تقارير وتحليلات
الجنوب اللبناني في مهب الريح..
يونيفيل على المحك: هل تستطيع مواجهة التحديات المتزايدة في ظل التوترات الإقليمية؟
عندما أرسلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المبعوث الخاص عاموس هوكشتاين إلى بيروت في الأسبوع الماضي، كان جدول أعماله الطموح يتضمن ما يعادل تمريرة طويلة في كرة القدم الدبلوماسية، ألا وهي تجنب اندلاع حرب شاملة بين “محور المقاومة” الإيراني وإسرائيل، وسط جهود أميركية منفصلة للتوسط في مفاوضات وقف إطلاق النار مع حماس، والذي يعتبره حزب الله شرطاً لا غنى عنه لتهدئة التصعيد على الحدود.
وأحد العناصر الرئيسية التي تدعم مبادرة هوكشتاين هو قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، التي تضم أكثر من 10000 فرد، وتشكل أكبر انتشار لقوات حفظ السلام في العالم، والتي ينتظر أن يتم تجديد تفويضها في مجلس الأمن الدولي قبل انتهاء ولايتها في 31 أغسطس الجاري.
ويرى الباحثان ديفيد شينكر وأساف أوريون في تقرير نشره معهد واشنطن أن قوات اليونيفيل أثبتت عدم فاعليتها في تنفيذ مهمتها على مدى عقود من الزمن.
اليونيفيل تفتقر إلى بدائل أمنية على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية وفشلت في مهمتها وأهدرت مصداقيتها
ويضيف الباحثان أنه بغياب تغييرات كبيرة يظل الأمل ضئيلا في أن تتمكن من لعب دور ذي صلة بتأمين الحدود بين إسرائيل ولبنان.
وبعد حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل نص “قرار مجلس الأمن رقم 1701” على أن تساعد قوات اليونيفيل، المتواجدة منذ فترة طويلة، الجيش اللبناني على ضمان أن تكون المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود الجنوبية “خالية من أي أفراد مسلحين أو أصول أو أسلحة” غير حكومية.
ومع ذلك قام حزب الله بدلاً من ذلك بتوسيع وجوده العسكري على طول الحدود، ومنع اليونيفيل من القيام بدوريات في مساحات واسعة من الأراضي، كما قام بشكل روتيني بمضايقة أفرادها والاعتداء عليهم وحتى قتلهم.
ووفقاً للتقارير الفصلية الرسمية حول أنشطة اليونيفيل، استمرت القوات في العمل داخل لبنان منذ أكتوبر الماضي، عندما كثف حزب الله هجماته على إسرائيل تضامناً مع حماس.
وشملت أنشطة اليونيفيل حوالي 6000 دورية شهرية بالمركبات في جنوب لبنان، تتألف في المتوسط من 389 دورية حدودية و542 دورية لمكافحة إطلاق الصواريخ.
ومع ذلك، فإن هذه الأرقام التي تبدو مثيرة للإعجاب لا تأخذ في الاعتبار العديد من المناطق الحساسة التي تم منع اليونيفيل تماماً من دخولها لسنوات، في انتهاك صارخ “للقرار 1701”. وعلاوة على ذلك كشف التقرير الأخير الذي يغطي الفترة من 21 فبراير إلى 20 يونيو عن ارتفاع حاد في “الحوادث المتعلقة بحرية الحركة” الشائعة بالفعل، وتحديدا 38 حالة منفصلة تمت فيها مضايقة دوريات اليونيفيل من قبل أعضاء حزب الله “بملابس مدنية” أو مؤيديهم المحليين، وتهديدها بالأسلحة، وإطلاق النار عليها، وسرقة معداتها، أو تعطيل إشارات الاتصال الخاصة بها.
وبالنسبة إلى الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على ترسانة حزب الله جنوب الليطاني، نادراً ما استولت اليونيفيل على أسلحة الحزب قبل اندلاع الحرب في أكتوبر الماضي والحملة الجوية الإسرائيلية التي أعقبتها.
ويشير التقرير الأخير إلى أن قوات اليونيفيل عثرت على “أسلحة غير مرخصة” وتخلصت منها في سبع عشرة مناسبة منذ فبراير الماضي، “معظمها منصات إطلاق صواريخ متنقلة وقذائف صاروخية”.
ومع ذلك، فالأمر الأكثر دلالة هو فشلها في التحقيق في أي من أكثر من 3000 مستودع أسلحة ومواقع عسكرية أخرى استهدفتها إسرائيل منذ أكتوبر، بما في ذلك قواعد مدمَّرة تديرها منظمة “أخضر بلا حدود” البيئية المزعومة التابعة لحزب الله.
وبما أن “القرار رقم 1701” صدر بموجب “الفصل السادس” (وليس “الفصل السابع”) من لوائح مجلس الأمن الدولي، فإنه غير قابل للتنفيذ عسكريا؛ فتطبيقه يعتمد بالكامل على تعاون إسرائيل ولبنان.
ومع ذلك فشلت بيروت لسنوات في الوفاء بالالتزامات. وبدلاً من مساعدة الأمم المتحدة في تنفيذ “القرار 1701″، دأب الجيش اللبناني على تجنب الصراع والتعاون مع حزب الله في حين عرقل وصول قوات اليونيفيل.
ومؤخرا علق الجيش اللبناني مؤقتاً الدوريات المشتركة مع اليونيفيل الأسبوع الماضي بعد دخول قوات حفظ السلام إلى “ممتلكات خاصة” (غالباً ما تعني مواقع حزب الله) في قرية كفر حمام.
ونظراً لاعتماد القوات على حسن نية السكان في أمنها واستثمارها في استقرار البلاد، فإنها غالباً ما تتجنب مراقبة المناطق التي قد تولّد توترات بشكل فعال، وتخفف من حدة تقاريرها، وتقدم مساعدات اقتصادية لأنصار حزب الله جنوب الليطاني.
قوات اليونيفيل عثرت على أسلحة غير مرخصة وتخلصت منها في سبع عشرة مناسبة منذ فبراير الماضي معظمها منصات إطلاق صواريخ متنقلة وقذائف صاروخية
وقد أدت هذه العوامل إلى تآكل الثقة الإسرائيلية والأميركية في قوات اليونيفيل (رغم أن شكوك واشنطن كانت متفاوتة بين الإدارات المختلفة).
والأسوأ من ذلك كله أن الدور الأكثر أهمية المتبقي لليونيفيل -عقد اجتماعات ثلاثية مع ممثلين عن الجيش الإسرائيلي والجيش اللبناني- قد تم تعليقه منذ أكتوبر، الأمر الذي أدى إلى إغلاق قناة اتصال مهمة خلال أوقات الأزمات.
ونظراً للوضع على الأرض والعجز الواضح الذي تعاني منه اليونيفيل في الفاعلية والمصداقية، هناك جدال من أجل إلغاء نشر هذه القوات بشكل دائم، والتي تبلغ كلفتها 500 مليون دولار سنوياً، تدفع منها الولايات المتحدة 125 مليون دولار.
ومع ذلك، إذا كانت واشنطن تعتقد أن اليونيفيل قادرة على المساهمة في تأجيل أو منع حرب أخرى بين حزب الله وإسرائيل، فسيتعين عليها اتخاذ عدة خطوات لإنقاذ ما يمكنها إنقاذه من هذه المنظمة.
وتبدو البدائل المتاحة لواشنطن حالياً لقوات اليونيفيل محدودة، وتوفر محادثات وقف إطلاق النار في غزة وعملية تجديد الولاية الوشيكة فرصاً لإعادة النظر في معايير مهمة البعثة.
ومع ذلك من غير المرجح أن يؤدي تجديد الولاية بشكل متكرر، وغير ذلك من التغييرات، إلى حدوث تحوّل في طريقة عمل اليونيفيل وتمكّنها من لعب دور إيجابي جنوب الليطاني.
ويشير الباحثان إلى أنه إذا استمرت القوات في الأداء الضعيف، فيتعين على الولايات المتحدة النظر بجدية في استخدام حق النقض ضد ولايتها، وإنهاء انتشارها، والبدء من جديد.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه البالغ إزاء الزيادة الكبيرة في عمليات تبادل إطلاق النار عبر الخط الأزرق، مشيرا إلى أن هذه الأعمال تعرض السكان اللبنانيين والإسرائيليين للخطر، فضلا عن أنها تهدد الأمن والاستقرار الإقليميين.
ودعا الأمين العام في بيان منسوب إلى المتحدث باسمه، ستيفان دوجاريك إلى التهدئة الفورية. ودعا الأطراف إلى العودة بشكل عاجل وفوري إلى وقف الأعمال العدائية وتنفيذ القرار 1701 (2006) تنفيذا كاملا.
وفي ضوء "التطورات المقلقة" على طول الخط الأزرق منذ الصباح الباكر، دعا مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان وبعثة اليونيفيل الجميع إلى وقف إطلاق النار والامتناع عن المزيد من التصعيد.
جاء ذلك في بيان مشترك صادر عن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) ومكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان.
وأكد البيان على ضرورة العودة إلى وقف الأعمال العدائية، يليه تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701، بوصفه "السبيل الوحيد المستدام للمضي قدما". وذكر مكتب المنسق الخاص وبعثة اليونيفيل أنهما سيواصلان اتصالاتهما لحثّ الجميع، بقوة، على خفض التصعيد.
بدوره، قال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند إنه التقى رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى خلال الساعات التي تلت التبادلات المكثفة بين إسرائيل وحزب الله عبر الخط الأزرق، اليوم الأحد.
ووصف تور وينسلاند في منشور على موقع إكس المحادثات الجارية في القاهرة بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن بأنها ذات أهمية بالغة من أجل إنقاذ أرواح المدنيين، والحد من التوترات الإقليمية وتمكين الأمم المتحدة - بالتعاون مع السلطة الفلسطينية - من تسريع الجهود الرامية إلى تلبية الاحتياجات الملحة لسكان غزة الذين يعانون منذ فترة طويلة.
وأضاف: "نحن في حاجة إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن الآن. ليس لدينا وقت نضيعه".