تطورات اقليمية
الاستراتيجيات الإقليمية..
مرحلة جديدة من الصراع: تصعيد إيراني إسرائيلي وتداعياته على مستقبل الشرق الأوسط
تشير الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل إلى بدء مرحلة جديدة في الشرق الأوسط، مما قد يحدد ملامح المستقبل الإقليمي. ورغم تصاعد التوترات، هناك عدة عوامل تمنح الأمل في تحقيق سلام طويل الأمد في المنطقة.
يرى المحللون أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كان الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على حزب الله في الشهر الماضي، والذي تبعه إطلاق صاروخ باليستي إيراني على إسرائيل، سيسهم في استدامة العنف المتزايد أو يشكل نقطة تحول إيجابية ضد العدوان المدعوم من إيران.
يعتقد فريد كيمب، الرئيس والمدير التنفيذي للمجلس الأطلسي، أن اغتيال إسرائيل لزعيم حزب الله حسن نصرالله، الذي أصبح ممكنًا بفضل معلومات استخباراتية دقيقة وقصف قنبلي استهدف مخبأه في بيروت، قد أدى إلى تصعيد المواجهة بين رؤيتين متناقضتين لمستقبل الشرق الأوسط.
الرؤية الأولى، المدفوعة بإيران ووكلائها مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وحماس في غزة، تروج لاستمرار الصراع العنيف وتهدف إلى تدمير إسرائيل وإحلال شكل راديكالي ومتطرف من الإسلام. في المقابل، تسعى الرؤية الثانية إلى مواجهة الطموحات الإيرانية واحتوائها، مما قد يؤدي إلى تعزيز الأمن الإقليمي وظهور شرق أوسط ديناميكي وسلْمِي في نهاية المطاف.
تتوقع هذه الرؤية إقامة منطقة أكثر تكاملاً على المدى البعيد، مع ترتيبات اقتصادية وأمنية جديدة مبنية على اتفاقيات أبراهام، والتي من المتوقع أن تشمل التطبيع الإسرائيلي مع السعودية وإقامة دولة فلسطينية. ومع ذلك، قد تبدو هذه الآمال بعيدة في ظل التهديدات الحقيقية لحرب شاملة، حيث أعلنت إسرائيل يوم الاثنين عن بدء عملية برية "محدودة" في لبنان، ردًا على الهجمات الإيرانية.
بينما قد يشهد الأمد القريب مزيدًا من التصعيد، من الضروري عدم تجاهل هذه الفرصة التاريخية بينما تفكر إسرائيل وإيران ووكلاؤهما في تحركاتهم القادمة.
من الجدير بالذكر أن أوروبا لم تتمكن من بناء مسارها الإيجابي إلا بعد قرون من النزاعات، ومن المهم أن يستلهم النهج الحالي تجاه إيران من هذا النموذج، عبر مواجهة طهران واحتوائها حتى يطالب الشعب الإيراني بالتغيير، مستفيدا من النجاحات الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
لا يزال من المبكر اعتبار وفاة نصرالله نقطة تحول نحو مستقبل أفضل، لكن تجاهل هذه اللحظة كفرصة لمواجهة الطموحات الإيرانية سيكون قصير النظر.
تتزايد المخاطر في ظل تحالفات إيران المتزايدة مع روسيا والصين وكوريا الشمالية، حيث تسعى هذه القوى إلى تقويض النظام العالمي الذي أرساه الغرب بعد الحرب العالمية الثانية. وتعكس عمليات تسليم إيران لصواريخ قصيرة المدى وطائرات مسيرة لروسيا، في حربها على أوكرانيا، المخاطر العالمية المرتبطة بهذه الديناميكيات.
وفي خضم التصعيد، هناك عدة عوامل توفر الأمل على المدى الطويل. أولاً، يمثل اغتيال نصرالله نقطة تحول قد تؤدي إلى تعطيل استخدام إيران لوكلائها ضد أعدائها. وعبر تاريخ حزب الله، كان نصرالله أحد أبرز الشخصيات في محور المقاومة الإيراني.
ثانياً، تعاني إيران من أزمة اقتصادية تعقد من خياراتها. فرغم دعوة الحرس الثوري الإيراني إلى رد أكثر عدوانية، تحدث الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بيزشكيان عن التصعيد باعتباره "فخًا" لإيران، حيث يعتبر تجنب الصراع المباشر مع إسرائيل أمرًا حاسمًا لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية.
وضعت إسرائيل إيران في موقف صعب، حيث يتعين عليها اختيار بين التصعيد وفقدان مصداقيتها أمام وكلائها أو مواجهة ردود فعل انتقامية من إسرائيل تشمل منشآتها النووية. وقد تكون الضربة التي نفذتها إسرائيل محاولة لتحقيق توازن في هذه المعادلة.
أعادت الأحداث الأخيرة لإسرائيل تذكير الجميع بقدراتها الاستخباراتية، وهو ما تم التشكيك فيه بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023. وقد مكنت الاستخبارات الدقيقة إسرائيل من اتخاذ إجراءات مؤثرة ضد حزب الله.
لم تتخل الدول التي وقعت على اتفاقيات إبراهيم عن الأمل في استعادة مسار التطبيع مع إسرائيل، وهو أمر ضروري للتصدي للتهديدات المتزايدة. ورغم السعي نحو تهدئة التوترات مع إيران، تبقى الدول العربية مدركة لخطورة التهديد الإيراني، مما يعكس رغبة مشتركة في تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وفي الختام، تبقى الحاجة قائمة لتحديد المسار الذي يمكن أن يجمع الأطراف المعنية نحو تحقيق هدف مشترك، رغم المعارضة للنهج الإسرائيلي الحالي.