تقارير وتحليلات

الهجوم الأوكراني على الأراضي الروسية..

أوكرانيا تراهن على المستقبل: غزو استراتيجي أم مغامرة محفوفة بالمخاطر؟

نتائج الهجوم تمثل دافعا جديدا للمؤسسات الغربية بما فيها الأميركية لاستمرار تقديم الدعم العسكري

كييف

في تحول تاريخي لم تشهده القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، شنت القوات الأوكرانية هجوماً ضخماً ومفاجئاً على الأراضي الروسية. هذا الحدث غير المسبوق يمثل نقطة تحول حاسمة في الحرب الدائرة منذ عام، ويثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدولية والأمن في القارة.

ويعكس الهجوم الأوكراني المفاجئ داخل الأراضي الروسية استعادة كييف لزمام المبادرة العسكرية والتحول من الدفاع إلى الهجوم، ما يسلط الضوء على أوجه القصور في إستراتيجيات الحرب الروسية، لكن السؤال الآن هو عما إذا كانت أوكرانيا قادرة على ترجمة المكاسب قصيرة الأجل إلى ميزة إستراتيجية دائمة.

وأطلق الجيش الأوكراني هجوما مباغتا ضد روسيا الأسبوع الماضي ولا يزال ساريا، سيطر فيه على أكثر من 20 بلدة، في حملة عابرة للحدود هي الأكبر ضد الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.

وبعد تحقيق القوات الأوكرانية تقدما سريعا على مدى أكثر من أسبوع منذ بدء هجومها المباغت في السادس من أغسطس، أعلنت كييف السيطرة على أكثر من ألف كيلومتر مربع من الأراضي الروسية، فيما أقرت السلطات الروسية الاثنين بأن القوات الأوكرانية توغلت في المنطقة على عمق 12 كيلومترا على الأقل وعرض 40 كيلومترا. ويأتي الهجوم بعد نحو سنتين ونصف سنة على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وعلى خلفية عدم تحقيق أي من الطرفين اختراقا حقيقيا عند خطوط المواجهة.

يعدد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عدة أهداف من وراء التوغل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية أهمها تأمين استمرار الدعم الغربي وتحسين موقفها التفاوضي بشأن السلام ورفع الروح المعنوية للقوات الأوكرانية.

ويرى المركز أنه يمكن اعتبار أن الهدف الإستراتيجي الذي دفع كييف إلى هجومها المفاجئ على كورسك هو خوفها من وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ووقف المساعدات العسكرية الأميركية، مما يضع كييف أمام خيارين أساسيين، وهما: إما الاستمرار في الحرب من دون مساعدات أميركية، وهي مساعدات جوهرية لضمان موازنة قوة أوكرانيا مع روسيا، وإما قبول التفاوض تبعا للشروط الروسية، ومن ثم خسارتها لأجزاء من أراضيها لصالح روسيا، ومن ثم يجيء هذا الهجوم ليمثل دافعا جديدا للمؤسسات الغربية بما فيها الأميركية لاستمرار تقديم الدعم العسكري، وزيادة الثقة في القدرة الأوكرانية على تحقيق تحسن على الأرض.

وأدى الموقف الإستراتيجي والدولي الذي باتت فيه أوكرانيا إلى المقامرة بهجوم مفاجئ وعنيف، ومن المحتمل أنه تم التخطيط له بالتعاون مع دول غربية، وذلك أملا في تغيير الوضع على الأرض أو على الأقل تخفيف الضغط على الجبهة في وقت يستمر فيه التقدم الروسي بشكل مطرد، وفي أفضل الأحوال القدرة على الصمود والبقاء داخل الأراضي الروسية إلى حين طرح خيار التفاوض، وحينها يمكن أن تبدأ أوكرانيا المفاوضات وهي في وضعية أفضل كثيرا مع روسيا، ولكن هذه المقامرة تخاطر بدفع روسيا إلى تصعيد عملياتها العسكرية بشكل أكثر شراسة، كرد على العملية الأوكرانية، كما أن هذه المقامرة قد تخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين داخليا إذ يمكن أن يستخدم العملية لإشعار المواطنين الروس أنهم تحت خطر غزو حقيقي، ومن ثم زيادة نسبة الدعم الشعبي للعمليات العسكرية.

وأشارت كثافة هجوم كورسك إلى حقيقة أن القيادة الأوكرانية تعلم أن روسيا سترد على هجوم كورسك بشراسة، إذ استخدمت القوات الأوكرانية على نطاق واسع طائرات من دون طيار لضرب المركبات العسكرية الروسية، ونشرت أصول الحرب الإلكترونية لقمع الطائرات من دون طيار الروسية وتعطيل الاتصالات العسكرية، كما دفعت بمجموعات متنقلة أوكرانية صغيرة تجوب المنطقة دون محاولة تعزيز السيطرة، فيما تمركزت قوات أخرى حول بلدة سودزا على بعد حوالي 6 أميال من الحدود، وفي بعض المناطق الأخرى.

وأدت هذه الإجراءات إلى عدم تمكن القوات الروسية من صد الهجوم المباغت، كما ينبئ الهجوم بأن أوكرانيا تخطط للبقاء في كورسك لمدة ليست بالقصيرة، أملا في تحسين موقفها التفاوضي من ناحية، وتحسين الروح المعنوية لمقاتليها من ناحية أخرى، وضعا في الاعتبار التقارير التي تشير إلى ازدياد معدل تهرب الشباب الأوكراني من الخدمة العسكرية، وتراجع معدل الثقة العامة في إمكانية تحقيق النصر أمام روسيا.

يمكن اعتبار أن الهجوم الأوكراني على كورسك محاولة أخيرة من كييف لفرض السيناريو الخاص بها على مسار الحرب والتفاوض على أسس متساوية، أو على أقل تقدير إجبار الكرملين على تحويل الموارد من منطقة دونيتسك الشرقية، حيث ضغطت القوات الروسية في عدة قطاعات وحققت مكاسب بطيئة ولكن ثابتة، بالإضافة إلى ذلك كان الهجوم بمثابة رفض للسيناريو الروسي، الذي كان يأمل في أن تستمر قواته في تطويق أوكرانيا إلى حين البدء في مفاوضات تكون له فيها اليد العليا، بما يضمن إنهاء الحرب وفقا للتصور الروسي.

يمثل التوغل الأوكراني تحديا سياسيا خطيرا للكرملين، وهو الأكبر منذ ثورة قائد فاغنر السابق يفغيني بريغوجين في يونيو 2023. وهو يكشف عن أوجه قصور كبيرة في فعالية السلطات المركزية والإقليمية الروسية. ومع ذلك، فهو قبل كل شيء ضربة للصورة التي بناها نظام فلاديمير بوتين للحرب باعتبارها فعالة، وتقترب من النصر، وتدار حصريا على الأراضي الأوكرانية.

ويجلب الهجوم الأوكراني الحرب، على نطاق غير مسبوق، إلى الأراضي الروسية، مما يزيد من تكلفتها الاجتماعية والسياسية. ويرى محللون عسكريون أن في هذه المرحلة، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الأحداث المتكشفة ستؤدي إلى تغيير كبير في سياسة موسكو أو أنها ستغير أهدافها الإستراتيجية في ما يتعلق بأوكرانيا والغرب.

ويشير هؤلاء المحللون إلى أن فشل القوات المسلحة الروسية التي سمحت بالاستيلاء على المناطق الحدودية في منطقة كورسك قد يؤدي إلى إقالة عدد من المسؤولين في الأجهزة العسكرية والأمنية وبين المسؤولين المحليين، ولكن من غير المرجح أن يحدث هذا بسرعة، حيث يمكن اعتباره اعترافا بالفشل النظامي.

وبدلا من ذلك، فإن التوغل الأوكراني سوف يوفر ذريعة للمزيد من تشديد الحصار المعلوماتي في روسيا وتكثيف القمع الذي يستهدف المشتبه في عدم ولائهم. وسوف يؤدي هذا إلى تفاقم الحالة المزاجية العامة وتكثيف الانتقادات من جانب أجزاء من المجتمع للسلطات، ولكن في الأمد القريب، لن يهدد استقرار النظام.

ومن السابق لأوانه تقييم عواقب العملية الأوكرانية على التكتيكات الروسية في حربها ضد أوكرانيا. وتعتمد هذه النتائج، من بين أمور أخرى، على التطورات اللاحقة للعملية وقدرة موسكو على دفع الأوكرانيين إلى الخروج من أراضيها.

ومن المرجح أن تواصل روسيا الحرب كما كانت من قبل. وإذا تم الحفاظ على رؤوس الجسور على الأراضي الروسية، فإن الجانب الأوكراني سوف يعزز موقفه في محادثات السلام المستقبلية المحتملة (التي قد تؤدي إلى تبادل للمناطق الحدودية في منطقة خاركيف التي تحتلها روسيا). ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يقلل هذا من مطالب موسكو الإقليمية والسياسية ضد أوكرانيا والغرب.

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة: منصة لتجديد الفكر العربي واستعادة المركزية الفكرية


معركة في الدوري الإنجليزي: غوارديولا أمام اختبار البقاء وتوتنهام لرد الاعتبار


دراسة أمريكية تسلط الضوء على العلاقة بين الأمراض النسائية والموت المبكر


هل يؤدي قرار المحكمة الجنائية الدولية إلى تغيير في السياسة الأوروبية تجاه إسرائيل؟