الاقتصاد
"المجلس الانتقالي الجنوبي يقول انه قدم مصفوفة حلول لمواجهة أزمة الطاقة"..
مخصصات وقود المنحة السعودية ساهمت في تفاقم الفساد المالي بقطاع الكهرباء
كشف باحثون وخبراء عن وجود فساد مالي وإداري مرتبط بمخصصات الوقود المقدمة كمنحة من البرنامج السعودي لتنمية وإعادة اعمار اليمن، والتي تم تقديمها لدعم قطاع الكهرباء في الجنوب خلال الفترة من فبراير/ شباط وحتى أبريل/ نيسان 2023، والتي كان من المفترض أن تسهم في تحسين استقرار إمدادات الكهرباء، تعرضت لسوء الإدارة والفساد، مما أثر بشكل مباشر على فعالية استغلالها وأدى إلى استمرار أزمة الكهرباء في عدن والمناطق الجنوبية.
وقال باحثون خلال ندوة نقاشية في عدن "الثلاثاء" إنه تم تسجيل عدة تجاوزات في إدارة هذه المنحة، شملت توجيه كميات من الوقود إلى جهات غير مختصة، وبيع كميات أخرى في السوق السوداء بدلاً من استخدامها لتشغيل محطات الكهرباء. وقد أدى ذلك إلى تزايد معاناة المواطنين نتيجة الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي، في وقت كانت فيه هذه المنحة تهدف إلى التخفيف من الأزمة.
أكدت أن مخصصات الوقود التي قدمتها المنحة السعودية تم استغلالها بشكل غير قانوني، حيث تم تحويل جزء من الوقود إلى تجار وشركات خاصة بطرق ملتوية، بعيدًا عن القنوات الرسمية التي كان يجب أن يتم توزيعها من خلالها، وهذه التجاوزات أسهمت في زيادة الفاقد من الوقود المخصص لتشغيل المحطات، ما أدى إلى تعميق الأزمة، حيث غابت الشفافية والمساءلة في إدارة هذه المخصصات سمح بتفشي الفساد على نطاق واسع، مما جعل قطاع الكهرباء في الجنوب يعاني من نقص حاد في الوقود اللازم لتشغيل المحطات، رغم توفر الموارد المالية التي كان من المفترض أن تحل هذه المشكلة.
وقالت ندوة نظمها مركز البحوث ودعم القرار في المجلس الانتقالي الجنوبي، إنها قدمت ما وصفتها بمصفوفة حلول لمواجهة أزمة الكهرباء في عدن (العاصمة) ومدن الجنوب الأخرى، وذلك خلال ندوة نقاشية نظمها المركز وقدم فيها أوراق بحثية حول أزمة منظومة الكهرباء في العاصمة عدن.
وقال مراسل "اليوم الثامن"، الذي حضر الندوة إن الأوراق تناولت أسباب وحلول آنية ومستقبلية لأزمة الكهرباء، قدمها باحثون.
وأكد د. محمد جعفر أبن الشيخ، نائب رئيس مركز البحوث ودعم القرار "أن أزمة الكهرباء تتفاقم يوماً بعد يوم نتيجة مجموعة من الأسباب السياسية والإدارية، بالإضافة إلى غياب الرؤية الاستراتيجية لدى الحكومات المتعاقبة."
وقال "لقد تراكمت هذه المشكلات لتخلق واقعًا مأساويًا في قطاع الكهرباء، حيث تعطلت معظم مشاريع التنمية الخدمية".
ولفت إلى أن الهدف من هذه الندوة النقاشية وضع رؤية واضحة لحل أزمة الكهرباء في عدن، وتشخيص دقيق لحالة منظومة الكهرباء، واقتراح حلول عملية على المدى القصير والطويل، والعمل على إنقاذ هذا القطاع الحيوي من الانهيار التام.
وذهب د. عبدالله الطهيش إلى الحديث عن وصفه بـ "سياسة الحرب الاقتصادية على الجنوب وآثارها على خدمة الكهرباء في عدن"،لافتا إلى أنه يجب ربط هذه أزمة الكهرباء بالسياسات المتبعة من قبل القوى اليمنية المختلفة منذ حرب صيف 1994، مروراً بحرب الحوثيين، وصولاً إلى الأطراف الشريكة في إدارة الوضع الحالي".
واتهم الطهيش القوى السياسية اليمنية بـ"خلق سياسات ساهمت تفاقم معاناة سكان عدن جراء انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، والذي شل الحركة التجارية وأثر سلباً على الخدمات الأساسية.
وقدم الطهيش ما قال إنها جملة من الحلول لمعالجة أزمة الكهرباء، تبدأ من خلال معرفة دور المجلس الانتقالي الجنوبي في وضع حلول لأزمة الكهرباء في عدن، متحدثا عن جملة من الحلول التي قدمها المجلس الانتقالي الجنوبي في مصفوفة الحلول الاقتصادية لأزمة الكهرباء في ظل الحرب، بالإضافة إلى التدخلات الطارئة، وأن المجلس الانتقالي الجنوبي قدم خطة شاملة لحل أزمة الكهرباء بشكل مستدام".
ولفت إلى أن من أبرز مصفوفة المجلس الانتقالي الجنوبي تتمثل في "تنويع مصادر الطاقة"، من خلال استثمار المجلس في مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المهدد بسبب الصراع، وإصلاح شامل لشبكة الكهرباء، بإطلاق مشاريع طويلة الأمد لتحديث شبكة الكهرباء وتوسيعها، بما يضمن تلبية احتياجات المواطنين وتحسين جودة الخدمة، وتعزيز الشراكات الدولية من خلال خلق شراكة مع دول التحالف العربي، والدول المانحة لتأمين التمويلات اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية للكهرباء".
وشملت مصفوف حلول المجلس الانتقالي الجنوبي "تحديث وصيانة البنية التحتية الكهربائية، من خلال وضع خطط لتحديث محطات الكهرباء وصيانة الشبكات الكهربائية المهترئة في الجنوب، حيث تدهورت البنية التحتية للكهرباء منذ حرب 1994م ومن هذه المشاريع إعادة تأهيل المحطات القديمة وبناء محطات جديدة كما تشمل هذه الخطط استخدام تمويلات المنح السعودية والإماراتية لتحديث شبكات الكهرباء في عدن والمناطق المحيطة، بالإضافة إلى تحسين نظام التوزيع الكهربائي لتقليل الفاقد أثناء نقل الكهرباء".
وشددت مصفوفة حلول المجلس الانتقالي الجنوبي على تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة قطاع الكهرباء، مؤكدا وجود حالة من الفساد الذي يُعيق تقديم الخدمات بشكل فعال،، وأنه قد وضع سياسات لتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة ملف الكهرباء والتي تهدف إلى مكافحة الفساد وضمان توزيع الوقود والمساعدات بشكل عادل ومباشر إلى محطات الكهرباء، دون تدخلات سياسية".
ودعا المجلس إلى تأسيس هيئة مستقلة لإدارة قطاع الكهرباء، تكون مسؤولة عن الإشراف على التوزيع والتمويل وإجراء الصيانة الدورية، وذلك لضمان تحسين استدامة خدمات الكهرباء بعيدًا عن النزاعات السياسية.
وأقترح مركز البحوث ودعم القرار، تقديم حلول سريعة لتحسين إمدادات الكهرباء بشكل مؤقت، مثل استئجار مولدات إضافية وإعادة تأهيل المحطات القديمة لتخفيف الانقطاعات، خصوصًا في فترات الذروة الصيفية، وكذا تسهيل وصول شحنات الوقود المخصصة لتشغيل محطات الكهرباء، وضمان التنسيق مع الجهات الدولية لضمان استمرارية إمدادات الوقود للجنوب.
وشدد على أهمية تعزيز مشاريع الطاقة الشمسية خصوصًا في المناطق الريفية والنائية، حيث يمتلك الجنوب إمكانات كبيرة في هذا المجال نظرًا لساعات الشمس الطويلة على مدار السنة.
وطالب بإعادة تأهيل المحطات القديمة، بناء محطات جديدة، وتحسين شبكات التوزيع لتقليل الفاقد من الطاقة وضمان استمرارية الخدمة.
5. تعزيز الشفافية والمساءلة: وضع سياسات لمكافحة الفساد في إدارة قطاع الكهرباء، وضمان التوزيع العادل للمساعدات والوقود لمحطات الكهرباء دون تدخلات سياسية.
وشدد د. عمر عبدالعزيز باحيدرة، على حكومة الشراكة اليمنية بضرورة توفير الدعم المالي اللازم لإجراء دراسات جدوى شاملة، والبدء في مشاريع توليد الطاقة الشمسية على نطاق واسع لتعزيز منظومة الكهرباء العامة، مطالبا بإشراك المواطنين في هذه الجهود من خلال وضع آليات واضحة ومشجعة للاستثمار في الطاقة الشمسية، مثل ما هو معمول به في العديد من الدول.
واقترح باحيدرة على الحكومة توفير التسهيلات اللازمة لتشجيع استخدام الطاقة الشمسية، بما في ذلك مراقبة جودة الألواح الشمسية والمستلزمات المرتبطة بها، وإعفاء هذه المنتجات من الرسوم الجمركية والضرائب.
وشدد على أهمية إجراء دراسات متكاملة ومتعددة الأجل لتطوير قطاع الكهرباء في عدن، تشمل تقييم الوضع الحالي لمنظومة توليد ونقل وتوزيع الكهرباء، وتحديد الاحتياجات المستقبلية، ووضع الخطط الاستراتيجية للتوسع في محطات التوليد وتحسين كفاءة الشبكات.
وطالب بإجراء دراسات مستمرة لتقدير الأحمال الكهربائية، وذلك لتحديد حجم الاستثمارات المطلوبة وتجنب أي نقص في الطاقة، من شأن هذه الدراسات أن تساهم في وضع خطط مستدامة لقطاع الكهرباء، وتضمن توفير خدمة كهرباء موثوقة ومستمرة للمواطنين."
وأكد الباحث على أن تحقيق الأهداف المنشودة لمعالجة أزمة الكهرباء تتطلب تضافر الجهود وتوفر الإرادة السياسية الحقيقية، وأنه يجب أن تكون هناك قرارات حاسمة تضع مصلحة المواطن والوطن في صدارة الأولويات، وتعمل على معالجة أسباب أزمة الكهرباء في عدن بشكل جذري، سواء على المدى القصير أو الطويل.
واشترط أن تتجاوز الحلول المقدمة لمعالجة أزمة الكهرباء الحسابات السياسية الضيقة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
وسلط د. عبدالرقيب الكلدي، عضو الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد، الضوء على ما وصفه بتفشي الفساد المستشري في قطاع الكهرباء، موضحا أن هذا الفساد، الذي تجلى في أشكال متعددة مثل الرشوة والمحسوبية والهدر في الإنفاق، كان له دور كبير في تدهور الخدمات الكهربائية وتفاقم معاناة المواطنين. يعود تاريخ هذا الفساد إلى ما بعد حرب صيف 1994، حيث استغل متنفذون سيطرتهم على القطاع لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية للقطاع وتدهور كفاءته. ونتيجة لذلك، أصبح قطاع الكهرباء عبئًا على الميزانية العامة للدولة بدلاً من أن يكون مصدراً للإيرادات، مما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية.
وحدد الكلدي ثلاثة أوجه للفساد في قطاع الكهرباء، في مجال عقود الشراء، وتوفير المشتقات النفطية عبر لجنة المناقصات، وكذا في الوقود من مخصصات المنحة المقدمة من البرنامج السعودي تنمية وإعادة اعمار اليمن، والتي أغرقت قطاع الطاقة بالفساد المالي.
وقال الباحث الكلدي "إن قطاع الكهرباء غارق بالفساد في كل المجالات من حيث التكليف المباشر بشراء الوقود للتجار شركات الطاقة دون إجراء أي مناقصة، وعقد صفقات شراء وقود بأسعار خيالية (1400) دولار للطن) . فمن خلال الاطلاع على عدد من التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي نلاحظ الكم الهائل من العبث في هذا القطاع الهام.
وأكد الباحث أن لجنة مكافحة الفساد في الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي قامت بجمع وتحليل كم هائل من البيانات، التي تكشف حجم الفساد المالي الكبير في قطاع الكهرباء، حيث بلغ إجمالي الإنفاق على شراء الوقود في محافظات الجنوب حوالي 3,104,800 دولار أمريكي يوميًا، أي ما يعادل 93,144,000 دولار أمريكي شهريًا، و1,117,628,999 دولار أمريكي سنويًا، ومجمل الحلول السابقة كانت آنية وتصب في اتجاه واحد وهو كيفية توفير الوقود لمحطات التوليد، وهو ما تسبب في استنزاف الخزانة العامة.
واقترح الباحث "الاستغناء التدريجي عن شراء الطاقة من القطاع الخاص وإيقاف العمل بالمولدات الحكومية التي تعمل بالوقود ديزل - مازوت وتستبدل من خلال إلى 500 ميغاوات، والعمل على رفع إنتاجية محطة الطاقة الشمسية الإماراتية الى قدرتها القصوى من 120 ميغاوات، وإنشاء محطات الطاقة الشمسية في كل المحافظات وبحسب الاحتياج، والابقاء على محطات التوليد العاملة بالغاز، وبناء الجديد منها عند الحاجة. ويمكن الاستفادة من مياه الأمطار والسيول ومن خلال بناء السدود مثل سد وادي حسان أو مشاريع السدود في محافظتي شبوة وحضرموت في توليد الطاقة الكهربائية وبذلك يكون حل واحد لمشكلتي الكهرباء والجفاف".
أوصى الباحث بضرورة الاتجاه إلى مصادر أخرى للطاقة النظيفة والمتجددة مثل الرياح وحركة الامواج ولاسيما أن هناك دراسات متعددة في هذا المجال.