تحليلات

"ضغوط دبلوماسية تؤجل تعيين سعيد بكران نائبًا لوزير الإعلام اليمني"..

الدور السعودي في إعادة تشكيل الإعلام الرسمي اليمني.. بين الشراكة السياسية والهيمنة المؤسسية

وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني مستمعا إلى حديث سفير السعودية لدى اليمن محمد آل جابر - أرشيف

الملخص

تكشف هذه الورقة التحليلية أبعاد التعطيل المتواصل لعودة الإعلام الرسمي اليمني إلى العاصمة (المؤقتة) عدن لحكومة مجلس القيادة الرئاسي، رغم مرور ما يقارب عقد من الزمن على تحرير المدينة من جماعة الحوثي. 

وتسلّط الضوء على ما تقول مصادر مطلعة إنه دور سعودي مباشر في عرقلة هذا المسار، ضمن مقاربة أمنية وسياسية ترى في الجنوب المحرر مساحة غير مضمونة الولاء، خاصة في ظل تصاعد نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي.

ترصد الورقة سلسلة من التحولات في وزارة الإعلام اليمنية منذ 2016، حين تم سحب صلاحيات الوزير محمد عبدالمجيد قباطي بشكل مفاجئ لصالح معمر الإرياني، الذي أصبح لاحقًا وزيرًا للإعلام والثقافة والسياحة، وسط دعم واضح من السفير السعودي محمد آل جابر، ما أثار تساؤلات حول تغوّل الدور الإقليمي في توجيه القرار الإعلامي اليمني.

وتتناول الورقة محاولة تعيين الإعلامي الجنوبي سعيد بكران نائبًا لوزير الإعلام، والتي قوبلت برفض سياسي مدعوم إقليميًا، رغم أن التعيين كان يُفترض أن يعيد بعض التوازن التمثيلي داخل الوزارة ويُرمّم الثقة الجنوبية بالحكومة.

كما تعرض الورقة مشهدًا إعلاميًا مأزومًا يتسم بغياب المؤسسات الرسمية، وانحياز الخطاب الإعلامي ضد الجنوب، وتغليب روايات القوى اليمنية التقليدية على حساب إنجازات المقاومة الجنوبية، ما أدّى إلى تآكل الثقة بين الشارع الجنوبي والدور السعودي كراعٍ للعملية السياسية.

في ختامها، تقدم الورقة رزمة من التوصيات التي تدعو إلى وقف الإقصاء الإعلامي، وإعادة هيكلة القرار السياسي على قاعدة توازن شمالي- جنوبي، وتحرير الإعلام من الولاءات السياسية الخارجية، باعتبار أن الجنوب لم يعد الحلقة الأضعف بل بات محورًا أساسيًا في معادلة الاستقرار أو الانفجار في اليمن.

 

مدخل 

علمت "اليوم الثامن" من مصادر مطلعة في مجلس القيادة الرئاسي أن إدارة الملف اليمني في المملكة العربية السعودية تواصل عرقلة عودة الإعلام الرسمي إلى العاصمة المؤقتة عدن، رغم مرور ما يقارب عقدًا على تحريرها من قبضة جماعة الحوثي.

وتعود آخر محاولة لبث تلفزيون عدن من داخل البلاد إلى ما قبل اجتياح الحوثيين لمديرية التواهي مطلع مايو/ أيار 2015. ومنذ ذلك الحين، أعيد إطلاق البث من مدينة جدة السعودية، دون أي توجه لإعادته إلى الداخل، في خطوة أثارت انتقادات وُصفت بأنها تمثل تفكيكًا للسيادة الإعلامية اليمنية، وانحيازًا لتوجهات إقليمية تتعمد تجميد دور عدن كمركز إداري وسياسي للدولة.

وتزامن ذلك مع إطلاق نسخة بديلة من القناة تبث من لبنان، قيل إنها تخدم أجندة جماعة الحوثي، ما ساهم في تعميق حالة الانقسام الإعلامي وتسريح المئات من موظفي التلفزيون والإذاعة، ممن باتوا خارج الخدمة.

ورغم مطالبات واسعة بعودة المؤسسات الإعلامية السيادية إلى الداخل، لم تصدر عن السعودية أي توضيحات رسمية تُبرّر هذا التعطيل المتعمّد. فيما أفادت مصادر إعلامية أن وزير الإعلام والثقافة معمر الإرياني أرجع ذلك إلى "تحفظ سعودي" ناجم عن مخاوف سياسية من تحوّل الإعلام الرسمي إلى منصة قد تتقاطع مع توجهات المجلس الانتقالي الجنوبي، ما يُهدد بخلق مسارات إعلامية غير منضبطة بالخط السياسي الذي تدعمه الرياض.

وامتد هذا التحكم ليشمل الاعتراض على تعيين قيادات إعلامية، كما حصل مؤخرًا عند رفض تعيين الإعلامي سعيد بكران نائبًا لوزير الإعلام والثقافة والسياحة، بضغط من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، في موقف أثار موجة من التساؤلات حول مستقبل الشراكة داخل الحكومة اليمنية، لا سيما تلك التي قامت على أساس "اتفاق مشاورات الرياض" في أبريل/ نيسان 2022.

 

مقدمة

منذ أكثر من عشر سنوات، ساهمت الحسابات الإقليمية في تحييد عدن عن أي دور سياسي أو إعلامي فعّال، رغم الإعلان عنها كعاصمة مؤقتة للشرعية اليمنية. ومع دخول العام الحادي عشر على ما يُعرف بـ"هجرة قناة عدن"، يعود السؤال ليتردد بقوة بين منتسبي الإعلام الحكومي: لماذا لم تُفعّل وسائل الإعلام الرسمية في عدن، رغم الحديث المتكرر عن "عودة مؤسسات الدولة" منذ توقيع اتفاق نقل السلطة من الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي؟

اليوم، يقف الجنوب اليمني ومأرب والساحل الغربي أمام مشهد إعلامي مأزوم، تختصره عبارة: "إعلام دولة بلا دولة إعلام". وبينما تغيب أدوات الدولة، تبرز أذرع إعلامية لقوى خارجية، وعلى رأسها إيران، التي بات إعلامها أكثر حضورًا وتأثيرًا من إعلام "حلفاء السعودية" داخل مجلس القيادة، الذين يبدو أنهم الحلقة الأضعف في معادلة السيطرة الإعلامية، رغم أن الرياض تُعد الفاعل الأبرز في المشهد اليمني منذ نصف قرن.

فهل فشل المسؤولون اليمنيون في إعادة تموضع الإعلام الرسمي في عدن؟ أم أن الحسابات السعودية، خاصة بعد اتفاقها مع إيران في مارس/ آذار 2023، لا تزال تُقيّد هذه العودة وتُبقي عدن خارج معادلة الإعلام الفاعل؟.

وزراء الإعلام في اليمن بين 2011 – 2016

كانت احداث الربيع العربي في العام 2011م، وتظاهرات جماعة الإخوان المسلمين على نظام الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، قد شكلت بداية أزمة حقيقية في اليمن المضطرب منذ فشل مشروع الاتحاد الهش بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وعقب نحو عام من التظاهرات الواسعة في اليمن، أجبرت مبادرة خليجية صممتها المملكة العربية السعودية، على تسليم السلطة من الرئيس صالح إلى نائبه عبدربه منصور هادي، عقب محاولة اغتيال للرئيس اليمني حينها بتفجيرات جامع النهدين بصنعاء، وهي العملية التي أجبرت صالح على تسليم السلطة والتحول الى معارضة لسلطة الإخوان المسلمين، وهو ما دفعه الى التحالف مع الحوثيين الذين كانوا شركاء في التظاهرات ضد النظام حينها.

وخلال فترة الانتفاضة ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح، برز وزير الإعلام حسن أحمد اللوزي، شغل المنصب خلال حكومة علي محمد مجور، وكان من أبرز الشخصيات الإعلامية في عهد الرئيس علي عبد الله صالح، وكان أحد أهم الأصوات المدافعة عن النظام في وجه الانتفاضة التي انتهت بإسقاط نظام علي عبدالله صالح.

وقد أقيل من منصبة في الـ7 من ديسمبر كانون الأول، وخلفه علي حسن العمراني، وهو سياسي يمني مقرب من جماعة الإخوان المسلمين، الذين استولوا على السلطة وقد استمر في منصبه حتى يونيو/ حزيران، 2014م، تولى المنصب في حكومة الوفاق الوطني بقيادة محمد سالم باسندوة، وكان من الشخصيات المثيرة للجدل، ولكنه كان يغض الطرف عن ممارسات الحوثيين وينتقد بشدة الدعوات الجنوبية للاستقلال، معتبرا ان الحراك الجنوبي أشد خطرا على وحدة اليمن من الحوثيين الموالين لإيران.

وخلال فترة من يونيو حزيران 2014، وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني، 2014، تسلم منصب وزير الإعلام نصر طه مصطفى، وهو صحفي وسياسي يمني موال لجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من انه كان في نظام علي عبدالله صالح، وأحد أعمدته الإعلامية كرئيس لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية سبأ، الا انه استقال من منصبه في الوكالة في مارس/آذار 2011 احتجاجًا على أحداث "جمعة الكرامة"؛ وهي مقتل العشرات من المتظاهرين بنيران مسلحين يعتقد انهم موالون للنظام، في حين ان النظام اتهم جماعة الإخوان المسلمين بقتل المتظاهرين لتأليب الشارع ضده.

وفي الـ7 من نوفبر تشرين الثاني 2014م، تسلمت نادية عبد العزيز السقاف، وزارة الإعلام، كأول امرأة تتولى وزارة الإعلام في اليمن، عُرفت بدورها في تغطية الأحداث خلال فترة الأزمة السياسية، واستمرت في منصبها حتى 1 ديسمبر، كانوا الأول 2015مـ.

وعقبه السياسي المؤتمري محمد عبد المجيد قباطي، منذ ذلك التاريخ حتى الـ18 سبتمبر/ آيلول 2016، وقد تم تعيين القباطي في إطار تعديل وزاري أجرته حكومة خالد بحاح، وكان له دور في إعادة هيكلة الإعلام الرسمي خلال فترة النزاع، وكان الوزير الوحيد الذي كانت لديه رغبة في إعادة تلفزيون عدن إلى العاصمة، الا ان تم ازاحته من منصبه بطريقة يصفها مقربون بالمهينة "حيث كان وزير السياحة معمر الارياني يقوم بمهام الوزير في الرياض، ليجد القباطي نفسه خارج الوزارة بطريقة اقصائية، ليصبح وزيرا للإعلام والثقافة والسياحة حكومات متعاقبة منذ الـ18 سبتمبر / أيلول 2016 – مستمر حتى الآن".

وزراء إعلام حكومة الحوثيين (غير المعترف بها)

أما جماعة الحوثيين التي شكّلت حكومة غير معترف بها دوليًا في صنعاء تحت مسمى "حكومة الإنقاذ الوطني"، فقد تناوب على وزارة الإعلام عدد من الشخصيات المحسوبة على الجماعة، في إطار سعي ممنهج للسيطرة على الخطاب الإعلامي وتوجيهه بما يخدم مشروعهم السياسي والأيديولوجي.

كان أول من تولّى هذا المنصب هو أحمد محمد حامد، الذي عُيّن وزيرًا للإعلام في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016. يُعد حامد من الأسماء البارزة في الدائرة الضيقة المحيطة بعبد الملك الحوثي، وقد شغل لاحقًا منصب مدير مكتب رئاسة الجمهورية في صنعاء، مما منحه نفوذًا واسعًا في إدارة وتوجيه المؤسسات الإعلامية.

خلفه في الوزارة عبد السلام جابر، وهو إعلامي جنوبي من محافظة الضالع. تولّى الوزارة لفترة قصيرة خلال عام 2018، قبل أن يُعلن انشقاقه عن الجماعة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته، ويغادر صنعاء باتجاه الرياض. وقد أربك هذا الانشقاق حكومة الحوثيين، خاصة في ظل تصريحاته العلنية المنتقدة لسياساتهم الإعلامية. توفي جابر لاحقًا بعد فترة من مغادرته.

وعقب ذلك، عيّنت الجماعة ضيف الله قاسم الشامي وزيرًا للإعلام، وهو من الشخصيات السياسية والإعلامية الناشطة داخل صفوف الحوثيين. تولّى الشامي مهمة إعادة تشكيل المحتوى الإعلامي الرسمي وفق خطاب تعبوي وتحريضي ذي طابع طائفي، إذ خضعت الوسائل الإعلامية الرسمية بشكل كامل لتوجيهاته، وعُرفت تلك المرحلة بتركيزها على التجييش والدعاية الأيديولوجية.

وفي أغسطس/ آب 2023، تم تعيين هاشم شرف الدين وزيرًا للإعلام. وهو إعلامي محسوب على التيار المتشدد داخل الجماعة، ويمتلك حضورًا واضحًا في صياغة الخطاب الإعلامي، حيث شارك بفعالية في إعداد المواد الموجهة التي تخدم توجهات الحوثيين التعبوية.

قصة سقوط الإعلام الرسمي في صنعاء بيد الحوثيين 

منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014، تعطّلت وسائل الإعلام الرسمية في اليمن. فقد وقعت القنوات الحكومية التي تبث من صنعاء تحت سيطرة جماعة الحوثي، بعد أن اجتاحت الجماعة مبنى التلفزيون اليمني في ذلك اليوم. ولم تكن السيطرة على العاصمة معقّدة أو دامية، بل تمت عبر معركة محدودة في محيط مطار صنعاء، تلاها انهيار سريع لمراكز النفوذ، إذ رضخ الجنرال علي محسن الأحمر، إلى جانب شيوخ قبائل حاشد وبكيل، للحوثيين دون مقاومة تذكر.

أما الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، فقد وجد نفسه محاصرًا بحلول سياسية مفروضة من الخارج، أبرزها "اتفاق السلم والشراكة"، الذي أتاح للحوثيين دخول القصر الرئاسي وإجبار الرئيس على مغادرته، متجهًا إلى عدن.

لكن التحوّل الأعمق جاء في 6 فبراير/شباط 2015، حين أعلن الحوثيون ما سُمّي بـ"الإعلان الدستوري"، منهين بذلك آخر مظاهر الشرعية الدستورية في صنعاء. لم يكن البيان مجرد خطوة سياسية، بل إعلانًا عن مرحلة جديدة من السيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة، بعد أشهر من التمدد العسكري والسياسي المنظّم.

وبعد نحو أسبوعين، نجح هادي في الفرار إلى عدن. وفي المقابل، كثّف الحوثيون سيطرتهم على الإعلام الرسمي، معتبرين ذلك خطوة لإعلان أنفسهم سلطة أمر واقع. هذه السيطرة أثارت مخاوف في الرياض، خاصة مع اقتراب الجماعة المدعومة من إيران من قاعدة العند العسكرية الاستراتيجية جنوبًا.

لم تكن سيطرة الحوثيين على الإعلام مجرّد إجراء سياسي، بل شكّلت بداية لانهيار كامل للمؤسسات الإعلامية الرسمية: من القنوات التلفزيونية إلى الإذاعات، ومن وكالة الأنباء الرسمية إلى الإعلام الرقمي. وعلى الرغم من أن الحكومة الشرعية المدعومة سعوديًا أعادت إطلاق نسخ جديدة من هذه الوسائل من خارج صنعاء، إلا أن الإعلام الرسمي ظل الحلقة الأضعف في مشهد الصراع الممتد لأكثر من ثماني سنوات.

أما القنوات الخاصة، مثل قناة "سهيل" المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين والتي تبث من جدة بتمويل سعودي، فقد تحوّلت بمرور الوقت إلى قناة أقرب للكوميديا منها إلى الجدية في مواجهة المشروع الحوثي. هذا التراخي الإعلامي تفاقم حتى بات الإعلام الرسمي في الخارج حبيس رغبة بعدم التصعيد، على أمل أن تقود الجهود العُمانية إلى تسوية سياسية مرتقبة.

الإعلام في عدن.. أحلام ذابلة ومراوح بلا كهرباء

صباح الأربعاء، 14 مايو/أيار الجاري، كان محرر "اليوم الثامن" في طريقه إلى منزل أحد معاوني وزير الإعلام الأسبق الدكتور محمد عبدالمجيد قباطي، دون أن يصرّح له بطبيعة المهمة. طرق الباب، فاستُقبل بود وأُدخل إلى ديوان بسيط، سرعان ما توجه المضيف إلى مروحة متوقفة في منتصف الغرفة، أعاد تشغيلها بعد توفر تيار كهربائي نادر، كأنما الضيافة باتت تُقاس اليوم في عدن بتوفير "مروحة صغيرة، وقطعة ثلج، وكوب ماء صالح للشرب".

صبّ الماء فوق قطعة الثلج وقدّمه للمحرر بخجل، وكأنه يطلب الانتظار حتى يذوب الثلج ويصير الماء باردًا. وعندما سأله المحرر عن أحواله، أجاب بمرارة:"الوضع لم يعد يُحتمل. نحن عاطلون عن العمل. كنا نظن أن مؤسسات الدولة ستُبعث من جديد كمكافأة للتضحيات والانتصار، لكن ما حدث هو أن عدن واجهت حربًا انتقامية أشد قسوة من تلك التي شنها الحوثيون. أحلام عدن باتت تختصر في شربة ماء باردة".

أرخى جسده المتعب بجانب المحرر، وقال بصوت يغلبه الحنين والغضب:"ظننا أن عدن ستستعيد بريقها الإعلامي، لكن ما جرى هو تجريف شامل للإعلام والإعلاميين. المشكلة لم تبدأ في 2015، بل تعود إلى فجر 7 يوليو 1994، حين اجتاحت قوات الشمال المدينة، ودُمرت مؤسسات الدولة، بما فيها الإعلام. الفرق أن تلك كانت ممارسات احتلال، أما اليوم فالخذلان من (الأشقاء) في المملكة العربية السعودية".

يتابع الرجل شهادته قائلاً:"في 2015، نزل فريق إماراتي إلى عدن بعد أيام من التحرير، وكان جادًا في إعادة تشغيل قناة وإذاعة عدن، لكن تلك الجهود اصطدمت برفض حكومي. والمفارقة أن الوزير قباطي، بينما كان يمارس مهامه، فوجئ بأن الصلاحيات الفعلية انتقلت إلى وزير السياحة معمر الإرياني، في مشهد عبثي. يبدو أن اقتراحًا ما قدَّم الإرياني كخيار بديل، وها هو اليوم يجمع بين ثلاث وزارات: الإعلام، الثقافة، والسياحة، ويرفض تعيين أي نائب أو شريك في إدارة الملفات".

ويختتم حديثه بسخرية مرة:"أن يكون الإرياني وزيرًا للسياحة أيضًا، ولم يُحرّك ساكنًا لإعادة ترميم فندق عدن التاريخي الذي دمرته الغارات السعودية، فذلك يختصر المفارقة المؤلمة: وزير للسياحة لا يملك رؤية، ووزير للإعلام لا يملك مشروعًا، ووزير للثقافة لا يسمع له صوت".

لقاء كشف التحوّل: كيف بدأت السعودية إعادة هندسة الإعلام اليمني الرسمي؟

في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، وبعد شهرين فقط من تعيين معمر الإرياني وزيرًا للإعلام، عُقد لقاء جمعه بالسفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر. ورغم أن التغطية الرسمية للقاء، التي نشرتها وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) من الرياض، جاءت بصيغة عاطفية ركزت على "الشكر الجزيل" للمملكة، إلا أن فحوى اللقاء كشف عن توجهات سعودية تهدف لإعادة رسم ملامح الإعلام الرسمي اليمني، بما يتماشى مع إدارة الملف اليمني بقيادة السفير محمد آل جابر.

منذ ذلك اللقاء، بدأ الخطاب الإعلامي الرسمي يثير جدلًا متناميًا، خاصة في جنوب البلاد. فقد وُجهت انتقادات متكررة للإعلام الرسمي، بسبب ما اعتبر "تحريفًا" للوقائع الميدانية، عبر نسب الانتصارات التي تحققها القوات الجنوبية على الجبهات الحدودية إلى الجيش الوطني اليمني، وهو ما أثار استياءً شعبيًا واسعًا في الجنوب، حيث ترى الجماهير أن تلك الإنجازات تُنسب لغير أصحابها.

أما قناة عدن الرسمية، التي يفترض بها أن تكون صوتًا لعدن، فقد حُصرت تغطياتها في أخبار الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه ووزير الإعلام، إلى جانب تغطيات محدودة لجبهات مأرب وتعز. في المقابل، تجاهلت القناة بدرجة كبيرة القضايا المحلية في عدن، وتبنت خطابًا معارضًا للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أُعلن عن تأسيسه في 11 مايو/أيار 2017، ما فاقم الهوة بين الإعلام الرسمي والجمهور الجنوبي.

إعلام رسمي مناهض للجنوب وسط تعثّر الإصلاحات الحكومية

على مدى تسعة أعوام، انحاز الإعلام الرسمي اليمني، وحتى بعض الوسائل المساندة له، إلى خطاب مناهض للمجلس الانتقالي الجنوبي، متهماً إياه بعرقلة معركة تحرير صنعاء من جماعة الحوثيين. وتحديدًا خلال الفترة ما بين 2019 و2021، لعب هذا الإعلام دورًا تحريضيًا واضحًا ضد المجلس الانتقالي، متهمًا إياه بالسعي إلى تحقيق مشروع الانفصال على حساب ما وُصف بـ"المعركة الوطنية"، رغم أن الحرب دخلت منذ 2018 في حالة من الهدوء بفعل هدنة غير معلنة.

في هذا السياق، سعت المملكة العربية السعودية إلى تطبيع الأوضاع في عدن عبر عدة مبادرات، أبرزها اتفاق الرياض بنسختيه (2019 و2020)، ومشاورات الرياض اليمنية-اليمنية في 2022، إلا أن ملف الإعلام بقي بعيدًا عن الترتيبات التنفيذية، وسط مخاوف سعودية معلنة من أن تقع مؤسسات الإعلام الرسمي تحت هيمنة المجلس الانتقالي الجنوبي.

ورغم التوقعات بإجراء إصلاحات حكومية عقب مشاورات الرياض، أُعيد تعيين معمر الإرياني وزيرًا لثلاث وزارات محورية هي الإعلام والثقافة والسياحة، دون أن يحقق الإعلام الرسمي أي حضور فاعل داخل عدن أو المناطق المحررة. فقد ظل الوزير مقيمًا في الرياض، يبحث عن دعم مالي وتشغيلي لإعلام غائب ميدانيًا.

وتشير مصادر في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى أن قيادة المجلس، الشريك في مجلس القيادة الرئاسي، قدمت مقترحات لتعيين نائب وزير للإعلام يكون متواجدًا في عدن، وطرحت اسم الإعلامي سعيد بكران لشغل المنصب. غير أن الوزير الإرياني رفض تعيين أي نائب يدير الوزارة في غيابه، ما فُهم بأنه رغبة في الإبقاء على مركزية القرار بعيدًا عن عدن، وتحت إشراف مباشر من الرياض.

تشير مصادر إعلامية إلى أن ترشيح الإعلامي سعيد بكران لمنصب نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة، جاء ضمن محاولة لتحقيق قدر من الإنصاف لحضرموت وإشراكها في صناعة القرار داخل وزارة الإعلام. غير أن موقفًا إقليميًا – يُعتقد أنه سعودي – حال دون صدور القرار، ما يعكس وجود رغبة في إبقاء القرار الإعلامي مركزيًا ومحصورًا ضمن دائرة ضيقة.

ويُعد وزير الإعلام معمر الإرياني من بين أكثر الوزراء اليمنيين قربًا من السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، ويحظى بدعمه المطلق، الأمر الذي يجعل الحديث عن أي تعديل هيكلي في الوزارة أو تعيين نائب له، أمرًا في حكم المستبعد. إذ ترى بعض المصادر أن تمكين شخصية جنوبية من تولي منصب نائب الوزير قد يعطل أجندة إعلامية مرسومة سلفًا، خصوصًا وأن تصعيد الخطاب الإعلامي تجاه جماعة الحوثيين لا يحظى بقبول لدى الرعاة الإقليميين، رغم أن الوزير نفسه كثيرًا ما يتحدث عن "فظائع الحوثيين ضد المدنيين".

وبحسب مصادر خاصة تحدثت لـ"اليوم الثامن"، فإن قرار تعيين بكران لا يزال مؤجلاً، رغم كونه مطلبًا جنوبيًا لضمان تمثيل فعلي في وزارة تمثل واحدة من أدوات الشراكة في السلطة. وتشير هذه المصادر إلى أن استمرار تأجيل القرار يكشف خللاً في مفهوم الشراكة داخل مجلس القيادة الرئاسي، ويثير تساؤلات حول جدية الرعاة في تمكين الجنوبيين من أدوات الدولة.

وفي حال تم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في اليمن تفضي إلى شراكة "نصف بنصف" مع جماعة الحوثي، فإن القوى اليمنية التقليدية مثل حزب المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح والمقاومة الوطنية قد تجد نفسها شريكة باسم الجنوب، ما قد يؤدي إلى تقليص أكبر لنفوذ الجنوبيين، خاصة مع دعم الرياض لكيانات محلية في حضرموت مثل المجلس الوطني الحضرمي وحلف قبائل حضرموت، ما يعكس توجّهًا لترسيخ تمثيلات جهوية بديلة على حساب التمثيل الجنوبي الموحد.

- توصيات لتعزيز الثقة الجنوبية في الدور السعودي كراعٍ للتسوية السياسية في اليمن

1- وقف الإقصاء الإعلامي وإعادة التوازن في التمثيل السيادي:  إنّ أولى خطوات استعادة الثقة الجنوبية تتمثل في وقف سياسة التهميش، وفتح المجال أمام قيادات جنوبية مؤهلة لتولي مناصب سيادية، وعلى رأسها وزارة الإعلام، بما يعكس التضحيات التي قدمها الجنوب في مواجهة الحوثيين والجماعات المتطرفة.

   ينبغي على الرياض، كراعٍ رئيسي للتسوية، أن تدفع نحو تعديل حكومي يعزز من حضور الجنوب في إدارة الدولة، كمدخل عملي لترميم الثقة داخل مجلس القيادة الرئاسي.

2- مغادرة نهج "هندسة الحكومات من الشمال":   إنّ فرض حكومات محمولة سياسيًا من الشمال على مدن جنوبية محررة، يُعد تجاهلًا لحقائق الميدان، ويعمّق من فجوة الثقة، بل ويفتح الباب لانقسامات تهدد الجبهة المناهضة للحوثيين، الجنوب لا يمكن أن يُدار بعقلية "الوصاية السياسية" دون أن يُنتج ذلك ارتدادًا خطيرًا على أي مسار تفاوضي.

3- تفكيك مخاوف ما بعد ترسيم الحدود من خلال شراكة متكافئة:  يدرك الجنوبيون أن مخاوف السعودية من فتح ملف الحدود ليست وهمًا، لكن الاستجابة لها يجب أن تمر عبر شراكة سياسية حقيقية، لا عبر التهميش.

   إنّ الجنوب، الذي حافظ على الشراكة مع الرياض منذ بداية الحرب، يطالب بضمانات تُثبت أن التزامات المملكة لا تتعارض مع تطلعاته المشروعة، ولا تختزل القضية الجنوبية في زاوية أمنية.

4- تحرير الإعلام الرسمي من منطق الولاء السياسي:  يجب أن تعود مؤسسات الإعلام الرسمي إلى العاصمة عدن، ولكن لا بوصفها "قنوات سلطوية" بل بوصفها أدوات تعكس تنوع الهوية الوطنية.

   إدارة هذه المؤسسات من الداخل الجنوبي – وليس من فنادق الرياض – هي ركيزة حيوية لإنهاء خطابات الإقصاء، وخلق بيئة إعلامية حاضنة لأي مشروع سلام شامل.

5- إعادة هيكلة القرار السياسي على قاعدة التوازن الجنوبي-الشمالي:  من غير المقبول استمرار احتكار القرار اليمني من قبل نخبة شمالية مقيمة في الخارج، فيما الجنوب المحرر يتم التعامل معه كملحق جغرافي أو كيان يمكن الالتفاف عليه،  إنّ تعقّد الوضع في الشمال، وبقاء صنعاء في قبضة الحوثيين، يفرض على السعودية دعم ترتيبات جديدة تُبنى على قاعدة "توازن حقيقي في صناعة القرار"، تضمن تمثيلًا عادلًا للجنوب كفاعل سياسي وأمني.

6- فرض ضمانات شراكة متوازنة ضمن شروط الرعاية الإقليمية:  على الرياض – بوصفها راعيًا أساسيًا للتسوية – أن تربط دعمها السياسي والاقتصادي للحكومة اليمنية بضمانات واضحة تضمن شراكة عادلة للجنوب، ليس كـ"إقليم تابع"، بل كقوة محررة تملك مشروعها وإرادتها،  إن تجاهل هذا الواقع يُضعف من صدقية المملكة كوسيط، ويفتح المجال لتفسيرات تُقدّمها كطرف منحاز ضد تطلعات شعب الجنوب.

7 - الجنوب ليس الحلقة الأضعف.. بل محور المعادلة: الاستمرار في التعامل مع الجنوب بوصفه الطرف القابل للتطويع أو الاستبعاد، يُعد خطأً استراتيجيًا، لا يُضعف الجنوب بقدر ما يُضعف المراهن على تجاوزه،  فقد أثبت الجنوب أنه يمتلك القوة على الأرض، والشرعية الشعبية، والقدرة التنظيمية، ما يجعله شريكًا لا يمكن القفز عليه في أي معادلة سياسية قادمة.

ترامب والسعودية يطالبان بوقف إطلاق النار في غزة وسط قصف إسرائيلي


ترامب في السعودية: استثمارات تاريخية وتحول في سياسة الشرق الأوسط


الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن سوريا: خطوة نحو إعادة الإعمار والاستقرار


الكونغرس الأمريكي يصوت لصالح دعم الديمقراطية في إيران وإدانة قمع الملالي