تطورات اقليمية
رسائل تطمين في وقت حساس..
زيارة وزير خارجية إيران إلى السعودية وقطر.. رسائل تهدئة لترامب أم مناورة إقليمية؟
بدأ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، اليوم السبت، جولة خليجية تشمل السعودية وقطر، قبيل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المقررة للمنطقة بين 13 و16 مايو. تأتي هذه الزيارة في توقيت دقيق، وسط مفاوضات نووية حساسة مع واشنطن وتطورات إقليمية معقدة، حيث تسعى إيران لإيصال رسائل طمأنة إلى الولايات المتحدة، مع التركيز على دورها المؤثر في التهدئة باليمن وتعزيز الحوار الإقليمي. لكن التوترات المستمرة، خاصة حول تسمية الخليج، تثير تساؤلات حول مدى نجاح هذه التحركات في تحقيق أهدافها.
سياق الزيارة: دبلوماسية إيرانية في توقيت حاسم
أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن عراقجي سيتوجه أولاً إلى الرياض للقاء مسؤولين سعوديين كبار، ثم إلى الدوحة للمشاركة في مؤتمر الحوار العربي-الإيراني. تهدف الزيارة، وفق بيان الوزارة، إلى تبادل وجهات النظر مع دول الجوار وإطلاعها على آخر تطورات المفاوضات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة، التي تجري بوساطة عمانية.
تأتي هذه الخطوة بعد ثلاث جولات من المباحثات النووية منذ أبريل 2025، مع جولة رابعة مقررة غداً الأحد في مسقط. وقال عراقجي إن المفاوضات "تحرز تقدماً" لكنها تتطلب مزيداً من المشاورات، مشيراً إلى أن استدامة أي اتفاق نووي تعتمد على مراعاة مخاوف دول المنطقة ومصالحها المشتركة مع إيران. في الوقت ذاته، تسعى إيران لتوسيع نطاق الحوار مع واشنطن ليشمل ملفات إقليمية، خاصة الوضع في اليمن، الذي شهد مؤخراً اتفاقاً هشاً بين الحوثيين والولايات المتحدة لوقف هجمات البحر الأحمر.
اليمن على الأجندة: دور إيراني مؤثر أم دعاية سياسية؟
يُعد الاتفاق الأخير بين الحوثيين والولايات المتحدة، الذي أُعلن في 6 مايو 2025، نقطة محورية في الزيارة. يروّج ترامب للاتفاق على أنه "استسلام" من الحوثيين، بينما يؤكد الحوثيون أن واشنطن هي من طلبت التهدئة عبر وساطة عمانية. تسعى إيران، من خلال زيارة عراقجي، لتسليط الضوء على دورها في إقناع الحوثيين بوقف هجماتهم على السفن، كخطوة تظهر "حسن نواياها" تجاه واشنطن وتمهد لحوار أوسع.
لكن هذا الادعاء يثير شكوكاً، نظراً للعلاقة المعقدة بين إيران والحوثيين. فبينما تقدم طهران دعماً لوجستياً وعسكرياً للجماعة، فإن الحوثيين يحتفظون باستقلالية نسبية في قراراتهم. يرى محللون أن إيران قد تستغل الاتفاق لتعزيز صورتها كلاعب إقليمي مسؤول، لكن قدرة طهران على ضمان التزام الحوثيين طويل الأمد تبقى موضع تساؤل، خاصة مع استمرار الجماعة في ربط هجماتها بتطورات حرب غزة.
تسمية الخليج: نقطة توتر جديدة
تتزامن زيارة عراقجي مع تصاعد الجدل حول تسمية الخليج، بعد إعلان ترامب نيته اتخاذ قرار بشأن اعتماد تسمية "الخليج العربي" أو "خليج العرب" بدلاً من "الخليج الفارسي". ردّ عراقجي بتحذير عبر منصة إكس، واصفاً أي محاولة لتغيير التسمية بأنها "عدائية" تجاه إيران وشعبها. هذا الخلاف يعكس التحديات التي تواجه محاولات التهدئة، حيث تظل القضايا الرمزية مصدر توتر بين طهران وواشنطن وحلفائها الخليجيين.
أهداف إيران: الحوار أم شراء الوقت؟
تسعى إيران من خلال هذه الجولة إلى تحقيق أهداف متعددة:
طمأنة دول الخليج: بإشراك السعودية وقطر في مناقشات الملف النووي، تهدف إيران إلى تخفيف مخاوف دول الجوار من تداعيات أي اتفاق محتمل، خاصة في قطاع النفط والأسواق العالمية.
إشارات تهدئة لواشنطن: من خلال إبراز دورها في اليمن والتأكيد على استعدادها للحوار، تسعى طهران لكسب مرونة إدارة ترامب، التي أبدت انفتاحاً نسبياً مقارنة بمواقفها السابقة.
تعزيز التقارب الإقليمي: تأتي الزيارة في إطار التقارب السعودي-الإيراني الذي بدأ بوساطة صينية عام 2023، حيث تسعى طهران لتثبيت موقعها كشريك إقليمي موثوق.
لكن بعض المحللين يرون أن إيران قد تستخدم هذه التحركات لشراء الوقت، خاصة في ظل الضغوط الداخلية والاقتصادية التي تواجهها، والتي تجعلها بحاجة إلى تخفيف العقوبات دون تقديم تنازلات كبيرة.
تحديات الجولة: بين الفرص والمخاطر
تواجه زيارة عراقجي تحديات كبيرة:
التوترات المستمرة: الخلاف حول تسمية الخليج، إلى جانب التوترات المرتبطة بحرب غزة والوضع في لبنان، قد يعيق جهود التهدئة.
موقف الحوثيين: استقلالية الحوثيين النسبية قد تجعل إيران غير قادرة على ضمان استمرار التهدئة في البحر الأحمر، مما يضعف مصداقية طهران أمام واشنطن.
توقعات ترامب: يطالب ترامب بخطوات ملموسة من إيران، وقد يرى في تحركات طهران مجرد مناورات دبلوماسية، خاصة مع تهديده بقصف إيران إذا فشلت المفاوضات.
خاتمة: هل تنجح إيران في تحقيق اختراق؟
تمثل زيارة عباس عراقجي إلى السعودية وقطر محاولة إيرانية لإعادة صياغة علاقاتها الإقليمية والدولية في توقيت بالغ الحساسية. من خلال إبراز دورها في اليمن والتأكيد على استعدادها للحوار، تسعى طهران لتخفيف التوترات مع واشنطن وتعزيز التقارب مع دول الخليج. لكن نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرتها على تقديم تنازلات ملموسة، وتجاوز العقبات التي تفرضها الخلافات الرمزية والملفات الإقليمية المعقدة. في ظل هذه الديناميكيات، تبقى المنطقة على مفترق طرق بين فرص التهدئة ومخاطر التصعيد.