.

وعلى الرغم من ان قرار هادي بالتنحي، قد حدد مهام المجلس البديل، بالحوار مع الحوثيين او استئناف جهود الحرب، الا ان رشاد العليمي اتجه جنوباً، في إنشاء دولة يمنية منفصلة على الحوثيين، ولكن متصادمة مع الجنوبيين الذين أصبحوا شركاء في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، وفق مبادرات سعودية للتهدئة في الجنوب الذي شهد اضطرابات على خلفية محاولة اخوان اليمن السيطرة على العاصمة عدن في أواخر العام 2019م.

 ويسعى العليمي بدعم إقليمي الى إنشاء دولة يمنية أخرى بعيدا عن المناطق الخاضعة لسيطرة النفوذ الإيراني في اليمن، وقد بات واضحا ان رشاد العليمي يسعى لتوطين ملايين اليمنيين في محافظات الجنوب التي يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى إعادة تحقيق استقلالها مرة أخرى على حدود الـ21 من مايو العام 1994م، وفق لإعلان فشل الوحدة الهشة مع اليمن الشمالي بالحرب التي شنها النظام اليمني حينها للسيطرة على الجنوب وإقصاء شركاء الوحدة "النظام الجنوبي".

وعلى الرغم من الأهداف المعلنة لزيارة رشاد العليمي إلى المهرة "دعم جهود السلطة المحلية لمواجهة الإعصار المداري "تيج"، الا انها جاءت عقب رفض السلطات المحلية في عدن إقامة مؤتمر دعمته "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين"، والذي قالت مصادر حكومية لصحيفة اليوم الثامن إنه كان يهدف لتحقيق اجندة سياسية، من بينها "توطين النازحين اليمنيين الذين يصل تعدادهم الى ما يساوي سكان محافظات الجنوب الأصليين"، وفقا لإحصائيات حكومية.

وقالت مصادر في المجلس الانتقالي الجنوبي، لصحيفة اليوم الثامن إن رئيس الجمعية الوطنية – القائم باعمال رئيس المجلس – السيد علي الكثيري قد وجه بإيقاف المؤتمر الذي دشنته حكومة معين عبدالملك بالتنسيق مع نائب محافظ العاصمة  "بدر معاون سعيد السباعي" وكانت صحيفة اليوم الثامن قد نشرت تقريرا بعنوان "حكومة معين عبدالملك تسعى لتوطين نازحي اليمن في الجنوب بالتنسيق "، عقب حصولها على وثيقة صادرة من بدر السباعي، بشأن مشاركة السلطة المحلية في ورشة عمل كان مقررا ان تستمر لعشرة أيام، تهدف الى توطين النازحين في مدن الجنوب، تعتقد بعض المصادر السياسية ان لها اهداف سياسية، من بينها عرقلة جهود استقلال الجنوب، وتخفيف الضغط الشعبي على الاذرع الإيرانية في صنعاء، والتي تواجه أزمة فشلها في دفع مرتبات الموظفين اليمنيين الواقعين تحت سلطتها.

واستبعدت مصادر سياسية ان يتم الربط بين زيارة رشاد العليمي الى المهرة، وبين إيقاف ورشة توطين النازحين في مدن الجنوب، الا ان تحركات رشاد العليمي خلال الشهرين الماضيين، أظهرت موقفا مناهضا من قبل إدارة الملف اليمني في المملكة العربية السعودية التي تعمل على فرملة جهود المجلس الانتقالي الجنوبي، الرامية الى اخراج القوات العسكرية اليمنية من وادي وصحراء حضرموت والمهرة، وهي القوات التي ينظر إليها الجنوبيون في هذه المحافظات "على انها قوات احتلال تمثل امتدادا لنظام العام 1994م".

وترى السعودية ان إزاحة هذه القوات من محافظات الجنوب الشرقية، قد يعرقل مشاريع استراتيجية تعمل الرياض عليها منذ عهد نظام علي عبدالله صالح، وقد باتت هذه المشاريع تشكل خلافات حادة بين الرياض ومسقط، التي تسعى أيضا الى السيطرة على المهرة، عبر اذرع محلية في المحافظة باتت تمتلك تشكيلات مسلحة خارج سيطرة السلطة المحلية، بل انها مناوئة لها.

عقب تدخلها في اليمن، أرسلت السعودية نحو ألف وخمسمائة من قواتها الى المهرة، والهدف منع تهريب الأسلحة وقطع الصواريخ والطائرات المسيرة الى الحوثيين، لكن تلك القوات لم تمنع عملية التهريب التي تقول العديد من التقارير ان مسؤولا رفيعا في السلطة المحلية –هو مدير شرطة المهرة سعودي الجنسية قد تورط في عملية التهريب الأسلحة والطائرات المسيرة إلى الحوثيين-؛ لكن سلطنة عمان لعبت ولا تزال تلعب دورا في تهيئة اتفاقية سياسية بين السعودية والاذرع الإيرانية في اليمن.

ويبدو ان الرياض قد قبلت مبكرا بدور مسقط في الوساطة مع الجماعة المسلحة التي تحكم صنعاء، ترجم ذلك زيارة نادرة لولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، الذي زار العاصمة العمانية في منتصف سبتمبر أيلول الماضي، الأمر الذي مهد لزيارة علنية للحوثيين الى العاصمة السعودية الرياض، لخوض محادثات مع السعوديين، يبدو انها محادثات فاشلة، فالحوثيون عادوا مجددا لتهديد السعودية باستهداف أهم منشأة اقتصادية سعودية "عملاق أرامكو".

يقول السعوديون إن الحوثيين غير جادين في السلام، وفي نفس الوقت لا يمتلكون القدرة على استئناف الحرب، فالاتفاق السعودي الإيراني يحول دون حدوث أي هجمات حوثية على أراضي الجنوبية السعودية، ويظل الاتفاق الذي رعته الصين في العاشر من مارس اذار الماضي، هو الضامن للسعودية بعدم استهداف أراضيها، غير ان متحدث باسم القوات العسكرية السعودية – هو العميد تركي المالكي- قد اتهم بعض عناصر الحوثيين بشن هجمات متكررة بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ موجهة على مواقع قوات التحالف العربي في الحدود السعودية اليمنية، وهو ما اسفر عن سقوط قتلى وجرحى من القوات البحرينية واليمنية التي ترابط في الحدود.

ويبدو ان السعوديين قد قللوا من تلك الهجمات، ربما يريد الحوثيون استخدام تلك الهجمات، كورقة ضغط للحصول على مكاسب مالية من بينها "إعادة الاعمار وجبر الضرر"، والتي تقدرها بعض المصادر بـ"مطالبة الحوثيين بنحو مليار دولار تدفع شهريا لمدة ستة اشهر"، كتعويض على ما ألحقته الحرب بالجماعة".

لكن ما يفسر الاهتمام السعودي بالمهرة  التي أصبحت منطقة "نزاع نفوذ"، اشبه بالمقايضة، التنازل على الإرث السعودي في اليمن الشمالي منذ كانت صنعاء مملكة قبل ستينيات القرن الماضي، مقابل الحصول على بعض الامتيازات في المهرة وحضرموت بالتنسيق مع سلطنة عمان، أو هكذا فسرت زيارة ولي العهد السعودي الى مسقط.

منذ نحو ثلاثة عقود تخوض السعودية وسلطنة عمان، سباق النفوذ في المهرة وصحراء حضرموت، فمسقط سبق لها منح بعض افراد القبائل الجنوبية، الجنسية، ومثل ذلك فعلت الرياض، والهدف الحصول على نفوذ في هذه المحافظات الاستراتيجية مستقبلا بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

سلطنة عمان طلبت ممن منحتهم الجنسية، البقاء في المهرة والعمل على تحقيق نفوذها في المحافظة، فالسعوديون لا ينكرون دور مسقط في تقديم الأموال لعرقلة جهود قائدة التحالف العربي، لكن الرياض لا تسعى لإغضاب مسقط، والأخيرة تتحرك في المهرة بواسطة تاجر سلاح يحمل الجنسية العمانية، دائما ما يظهر في مقابلات تلفزيونية، يهاجم السعودية ويتهمها باحتلال المهرة وتدمير اليمن، لكن الإعلام السعودي لم يسبق له ان رد على تلك الاتهامات، لكن التواجد السعودي في المهرة لا يزال قائما، ولا تعترض عليه الاذرع العمانية، إلا إعلاميا اما على الأرض فهو موجود.

يعتقد على نطاق كبير من الجنوبيين، وجود تقاطع مصالح بين السعودية وسلطنة عمان، بشأن مساعي استقلال دولة الجنوب مرة أخرى، فالرياض التي لم تخف مطامعها في المهرة وحضرموت منذ عقود باتت اليوم تتحرك في هذه المحافظات بشكل مقلق للجنوبيين الذين يبدون استغرابهم من وقوف المملكة الجارة ضد تطلعاتهم في استعادة دولتهم السابقة، على الرغم من انهم ابلو بلاء حسنا في الحرب ضد الأذرع الإيرانية وكانوا العامل الوحيد في طرد الاذرع الإيرانية من كافة المدن الجنوبية.

تسعى السعودية الى تحقيق مشروعها الاستراتيجي والمتمثل في ان تكون لها اطلالة على البحر العربي، ولكن الرياض تدرك ان ذلك لن يتحقق الا بالتنسيق والتشاور مع مسقط.

لم يعد خافيا المطامع الإقليمية في جزء مهم من الجنوب، خاصة وان الرياض قد أشرفت على تشكيل كيانات سياسية جهوية هدفها مناهضة المجلس الانتقالي الجنوبي، الامر الذي تؤكد عليه نخب سياسية سعودية لعل أبرزها سليمان العقيلي الذي تحدث لوسائل إعلام سعودية عن ما اسماه مكاسب التدخل في الحرب "الحصول على نفوذ في المهرة وحضرموت وشبوة"؛ وهي محافظات استراتيجية بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

لم تخف الرياض رغبتها في إنشاء ميناء نفطي في محافظة المهرة، كمتنفس جنوبي يطل على المخيط الهندي، بعيدا عن أي تهديدات إيرانية قد تشكلها طهران على مضيق هرمز ، فالمملكة الثرية أبدت منذ عقود اهتمامها بالمحافظات الجنوبية الاستراتيجية "المهرة وحضرموت وشبوة"، وهو ما بات يتحدث عنه السعودية بشكل طبيعي "الحديث عن إمكانية ضم هذه المحافظات الى الجغرافيا السعودية"؛ فعلى الرغم من صعوبة ذلك، الا ان الحلم السعودي لإيجاد منفذ بحري عبر سلطنة عمان او الجنوب، يمثل طريقا آمنا وبديلا لتصدير النفط.

في أغسطس آب من العام 2019م، وعلى وقع سيطرة قوات إخوان اليمن المدعومة من السعودية، نشرت وسائل إعلام إقليمية معلومات تفيد بوجود طلب من سفير المملكة العربية السعودية لدى اليمن محمد ال جابر لشركة "هوتا"، للإعمال البحرية، طلب فيها آل جابر من الشركة ان تزود بدراسة وتكاليف إنشاء ميناء نفطي في محافظة المهرة، وقد ردت الشركة على السفير السعودي بالترحيب وشكره على الرسالة ووعدت بالنزول لدراسة المشروع على أرض الواقع، الا ان المشروع لم ينفذ حتى اليوم، لا يستبعد وجود منع من قبل العمانيين، لكن تظل زيارة ولي العهد السعودي إلى مسقط، توحي بوجود تفاهمات خاصة وان هناك أيضا تقاربات مع الحوثيين الذين يرتبطون بعلاقة وثيقة بسلطنة عمان وتقيم العديد من قيادات الجماعة الموالية لطهران في صلالة ومسقط.

تهدف الرياض من خلال مشروع ميناء نفطي وأنبوب يمر عبر المهرة، لتحقيق خطوة أهم وتتمثل في شق “قناة بحرية”، يمثل بالنسبة للسعوديين “مشروع القرن”.

قالت وسائل إعلام سعودية في إبريل/نيسان من العام 2016، إن المملك أكملت “الخطوات الإجرائية لدراسة مشروع القناة البحرية، التي تربط الخليج العربي مروراً بالمملكة، إلى بحر العرب، للالتفاف حول مضيق هرمز، ما يمكن المملكة من نقل نفطها عبر هذه القناة المائية الصناعية الأكبر في تاريخ القنوات المائية الصناعية الكبرى في العالم.”

شق قناة بحرية من بحر العرب مرورا بمحافظة المهرة إلى داخل المملكة العربية السعودية، لكن يظل مشروع الانبوب أهمية عاجلة،  لذلك قد تصل السعودية الى اتفاق مع الحوثيين، لكن سيكون الاتفاق بمقابل مد الانبوب والنفوذ في حضرموت والمهرة وشبوة، دون ذلك قد يظل الصراع قائماً، ولو عن طريق الوكلاء المحليين، في ظل انشغال العالم والاقليم بالصراع الروسي - الاوكراني والإسرائيلي – الفلسطيني، وذهاب ملف حرب اليمن نحو "النسيان" او على الأقل الترحيل لما بعد تصفية هذه الملفات العالقة والمهمة والطارئة بشكل متصاعد.