تطورات اقليمية
الانتخابات التونسية..
الشرعية والاحتجاج: قيس سعيد في مواجهة معارضة ضعيفة في انتخابات 2024
فاز الرئيس التونسي قيس سعيد بولاية رئاسية ثانية بفارق كبير، حيث يعكس هذا الفوز اعتراف الناخبين بدعمه لمكافحة الفساد والاحتكار، وهما قضيتان مركزيتان في ولايته الأولى. ومع ذلك، لا يزال الناخبون ينتظرون تجسيد شعار حملته الانتخابية "البناء والتشييد"، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تحفيز مشاريع التنمية بشكل كبير والابتعاد عن الوعود الفارغة.
على الجانب الآخر، فشلت المعارضة في استغلال الانتخابات كوسيلة لهزيمة قيس سعيد، حيث خسروا أيضًا فرصة كسب تعاطف الشارع، مما أدى إلى تقليص هامش تحركاتهم.
وأعلنت هيئة الانتخابات، خلال مؤتمر صحفي مساء الاثنين، فوز الرئيس سعيد بولاية ثانية بنسبة 90.69% من الأصوات، بينما حصل المرشح العياشي زمال على 7.35%، وزهير المغزاوي على 1.97%.
يدعم الناخبون فكرة أن يكون الحكم بيد شخصية قوية قادرة على إدارة الأمور، ويرفضون فكرة تشتيت السلطات. ورغم المخاوف من نسبة مشاركة ضعيفة مشابهة لنتائج الانتخابات البرلمانية أو المجالس المحلية، توجه التونسيون بأعداد ملحوظة إلى صناديق الاقتراع، مما يدعم تفسير الرئيس سعيد لمحدودية المشاركة في الانتخابات البرلمانية، حيث قال إن "سبب العزوف هو ما انطبع في أذهان الناس عن البرلمان من كونه مؤسسة للصراعات والفوضى، لكن الانتخابات الرئاسية تختلف تمامًا".
تؤكد المشاركة في الانتخابات الرئاسية على دعم الناخبين لفكرة الحكم القوي، مما يعكس رغبتهم في الحفاظ على قوة الدولة. كما تعتبر نسبة المشاركة المرتفعة بمثابة استفتاء داعم لخيارات قيس سعيد في السنوات الثلاث الماضية ولصورته كشخصية نظيفة ومن خارج الفضاء الحزبي التقليدي. وقد صدق الناخبون خطابه عن المؤامرات، رغم أن بعض المعارضين يحاولون التقليل من أهميتها.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن دعم الناخبين لقيس سعيد ليس بلا شروط، حيث يتطلعون إلى رؤية برنامج الرئيس في ولايته الثانية وكيفية تحقيق شعار "البناء والتشييد". ويتعين على الدولة تحسين مستوى المعيشة، وتحريك الاقتصاد، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع الحفاظ على دور الدولة الفعّال في المراقبة والمحاسبة.
بعد إعلان فوز سعيد، نزل أنصاره إلى الشوارع في العاصمة تونس للاحتفال، بعد أن أظهر استطلاع للرأي بث على التلفزيون الرسمي فوزه بفارق كبير. وقد واجه سعيد في هذه الانتخابات حليفه السابق زهير المغزاوي الذي تحول إلى معارضة، والعياشي زمال الذي سُجن الشهر الماضي بتهمة تدليس وثائق انتخابية.
في أول تعليق له، قال قيس سعيد للتلفزيون الرسمي: "ما نعيشه هو استكمال للثورة.. سنبني ونشيد وسنطهر البلاد من الفاسدين والخونة والمتآمرين". وفي الشارع الرئيسي، رفع المحتفلون صور سعيد والعلم التونسي، وهم يهتفون "الشعب يريد البناء والتشييد". وأعرب محسن إبراهيم، أحد المحتفلين، عن فرحته بأن الرئيس يعمل من أجل مصلحة الشعب والدولة، وليس لمصلحته الشخصية.
في مقر الحملة الانتخابية، صرح نوفل سعيد، شقيق الرئيس ومدير الحملة، بأن "فوز كبير والشعب قال كلمته"، معتبراً أن هذه النتيجة تعكس ثقة الشعب في سعيد كرمز للقيادة.
وبالرغم من أن الخبير في الشأن المغاربي، بيار فيرميرين، أشار إلى أن "الشرعية الديمقراطية" لهذه الانتخابات تعتبر ضعيفة مع نسبة المشاركة المتواضعة، إلا أن قيس سعيد لا يزال يحظى بشعبية كبيرة. منذ يوليو 2021، لجأت المعارضة إلى الشارع للاحتجاج على خيارات قيس سعيد، لكنها شهدت تراجعًا تدريجيًا في قدرتها على تجميع الأنصار.
عكست الانتخابات هذا التراجع، حيث دعت أحزاب وشخصيات من مختلف الاتجاهات إلى التصويت لزمال في محاولة لمناوأة قيس سعيد، لكن النتائج كانت متواضعة، وهو ما يعكس محدودية حضور حزب حركة الشعب في الشارع. ولا تعتبر اعتراضات المرشحين المنافسين لقيس سعيد سوى محاولة للتقليل من وقع الهزيمة.
عبر المشرفون على حملة زمال عن "رفض قاطع للنتائج المنشورة"، مؤكدين ثقتهم في إمكانية انتقال العياشي زمال إلى الدور الثاني. من جانبه، وصف المرشح المغزاوي نتائج سبر الآراء بأنها "غير صحيحة" وغير دقيقة.
وأعلنت هيئة الانتخابات مساء الأحد أن نسبة المشاركة بلغت 27.7%، مقارنة بـ 45% خلال الجولة الأولى من انتخابات عام 2019، مما يعتبر أدنى معدل مشاركة في الانتخابات الرئاسية منذ ثورة 2011. وشارك في الانتخابات 65% من المسجلين (9.7 مليون ناخب مسجل) من الفئة العمرية بين 36 و60 عامًا، بينما قاطعتها فئة الشباب بين 18 و36 عامًا، حيث لم يشارك منها سوى 6%، رغم أنها كانت داعمة قوية لقيس سعيد في انتخابات عام 2019.