تطورات اقليمية

سيناريوهات متطابقة في الحرب السودانية..

ود مدني: من قبضة الدعم السريع إلى أحضان الجيش.. دور أبو عاقلة كيكل المحوري

قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)

الخرطوم

تمكن الجيش السوداني من دخول مدينة ود مدني الاستراتيجية في وسط البلاد يوم 11 يناير الجاري، بعد انسحاب قوات الدعم السريع التي كانت قد سيطرت على المدينة قبل عام في 18 ديسمبر 2023. وشهدت المدينة تبادل السيطرة بين الطرفين في سيناريو متكرر، حيث لعب القائد العسكري أبو عاقلة كيكل، قائد فصيل "درع السودان"، دوراً محورياً في المعركتين.

دخل الجيش السوداني مدينة ود مدني الاستراتيجية بوسط البلاد في 11 يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد أن كانت «قوات الدعم السريع» قد انسحبت منها. وكانت «قوات الدعم السريع» قد استولت على المدينة نفسها قبل نحو عام في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2023، بعد أن كان الجيش قد انسحب منها أيضاً، في سيناريو مشابه لما حدث يوم السبت الماضي. أما المفارقة في المشهدين هي أن القائد العسكري الذي قاد دخول المدينة العام الماضي على رأس «قوات الدعم السريع» حين كان أحد قادتها، هو نفسه الذي دخلها قبل يومين على رأس قوات الجيش، بعد أن انسلخ عن «الدعم السريع» وانضم إلى الجيش. هذا الضابط هو أبو عاقلة كيكل قائد فصيل مسلح يدعى «درع السودان».

في 8 يناير الجاري، بدأ هجوم الجيش على مدينة ود مدني عبر عملية عسكرية كبيرة شنها الجيش بالتعاون مع حركات مسلحة حليفة له. وتقدمت القوات المهاجمة باتجاه المدينة من عدة محاور، هي محور «ميجر 5» ومحور «الخياري» من جهة الشرق عند مدينة الفاو في ولاية القضارف، ومحور مدينة «المناقل» الذي تحرك أيضاً من جهتين، ومحور «ود الحداد» في غرب ولاية الجزيرة، وهي قوات قادمة من ولاية سنار المجاورة.

واستطاع الجيش والقوات المتحالفة معه بقيادة فصيل «درع السودان»، تحقيق انتصارات تكتيكية في جهات الشرق والغرب والجنوب، حيث أزال الجيش خلالها تجمعات «قوات الدعم السريع» في عدد من البلدات الصغيرة والقرى في تلك المناطق، لكنه لم يجد مقاومة كبيرة كان يتوقعها. ثم توالت انسحابات «قوات الدعم السريع» شمالاً، ما عدا عمليات محدودة في جهتي سنار والمناقل ومعارك كر وفر في بلدات أم القرى، وود المهيدي، والشبارقة على تخوم مدينة ود مدني عاصمة إقليم ولاية الجزيرة.

وخاض الجيش معارك تكتيكية ضد «قوات الدعم السريع» استمرت ثلاثة أيام، وبعدها مباشرة دخل مدينة ود مدني بـ«سهولة مدهشة» وفق وصف شهود. كما عبرت قوات الجيش جسر «حنتوب» دون مقاومة تذكر، ولم تجد مقاومة في داخل المدينة أيضاً، ثم ظهر قائد «درع السودان» أبو عاقلة كيكل ليعلن للناس «تحرير» ود مدني، في وقت تلاشت فيه «قوات الدعم السريع» التي كانت تتمركز بكثافة في المدينة.

وشبّه الكثيرون سيناريو استعادة ود مدني بسيناريو استيلاء «الدعم السريع» عليها قبل نحو عام، إذ خاضت حينها «قوات الدعم السريع» القادمة من جهة الخرطوم، طوال ثلاثة أيام معارك على أطراف عند منطقة حنتوب، ثم انفتح الطريق الوحيد أمامها إلى داخل المدينة عبر جسر «حنتوب» فعبرته من دون مقاومة تذكر، وحين وصلت مقر قيادة «الفرقة الأولى مشاة» التابعة للجيش في وسط المدينة، وجدته خالياً فسيطرت عليه من دون قتال، وهو ما تكرر قبل يومين عندما عاد الجيش للمقر العسكري ذاته، أيضاً من دون قتال.

ويرجع محللون «كلمة السر» في تطابق أحداث ود مدني وتبادل السيطرة عليها، إلى دور قائد قوات «درع السودان» أبو عاقلة كيكل، وهو ضابط متقاعد من الجيش برتبة رائد؛ إذ إن الرجل قاد السيطرة على المدينة في المرتين، الأولى حين كان مع «قوات الدعم السريع» وهزم الجيش، والثانية عندما كان مع الجيش وهزم «قوات الدعم السريع».

ونشأت قوات «درع السودان» في ديسمبر (كانون الأول) 2022، تحت أعين قيادة الجيش في منطقة سهل البطانة بولاية الجزيرة، بوصفها رد فعل لاتفاقية «سلام جوبا» التي مثلت صُلحاً بين الحكومة المركزية وحركات مسلحة من غرب السودان بشكل أساسي. وكان الغرض من نشأة «درع السودان»، وفق ما ذكر مؤسسها كيكل وقتها، هو إعادة التوازن مع الحركات المسلحة الموقعة على «سلام جوبا».

وفي أغسطس (آب) 2023، أي بعد اشتعال الحرب بأربعة أشهر، فاجأ كيكل الجميع وأعلن انحيازه إلى «قوات الدعم السريع» بدافع «مناصرة قضايا الهامش ومحاربة الإسلاميين»، فسارعت «قوات الدعم السريع» بمنح كيكل رتبة لواء. وظهر كيكل في مدينة ود مدني 18 ديسمبر معلناً «تحريرها» من سيطرة الجيش وتسليمها لـ«قوات الدعم السريع»، بعد أن لعبت قواته دوراً رئيسياً في السيطرة على المدينة الاستراتيجية؛ لكونه يعرف جغرافيا المنطقة جيداً. ثم حقق كيكل مفاجأة أخرى بإعلانه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الانسلاخ مرة أخرى بكامل قواته عن «الدعم السريع» والانحياز للجيش، وقاتل إلى جانبه حتى استرداد المدينة يوم السبت 11 يناير الحالي.

وشبه المحلل السياسي محمد لطيف أحداث ود مدني بأحداث رواية «الدخول من باب الخروج»، حيث تبادل الجيش و«الدعم السريع» دخول المدينة والانسحاب منها بسرعة مفاجئة في المرتين. واعتبر لطيف ظهور كيكل في الحالتين تأكيداً للتطابق بين عمليتي الدخول والخروج، قائلاً: «كيكل قبل أكثر من عام، ظهر في مقر الفرقة الأولى معلناً الاستيلاء على المدينة، ثم ظهر مرة أخرى الآن في المقر نفسه معلناً استعادة ود مدني للجيش».

واستبعد لطيف حدوث تسوية بين الجانبين المتحاربين، في ظل تردد أحاديث عن تحسن موقف الجيش التفاوضي، وقال إن اعتراف قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي» بالهزيمة في ود مدني وتعهده باستمرار الحرب، يقطع الطريق أمام احتمالات التفاوض مع الجيش. وأضاف لطيف أن استعادة الجيش لمدينة ود مدني تعد «أكبر انتصار يحققه الجيش منذ بداية الحرب، وتعيد التوازن المعنوي والعسكري، وربما تجعله أكثر استعداداً للتفاوض مع الطرف الآخر لإنهاء الحرب».

منصات التواصل الاجتماعي تناقش مستقبل المحتوى الهادف في "قمة المليار متابع"


إسرائيل تقصف مواقع حزب الله في لبنان بعد انتهاكات لوقف إطلاق النار (ترجمة)


التوتر يتصاعد.. مناورات عسكرية إيرانية تحاكي مواجهة التهديدات الجوية والصاروخية


حرائق غابات لوس أنجلوس 2025 .. كيف تعاملت الولايات المتحدة مع أكبر أزمة حرائق غابات في تاريخها؟