تقارير وتحليلات
التوازنات الإقليمية..
التحالفات المتغيرة: التقارب مع الحوثي يضع العراق بين مطرقة السعودية وسندان إيران
تلوح في الأفق أزمة جديدة في العلاقات العراقية السعودية، وذلك مع تزايد التقارب العراقي الحوثي. فبعد أن حققت البلدين تقدمًا ملحوظًا في مجال الاستثمار والتعاون المشترك، يخشى مراقبون من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تراجع العلاقات الثنائية وتقويض المكاسب التي تحققت في الآونة الأخيرة.
ويلتزم السياسيون والمسؤولون العراقيون الصمت حيال بروز جماعة الحوثيين اليمنية على المسرح العراقي بشكل علني ومشاركتهم في مناسبات عامة وعقد لقاءات مع المسؤولين، ورغم أنه لا يعتبر أمرا غريبا نظرا لأن الحوثي أحد وكلاء إيران في المنطقة إلى جانب الفصائل العراقية، إلا أن فتح الباب واسعا للجماعة اليمنية برعاية طهران سيكون له تأثير كبير على المشهد الدبلوماسي الإقليمي خاصة مع السعودية، التي تعمل على ترميم علاقتها مع العراق.
وفتحت إيران الباب للجماعة الشيعية في إطار تعزيز وجودها كقوة ضمن ما تسميه محور المقاومة وهي ثاني أكبر وكلاء ايران في المنطقة بعد حزب الله، مستغلة التوترات في المنطقة بعد حرب غزة.
وفي مايو/أيار الماضي، قال تلفزيون "الميادين" التابع لحزب الله، إن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي أجرى اتصالاً هاتفياً مع زعيم "كتائب حزب الله" العراقية أبو حسين الحميداوي، بحث خلاله "تنسيق الجهود لمواجهة إسرائيل". وأكد الحوثي خلال الاتصال أن "التنسيق بين قوات محور المقاومة بالمنطقة سيزيد من تأثير عملياتها ضد العدو الصهيوني".
وذكر عدنان الجبرني، الصحافي والباحث اليمني، في تعليق على منصة اكس أن الحوثيين والحشد الشعبي شكلوا غرفة عمليات متعلقة بحرب غزة، يمثل الحوثي فيها ضابط ارتباط الجماعة في العراق أبو إدريس الشرفي، مبيناً أن ذلك تم "بتنسيق مركزي من ضباط الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني".
ولفت الجبرني إلى أن "هذه الغرفة تعني دمج جبهتين تابعتين للمحور تطوّق منطقة الخليج، في إطار هيكلة أوسع للاستفادة من حرب غزة، وسيمتد عمل الغرفة حتى بعد توقف الحرب بفلسطين".
وتناولت وكالة شفق نيوز في تقرير مطول وجود الحوثيين في العراق وتأثير هذا الحضور على العلاقات الاقليمية في المنطقة، ونقلت عن أستاذة العلاقات الدولية أزهار الغرباوي، قولها إن جماعة الحوثي تعد جماعة مسلحة متطرفة مدعومة بشكل واضح من قبل إيران، يتنوع هذا الدعم بين الدعم المادي، اللوجيستي، والإيديولوجي، مما يعكس قوة امتداد إيران الإقليمي على سواحل الخليج العربي، وخصوصًا على المدخل الجنوبي الغربي له ومدخل البحر الأحمر. هذا الامتداد مكن الحوثيين من التحكم في البحر الأحمر وطرق التجارة الدولية الداخلة والخارجة منه، مما أجبر إسرائيل على اتخاذ مسارات بديلة في تجارتها مع دول العالم.
وأضافت الغرباوي، أن دخول العراق في هذا الدعم الإيراني يعكس قدرة إيران على تحريك قوى عربية في المنطقة لمواجهة قوى غير عربية مثل إسرائيل والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الحوثيين يخوضون حربهم لأسباب سياسية وثقافية تخص الطائفة الزيدية في اليمن، فإن دخول أطراف أخرى، مثل العراق، قد يحول هذا الصراع إلى مركز صراع إقليمي ودولي، ويتيح للجميع التدخل ويجعل النزاع داخليًا يتحول إلى نزاع دولي.
وأشارت إلى أن "السؤال الرئيسي المطروح اليوم هو ما هو هدف إيران من حربها في اليمن ودفاعها عن الحوثيين؟ وكيف يدخل العراق كطرف عربي مهم في المعادلة على الرغم من بعد المسافة؟ مضيفة أن الوجه المعلن لسياسة إيران هو إيديولوجي يتعلق بصراع المذهب الشيعي الزيدي مع الوهابية السعودية. لكن الوجه الخفي لطهران يتمثل في استراتيجيتها لتمديد نفوذها على سواحل البحر الأحمر، ومنع تفكك اليمن إلى دويلات متعددة، مما قد يسقط سواحل البحر الأحمر بيد قوى معادية لها.
كما أشارت الغرباوي إلى أن "وجود العراق كطرف مع الحوثيين في صراعهم ضد اليمن قد يخلق نوعاً من البرود في العلاقات بين الرياض وبغداد مستقبلاً، لكنه لن يصل إلى مرحلة القطيعة. ومع ذلك، قد تدخل هذه العلاقة في مرحلة من الفتور الذي قد لا يكون في مصلحة الطرفين". وأضافت "إذا أصيبت العلاقات العراقية-السعودية بالفتور، فالسبب في ذلك سيكون رغبة العراق في دعم التمدد الإيراني في المنطقة. أما إذا كان الدعم ثقافيًا كما أعلن التيار الصدري سابقًا، فلن نشهد مثل هذا الفتور.
من جهته، قال الخبير الأمني عماد علو أنه برز في الآونة الأخيرة وجود تعاون عسكري بين جماعة الحوثيين وفصائل المقاومة، حيث أعلن المتحدث الرسمي باسم الجماعة يحيى سريع، عن وجود هذا التعاون بين الطرفين لتوجيه ضربات مشتركة تجاه إسرائيل، فضلًا عن نشاط الجماعة في بغداد من خلال اللقاءات مع الرموز السياسية العراقية.
ويرى أن هذا التقارب العراقي-الحوثي ينعكس سلبًا على العلاقات العراقية-السعودية، التي شهدت تصاعدًا ونموًا في الآونة الأخيرة، خاصة من النواحي الاستثمارية، بالنسبة لمسألة الاستقرار في المنطقة، لا يُعتقد أن جماعة الحوثي هي من تقودها، بل يرى أن السلوك العدواني للكيان الغاصب (إسرائيل) هو ما يفتعل هذه الأمور في الوقت الحالي.
ويؤكد محللون أن السعودية تنظر إلى العراق كجزء من المحور الإيراني، خاصة مع سيطرة الأحزاب الشيعية على الحكم في العراق. وفي حديثه للوكالة الكردية، أشار المحلل السياسي صلاح الموسوي إلى أن السعودية والولايات المتحدة تدركان جيداً أن العراق، من خلال ارتباطه الوثيق بالأحزاب الشيعية الأخرى مثل جماعة الحوثي، سيكون له دور متصل بهذه الجماعة، رغم عدم وجود دعم علني من قبل العراق في الإعلام طوال فترة صراع الحوثيين مع السعودية.
وأضاف الموسوي أن السعودية ترى أن العراق جزء من المحور الإيراني، حتى لو حاولت حكومة عراقية أخذ نمط من الاستقلال، فإن ذلك لن يقنع السعودية. وفي ظل التأكيد المستمر على دعم إيران للحوثيين، تعتبر السعودية أن العراق لا يمتلك استقلالية سياسية حقيقية في هذا الملف، وأنه لا يستطيع تغيير المعادلة القائمة، كما أن دول الخليج تدرك أن الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيسي في هذا السياق، نظراً لنفوذها الواضح في العراق.
وفيما يتعلق بالحرب السعودية-الحوثية، أوضح الموسوي أن الحرب قد انتهت بشكل كبير، وأن تدخل الحوثيين في حرب فلسطين لم يغير رؤية السعودية، ولكنه أضاف بُعدًا جديدًا إلى موضوع غزة وتوحيد الساحات. وأكد أن السعودية على دراية تامة بما يجري في العراق، وأن النفوذ الإيراني هو المسيطر حاليًا. ومع ذلك، تتمنى السعودية أن يُمنح لها مجال في العراق من خلال بعض الاستثمارات لبناء قواعدها.
ولم تتحدث المصادر اليمنية الحوثية صراحة عن وجود عناصر عسكرية حوثية على الأرض العراقية، لكن معلومات إسرائيلية وغربية تحدثت عن مقتل عسكري تابع للحوثيين خلال قصف أميركي استهدف مؤخراً معسكراً للفصائل العراقية جنوبي بغداد.
ويعتبر أبو إدريس أحمد الشرفي ممثلاً رسمياً لجماعة الحوثيين في العراق، وللجماعة مكتبها الخاص كممثلية في منطقة الجادرية ببغداد. وتظهر مقاطع فيديو القيادي الحوثي وهو يقوم بزيارات ولقاءات رسمية للمسؤولين الحكوميين العراقيين في بغداد، أو بحضور مراسم عزاء ومناسبات خاصة.
ويوضح رئيس المركز الإقليمي للدراسات علي الصاحب، أن "منطقة الشرق الأوسط تعيش حالة من عدم الاستقرار، تشبه الصفيح الساخن، حيث تجعل الأحداث الدراماتيكية المتسارعة الأمور شبه معقدة. نتيجة لذلك، تخضع معظم دول المنطقة لأجندات واصطفافات مبنية على المصالح. فالمعسكر الأميركي يفرض هيمنته على منطقة الخليج بالكامل، بينما يقف المعسكر الإيراني والفصائل المسلحة والمقاومة ضد هذا المشروع وتلك الأطماع. وفي هذا السياق، يجد العراق نفسه واقعاً لا محالة بين هذين المعسكرين، مما يجعله يتأثر بشكل كبير بهذه القوى المتصارعة، حتى لو حاول استخدام سياسة التوازن أو مسك العصا من الوسط".