تطورات اقليمية
المال والفساد..
التسويق والسياسة: كيف ساعدت استراتيجيات نتنياهو في البقاء على القمة؟
قبل 15 عاماً، سُئل بنتسي نتنياهو، والد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن رأيه في قدرات ابنه. ردّ ببساطة: "إنه ليس بأهبل". هذه الإجابة جاءت رداً على الصحفي اليميني عميت سيجال، الذي يعمل مراسلاً سياسياً في "القناة 12"، والتي كانت تُعرف سابقاً بـ "القناة الثانية". سيجال، المعروف بإعجابه بنتنياهو، لم يكن هدفه الإساءه، بل السعي لفهم موقف نتنياهو الابن الذي عبّر في خطاب بجامعة "بار إيلان" عام 2009 عن دعمه لحل الدولتين.
في ذلك الخطاب، الذي تزامن مع بداية فترة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وضع نتنياهو شروطاً لحل الدولتين، تضمنت الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وتجريد الدولة الفلسطينية من السلاح، وحل قضية اللاجئين خارج إسرائيل. وردّ والده حينها بأن بيبي لا يؤيد فعلياً حل الدولتين، بل إن تصريحاته وضعت شروطاً يستحيل على العرب قبولها.
بينما كان نتنياهو في بداية مسيرته السياسية، عمل وزيراً للمالية في حكومة أرئيل شارون. وفي ذلك الوقت، كان والده قد صرّح بأن ابنه يصلح ليكون وزيراً للخارجية، مفسراً بأن هذا المنصب يناسب مَن يحب الخطابة والحفلات الاجتماعية، في إشارة واضحة إلى أن ابنه يمتلك مهارات تسويقية أكثر منها إدارية.
التسويق في السياسة والبضائع
نتنياهو بدأ مسيرته المهنية في الولايات المتحدة، حيث عمل في تسويق الأثاث، وأظهر براعة في هذا المجال. لقد عرف كيف يروّج لمنتجات غير ذات جودة على أنها الأفضل، وكانت هذه المهارات هي التي نقلها لاحقاً إلى الساحة السياسية.
تمكن نتنياهو من استخدام مهاراته في التسويق لتسلق هرم السياسة الإسرائيلية. كانت أبرز مثال على ذلك قصة "فيلادلفيا"، التي اخترعها لعرقلة صفقة تبادل الأسرى. واستمرت هذه التكتيكات عبر تاريخه السياسي، بما في ذلك فوزه برئاسة "الليكود" عام 1993 بعد اتهام منافسه دافيد ليفي بالتورط في فضيحة شخصية.
التسويق... الحمض النووي لنتنياهو
تُعد القدرة على الترويج والتسويق جزءاً لا يتجزأ من شخصية نتنياهو. داني فيدوسلافسكي، المتخصص في سلوك الفرد، أصدر كتاباً بعنوان "أسرار التسويق عند بيبي"، وفيه يشرح كيف يعتمد نتنياهو على صياغة رسائل قصيرة وبسيطة تتحدث مباشرة إلى عواطف الجماهير. الرسائل لا تحتاج لأن تكون صادقة، بل أن تصل إلى الوجدان.
المال والفساد
واحدة من أكبر نقاط ضعف نتنياهو هي المال. على الرغم من راتبه الكبير وثروته المقدرة، إلا أن نتنياهو عُرف بعدم إنفاقه الشخصي واعتماده على الآخرين لتغطية نفقاته. هذا السلوك أدى إلى اتهامه بالفساد وتلقي الرشاوى. القضية الأكثر خطورة كانت صفقات الغواصات التي قيل إنه حقق منها أرباحاً غير قانونية، وهي ما زالت قيد التحقيق في المحاكم.
قاعدة جماهيرية ثابتة
على الرغم من جميع هذه الفضائح، يستمر نتنياهو في الاعتماد على قاعدة جماهيرية ثابتة تشكل نحو 20% من الناخبين الإسرائيليين. هؤلاء الناخبون، أغلبهم من الطبقات الفقيرة، يتناقضون مع سياسات نتنياهو الاقتصادية النيوليبرالية، لكنهم يظلون مخلصين له.
الخلاصة
نتنياهو اليوم هو قائد يعتبر نفسه تاريخياً، يسعى للبقاء في السلطة مهما كلف الأمر، ويستخدم جميع مهاراته في التسويق والسياسة لتحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، يظل مستقبله السياسي معلقاً على قدرة المعارضة الإسرائيلية على تشكيل بديل قوي يطيح به.