الرياضة
إحياء الحدث الكروي الأكبر في الخليج..
الكويت تستعد لاستضافة خليجي 26: تحسينات تنظيمية ورؤية مستقبلية
بطولة كأس الخليج العربي الـ26 واحدة من أبرز التظاهرات الرياضية في منطقة الخليج العربي، حيث تجتمع المنتخبات الخليجية للتنافس على اللقب المرموق الذي يحمل إرثا رياضيا وثقافيا عريقا. وتقام النسخة الـ26 من البطولة في الكويت وسط ترقب كبير من عشاق كرة القدم الذين ينتظرون لحظات الإثارة والحماس التي لطالما ميزت هذه البطولة. ومنذ انطلاقتها الأولى في عام 1970، أصبحت بطولة كأس الخليج منصة للتنافس الشريف وتعزيز الروابط بين شعوب الخليج.
تحتضن الكويت في الفترة من 21 ديسمبر 2024 وحتى 3 يناير 2025 النسخة السادسة والعشرين من بطولة كأس الخليج لكرة القدم أو خليجي 26، بمشاركة ثمانية منتخبات عربية، مقسمة إلى مجموعتين، كما هو النظام السائد في البطولة في الفترة الأخيرة. والبطولة تجري بتقسيم المنتخبات الثمانية إلى مجموعتين تضم كل منها أربعة فرق، تتنافس فيما بينها لصعود أول فريقين إلى نصف النهائي، قبل خوض المباراة النهائية لتحديد بطل المسابقة.
وجاءت فكرة تنظيم البطولة للمرة الأولى على هامش دورة الألعاب الأولمبية 1968، بعدما طرح الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود أمير مكة المكرمة الفكرة، وطرحها الوفد البحريني في الأولمبياد على ستانلي روس رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا وقتها، وبعد العودة من الأولمبياد عقد الاتحاد البحريني اجتماعا لمناقشة الفكرة، وهو ما نتج عنه إقامة الدورة الخليجية الأولى في البحرين في 1970 بمشاركة أربعة منتخبات هي الكويت والبحرين والسعودية وقطر.
الكويت سيطرت على البطولة لأربع دورات مختلفة حتى كسر العراق الهيمنة الكويتية بالفوز بدورة 1979، وظلت البطولة حكرا على المنتخبين لعشر دورات متتالية، حتى فاز المنتخب القطري بدورة 1992، ثم السعودية في 1994، لتفوز بها جميع المنتخبات المشاركة بها باستثناء اليمن، وعددها سبع منتخبات. ومنتخب الكويت هو المنتخب الأكثر تتويجا باللقب برصيد عشر مرات، ثم العراق أربع مرات، فالسعودية وقطر ثلاث مرات لكل منهما، ثم مرتين لكل من الإمارات وعمان، ومرة واحدة للبحرين.
ويعد الكويتي جاسم يعقوب هو الهداف التاريخي لبطولات كأس الخليج، بتسجيل 18 هدفا في ثلاث دورات فقط، بعد ثلاثة أهداف في دورة 1972، ثم الحصول على لقب الهداف في دورتي 1974 و1976، ثم الاعتزال بداعي الإصابة، ومن خلف يعقوب يأتي السعودي ماجد عبدالله والعراقي حسين سعيد، وكل منهما له 17 هدفا، ثم الكويتيان جاسم الهويدي وفيصل الدخيل بتسجيل 14 هدفا، ثم القطري منصور مفتاح والإماراتي علي مبخوت بـ13 هدفا لكل منهما.
فيما يعد العراقي عمو بابا هو الأبرز في تاريخ المدربين، إذ قاد منتخب بلاده للفوز باللقب ثلاث مرات، ضمن سبعة مدربين عرب فازوا بالكأس، أولهم المصري طه الطوخي الذي قاد الكويت للقب الخليجي الأول في 1970. ورغم عدم وجود نظام واضح لفترة إقامة الدورة، إذ كانت كل سنتين في البداية، ثم أصبحت كل ثلاث سنوات، ثم أخذت في التراوح بين كل سنتين ثم أربع سنوات، إلا أن عدد المنتخبات شبه ثابت، إذ بدأت بأربع منتخبات، وأخذ عدد الدول المشاركة في التزايد حتى وصل إلى ثمانية منتخبات.
المنتخب العراقي يأمل في الحفاظ على لقب بطولة كأس الخليج، وذلك بعدما توج بالنسخة السابقة التي أقيمت في بلاده في 2023
بعد إقامة الدورة السابقة في العراق، ومرورها دون مشكلات خاصة مع حضور المنتخب الكويتي للبطولة، استضافت الكويت منتخب العراق لأول مرة منذ حرب الخليج في مواجهة رسمية عندما تواجه الفريقان في سبتمبر الماضي ضمن تصفيات التأهل لكأس العالم 2026، وقوبل المنتخب العراقي بحفاوة بالغة، إلا أن المباراة شهدت العديد من المشكلات، صاحبتها استقالة مجلس إدارة الاتحاد الكويتي لكرة القدم، بسبب سوء التنظيم والفوضى، لعدم ربط التذاكر بأرقام المقاعد وهو ما تسبب في دخول عدد كبير من المشجعين دون تذاكر، وحرمان من قاموا بشراء التذاكر من الحضور.
فضلا عن إقامة المباراة في درجة حرارة عالية، وعدم توفير مياه شرب للحضور، ما أدى إلى حالات إغماء واختناق، وتساؤلات كثيرة حول قدرة الكويت على تنظيم خليجي 26، خاصة وأن الدورة الأخيرة التي نظمتها الكويت خليجي 23، شهدت انهيار جزء من الحاجز الزجاجي لمدرج ملعب جابر، ما نتجت عنه إصابة عدد من جماهير منتخب عمان الذين كانوا يحتفلون بالتتويج باللقب.
إلا أن الكويت استعانت بخبرات شركة عالمية ذات الخبرة في تنظيم الأحداث الرياضية، ومنها كأس العالم 2022 في قطر، وتولي مسؤولية البوابات الإلكترونية وإصدار التذاكر وتحسين خدمات الملاعب وغيرها، في الوقت الذي أكدت فيه إدارة البطولة أن جميع ملاعب التدريب جاهزة بعد استكمال أعمال الصيانة، وأن الملعبين اللذين سيحتضنان المنافسات تم الانتهاء من صيانتهما بالكامل، كما أعلنت اللجنة المنظمة عن طرح تذاكر مباريات البطولة عبر تطبيق “حياكم” التابع للجنة، من أجل تنظيم أكثر لعملية الحضور الجماهيري. ولا تعد مشكلات الملاعب والجماهير فقط هي أهم ما قد يعوق الدورة، ولكن كذلك المشكلات الكروية الفنية، إذ كون الدورة خارج أجندة الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا يعني عدم سماح الأندية للاعبين المحترفين لخوض البطولة مع منتخباتهم، كالسعودي سعود عبدالحميد لاعب روما الإيطالي، والعماني محسن الغساني مهاجم نادي بانكوك التايلاندي، كذلك الجدول زمني وضغط المباريات الذي قد لا يساعد اللاعبين على تقديم أفضل لياقة بدنية ممكنة.
يأمل المنتخب العراقي في الحفاظ على لقب بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم، وذلك بعدما توج بالنسخة السابقة التي أقيمت في بلاده في عام 2023. ويدخل المنتخب العراقي النسخة الحالية كحامل للقب ويوجد في المجموعة الثانية التي تضم منتخبات البحرين والسعودية واليمن. وسيخوض المنتخب العراقي أولى مبارياته في البطولة بمواجهة منتخب اليمن يوم 22 ديسمبر الجاري، على أن يواجه بعد ذلك منتخب البحرين يوم 25 من الشهر ذاته، ويختتم دور المجموعات بمواجهة السعودية يوم 28 ديسمبر.
وعلى مدار عام مضى قدم المنتخب العراقي أداء متباينا في كافة البطولات والمسابقات التي خاضها، حيث توج بلقب كأس الخليج 25 على أرضه في يناير 2023، قبل أن يخرج من دور الستة عشر أمام الأردن في بطولة كأس أمم آسيا في قطر أوائل العام الجاري، وأهدر الكثير من النقاط في تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم 2026، لكنه يحتل المركز الثاني في المجموعة الثانية بالتصفيات خلف منتخب كوريا الجنوبية برصيد 11 نقطة.
ويتسلح المنتخب العراقي، الذي يقوده المدرب الإسباني خيسوس كاساس، صاحب إنجاز الفوز باللقب في النسخة الماضية، بخبرة مهاجمه أيمن حسين لاعب الخور القطري، بالإضافة إلى زيدان إقبال، لاعب وسط أوتريخت الهولندي، والذي يقدم موسما جيدا توجه تألق فريقه باحتلال المركز الثالث حتى الآن في ترتيب الدوري. وسبق لكاساس، الذي تولى تدريب منتخب العراق عام 2022، أن تولى تدريب الفريق الثاني بنادي قادش وأندية أخرى في الدرجات الثالثة والرابعة في إسبانيا مثل روتا وكونيل، كما عمل في الجهاز الفني للمنتخب الإسباني بين عامي 2018 و2022. ويضم المنتخب العراقي نخبة من المحترفين في بعض الأندية الأوروبية، مثل علي جاسم لاعب كومو الإيطالي، وأمين الحماوي، مهاجم ساندفيكن السويدي، ولاعبين في بعض الأندية العربية مثل إبراهيم بايش لاعب الرياض السعودي ويوسف أمين لاعب الوحدة السعودي وغيرهم.
وتشهد قائمة المنتخب العراقي في خليجي 26، وجود ستة لاعبين لم يسبق لهم المشاركة مع المنتخب العراقي في أي مباراة دولية من قبل، وهم ثنائي حراسة المرمى كميل الركابي، لاعب ليجانيس الإسباني، ومحمد حسن، لاعب إيشوي الدنماركي، وهلو فائق، لاعب أربيل، وأدم رشيد مدافع ماريبور السلوفيني، وماركو فرجي، مهاجم ستروزجودست النرويجي، وبيتر كوركيس مهاجم دهوك. وسبق للمنتخب العراقي أن حقق لقب كأس الخليج أربع مرات من قبل أعوام 1979 التي أقيمت على أرضه، ونسخة 1985 في عمان و1988 في السعودية، بينما فاز بالأخيرة على أرضه مجددا. وسبق للمنتخب العراقي أن حصل على المركز الثاني مرتين في البطولة في نسختي 1976 بقطر و2013 في البحرين، ووصل إلى الدور نصف النهائي ثلاث مرات 2010 و2018 و2019.
وعلى المستوى القاري، يفتخر المنتخب العراقي كثيرا بفوزه بلقب كأس أمم آسيا 2007 التي أقيمت في فيتنام وماليزيا وإندونيسيا وتايلاند، وذلك حينما خطف اللقب برأسية يونس محمود الشهيرة في شباك السعودية في النهائي. وبمعنوياته العالية، يهدف المنتخب العراقي إلى إضافة لقب خليجي آخر إلى خزانة ألقابه، مؤكدا مسيرته القوية ودافعا له من أجل خطف بطاقة العبور المباشر إلى مونديال 2026 في أميركا والمكسيك وكندا. وتأسس الاتحاد العراقي عام 1948، وانضم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1950، وبعد ذلك بعشرين عاما انضم إلى الاتحاد الآسيوي. وفي أغسطس عام 1992، حقق المنتخب العراقي أكبر فوز في تاريخه حينما سحق منتخب إثيوبيا 13 – 0 في مباراة دولية ودية، بينما جاءت الهزيمة الأكبر أمام تركيا في ديسمبر عام 1959 بسبعة أهداف مقابل هدف واحد.
يبقى منتخب السعودية القوة الكروية الأبرز بين الفرق المشاركة في بطولة خليجي 26. فالأخضر السعودي يبقى أكثر منتخب خليجي شارك في كأس العالم برصيد 6 مشاركات منذ ظهوره الأول في مونديال 1994 بالولايات المتحدة، وضمن أيضا مشاركة جديدة على الأقل بعد قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بمنح السعودية شرف استضافة كأس العالم في عام 2034. كما شارك في كأس القارات في أربع نسخ عندما استضاف البطولة في أعوام 1992 و1995 و1997 إضافة إلى مشاركة أخرى في نسخة 1999 بالمكسيك.
كما أن المنتخب السعودي توج بكأس أمم آسيا ثلاث مرات في أعوام 1984 و1988 و1996 بينما حل وصيفا للبطل في ثلاث مشاركات أخرى في أعوام 1992 و2000 و2007. وتشمل إنجازات المنتخب السعودي أيضا الفوز بكأس العرب مرتين في عامي 1998 و2002 وحل وصيفا في نسخة 1992. كما دخل المنتخب السعودي أيضا قائمة الشرف في بطولات الخليج بتتويجه باللقب ثلاث مرات في أعوام 1994 و2002 و2004 وحل وصيفا سبع مرات في أعوام 1972 و1974 و1998 و2009 و2010 و2014 و2019. وسيخوض المنتخب السعودي منافسات خليجي 26 بأهداف إستراتيجية تحت قيادة المدرب الفرنسي هيرفي رينارد الذي عاد لتولي المسؤولية مجددا قبل أسابيع قليلة بعد الاستغناء عن الإيطالي روبرتو مانشيني.
ويستهدف رينارد من بطولة خليجي 26 في الكويت تجهيز أكبر عدد ممكن من اللاعبين وضخ دماء جديدة في صفوف الأخضر تساعده في استكمال مشواره بالتصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026 والاستعداد أيضا لاستضافة كأس أمم آسيا 2027. واستعان المدرب الفرنسي بعدد من الوجوه الشابة في قائمة البطولة في ظل اعتماد الأندية السعودية مؤخرا على كوكبة من النجوم القادمين من قارة أوروبا خلال العامين الأخيرين. ويأمل مسؤولو اتحاد الكرة في السعودية أيضا استغلال خليجي 26 في بناء فريق قوي ينافس على اللقب الآسيوي عندما تستضيف المملكة البطولة القارية بعد عامين، واستعادة البريق مجددا بعد الخروج من الدور الأول مرتين بخلاف الخروج من دور الـ16 مرتين أيضا في آخر أربع نسخ من بطولة كأس الأمم الآسيوية.
كما تبقى خليجي 26 فرصة ثمينة للمدرب الفرنسي للاستعداد القوي للارتقاء بمستوى الفريق فنيا وبدنيا وذهنيا سعيا لتحسين النتائج في تصفيات كأس العالم 2026 التي ساءت كثيرا في أول 6 جولات تحت قيادة مانشيني. ولا يراهن المنتخب السعودي على بناء وإنقاذ مستقبله فقط في خليجي 26 بل يراهن أيضا على تميمة الحظ حيث سبق له التتويج على الأراضي الكويتية بآخر ألقابه الخليجية في عام 2004 وفاز بكأس العرب في عام 2002 بالكويت أيضا.