تحليلات

"تميم" يصل دمشق بعد ساعات من تنصيب "الشرع"..

الشراكة القطرية التركية في إعادة إعمار سوريا.. تحالف استراتيجي أم نفوذ على حساب السعودية؟

قطر تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال دعم الإدارة السورية الجديدة عبر استثمارات ضخمة في البنية التحتية والكهرباء - الديوان الأميري

وصل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الخميس، إلى العاصمة دمشق في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها إلى سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وقالت وكالة الأنباء القطرية (قنا)، إنه "كان في مقدمة مستقبلي أمير قطر لدى وصوله مطار دمشق الدولي، أحمد الشرع رئيس الجمهورية العربية السورية، ومحمد البشير رئيس الحكومة، وأسعد الشيباني وزير الخارجية والمغتربين، ومرهف أبو قصرة وزير الدفاع، وعدد من المسؤولين وأعضاء السفارة القطرية في دمشق".

تنصيب الشرع رئيساً 

وكانت إدارة العمليات العسكرية في سوريا، أعلنت الأربعاء، أحمد الشرع رئيساً للبلاد في المرحلة الانتقالية، ودمج جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية في مؤسسات الدولة، وإلغاء العمل بالدستور الصادر عام 2012.

ورحبت، قطر، بـ"الخطوات" التي أعلنتها إدارة العمليات العسكرية في سوريا، معتبرة أنها "تهدف إلى إعادة هيكلة الدولة السورية"، و"تعزيز التوافق والوحدة بين كافة الأطراف السورية، بما يمهد لتوطيد السلم الأهلي والأمن والاستقرار وبناء دولة القانون والمؤسسات والتنمية والازدهار".

وقالت الخارجية القطرية إن "المرحلة المفصلية الحالية في سوريا تتطلب احتكار الدولة للسلاح في جيش واحد يعبّر عن كافة المكونات دون إقصاء، حفاظاً على سيادة البلاد واستقلالها وسلامة أراضيها، وبما يمهّد لانتقال سلمي للسلطة من خلال عملية سياسية شاملة".

دعم قطري لسوريا 

وجددت الوزارة "دعم قطر الكامل لسوريا في كل المجالات، ومساهمتها الفعّالة في الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق تطلعات الشعب السوري".

وجاءت هذه الزيارة بعد أقل من شهرين على إطاحة المتمردين الإسلاميين بنظام الأسد، وبعد زيارة قام بها رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني في وقت سابق من الشهر الجاري، حيث أعلن عن خطط لتزويد سوريا بـ 200 ميغاواط من الكهرباء، مع زيادة تدريجية للدعم.

على عكس بعض الدول العربية، لم تعيد قطر علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا في عهد الأسد، وكانت من أوائل الدول التي دعمت المعارضة المسلحة بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2011. واليوم، تلقي الدوحة بثقلها في إعادة إعمار سوريا، سعياً لتعزيز نفوذها الإقليمي عبر شراكة وثيقة مع تركيا، الداعم الرئيسي للإدارة السورية الجديدة.

قطر وسوريا.. من دعم الثورة إلى إعادة الإعمار 

لعبت قطر دورًا رئيسيًا في دعم الثورة السورية منذ اندلاعها عام 2011، حيث كانت أول دولة عربية تتخذ موقفًا حاسمًا ضد نظام بشار الأسد، واستمرت في دعم المعارضة سياسيًا وإعلاميًا وإنسانيًا حتى سقوط النظام في ديسمبر 2024. 

ومع وصول أحمد الشرع إلى السلطة، تتحول الدوحة إلى فاعل أساسي في إعادة الإعمار، حيث تعزز شراكتها مع تركيا عبر مشاريع اقتصادية كبرى، مثل تمويل البنية التحتية، وتوفير 200 ميغاواط من الكهرباء، والمساهمة في رفع العقوبات عن دمشق. 

لكن هذا الدور يواجه تحديات إقليمية ودولية، أبرزها المنافسة مع السعودية والإمارات، التي قد تسعى لإيجاد موطئ قدم في إعادة الإعمار، إضافة إلى ضرورة التنسيق مع الولايات المتحدة لضمان عدم تعارض المصالح، خاصة فيما يتعلق بملف الأكراد والعقوبات الدولية. 

ورغم هذه التحديات، فإن قطر تثبت نفسها كأحد أهم الفاعلين في سوريا الجديدة، حيث كانت أول دولة تعترف بالحكومة الانتقالية، وأول زعيم عربي يزور دمشق بعد التغيير. هذه المعلومات مستمدة من قناة "تلفزيون سوريا"، الممولة من قطر، والتي تبرز دور الدوحة المحوري في المشهد السوري، من مرحلة دعم الثورة إلى إعادة بناء الدولة.

موقف إماراتي ثابت تجاه سوريا 

وتستقبل دمشق مسؤولين إقليميين ودوليين بشكل يومي، حيث يعقد الرئيس المؤقت أحمد الشرع لقاءات واتصالات مكثفة مع قيادات عربية ودولية، من بينهم رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في مساعٍ لتأمين الدعم العربي والدولي لإعادة إعمار سوريا وإنعاش اقتصادها.

ففي منتصف يناير، تلقى رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، اتصالاً هاتفياً من الشرع، إذ جرى في أثناء الاتصال بحث سبل تعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

وقد جدد محمد بن زايد تأكيد موقف دولة الإمارات الثابت تجاه دعم استقلال سوريا وسيادتها على كامل أراضيها ووقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق، فضلاً عن دعمها المساعي كافة التي تهدف إلى تحقيق تطلعاته إلى الأمن والسلام والاستقرار والحياة الكريمة، طبقاً لما أوردته وكالة الأنباء الإماراتية" وام" .

أما وكالة الأنباء السورية، سانا فإنها أشارت إلى أن فحوى الاتصال الذي جمع الشرع برئيس دولة الإمارات محمد بن زايد قد تضمن تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بما يخدم المصالح المشتركة.

وذكرت سانا أن الجانبين شددا على أهمية التنسيق المستمر، وتكثيف الجهود لدعم السوريين وحماية وحدة أراضيه والتزامهما بالعمل المشترك لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.

في هذه الأثناء، كان وزير الخارجية الإماراتي بحث في اتصال هاتفي مع نظيره السوري أسعد الشيباني التطورات في سوريا كما ناقشا سبل تعزيز العلاقات بين البلدين والشعبين في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

وأكدت الإمارات أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا، مشددة على موقفها الداعم لجميع الجهود والمساعي المبذولة للوصول إلى مرحلة انتقالية شاملة وجامعة تحقق تطلعات الشعب السوري في الأمن والتنمية والحياة الكريمة، إذ تؤمن دولة الإمارات بأهمية إعادة التفاؤل إلى الشعب السوري من أجل مستقبل مزدهر.

وفي السياق نفسه، تسعى الدوحة إلى تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على دمشق، حيث أفاد مسؤول أميركي ودبلوماسي بارز بأن قطر تخطط للمساعدة في تمويل زيادة أجور القطاع العام في سوريا، كما تضغط على واشنطن للحصول على إعفاء من العقوبات يسمح لها بتقديم التمويل عبر القنوات الرسمية.

وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق مؤخرًا على خارطة طريق لتخفيف العقوبات، فيما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، في 7 يناير الجاري، تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا لمدة 6 أشهر لتسهيل استمرار الخدمات الأساسية في البلاد.

إعادة دمج سوريا في المشهد الإقليمي 

وتعكس زيارة أمير قطر لدمشق تحولًا كبيرًا في المشهد الإقليمي، حيث تسعى الدول العربية إلى إعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي والدولي بعد أكثر من عقد من العزلة والحرب. ومن المتوقع أن تشكل هذه الزيارة نقطة انطلاق لشراكات اقتصادية واستثمارية، مع استمرار المفاوضات حول إعادة إعمار البلاد ورفع العقوبات الدولية.

مع سقوط نظام بشار الأسد وبدء المرحلة الانتقالية في سوريا، برزت الشراكة القطرية التركية كأحد أهم المحاور في جهود إعادة الإعمار، مستندةً إلى العلاقات الوثيقة بين البلدين ودعمهما المشترك للإدارة الجديدة في دمشق. وتأتي هذه الشراكة في ظل تحولات إقليمية كبرى، حيث تسعى الدوحة وأنقرة إلى لعب دور محوري في صياغة مستقبل دمشق، عبر مشاريع اقتصادية واستثمارية واسعة النطاق، ما يعزز نفوذهما في المنطقة.

التوازنات الإقليمية 

لكن هذه التحركات تثير تساؤلات حول انعكاساتها على التوازنات الإقليمية، وخاصةً دور السعودية، التي كانت لاعبًا رئيسيًا في المشهد السوري خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يوحي بأن الشراكة القطرية التركية المرتقبة ستكون على حساب النفوذ السعودي في سوريا، خاصة في ظل حديث الصحافة السعودية عن مطامع تركية من بوابة مشاريع إعادة الأعمار والحديث عن "محاولات انقرة الاستحواذ على الكعكة"، لكن زيارة تميم بلا شك تعزز من الحضور التركي على حساب السعودية.

 وتسعى قوى إقليمية ودولية لضمان حصة في إعادة بناء البلاد، سياسيًا واقتصاديًا، في هذا السياق، برزت تركيا كفاعل رئيسي يسعى لاستغلال الفراغ الذي تركه الأسد لتعزيز نفوذه في سوريا، مستفيدًا من علاقاتها مع المعارضة، ومن موقعها الجغرافي القريب. 

اتهامات سعودية لتركيا 

واتهمت قناة العربية السعودية في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، تركيا بمحاولتها الاستفادة من تلك الحقبة الجديدة، من عقود الإعمار، التي قالت القناة إنها ستدر على أنقرة مئات المليارات من الدولارات، فضلاً عن توسع نفوذها الجيوسياسي.

القناة أشارت إلى أن التحركات التركية قد تواجه تحديات، وعقبات سياسية وعسكرية، خاصة في علاقتها بالولايات المتحدة، وإسرائيل، والقوى الإقليمية الأخرى مثل السعودية، لكن أنقرة ستحاول من خلال علاقتها بالنظام القطرية فرض نفسها كقوة رئيسية في سوريا.

و تسعى تركيا إلى الاستفادة المالية من مشاريع إعادة الإعمار، خاصةً مع تقديرات تشير إلى أن عقود إعادة الإعمار قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات، حيث تقول تقارير صحفية سعودية إن شركات الأسمنت والصلب التركية، بدأت بتحقيق أرباح كبيرة مع تزايد الحديث عن مشاريع إعادة الإعمار، واستأنفت أنقرة رحلات الخطوط الجوية التركية إلى دمشق بعد توقف دام 13 عامًا، مما يشير إلى تحسن العلاقات الاقتصادية، وهو ما يعني أنها قد تبدأ في مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية، بما في ذلك المطارات، شبكات الكهرباء، وحقول النفط والغاز، ما يعزز من الحضور الاقتصادي التركي في سوريا.  

وتعتبر أنقرة أن سقوط الأسد، وصعود حليفها الإسلامي أحمد الشرع، الذي أصبح رئيسا، فرصة لتعزيز وجودها في سوريا، خاصةً في المناطق التي دعمت فيها المعارضة خلال سنوات الحرب، حيث تسعى للحصول "حصة الأسد" في مشاريع إعادة الإعمار، مما يمكنها من التأثير على مستقبل الإدارة السورية الجديدة، وقد تعمل أنقرة على تنسيق جهودها مع القوى الدولية لضمان قبول دورها في سوريا، خاصةً مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة تدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تعتبرها تركيا تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وطالبت تركيا بتفكيك وحدات حماية الشعب الكردية، ولكن واشنطن ترفض ذلك، معتبرةً الأكراد شريكًا أساسيًا في محاربة داعش، وقد سبق وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصعيد العمليات العسكرية ضد القوات الكردية في حال لم يتم تفكيكها، مما قد يخلق توترًا مع الولايات المتحدة. 

رفض خليجي لأي دور تركي مهيمن

الدول الخليجية لا يمكن ان تقبل بدور تركي يهيمن على إعادة اعمار سوريا، حيث لا تزال الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تلعبان دورًا هامًا في إعادة رسم المشهد السياسي في سوريا، وتسعيان إلى تحجيم النفوذ التركي،

يدرك النظام التركي أن دوره في إعادة إعمار سوريا يحتاج إلى قبول دولي، بما في ذلك من إسرائيل والولايات المتحدة، ومن المؤكد ستعمل انقرة على تخفيف انتقاداتها لسياسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية، لضمان دعم تل أبيب لتحركاتها في سوريا، لكن بطبيعة الحال لا تزال هناك مخاوف إسرائيلية من أي دور تركي قد يعزز النفوذ الإيراني في المنطقة. 

دور إيران وروسيا في المشهد السوري بعد صعود الإسلاميين 

كانت روسيا الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد، حيث قدمت دعمًا عسكريًا وسياسيًا واسعًا، بما في ذلك التدخل العسكري المباشر في 2015 واستخدام الفيتو في مجلس الأمن لصالح النظام السابق. لكن مع بدء عملية "ردع العدوان" التي أطاحت بالأسد في ديسمبر 2024، شهد الدور الروسي تراجعًا واضحًا، حيث انخفضت الضربات الجوية الروسية وتراجع تدخلها المباشر في المعارك. 

إلا أن القيادة الجديدة في سوريا، بقيادة أحمد الشرع، لم تتجه إلى قطع العلاقات مع موسكو، بل وجهت لها رسالة اعتبرتها "شريكًا محتملًا" في مستقبل سوريا. وبالفعل، تغير الخطاب الروسي تجاه دمشق الجديدة، حيث أبدت موسكو اهتمامها بالحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك استمرار وجودها العسكري في قواعد حميميم وطرطوس. رغم ذلك، لا تزال هذه القواعد تواجه تحديات، حيث أصبحت في بيئة غير مرحبة، وقد تتعرض مستقبلاً لهجمات من فصائل معادية للوجود الروسي. 

على المستوى الدبلوماسي، تسعى روسيا للحفاظ على موقعها في سوريا، لكنها تواجه تحديات من القوى الإقليمية الجديدة، خاصة تركيا وقطر، اللتين تسعيان إلى بسط نفوذهما في إعادة إعمار البلاد.

 وتدرك موسكو أن بقاءها يتطلب إعادة صياغة علاقاتها مع السلطات الجديدة، بعيدًا عن ارتباطها بالنظام السابق، مع الأخذ في الاعتبار الضغوط الغربية التي ترفض استمرار النفوذ الروسي في سوريا. 

على عكس روسيا، التي احتفظت بموقف متوازن تجاه السلطات الجديدة، تبنت إيران خطابًا أكثر حدة بعد سقوط الأسد، إذ اعتبرت أن التحولات في سوريا تشكل ضربة كبيرة لمشروعها الإقليمي الذي امتد لعقود. 

ومع إطاحة النظام السابق، فقدت إيران وجودها السياسي والعسكري الرسمي، وأغلقت سفاراتها وقنصلياتها في دمشق، مما يعكس عزلة تامة لطهران عن المشهد السوري الجديد. 

لكن رغم هذه الانتكاسة، لم تتخلَّ إيران عن محاولات التأثير، حيث تسعى إلى زعزعة الاستقرار في سوريا عبر إحياء شبكاتها الميليشياوية، مثل "زينبيون" و"فاطميون"، واستخدام تكتيكات التخريب والتفجيرات الطائفية على غرار ما حدث في العراق. كما تخشى الدول العربية أن تستخدم إيران هذه الميليشيات كذراع لزعزعة الاستقرار وخلق ذريعة للتدخل مجددًا. 

في المقابل، تواجه إيران ضغطًا إقليميًا ودوليًا لتقليص نفوذها، خاصة من تركيا ودول الخليج، التي تسعى لمنع أي محاولة إيرانية لاستعادة موطئ قدمها في سوريا. وبالنظر إلى خسارتها لنظام الأسد، فإن إيران ستواجه صعوبات في إعادة بناء نفوذها، خاصة في ظل وجود تحالف جديد بين سوريا وتركيا وقطر، وهو ما يجعل أي دور إيراني مستقبليًا مقيدًا ومراقبًا بشدة. 

وفي ظل التغيرات الجيوسياسية، تتجه الإدارة السورية الجديدة إلى إعادة التوازن في العلاقات الدولية، مع التركيز على الدول الداعمة مثل تركيا وقطر، دون القطيعة المطلقة مع القوى الكبرى كروسيا. ومن المتوقع أن تحتفظ روسيا ببعض الحضور في سوريا عبر قواعدها العسكرية، بينما تواجه إيران عزلة شبه تامة، مع تزايد الجهود الإقليمية والدولية لمنع أي محاولات إيرانية للتدخل. 

بالمحصلة، يظل الموقف الروسي أكثر مرونة وقابلية للتكيف مع المتغيرات، في حين أن إيران خرجت من المشهد السوري بشكل كبير، لكنها قد تلجأ إلى أساليب غير تقليدية لمحاولة التأثير مجددًا، وهو ما يجعل مستقبل سوريا محكومًا بمزيج من الصراعات الدبلوماسية والتحديات الأمنية.

تحديات محلية أمام إدارة الإسلاميين الجديدة 

تواجه إدارة الإسلاميين الجديدة بقيادة أحمد الشرع تحديات داخلية معقدة على مختلف المستويات، إذ يجب عليها فرض الأمن والسيطرة على الفصائل المسلحة المختلفة، بما في ذلك الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية وفصائل الجنوب، والعمل على توحيد السلاح تحت سلطة الإدارة الجديدة لمنع الفوضى والانقسامات. 

ويبرز تحدي إعادة بناء المؤسسات الأمنية على أسس وطنية، بعيدًا عن الأساليب القمعية التي كانت متبعة في عهد النظام السابق، مع ضرورة التعامل بحذر مع بقايا أجهزة الأمن والجيش لمنع أي محاولة لإعادة تجميع الفلول وإحداث اضطرابات داخلية.

 إضافة إلى ذلك، يواجه الشرع تحديات سياسية تتعلق بعدم وجود توافق وطني واسع حول حكومته الانتقالية، مما قد يؤدي إلى صراعات بين القوى السياسية المعارضة وتفاقم الانقسامات بين التيارات الإسلامية والمدنية، فضلًا عن المخاوف من احتكار السلطة وإقصاء الأطراف الأخرى، مما قد يؤجج المعارضة الداخلية ويعرقل عملية بناء الدولة الجديدة. وعلى المستوى الاقتصادي، يواجه الشرع أزمة خانقة في ظل انهيار الاقتصاد السوري، ووجود نسبة فقر مرتفعة وتدمير واسع للبنية التحتية، ما يتطلب استثمارات ضخمة لإعادة الإعمار وتحقيق استقرار معيشي للسكان، في وقت تفتقر فيه الحكومة إلى الموارد المالية الكافية وتعاني من عقوبات دولية تعيق قدرتها على جذب التمويل الخارجي. كما تشكل التحديات الاجتماعية والعرقية أحد أبرز العقبات، إذ تحتاج حكومته إلى التعامل بحذر مع التعددية الدينية والعرقية في سوريا، ومنع أي سياسات تمييزية قد تدفع الأقليات إلى التمرد أو البحث عن حماية خارجية، إضافة إلى ضرورة إعادة ملايين اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم المدمرة وتأمين حياة كريمة لهم. ومن جانب آخر، تواجه الحكومة الجديدة تحديًا كبيرًا في تحقيق العدالة الانتقالية، إذ يجب عليها وضع آليات قانونية لمحاسبة المتورطين في الجرائم والانتهاكات دون اللجوء إلى الانتقام، مما قد يعيد إنتاج العنف ويقوض شرعية الحكومة. إن هذه التحديات مجتمعة تجعل مهمة أحمد الشرع في قيادة سوريا الجديدة بالغة التعقيد، حيث يتوجب عليه تحقيق توازن دقيق بين الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي، وإدارة الملفات الداخلية بحذر لمنع أي انهيار قد يعيد البلاد إلى دوامة الصراع من جديد.

السيناريوهات المحتملة لمستقبل الدور التركي في سوريا  

تتراوح التوقعات بشأن الدور التركي في إعادة إعمار سوريا بين ثلاثة سيناريوهات رئيسية، تتحدد وفقًا للعوامل السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية. السيناريو الأول يتمثل في نجاح تركيا في فرض نفوذها داخل سوريا، وهو احتمال يرتبط بقدرتها على تحقيق توافق مع الولايات المتحدة وإسرائيل، مما قد يجعلها الفاعل الأبرز في إعادة إعمار البلاد. كما أن دعمها للإدارة السورية الجديدة، إلى جانب شراكتها مع قطر، يمنحها فرصة قوية لضمان موقع استراتيجي في عمليات إعادة الإعمار، الأمر الذي قد يعزز من نفوذها الجيوسياسي في المنطقة. 

أما السيناريو الثاني فيتعلق بتصاعد التنافس الإقليمي، حيث قد تواجه تركيا معارضة قوية من قبل دول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات، اللتين تسعيان للحد من النفوذ التركي في سوريا. هذا التنافس قد يتفاقم في حال دخول قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا وأوروبا في مشاريع إعادة الإعمار، وهو ما قد يؤدي إلى تقليص الحصة التركية في هذا الملف الحيوي، ويجعل نفوذها مقيدًا بالموازنات الإقليمية والدولية. 

أما السيناريو الثالث، فيرتبط باحتمالية عرقلة الولايات المتحدة للدور التركي في سوريا، وهو ما قد يحدث نتيجة استمرار الخلاف بين أنقرة وواشنطن بشأن الملف الكردي. إذ تعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية تهديدًا لأمنها القومي، بينما تدعمها واشنطن كحليف رئيسي في محاربة داعش.

 في حال قررت الولايات المتحدة فرض قيود على الشركات التركية، أو منعتها من العمل في المناطق الخاضعة لنفوذها، فإن ذلك قد يؤدي إلى تراجع الدور التركي في إعادة إعمار سوريا، مما قد يجبر أنقرة على إعادة حساباتها والتعامل مع تحديات دبلوماسية واقتصادية جديدة. 

بهذا، تظل مسارات الدور التركي في سوريا مرهونة بتفاعلات إقليمية ودولية معقدة، حيث يمكن أن تنجح تركيا في تحقيق أهدافها إذا استطاعت التكيف مع التغيرات السياسية، أو قد تواجه عراقيل تحول دون تحقيق تطلعاتها، مما سيجعل مستقبل نفوذها في سوريا غير محسوم بشكل قاطع.

الإمارات تطلق أكبر مشروع لـ "الطاقة الشمسية" بالشرق الأوسط.. قفزة عملاقة نحو الاستدامة


دونالد ترامب: وجهت البنتاجون والأمن الداخلي بإعداد المنشأة لاستقبال أسوأ المهاجرين


اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية يودي بحياة العشرات في نهر بوتوماك (ترجمة)


آلاف البحارة عالقون على متن سفن مهجورة.. أزمة متفاقمة في قطاع الشحن