الاقتصاد

"كارثة طبيعية جديدة"..

حرائق غابات لوس أنجلوس 2025 .. كيف تعاملت الولايات المتحدة مع أكبر أزمة حرائق غابات في تاريخها؟

تحديات بيئية واقتصادية غير مسبوقة - أرشيف

القاهرة

تمهيد: شهدت مقاطعة لوس أنجلوس في يناير 2025 سلسلة من حرائق الغابات المدمرة التي تسببت في خسائر بشرية ومادية جسيمة. اندلعت هذه الحرائق في مناطق متعددة، أبرزها حريق باليساديس وحريق إيتون وحريق هيرست وحريق صنست، وتفاقمت بسبب ظروف الجفاف الممتدة ورياح سانتا آنا العاتية التي تجاوزت سرعتها 130 كم/ساعة.

أودت الحرائق بحياة ما لا يقل عن 24 شخصًا، مع استمرار التحقيقات لتحديد العدد النهائي للضحايا. وتسببت في تدمير أكثر من 12,401 مبنى، بما في ذلك منازل وممتلكات تجارية، مما أجبر أكثر من 180,000 شخص على ترك منازلهم نتيجة لأوامر الإخلاء الصادرة عن السلطات المحلية. قُدرت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذه الحرائق بما يتراوح بين 135 و150 مليار دولار، مما يجعلها من بين الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة. وتشمل هذه الخسائر الأضرار المباشرة للممتلكات، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على الاقتصاد المحلي، مثل تراجع السياحة وزيادة تكاليف التأمين.

أعلنت السلطات المحلية حالة الطوارئ وتم نشر تعزيزات عسكرية قوامها نحو 400 عنصر من الحرس الوطني للمساعدة في جهود مكافحة الحرائق. كما أصدرت السلطات أوامر إخلاء لنحو 153,000 شخص، وأغلقت بعض المدارس والمكاتب في المناطق المتضررة. تسببت رياح سانتا آنا القوية وانخفاض الرطوبة في صعوبة السيطرة على الحرائق، مما أدى إلى انتشارها السريع وتهديدها لمناطق جديدة. كما أن التضاريس الوعرة وكثافة الغطاء النباتي في بعض المناطق زادت من تعقيد جهود الإطفاء.

يعمل المحققون على تحديد أسباب اندلاع هذه الحرائق، مع دراسة عدة احتمالات، بما في ذلك العوامل الطبيعية والإهمال البشري. كما يتم التحقيق في دور شركات المرافق العامة واحتمال تورطها في نشوب بعض هذه الحرائق. تُعد حرائق الغابات في مقاطعة لوس أنجلوس لعام 2025 من بين الأكثر تدميرًا في تاريخ المنطقة، مما يستدعي تعزيز جهود الوقاية والتأهب لمواجهة مثل هذه الكوارث في المستقبل، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تزيد من احتمالية وقوعها.

 المقدمة

تُعد النار الإعصارية، أو ما يُعرف بـ "إعصار النار" (Fire Tornado)، إحدى الظواهر الطبيعية النادرة والخطيرة التي تنشأ في ظروف معينة أثناء حرائق الغابات. تجمع هذه الظاهرة بين الحرارة الشديدة والدوران القوي للهواء، مما يُنتج دوامة نارية مدمرة قادرة على التهام مساحات شاسعة في وقت قصير، متسببةً في خسائر بيئية واقتصادية وبشرية كبيرة. 

مع تزايد تأثيرات التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة عالمياً، أصبحت هذه الظاهرة أكثر شيوعاً في السنوات الأخيرة، حيث شهدت عدة مناطق حول العالم، مثل البرازيل وأستراليا والولايات المتحدة، حرائق غابات كبيرة أفضت إلى ظهور أعاصير نارية زادت من حدة الكوارث.

تأتي أهمية دراسة النار الإعصارية من كونها ظاهرة ذات تأثير واسع النطاق، مما يستدعي فهم أبعادها العلمية، وتحليل أسبابها، واستكشاف تأثيراتها البيئية والاقتصادية. علاوةً على ذلك، فإن هذه الدراسة تُسهم في تقديم حلول وإجراءات للتخفيف من مخاطرها، من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة وتعزيز الوعي المجتمعي. 

--إشكالية البحث:

 كيف تنشأ النار الإعصارية؟ وما هي تأثيراتها على البيئة والاقتصاد؟ وما الإجراءات اللازمة للتعامل معها؟ 

أهداف البحث:

1. دراسة الظاهرة علمياً لتوضيح آليات تشكلها. 

2. تحليل آثارها البيئية والاقتصادية. 

3. اقتراح حلول مبتكرة للحد من مخاطرها وتخفيف آثارها السلبية. 

تسعى هذه الدراسة إلى تقديم رؤية متكاملة حول النار الإعصارية، مما يُساهم في رفع مستوى الوعي المجتمعي والعلمي وتعزيز جاهزية المجتمعات والمؤسسات للتعامل مع هذه الظاهرة المدمرة.

- أهمية الموضوع:

  النار الإعصارية، المعروفة بـ "Fire Tornado"، تُعد واحدة من أخطر الظواهر الطبيعية النادرة، التي تنشأ أثناء حرائق الغابات الكبرى، مسببة دمارًا بيئيًا واقتصاديًا واسع النطاق. 

- إشكالية البحث:

  كيف تتشكل النار الإعصارية؟ وما هي تأثيراتها البيئية والاقتصادية؟ وكيف يمكن التخفيف من آثارها؟ 

- أهداف البحث:

  1. دراسة الأسباب العلمية وراء نشوء النار الإعصارية. 

  2. تحليل تأثيراتها البيئية والاقتصادية. 

  3. مناقشة الحلول والإجراءات العلمية للحد من مخاطرها. 

- أهمية البحث:

  - توضيح الجوانب العلمية لظاهرة النار الإعصارية. 

  - المساهمة في تعزيز التوعية البيئية وتحسين استراتيجيات التعامل مع هذه الكوارث.

 الفصل الأول: الإطار النظري والمفاهيمي

الفصل الأول: الإطار النظري والمفاهيمي

يشكل الإطار النظري والمفاهيمي أساسًا لفهم وتحليل الظواهر الطبيعية، بما في ذلك النار الإعصارية، حيث يُساهم في تقديم تعريفات دقيقة وتوضيح السياقات العلمية التي تفسر هذه الظاهرة. النار الإعصارية هي ظاهرة نادرة الحدوث تتمثل في تكوين دوامة نارية نتيجة التفاعل بين الحرارة الشديدة الناتجة عن حرائق الغابات والرياح القوية التي تدفع الهواء الساخن إلى الالتفاف بسرعة، مما يُنتج دوامة نارية تُعرف باسم إعصار النار.

لفهم هذه الظاهرة، يجب تناول الإطار النظري الذي يوضح العوامل المسببة لها. تعتمد النار الإعصارية على مجموعة من العوامل الفيزيائية والمناخية، من أبرزها الحرارة المرتفعة الناتجة عن احتراق الغابات، والجفاف الذي يُسهم في اشتعال النيران بسهولة، بالإضافة إلى الرياح العاتية التي تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل الدوامة النارية. تُحدث هذه الظاهرة دمارًا واسعًا بسبب قدرتها على الانتشار السريع والتأثير المدمر الذي تتركه على الغابات والممتلكات المحيطة.

من الناحية المفاهيمية، يمكن تصنيف النار الإعصارية كإحدى الظواهر الجوية النادرة التي تُظهر التفاعل المعقد بين المناخ والبيئة. تعتمد هذه الظاهرة على تسخين الهواء المحيط بالنار بشكل مفاجئ، مما يؤدي إلى صعود الهواء الساخن بسرعة، وخلق فراغ يجذب الهواء البارد المحيط. ومع وجود رياح قوية، يلتف الهواء بسرعة ليُنتج الإعصار الناري. هذا المفهوم يساعد في فهم الديناميكيات التي تؤدي إلى نشوء الظاهرة وكيفية السيطرة عليها.

تستند هذه الظاهرة إلى أطر نظرية متداخلة، منها النظريات المناخية التي توضح تأثير الرياح والجفاف في زيادة احتمالية حدوث النار الإعصارية، بالإضافة إلى النظريات الفيزيائية التي تشرح كيفية انتقال الحرارة وانتشارها. كما يُبرز التحليل البيئي دور الغطاء النباتي في تعزيز انتشار النيران عند احتراق الغابات، حيث يُسهم تراكم المواد النباتية القابلة للاشتعال في تسريع اشتعال النار وانتشارها.

تُظهر الدراسات العلمية الحديثة أهمية استخدام التكنولوجيا لتحليل هذه الظاهرة، حيث يمكن للأقمار الصناعية ونماذج الذكاء الاصطناعي أن تساعد في التنبؤ بمخاطر النار الإعصارية. هذه الأدوات تُسهم في تقديم بيانات دقيقة حول المناطق المعرضة للخطر، مما يُساعد في وضع خطط وقائية للتعامل مع الظاهرة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب التحليلات الاقتصادية والاجتماعية دورًا في فهم آثار الظاهرة على المجتمعات وكيفية التخفيف من تداعياتها.

يُشكل الإطار النظري والمفاهيمي للنار الإعصارية قاعدة لفهم أبعادها المختلفة وتطوير استراتيجيات شاملة للتعامل معها. من خلال تحليل الأسباب والظروف المسببة، يمكن تقديم حلول مبتكرة تقلل من خطر حدوثها وتُساعد في حماية البيئة والمجتمعات من آثارها المدمرة.

- المبحث الأول: تعريف النار الإعصارية وخصائصها

  النار الإعصارية، أو ما يُعرف بـ "إعصار النار" (Fire Tornado)، هي ظاهرة نادرة وقوية تتكون أثناء حرائق الغابات أو الأحداث التي تُنتج كميات كبيرة من الحرارة. تنشأ هذه الظاهرة عندما تُسخن النار الهواء المحيط بسرعة شديدة، مما يؤدي إلى صعوده بسرعة كبيرة. هذا الصعود يُحدث فراغًا يجذب الهواء البارد المحيط نحو مركز الحريق. عند وجود رياح قوية، يلتف الهواء الملتهب بسرعة ليُشكل دوامة نارية ذات قوة تدميرية عالية. تُعتبر النار الإعصارية مزيجًا بين الإعصار الحراري والنار، حيث يتفاعل الهواء الساخن والدوران القوي للرياح لتكوين دوامة نارية يمكن أن تبتلع الغطاء النباتي، المباني، وحتى المركبات. وتُصنف هذه الظاهرة كإحدى أكثر الظواهر الطبيعية خطورة بسبب قدرتها على الانتشار السريع والدمار الشامل.

تعتمد النار الإعصارية على كميات هائلة من الحرارة الناتجة عن حرائق الغابات أو مصادر النار الكبيرة. تصل درجات الحرارة في مركز الدوامة إلى مستويات مرتفعة جدًا، مما يؤدي إلى صهر المعادن وتدمير المواد القابلة للاشتعال بسهولة. تنتج هذه الحرارة عن تفاعل كيميائي مستمر يغذي النار بالأكسجين ويسرّع اشتعال المواد المحترقة. الدوران هو العنصر الحاسم في تكوين النار الإعصارية، حيث تتسبب الرياح القوية في التفاف الهواء الساخن حول مركز النار. يتراوح عرض الدوامة النارية بين أمتار إلى عدة عشرات من الأمتار، بينما يمكن أن يصل ارتفاعها إلى مئات الأمتار. تعتمد قوة الدوران على سرعة الرياح وتوزيع الحرارة في المنطقة المحيطة.

تتميز النار الإعصارية بقدرتها على الانتشار بسرعة كبيرة بسبب طبيعتها الديناميكية. تتحرك الدوامة بسرعة مع الرياح، مما يزيد من صعوبة السيطرة عليها. يمكن للنار الإعصارية أن تنقل الجمرات والمواد المشتعلة لمسافات طويلة، مما يُشعل حرائق جديدة في المناطق المجاورة. النار الإعصارية هي ظاهرة علمية تتطلب شروطًا بيئية ومناخية محددة لتتشكل، مثل الحرارة الشديدة، الرياح القوية، والجفاف. تتميز بخصائصها الفريدة التي تشمل الدوران الشديد، الانتشار السريع، والحرارة المرتفعة، مما يجعلها واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية تدميرًا وصعوبة في السيطرة عليها. فهم هذه الخصائص يُساعد في تطوير استراتيجيات للوقاية منها والحد من آثارها الكارثية.

- المبحث الثاني: الظروف المؤدية لنشوء النار الإعصارية

النار الإعصارية هي ظاهرة نادرة تتطلب ظروفًا بيئية ومناخية خاصة لتتشكل. تنشأ هذه الظاهرة نتيجة تفاعل عدة عوامل تؤدي إلى توفير البيئة المناسبة لتكوين دوامة نارية شديدة التدمير. تعد العوامل المناخية من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى نشوء النار الإعصارية، حيث تلعب الحرارة المرتفعة دورًا أساسيًا في تسخين الهواء بسرعة كبيرة، مما يؤدي إلى صعوده بسرعة وتشكيل تيارات حرارية قوية. الجفاف المستمر يُسهم بدوره في جعل الغطاء النباتي والمواد الطبيعية قابلة للاشتعال بسهولة، مما يزيد من احتمالية اندلاع حرائق الغابات. كما تلعب الرياح دورًا محوريًا في تكوين الدوامة النارية، حيث تدفع الهواء الساخن إلى الالتفاف بسرعة كبيرة حول مركز الحريق، مما يؤدي إلى تكوين دوامة نارية تشتد قوتها مع زيادة سرعة الرياح.

إلى جانب العوامل المناخية، تلعب البيئة الجغرافية دورًا هامًا في نشوء النار الإعصارية. الغابات الكثيفة والمناطق ذات الكثافة النباتية العالية تُعتبر بيئات مثالية لهذه الظاهرة، حيث توفر كميات كبيرة من المواد القابلة للاشتعال. عند اندلاع حريق في هذه المناطق، يمكن أن ينتشر بسرعة هائلة، مما يُهيئ الظروف المناسبة لتشكل دوامة نارية. التضاريس الجغرافية، مثل الوديان والتلال، تُسهم أيضًا في تسريع حركة الرياح وتركيز الحرارة، مما يزيد من احتمالية نشوء النار الإعصارية. هذه العوامل مجتمعة تجعل بعض المناطق أكثر عرضة لهذه الظاهرة من غيرها، خاصة المناطق التي تعاني من الجفاف والحرارة الشديدة ووجود غابات كثيفة.

 الفصل الثاني: دراسة الظاهرة علميًا

تشكل دراسة النار الإعصارية من الناحية العلمية خطوة أساسية لفهم طبيعتها وآليات تشكلها وتأثيراتها المختلفة. تعتمد الظاهرة على مجموعة من التفاعلات الفيزيائية والمناخية المعقدة، التي تجعلها واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية ندرة وخطورة. يهدف هذا الفصل إلى تحليل الجوانب العلمية للنار الإعصارية، بدءًا من آلية نشوئها وحتى الطرق المستخدمة لتوثيقها ودراستها بشكل دقيق.

النار الإعصارية تتشكل نتيجة تفاعل عدة عوامل أساسية تشمل الحرارة الشديدة الناتجة عن حرائق الغابات، والرياح القوية التي تؤدي إلى دوران الهواء الساخن بشكل سريع. عند اندلاع حريق كبير، ترتفع درجات الحرارة بشكل كبير في منطقة معينة، مما يؤدي إلى تسخين الهواء المحيط وصعوده إلى الأعلى بسرعة. يصاحب ذلك تدفق الهواء البارد إلى منطقة الحريق لتعويض الفراغ الناتج عن صعود الهواء الساخن. عندما تكون الرياح قوية، فإنها تتسبب في دوران هذا الهواء الساخن والبخار والرماد المشتعل، مما يؤدي إلى تكوين دوامة نارية تشبه الإعصار، ولكنها مشبعة بالنيران.

تم توثيق هذه الظاهرة لأول مرة بشكل علمي في عام 2003، حيث بدأت الدراسات الأولية بالاعتماد على تقنيات الرصد التقليدية. ومع ذلك، تطورت طرق دراسة النار الإعصارية مع مرور الوقت، خاصة مع ظهور التقنيات الحديثة مثل الأقمار الصناعية والرادارات. تُستخدم هذه الأدوات لتحليل البيانات المناخية والبيئية المرتبطة بالحرائق التي تؤدي إلى تشكل الظاهرة. كما تم تطوير نماذج محاكاة حاسوبية لفهم ديناميكيات تكوين النار الإعصارية، بما في ذلك دور الحرارة، والرياح، والرطوبة، والعوامل الجغرافية.

تشير الدراسات إلى أن النار الإعصارية تختلف من حيث الحجم والشدة، حيث يمكن أن تتراوح عرضها بين بضعة أمتار إلى عشرات الأمتار، بينما قد يصل ارتفاعها إلى مئات الأمتار. سرعة الرياح داخل هذه الدوامات قد تصل إلى مستويات خطيرة، مما يجعل السيطرة عليها شبه مستحيلة. بالإضافة إلى ذلك، يُظهر التحليل العلمي أن هذه الظاهرة قد تتسبب في إشعال حرائق جديدة في المناطق المجاورة نتيجة نقل الجمرات والمواد المشتعلة لمسافات بعيدة.

توفر الدراسات العلمية الحديثة رؤى قيمة حول سبل التخفيف من آثار النار الإعصارية، بما في ذلك تحسين أنظمة الإنذار المبكر واستراتيجيات إدارة حرائق الغابات. كما تسلط الضوء على أهمية استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المناخية وتوقع نشوء هذه الظاهرة. من خلال الفهم العلمي الدقيق للنار الإعصارية، يمكن تعزيز جهود الوقاية والتأهب، وتقليل الخسائر البشرية والبيئية المرتبطة بهذه الظاهرة المدمرة.

- المبحث الأول: آلية تشكل النار الإعصارية

النار الإعصارية هي ظاهرة نادرة ومعقدة تتطلب تفاعلًا دقيقًا بين مجموعة من العوامل الفيزيائية والمناخية لتتشكل. تبدأ هذه الظاهرة عندما يؤدي اندلاع حريق غابات كبير إلى إنتاج كميات هائلة من الحرارة التي تُحدث تغيرات جوية وديناميكية في المنطقة المحيطة. لفهم هذه الظاهرة، يجب استعراض التفاعل بين الحرارة المرتفعة والرياح القوية، بالإضافة إلى المراحل المختلفة التي تمر بها حتى تتحول إلى إعصار ناري.

تبدأ النار الإعصارية بتأثير الحرارة الشديدة الناتجة عن احتراق الغابات أو المواد القابلة للاشتعال بكثافة. تسخن هذه الحرارة الهواء المحيط بها بسرعة كبيرة، مما يؤدي إلى صعوده إلى الأعلى نتيجة لخاصية التمدد الحراري. عندما يرتفع الهواء الساخن، يُترك فراغ خلفه يُجذب إليه الهواء البارد المحيط. يؤدي تدفق الهواء البارد بسرعة إلى مركز الحريق إلى تعزيز عملية الاحتراق، مما يولد المزيد من الحرارة. إذا كانت الرياح قوية بما يكفي في المنطقة، فإنها تتسبب في دوران الهواء الساخن والصاعد بشكل حلزوني، مما يُنتج دوامة نارية.

تمر الظاهرة بعدة مراحل تبدأ من مجرد حريق غابات عادي إلى تكوين إعصار ناري كامل. في المرحلة الأولى، يحدث اشتعال مكثف بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف في المنطقة. ينتشر الحريق أفقيًا، مسببًا صعودًا متزايدًا للهواء الساخن. في المرحلة الثانية، تبدأ الرياح في التحرك حول الحريق، مما يُحدث اضطرابًا في تدفق الهواء. في المرحلة الثالثة، مع استمرار دوران الهواء، يتشكل عمود من اللهب والهواء الساخن يلتف بسرعة عالية، مما يؤدي إلى تكوين دوامة نارية تتسم بالقوة والشدة. 

يمكن أن يصل عرض الدوامة النارية إلى عشرات الأمتار وارتفاعها إلى مئات الأمتار، مما يجعلها ظاهرة مدمرة للغاية. الدوران الناتج عن الرياح القوية لا يقتصر على تكوين الدوامة فحسب، بل يساعد أيضًا في نقل المواد المشتعلة لمسافات طويلة، مما يسبب اندلاع حرائق جديدة في المناطق المجاورة.

يُظهر تحليل آلية تشكل النار الإعصارية أن الظاهرة تعتمد بشكل كبير على التفاعل بين الحرارة المرتفعة والرياح القوية، مما يجعلها واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية تعقيدًا وخطورة. فهم هذه المراحل يساعد في تطوير استراتيجيات علمية فعالة للتنبؤ بها والحد من آثارها.

- المبحث الثاني: توثيق الظاهرة علميًا

النار الإعصارية كظاهرة نادرة ومعقدة لم تحظَ بالاهتمام العلمي الكافي إلا في العقود الأخيرة، حيث بدأت الدراسات الأولى تركز على فهم آلية نشأتها، تأثيراتها، وطرق التعامل معها. توثيق هذه الظاهرة علميًا يعد خطوة أساسية لفهم تفاصيلها الفيزيائية والديناميكية، مما يساهم في تحسين استراتيجيات الوقاية والتعامل مع الكوارث المرتبطة بها.

بدأت الدراسات العلمية الأولى حول النار الإعصارية في أوائل القرن الحادي والعشرين، حيث تم توثيق هذه الظاهرة لأول مرة بشكل دقيق في عام 2003. ركزت الأبحاث في البداية على تحليل الظروف المناخية والبيئية التي تساهم في نشوء الظاهرة، مثل الحرارة المرتفعة، الرياح القوية، والجفاف الممتد. اعتمدت الدراسات الأولية على الملاحظات الميدانية وتقارير فرق الإطفاء، ولكن مع التطور التكنولوجي، تم استخدام تقنيات أكثر تطورًا، مثل الأقمار الصناعية والرادارات، لرصد الظاهرة وتحليل بياناتها.

تمثل البرازيل عام 2010 واحدة من أبرز الأمثلة المبكرة لتوثيق النار الإعصارية، حيث شهدت البلاد حرائق غابات كبيرة في منطقة الأمازون. في تلك الحادثة، لاحظ الباحثون لأول مرة تكوين دوامات نارية صغيرة، لكنها لم تحظَ باهتمام كبير حينها. ومع ذلك، كانت تلك الحادثة بمثابة البداية لدراسات أعمق حول الظاهرة. 

في عام 2013، شهدت أستراليا حريقًا ضخمًا في منطقة الغابات بالقرب من ولاية نيو ساوث ويلز. خلال هذا الحريق، لوحظ تكوين دوامة نارية ضخمة وصل ارتفاعها إلى مئات الأمتار. استُخدمت في تلك الحادثة الأقمار الصناعية والرادارات المحمولة لدراسة الظاهرة بشكل أكثر تفصيلًا، مما ساهم في فهم أفضل لدور الرياح القوية والحرارة المرتفعة في تشكيل النار الإعصارية.

الولايات المتحدة تعد أيضًا من الدول التي شهدت عدة أمثلة على النار الإعصارية، خاصة في حرائق الغابات التي اندلعت في كاليفورنيا. أحد أبرز الأمثلة كان في عام 2020، عندما لوحظت دوامة نارية كبيرة خلال حريق في مقاطعة بوتي. استُخدمت تلك الحادثة كحالة دراسة لتحليل ديناميكيات الهواء الساخن والرياح القوية. لاحظ الباحثون أن دوامة النار تلك ساهمت في نقل الجمرات المشتعلة لمسافات بعيدة، مما أدى إلى انتشار الحريق بشكل أوسع وأسرع.

توثيق هذه الظاهرة علميًا ساهم في تحسين فهم العلماء للظروف البيئية والمناخية التي تؤدي إلى نشوء النار الإعصارية. من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة وتحليل الأمثلة الموثقة، أصبح بالإمكان تطوير نماذج محاكاة دقيقة تساعد في التنبؤ بحدوث هذه الظاهرة، مما يسهم في تقليل آثارها المدمرة وحماية المجتمعات المعرضة لها.

 الفصل الثالث: التأثيرات البيئية والاقتصادية

تُعد النار الإعصارية واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية تدميرًا، حيث تؤثر بشكل مباشر على البيئة والاقتصاد. التأثيرات التي تخلفها هذه الظاهرة لا تقتصر على المدى القصير، بل تمتد إلى فترات طويلة تؤثر فيها على التوازن البيئي والنشاط الاقتصادي في المناطق المتضررة. في هذا الفصل، سنتناول الأضرار البيئية والاقتصادية الناجمة عن النار الإعصارية، مع تسليط الضوء على مدى خطورتها وتأثيرها العميق على المجتمعات.

النار الإعصارية تؤدي إلى تدمير الغطاء النباتي في المناطق المتضررة بشكل كامل. تحترق الأشجار والنباتات بمعدل سريع للغاية، مما يؤدي إلى إزالة مساحات واسعة من الغابات. هذا التدمير لا يقتصر على الخسارة البصرية، بل يمتد إلى التأثير على التوازن البيئي، حيث يؤدي إلى تدمير المواطن الطبيعية للحيوانات والنباتات، مما يهدد الأنواع المهددة بالانقراض ويؤدي إلى تقليل التنوع البيولوجي.

تعري التربة الناتجة عن حرق الغابات يجعل المناطق المتضررة عرضة للتصحر والانجرافات الأرضية. بعد انتهاء الحريق، تصبح التربة ضعيفة وغير قادرة على دعم الحياة النباتية، مما يؤدي إلى فقدان خصوبتها وزيادة خطر التصحر في المناطق المتضررة. بالإضافة إلى ذلك، تنتج النار الإعصارية كميات هائلة من غازات الاحتباس الحراري، مثل ثاني أكسيد الكربون، مما يساهم في تفاقم مشكلة التغير المناخي.

التكاليف الاقتصادية للنار الإعصارية تُعتبر كارثية. تبدأ الخسائر من الأضرار المباشرة للممتلكات، مثل تدمير المنازل، الشركات، والبنية التحتية. في حالات كثيرة، تفقد المجتمعات المحلية مصادر دخلها الرئيسية، خاصة إذا كانت تعتمد على الزراعة أو السياحة، مما يؤدي إلى تدهور اقتصادي حاد في المناطق المتضررة.

تُضاف إلى ذلك التكاليف المرتبطة بجهود الإطفاء والإغاثة، والتي تشمل تعبئة فرق الإطفاء، استخدام المعدات المتقدمة، ونشر الموارد البشرية والعسكرية. كما تشمل الخسائر الاقتصادية التكاليف طويلة الأمد لإعادة تأهيل المناطق المتضررة وإعادة بناء البنية التحتية. 

على المستوى الوطني، تتسبب النار الإعصارية في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بسبب تعطيل النشاط الاقتصادي في المناطق المتضررة. كما تتسبب في زيادة تكاليف التأمين، مما يُثقل كاهل السكان والشركات. 

تعمل التأثيرات البيئية والاقتصادية للنار الإعصارية بشكل مترابط، حيث يؤدي التدهور البيئي إلى زيادة التكاليف الاقتصادية، والعكس صحيح. على سبيل المثال، يؤدي تدمير الغابات إلى فقدان موارد طبيعية هامة، مثل الأخشاب والمنتجات الزراعية، مما يؤثر بشكل مباشر على اقتصاد المناطق الريفية. في الوقت نفسه، تُثقل الخسائر الاقتصادية كاهل الحكومات المحلية والوطنية، مما يؤخر عمليات التعافي.

النار الإعصارية تترك تأثيرات بيئية واقتصادية عميقة ومتشابكة تجعل من الضروري تعزيز جهود الوقاية والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية. فهم هذه التأثيرات بشكل شامل يُساعد في تطوير استراتيجيات فعالة للحد من مخاطرها وتقليل خسائرها على المدى الطويل.

- المبحث الأول: التأثيرات البيئية

  النار الإعصارية تترك تأثيرًا مدمرًا على البيئة، حيث تؤدي إلى تدهور واسع النطاق للغطاء النباتي وتغيرات جذرية في النظام البيئي. عندما تندلع النار الإعصارية في الغابات أو المناطق ذات الكثافة النباتية العالية، تحترق الأشجار والنباتات بسرعة مذهلة، مما يؤدي إلى فقدان مساحات شاسعة من الغطاء النباتي. هذا التدمير لا يقتصر على الأشجار والنباتات فقط، بل يمتد ليشمل المواطن الطبيعية للحيوانات التي تعتمد على هذه الغابات كمصدر للغذاء والمأوى، مما يهدد التنوع البيولوجي بشكل مباشر.

بعد انتهاء النار الإعصارية، تصبح التربة في المناطق المتضررة معرضة للتعرية نتيجة لفقدان الغطاء النباتي الذي يعمل كطبقة حماية. يؤدي هذا إلى تعرض التربة لعوامل التعرية، مثل الرياح والأمطار، مما يتسبب في فقدان خصوبتها تدريجيًا. كما أن غياب النباتات يجعل التربة أقل قدرة على امتصاص المياه، مما يزيد من خطر الانجرافات الأرضية، خاصة في المناطق ذات التضاريس الوعرة.

الآثار طويلة المدى للنار الإعصارية على النظام البيئي تتجلى في تغيرات مستدامة في الهيكل البيئي للمناطق المتضررة. على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي تدمير الغابات إلى التصحر، حيث تصبح الأراضي المتضررة غير قادرة على استعادة غطائها النباتي الطبيعي. هذا التغير يزيد من هشاشة النظام البيئي أمام تغيرات المناخ ويقلل من قدرته على دعم التنوع الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي احتراق النباتات إلى إطلاق كميات هائلة من الكربون المخزن في الغطاء النباتي إلى الغلاف الجوي، مما يساهم في تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري.

النار الإعصارية ليست مجرد ظاهرة محلية، بل تترك آثارًا تمتد إلى مستويات إقليمية وعالمية بسبب تأثيرها على المناخ والتنوع البيولوجي. هذا يجعل من الضروري تبني استراتيجيات وقائية واستعادة شاملة للتقليل من هذه الآثار البيئية طويلة الأمد وضمان استدامة النظم البيئية المتضررة.  - الآثار طويلة المدى على النظام البيئي. 

- المبحث الثاني: التأثيرات الاقتصادية

النار الإعصارية تترك تأثيرًا اقتصاديًا كبيرًا ومباشرًا على المناطق المتضررة، حيث تتسبب في خسائر فادحة تؤثر على الأفراد والمؤسسات والحكومات. تبدأ هذه التأثيرات من الحاجة إلى إعادة تأهيل المناطق المتضررة، التي تتطلب استثمارات ضخمة لإعادة بناء البنية التحتية، إصلاح الأراضي المتضررة، واستعادة الخدمات الأساسية. تتضمن هذه التكاليف إعادة تشجير الغابات، تحسين جودة التربة التي تعرضت للتعرية، وإعادة بناء المرافق العامة مثل الطرق والجسور وشبكات الكهرباء والماء. تتطلب هذه العمليات سنوات من العمل واستثمارات مالية كبيرة تُثقل كاهل الحكومات المحلية والوطنية.

خسائر البنية التحتية والممتلكات تُعد من أبرز الآثار الاقتصادية للنار الإعصارية، حيث تُدمر النيران المنازل، المباني التجارية، والمنشآت الصناعية بسرعة كبيرة. تتسبب هذه الحرائق في نزوح الآلاف من السكان، مما يؤدي إلى فقدان الممتلكات الشخصية، وتوقف الأنشطة الاقتصادية، وارتفاع تكاليف التأمين. الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية تُعطل الحياة اليومية وتُبطئ من عمليات التعافي، مما يجعل المناطق المتضررة تواجه صعوبات طويلة الأمد في العودة إلى وضعها الطبيعي.

تتجاوز تأثيرات النار الإعصارية الاقتصاد المحلي لتؤثر على الاقتصاد الدولي، خاصة إذا كانت المناطق المتضررة تلعب دورًا مهمًا في الإنتاج الزراعي أو الصناعي. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي الحرائق إلى خسائر كبيرة في المحاصيل الزراعية أو المنتجات الخشبية، مما يُحدث نقصًا في الإمدادات ويرفع الأسعار في الأسواق العالمية. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي الحرائق إلى انخفاض الإيرادات الناتجة عن السياحة في المناطق المتضررة، حيث تضرر المعالم الطبيعية والبنية التحتية يجعل هذه المناطق أقل جاذبية للسياح.

بجانب الخسائر المباشرة، هناك تكاليف غير مباشرة مثل تراجع الإنتاجية الاقتصادية، فقدان الوظائف، وزيادة تكاليف الرعاية الصحية نتيجة الأضرار الجسدية والنفسية التي يعاني منها السكان المتضررون. بشكل عام، تُشكل النار الإعصارية تحديًا اقتصاديًا كبيرًا يتطلب جهودًا متضافرة من الحكومات والمؤسسات الدولية لتخفيف آثارها وضمان إعادة بناء المجتمعات المتضررة بطريقة مستدامة.

 الفصل الرابع: الحلول والإجراءات للتخفيف من المخاطر

 المبحث الأول: استخدام التكنولوجيا لمراقبة الظاهرة 

تُعد التكنولوجيا أداة حاسمة في مراقبة الظواهر الطبيعية، بما في ذلك النار الإعصارية. من خلال استخدام أنظمة متقدمة مثل الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان تحسين فهم هذه الظاهرة، التنبؤ بحدوثها، وتقليل آثارها المدمرة.

الأقمار الصناعية تُعتبر من أهم الوسائل المستخدمة لتحليل حرائق الغابات التي قد تؤدي إلى نشوء النار الإعصارية. توفر هذه الأقمار بيانات دقيقة وفورية حول درجات الحرارة، شدة الحريق، ونمط انتشاره. يمكنها تحديد النقاط الساخنة في المناطق المتضررة بدقة، مما يسمح لفرق الإطفاء باتخاذ قرارات أسرع وأكثر فاعلية لتطويق الحريق قبل أن يتحول إلى إعصار ناري. كما أن صور الأقمار الصناعية تسهم في دراسة العوامل البيئية المحيطة بالحريق، مثل توزيع الغطاء النباتي وسرعة الرياح، مما يساعد على فهم الظروف التي تزيد من احتمالية نشوء الظاهرة.

الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا متزايد الأهمية في التنبؤ بالمخاطر المرتبطة بالنار الإعصارية. تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات هائلة من البيانات المجمعة من الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار الأرضية. من خلال تطبيق نماذج تعلم الآلة، يمكن لهذه الأنظمة التنبؤ بموعد ومكان نشوء حرائق الغابات بناءً على عوامل مثل الطقس، الجفاف، وكثافة الغطاء النباتي. كما يمكنها تحديد المناطق الأكثر عرضة لظهور دوامات نارية بناءً على بيانات سابقة، مما يساعد في توجيه الجهود الوقائية نحو المناطق ذات الخطورة العالية.

علاوة على ذلك، تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات فورية لفرق الإطفاء بشأن أفضل استراتيجيات التعامل مع الحرائق النشطة. من خلال تحليل بيانات الرياح ودرجات الحرارة، يمكن لهذه الأنظمة اقتراح أفضل المواقع لوضع فرق الإطفاء أو نشر الموارد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين أنظمة الإنذار المبكر من خلال إرسال تنبيهات فورية إلى السكان في المناطق المعرضة للخطر، مما يتيح لهم الإخلاء في الوقت المناسب.

باستخدام الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي معًا، يمكن تحقيق مراقبة دقيقة وشاملة للنار الإعصارية. هذا التكامل يُسهم في تحسين الاستجابة السريعة وتقليل الخسائر البشرية والمادية، مما يعزز من قدرة المجتمعات على التكيف مع هذه الظاهرة الطبيعية المدمرة.

 - المبحث الثاني: التوعية والتأهب المجتمعي

التوعية والتأهب المجتمعي يمثلان ركيزة أساسية للتخفيف من مخاطر النار الإعصارية، حيث تلعب المجتمعات المحلية دورًا حاسمًا في الوقاية من هذه الظاهرة وتقليل آثارها. من خلال تنفيذ برامج توعية شاملة وتحسين استراتيجيات الإخلاء السريع، يمكن تقليل الخسائر البشرية والمادية بشكل كبير.

برامج التوعية تستهدف زيادة وعي السكان الذين يعيشون في المناطق القريبة من الغابات بالمخاطر المرتبطة بحرائق الغابات والنار الإعصارية. تشمل هذه البرامج تثقيف السكان حول كيفية تقليل فرص اندلاع الحرائق، مثل تجنب إشعال النيران في الهواء الطلق خلال فترات الجفاف، وإزالة المواد القابلة للاشتعال من محيط المنازل. كما يتم تقديم ورش عمل للتعرف على علامات الخطر المبكرة، مثل ارتفاع درجات الحرارة غير المعتاد أو الرياح الشديدة، وكيفية التصرف بسرعة عند ظهور هذه المؤشرات.

التوعية تشمل أيضًا استخدام وسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي لتوصيل الرسائل التحذيرية. يمكن لهذه القنوات نشر معلومات محدثة حول حالة الحرائق، وإرشادات السلامة، ونقاط الإخلاء. بالإضافة إلى ذلك، تُعقد تدريبات محاكاة دورية للسكان لتهيئتهم للتعامل مع حالات الطوارئ، مثل التعرف على مسارات الإخلاء الآمنة والاستجابة الفورية لإنذارات الحريق.

تحسين استراتيجيات الإخلاء السريع يعد عنصرًا حاسمًا في حماية الأرواح وتقليل الخسائر البشرية أثناء الحرائق. تعتمد هذه الاستراتيجيات على إعداد خطط إخلاء واضحة ومدروسة تأخذ في الاعتبار طبيعة المنطقة، عدد السكان، والبنية التحتية المتاحة. يتم تحديد مسارات إخلاء آمنة ومجهزة مسبقًا، مع وضع إشارات واضحة لتوجيه السكان نحو نقاط التجمع. كما يتم التنسيق مع فرق الإطفاء والجهات الأمنية لضمان سرعة التنفيذ وتجنب الفوضى أثناء عمليات الإخلاء.

تعزيز البنية التحتية للإخلاء السريع يشمل إنشاء طرق طوارئ إضافية، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية أو التضاريس الوعرة. كما يُمكن استخدام التكنولوجيا مثل تطبيقات الهواتف الذكية لتوفير تنبيهات مخصصة للسكان، توضح لهم المسار الأقرب والأكثر أمانًا للإخلاء. إضافةً إلى ذلك، تُشجع السلطات على إنشاء مراكز طوارئ محلية مجهزة تجهيزًا كاملًا لتوفير المأوى المؤقت والخدمات الأساسية للسكان الذين يتم إجلاؤهم.

من خلال تنفيذ برامج توعية فعالة وتحسين استراتيجيات الإخلاء، يمكن تقليل الخسائر البشرية بشكل كبير وتعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع خطر النار الإعصارية. هذه الجهود المشتركة بين السلطات المحلية والمجتمع المدني تُسهم في تعزيز مرونة المجتمعات وزيادة جاهزيتها لمواجهة الكوارث الطبيعية.

- المبحث الثالث: السياسات والإجراءات الدولية

النار الإعصارية تُعد ظاهرة عابرة للحدود من حيث آثارها البيئية والمناخية، مما يجعل التعاون الدولي ضروريًا لمواجهتها بفعالية. تتطلب هذه الظاهرة جهودًا مشتركة بين الدول لتطوير سياسات وإجراءات دولية تهدف إلى تقليل مخاطرها والتخفيف من آثارها المدمرة. كما أن تعزيز البحوث والدراسات حول الظاهرة يُسهم في فهم أعمق لها وتطوير حلول مستدامة على المستوى العالمي.

التعاون الدولي في مواجهة حرائق الغابات يعد أحد أهم الأدوات للتعامل مع النار الإعصارية. هذا التعاون يشمل تبادل المعلومات بين الدول حول أفضل الممارسات لإدارة حرائق الغابات ومنع نشوء النار الإعصارية. تقوم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الفاو (FAO) بتنظيم مبادرات مشتركة بين الدول لتعزيز قدرات الاستجابة للطوارئ، مثل تقديم الدعم المادي والفني للدول الأكثر عرضة لحرائق الغابات. يتمثل هذا الدعم في تزويد الدول بالمعدات اللازمة مثل الطائرات المخصصة لإطفاء الحرائق، وتقديم التدريب اللازم لفرق الإطفاء.

من بين الأمثلة الناجحة للتعاون الدولي، يتمثل في مبادرة "الغابات العالمية" التي تجمع بين مجموعة من الدول والمؤسسات البيئية لتعزيز حماية الغابات وتقليل انبعاثات الكربون الناتجة عن حرائق الغابات. هذه المبادرة تشمل أيضًا تطوير أنظمة مراقبة متقدمة تعتمد على الأقمار الصناعية لرصد الحرائق في مراحلها المبكرة. كما تمثل فرق الاستجابة الدولية مثل فرق الحماية المدنية الأوروبية نموذجًا فعالًا في توفير المساعدة العاجلة للدول التي تواجه كوارث حرائق كبرى.

تعزيز البحوث والدراسات حول النار الإعصارية يُعتبر خطوة محورية لفهم أفضل لهذه الظاهرة وتطوير حلول مستدامة. الجامعات والمؤسسات البحثية في مختلف أنحاء العالم تعمل على دراسة العوامل المسببة للنار الإعصارية، مثل التغيرات المناخية والجفاف، وتطوير نماذج محاكاة للتنبؤ بحدوثها. يتم توجيه هذه الدراسات نحو تقديم توصيات علمية للحكومات والمجتمعات حول كيفية تحسين استراتيجيات الوقاية والتعامل مع الكوارث المرتبطة بالنار الإعصارية.

تشجع الدول أيضًا التعاون بين الباحثين من خلال تمويل المشاريع البحثية الدولية التي تركز على تحليل الظاهرة من مختلف الجوانب، بما في ذلك التأثيرات البيئية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، تلعب المؤتمرات والمنتديات الدولية دورًا رئيسيًا في جمع العلماء وصناع القرار لتبادل الخبرات ونتائج الأبحاث حول النار الإعصارية وحرائق الغابات.

السياسات والإجراءات الدولية تُسهم في تعزيز الجهود الجماعية لمواجهة النار الإعصارية كظاهرة عالمية. من خلال التعاون الدولي وتعزيز البحوث والدراسات، يمكن بناء أنظمة أكثر كفاءة للوقاية من الظاهرة وتقليل خسائرها البيئية والاقتصادية على المستوى العالمي. هذه الجهود المشتركة تعزز من قدرة المجتمع الدولي على التصدي للكوارث الطبيعية بشكل أكثر فاعلية واستدامة.

 الخاتمة:

النار الإعصارية تُعد واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية ندرة وخطورة، حيث تنشأ نتيجة تفاعل معقد بين الحرارة المرتفعة الناتجة عن حرائق الغابات والرياح القوية التي تؤدي إلى تكوين دوامة نارية مدمرة. تسلط الدراسة الضوء على الأبعاد العلمية لهذه الظاهرة، بدءًا من آلية تشكلها إلى تأثيراتها المختلفة، مما يُبرز مدى تعقيدها وخطرها.

تُسبب النار الإعصارية أضرارًا بيئية جسيمة، حيث تدمر الغطاء النباتي، تؤدي إلى تعرية التربة، وتزيد من خطر التصحر والانجرافات الأرضية. بالإضافة إلى ذلك، تسهم في تفاقم التغير المناخي عبر إطلاق كميات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري، مما يجعل آثارها طويلة الأمد على النظم البيئية والمناخ العالمي.

من الجانب الاقتصادي، تؤدي النار الإعصارية إلى خسائر مالية ضخمة تشمل تدمير البنية التحتية والممتلكات، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية، وارتفاع تكاليف التأمين. كما أن تكاليف إعادة تأهيل المناطق المتضررة وإعادة بناء المجتمعات تُثقل كاهل الحكومات، مما يزيد من الحاجة إلى استراتيجيات استباقية وفعالة للتعامل مع هذه الظاهرة.

تتطلب مواجهة النار الإعصارية جهودًا جماعية تشمل استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي لمراقبة الحرائق والتنبؤ بها، بالإضافة إلى تعزيز التوعية المجتمعية وتحسين استراتيجيات الإخلاء. التعاون الدولي وتبادل المعرفة بين الدول والمؤسسات البحثية يلعبان دورًا محوريًا في تطوير حلول مستدامة للتخفيف من آثار هذه الظاهرة.

في الختام، تُظهر الدراسة أن الفهم العلمي الدقيق للنار الإعصارية واستثمار الموارد في الوقاية والتأهب يمكن أن يساهم بشكل كبير في تقليل آثارها المدمرة على البيئة والاقتصاد، مما يعزز من قدرة المجتمعات على التكيف مع هذه الكوارث الطبيعية

- التوصيات:

   من الضروري زيادة الاستثمارات في الأبحاث والدراسات العلمية لفهم أعمق لظاهرة النار الإعصارية. يشمل ذلك تحليل ديناميكيات تشكل الظاهرة باستخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي ونماذج المحاكاة. يجب أن تركز الدراسات على تحديد العوامل المناخية والبيئية المؤدية لنشوء الظاهرة، ووضع سيناريوهات استباقية للتعامل معها

   يتطلب الحد من آثار النار الإعصارية تطبيق برامج شاملة للوقاية والتأهب. يجب أن تشمل هذه البرامج تثقيف السكان المحليين حول مخاطر الحرائق والإجراءات الواجب اتخاذها للحد من انتشارها. كما ينبغي تحسين أنظمة الإخلاء السريع من خلال تطوير مسارات طوارئ آمنة، تعزيز البنية التحتية للمناطق المعرضة، وتقديم تدريبات منتظمة للسكان على الاستجابة السريعة لحالات الطوارئ.

   التعاون بين الدول والمنظمات الدولية أمر حيوي لتبادل المعرفة والخبرات في مواجهة حرائق الغابات. يتطلب ذلك إنشاء منصات مشتركة لتنسيق الجهود وتقديم المساعدات الطارئة للدول المتضررة. بالإضافة إلى ذلك، يجب تشجيع المبادرات الدولية مثل تمويل مشاريع إعادة تأهيل الغابات وحماية البيئة الطبيعية، وتعزيز التعاون البحثي لتطوير تقنيات جديدة لرصد الحرائق والتعامل معها بفعالية.

تنفيذ هذه التوصيات بشكل متكامل يمكن أن يساهم في تقليل مخاطر النار الإعصارية وآثارها المدمرة على البيئة والاقتصاد، مع تعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع الكوارث الطبيعية والتصدي لها بكفاءة واستدامة.

 الـــــمـــــراجــــــع:

 . تقارير الأمم المتحدة عن حرائق الغابات. 

 . دراسات منشورة في مجلات علمية حول النار الإعصارية. 

. مصادر إعلامية موثوقة تغطي الكوارث البيئية الكبرى. 

  1. حرائق لوس أنجلوس.. السلطات تُجلي آلاف السكان بعد تعرض 58 ألف مبنى للخطر
  2. حرائق لوس أنجلوس مستمرة.. وارتفاع حصيلة الضحايا إلى 24
  3. حرائق لوس أنجلوس.. خسائر بالمليارات ونزوح جماعي في ظل تحذيرات مناخية ودولية
  4. حرائق لوس أنجلوس 2025 - infotechsalah.com
  5. حرائق جنوب كاليفورنيا في يناير 2025 - ويكيبيديا
  6. خسائر حرائق لوس أنجلوس قد تصل لـ150 مليار دولار(https://www.al

التوتر يتصاعد.. مناورات عسكرية إيرانية تحاكي مواجهة التهديدات الجوية والصاروخية


ود مدني: من قبضة الدعم السريع إلى أحضان الجيش.. دور أبو عاقلة كيكل المحوري


التصعيد العسكري بين الحوثيين وإسرائيل وأفق التسويات الإقليمية "قراءة"


مناورات حربية إيرانية.. رسالة تحذير لإسرائيل والولايات المتحدة (ترجمة)