تطورات اقليمية
العنف الطائفي يهدد النسيج الاجتماعي..
الاشتباكات العلوية تهز سوريا: بين تبرير أحمد الشرع ومخاوف الأقليات
الرئيس السوري أحمد الشرع
أثارت تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع، التي وصف فيها التصعيد الحالي مع العلويين بـ"المتوقع"، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، وسط تزايد المخاوف من اتساع رقعة العنف الطائفي في البلاد. تأتي هذه التصريحات في ظل أحداث دموية أودت بحياة أكثر من ألف شخص خلال يومين فقط، مما يفاقم منسوب القلق بين الأقليات الأخرى مثل المسيحيين والأكراد.
وبدأت الأحداث يوم الخميس في قرية ذات غالبية علوية بريف اللاذقية، على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، ليتطور الوضع سريعاً إلى اشتباكات مسلحة بعد إطلاق مسلحين علويين النار.
وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، تصاعدت الأحداث لتشمل عمليات إعدام طالت مدنيين علويين، حيث أفاد بمقتل 745 مدنياً علوياً في مناطق الساحل السوري وجبال اللاذقية منذ بدء الاشتباكات، إلى جانب 273 عنصراً من قوات الأمن والمسلحين الموالين لنظام الأسد السابق، ليرتفع إجمالي الضحايا إلى 1018 قتيلاً على الأقل.
وانتشرت مقاطع فيديو تظهر مشاهد مروعة لجثث مدنيين مكدسة وأعمال إعدام ميدانية نفذها مسلحون بلباس عسكري، مما أثار استنكاراً واسعاً. وأفاد سكان المنطقة الساحلية بحدوث عمليات قتل انتقامية ومصادرة منازل، فيما وصفت السلطات هذه الأفعال بـ"الحوادث الفردية"، متعهدة بملاحقة المسؤولين.
وفي فيديو نشره فجر الأحد من مسجد في حي المزة بدمشق، حاول الرئيس أحمد الشرع طمأنة السوريين قائلاً: "اطمئنوا على هذا البلد فيه مقومات كثيرة إن شاء الله للبقاء"، واصفاً الأحداث بـ"التحديات المتوقعة". لكن هذه التصريحات أثارت استغراباً وانتقادات حادة، حيث اعتبرها البعض استخفافاً بحجم المأساة الإنسانية ودماء الضحايا، بينما رأى آخرون أنها قد تكون تنبؤاً دقيقاً بمزيد من التصعيد المستقبلي.
ويرى المحللون أن وصف الأحداث بـ"المتوقعة" ينطوي على تبرير غير مباشر للعنف الطائفي، مما قد يسهم في تطبيع الأزمة بدلاً من تهدئة المخاوف. كما يخشى البعض أن يؤدي استمرار الاحتقان إلى نزاعات مفتوحة تمتد لسنوات، تهدد بتفتيت النسيج الاجتماعي السوري.
وتزيد هذه الأحداث من قلق الأقليات الأخرى، مثل المسيحيين والأكراد، من امتداد العنف إليهم في ظل غياب ضمانات أمنية. وفي هذا السياق، دعا قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الرئيس الشرع إلى التدخل لوقف "المجازر"، متهماً الفصائل المدعومة من تركيا والمتشددين الإسلاميين بتحمل المسؤولية الرئيسية عن أعمال العنف في المناطق الساحلية. وطالب عبدي بمحاسبة المرتكبين وإعادة النظر في تشكيل الجيش السوري الجديد، محذراً من أن استغلال بعض الفصائل له كأداة لتصفية الحسابات ينذر بتداعيات خطيرة.
وأعلنت الرئاسة السورية تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الاشتباكات بالمناطق الساحلية، فيما أرسلت وزارة الداخلية تعزيزات إلى منطقة القدموس بريف طرطوس لضبط الأمن وملاحقة "فلول النظام البائد". وأفادت وكالة "سانا" باشتباكات عنيفة في محيط قرية تعنيتا، حيث لجأ مجرمو حرب ومسلحون موالون للنظام السابق.
روى سكان المنطقة الساحلية تفاصيل مروعة، حيث قال سمير حيدر (67 عاماً) إن مجموعات مسلحة، تضم عناصر أجنبية، قتلت شقيقيه وابن أحدهما، مضيفاً أنه نجا بأعجوبة بعد لجوئه إلى حي سني. وأكد أن التأخير خمس دقائق كان كفيلاً بموته، مما يعكس خطورة الوضع.
وتعيق هذه المعارك جهود الشرع لنزع السلاح وحصره بيد الدولة، إذ يتمسك الأكراد وغيرهم من الفصائل بسلاحهم كوسيلة حماية في ظل انعدام الأمن. كما يحذر المحللون من أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى موجة جديدة من الصراعات الأكثر تعقيداً، مدفوعة بدوافع الانتقام والانقسامات الطائفية.
وتواجه سوريا اليوم أزمة طائفية تهدد استقرارها الهش، وسط تصريحات رئاسية أثارت الجدل بدلاً من تهدئة الأوضاع. مع تزايد الخسائر البشرية واتساع دائرة الخوف بين الأقليات، يبقى السؤال حول قدرة السلطات على احتواء التصعيد ومنع تحول الاشتباكات المحدودة إلى حرب شاملة. تبدو البلاد على مفترق طرق، حيث قد تحدد الخطوات القادمة مصيرها بين الاستقرار أو الانزلاق نحو الفوضى.