تطورات اقليمية
غارات إسرائيلية استهدفت صنعاء والحديدة..
الحوثيون وإعلان الاستعداد للتسوية السياسية: خطوة تكتيكية أم ضرورة استراتيجية؟
أعلنت جماعة الحوثي، الثلاثاء، استعدادها "الفوري" للدخول في تسوية سياسية تنهي الصراع في اليمن، ما أثار تساؤلات حول خلفيات هذا الإعلان وتوقيته. يأتي ذلك وسط ضربات متتالية يتلقاها ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، خاصة في سوريا، وظهور مؤشرات على تراجع النفوذ الإيراني، الذي كان الداعم الأبرز للجماعة.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الحوثيين باتوا يشعرون بتغير معادلات القوة الإقليمية، خاصة مع التقارب الإيراني الخليجي وتراجع جدوى التصعيد العسكري في اليمن. فمحاولات استخدام التخويف باستهداف المنشآت النفطية في السعودية والإمارات، ضمن أجندة الضغط الإيراني، لم تعد تحقق النتائج المرجوة، لا سيما في ظل القصف الأميركي لمواقع في صنعاء والضربات الإسرائيلية التي قد تتكرر إذا استمر الحوثيون في دعم حماس وحزب الله.
رغم محاولاتهم التأكيد على تميز وضعهم عن حماس وحزب الله، يبدو أن الحوثيين يراقبون بحذر ما حدث في سوريا، حيث أدى سقوط نظام بشار الأسد السريع إلى تغييرات إقليمية جذرية. هذا السيناريو دفع الجماعة إلى التفكير في تهدئة داخلية كإجراء استباقي لتجنب تحرك عسكري مشابه قد يستهدف صنعاء، خاصة مع ضعف الدعم الإيراني المباشر بسبب الظروف الجيوسياسية الحالية.
تزايدت المخاوف الحوثية من رهان تركيا وقطر على تحريك حزب الإصلاح الإخواني للقيام بعمل عسكري حاسم ضدهم، على غرار ما قامت به هيئة تحرير الشام في سوريا. تصريحات القيادي في حزب الإصلاح عبدالرزاق الهجري، التي دعا فيها إلى نبذ الخلافات بين القوى الوطنية لهزيمة الحوثيين، عكست هذا التوجه.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الحوثيون للظهور بمظهر الطرف القوي، يبدو عرضهم المفاجئ للاستعداد للتسوية السياسية مرتبطًا بتقارير عن تحركات داخلية مدعومة إقليميًا ودوليًا لتفكيك نفوذ الجماعة. ومع استمرار الهجمات على السفن في البحر الأحمر، والتصعيد في دعم غزة، تواجه الجماعة ضغوطًا دولية متزايدة.
رغم الالتزام بخارطة طريق أممية أُعلن عنها في ديسمبر الماضي لإنهاء الحرب، والتي تشمل وقفًا شاملًا لإطلاق النار وتحسين الظروف الإنسانية، فإن التصعيد العسكري الحوثي حال دون تنفيذ الخطة. وأكد جمال عامر، وزير الخارجية في حكومة الحوثيين، الثلاثاء، استعداد الجماعة الفوري للتوقيع على خارطة الطريق، لكنه حذر من ربط ملف السلام بتصعيد البحر الأحمر، معتبرًا ذلك استجابة للضغوط الأميركية.
ويرى مراقبون يمنيون أن إعلان الحوثيين عن استعدادهم للتسوية السياسية قد لا يكون سوى جزء من سياسة المناورة التي دأبت الجماعة على انتهاجها لكسب الوقت وإعادة ترتيب أوراقها.
مع دخول الحرب في اليمن عامها العاشر واستمرار التهدئة الهشة منذ نحو عامين ونصف العام، يبدو أن جماعة الحوثي تجد نفسها محاصرة داخليًا وخارجيًا، في ظل تغيرات إقليمية ودولية تضيق الخناق على خياراتها. وبينما يُشكك البعض في جدية الجماعة بشأن السلام، فإن استمرار الضغوط قد يدفعها نحو اتخاذ خطوات أكثر جدية في مسار التسوية السياسية، لتجنب سيناريوهات أكثر قسوة على وجودها ومستقبلها.
وأعلن الجيش الإسرائيلي صباح الخميس أنّه شنّ غارات جوية على "أهداف عسكرية" تابعة للحوثيين في اليمن شملت خصوصا "موانئ وبنى تحتية للطاقة"، في هجوم أعقب اعتراضه صاروخا أطلقته الجماعة المدعومة من إيران باتجاه الدولة العبرية، فيما وجه وزير الدفاع يسرائيل كاتس، رسالة تحذير ووعيد للمتمردين في تلميح إلى مصير شبيه بحزب الله اللبناني.
وقال الجيش في بيان إنّ طائراته شنّت ليل الأربعاء الخميس "غارات دقيقة استهدفت أهدافا عسكرية حوثية في اليمن، شملت موانئ وبنى تحتية للطاقة (...) استخدمها الحوثيون في أنشطتهم العسكرية".
وأتى هذا البيان بعيد إعلان الجيش أنّه اعترض بنجاح صاروخا أُطلق من اليمن، مشيرا إلى أنّ صفّارات الإنذار دوّت في وسط الدولة العبرية لتحذير السكّان من خطر سقوط حطام نتيجة عملية الاعتراض.
وأوردت قناة "المسيرة" التلفزيونية التابعة لجماعة الحوثي أن غارات عدّة "استهدفت محطتي كهرباء حزيز وذهبان المركزيتين جنوب وشمال العاصمة صنعاء" بينما استهدفت غارات أخرى في محافظة الحديدة الساحلية (غرب) "ميناء الحديدة ومنشأة رأس عيسى النفطية ما أسفر عن مقتل تسعة وإصابة بعض موظفيها".
وذكرت القناة أن سبعة قتلوا في ضربة على ميناء الصليف بينما قتل اثنان في ضربتين على منشأة رأس عيسى النفطية.
وأتت هذه الغارات الإسرائيلية بعيد اعتراض سلاح الجو الإسرائيلي "صاروخا أطلق من اليمن قبل أن يعبر إلى الأراضي الإسرائيلية"، بحسب ما أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان.
وأضاف البيان أنّه "تمّ تفعيل صفارات الإنذار بسبب احتمال أن يكون هناك حطام متساقط من عملية الاعتراض".
وصرح وزير الدفاع يسرائيل كاتس "ستقطع يد كل من يرفع يده على دولة إسرائيل، وسيُضرب كل من يضرب سبع مرات أقوى" مشيرا إلى أن العملية الإسرائيلية استهدفت "بنى تحتية استراتيجية" للحوثيين.
وهذا ثاني اعتراض لصاروخ أطلق من اليمن يعلن عنه الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن الإثنين أنّه اعترض بنجاح صاروخا أطلق من اليمن، في هجوم أعلن المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران مسؤوليتهم عنه.
وفي هجوم منفصل وقع كذلك الإثنين، أعلن الجيش الإسرائيلي أنّه اعترض في البحر المتوسط طائرة مسيّرة أطلقت من اليمن.
وأعلن الحوثيون يومئذ مسؤوليتهم عن استهداف الدولة العبرية.
ومنذ نوفمبر، يشنّ الحوثيون هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن انطلاقا من المناطق الخاضعة لسيطرتهم في اليمن، في ما يعتبرونه "دعما" للفلسطينيين في قطاع غزة حيث تدور حرب مدمّرة بين إسرائيل وحماس منذ أن شنّت الحركة هجوما غير مسبوق على الدولة العبرية في السابع من أكتوبر 2023.
وفي يوليو، أدّى انفجار مسيّرة مفخّخة في تلّ أبيب في هجوم نفّذه الحوثيون إلى مقتل مدني إسرائيلي. وردّا على هذا الهجوم شنّت إسرائيل ضربات انتقامية على محافظة الحديدة الساحلية اليمنية.
كذلك فإنّ الحوثيين الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من اليمن يهاجمون بانتظام سفنا في البحر الأحمر وخليج عدن يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل أو الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.
وأدّت هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة البحرية هذه إلى اضطرابات كثيرة في حركة النقل البحري في هذه المنطقة الأساسية للتجارة العالمية.
وردّا على هذه الهجمات تشنّ الولايات المتحدة، بالاشتراك أحيانا مع بريطانيا، غارات ضد مواقع عسكرية للحوثيين في اليمن.
وسبق لإسرائيل أن أغارت على أهداف تابعة للمتمردين الحوثيين في اليمن في يوليو وسبتمبر الماضيين.
وفي رسالة عبر الفيديو صباح الخميس، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري أنّ المتمرّدين اليمنيين أصبحوا "مصدر تهديد عالمي"، مؤكّدا أنّ من يقف خلفهم هو "النظام الإيراني الذي يموّل ويسلّح ويوجّه الأنشطة الإرهابية للحوثيين".
وأضاف "سنواصل التحرك ضدّ أيّ كان، أيّ كان في الشرق الأوسط، يهدّد دولة إسرائيل".