تحليلات

الهجرة غير الشرعية..

الهجرة غير الشرعية إلى اليمن وتداعياتها على مستقبل البلاد.. تحليل

مواطنون في أبين ينتظرون نقل مساعدات اغاثية قدمتها منظمات دولية - مراسل اليوم الثامن

الملخص: تتناول هذه الورقة ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى اليمن، وهي تحدٍ عالمي يتفاقم في سياق الدول الهشة مثل اليمن، الذي يعاني من حرب مستمرة منذ عام 2015، ضعف مؤسسي، وتدهور إنساني. رغم هذه التحديات، يبقى اليمن وجهة ومعبرًا رئيسيًا للمهاجرين غير النظاميين، خاصة من القرن الإفريقي، بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي عبر باب المندب، ضعف الرقابة الحدودية، وتفكك الأجهزة الأمنية.

وتهدف إلى تحليل واقع الهجرة غير الشرعية، استكشاف أبعادها الأمنية، الاقتصادية، والاجتماعية، وتقييم تأثيرها على استقرار اليمن، مع تقديم توصيات عملية للحد من تداعياتها.

من الناحية النظرية، تُعرف الهجرة غير الشرعية بانتقال الأفراد عبر الحدود دون الامتثال للقوانين، وتشمل أنماطًا مثل التسلل، البقاء بعد انتهاء التأشيرات، أو العمل غير المرخص.

وتُفسر النظريات، مثل نظرية الدفع والجذب، هذه الظاهرة بدوافع مثل الفقر والصراعات في بلدان المصدر، وجاذبية اليمن كمعبر إلى دول الخليج.

قانونيًا، تعاني اليمن من ضعف تطبيق الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية اللاجئين لعام 1951، بسبب الحرب والانقسام السياسي.

من الناحية الأمنية، تشكل الهجرة غير الشرعية تهديدًا للأمن القومي نتيجة الحدود المفتوحة، ضعف الرقابة، وارتباط الظاهرة بالجريمة المنظمة، مثل تهريب الأسلحة والمخدرات. يتعرض المهاجرون للاستغلال القسري في النزاعات أو الأعمال الشاقة، بينما تزيد الاحتكاكات في الأحياء الشعبية من التوترات المجتمعية. اقتصاديًا، تضع الهجرة ضغطًا كبيرًا على الخدمات العامة مثل الصحة، المياه، والتعليم، وتؤدي إلى منافسة غير عادلة في سوق العمل، مما يزيد من انتشار الاقتصاد غير الرسمي ويستنزف الموارد المحدودة.

 اجتماعيًا، تتسبب التدفقات المهاجرة في اختلالات ديموغرافية، احتكاكات ثقافية، وانتشار مظاهر الفقر، التسول، والاستغلال، خاصة للنساء والأطفال، في ظل غياب سياسات دمج فعالة.

جهود الحكومة اليمنية، التي كانت محدودة قبل الحرب، تراجعت بشكل كبير بعد 2015 بسبب تفكك المؤسسات وتعدد السلطات.

وتعتمد الاستجابة بشكل رئيسي على المنظمات الدولية، مثل المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين، التي تقدم مساعدات غذائية، صحية، وبرامج إعادة طوعية، لكن هذه التدخلات تظل غير كافية بسبب نقص التمويل وضعف التنسيق.

وتُظهر الورقة أن استمرار الهجرة غير المنظمة يهدد مستقبل اليمن أمنيًا، اقتصاديًا، واجتماعيًا، وقد يؤدي إلى تفاقم التفكك المحلي أو تدخلات خارجية إذا لم تُعالج.

وتوصي بصياغة استراتيجية وطنية شاملة لإدارة الهجرة، تشمل تسجيل المهاجرين، تعزيز الرقابة الحدودية، ومحاربة شبكات التهريب بالتعاون مع المجتمع الدولي.

 وتدعو إلى زيادة الدعم الدولي لمراكز الإيواء وبرامج العودة الطوعية، وإنشاء مشاريع تنموية في بلدان المصدر للحد من دوافع الهجرة.

 

المقدمة

تُعد الهجرة غير الشرعية واحدة من أبرز التحديات العالمية التي تتقاطع مع قضايا الأمن القومي، الاقتصاد، والتماسك الاجتماعي في العصر الحديث.

 وتكتسب هذه الظاهرة أهمية خاصة في الدول الهشة مثل اليمن، حيث تتفاقم آثارها بفعل الصراعات المسلحة المستمرة منذ 2015، وانهيار البنية التحتية المؤسسية، وضعف القدرات الحكومية.

يشكل اليمن، رغم ظروفه الإنسانية والأمنية المتدهورة، نقطة عبور واستقرار غير شرعي لآلاف المهاجرين، خاصة من القرن الإفريقي، الذين يسعون إلى ملاذ آمن أو فرص اقتصادية عبر مسارات محفوفة بالمخاطر.

 هذا التدفق البشري المستمر يطرح تساؤلات ملحة حول قدرة دولة منهكة على استيعاب هذه الضغوط، وتداعياتها على استقرارها ومستقبلها.

 

 

الإطار النظري والمفاهيم

 

تُعرف الهجرة غير الشرعية، أو غير النظامية، بأنها انتقال الأفراد عبر الحدود الدولية دون الالتزام بالإجراءات القانونية للدخول أو الإقامة في الدولة المضيفة. وتشمل هذه الظاهرة حالات التسلل عبر الحدود البرية أو البحرية، أو البقاء في الدولة بعد انتهاء صلاحية التأشيرة، أو الانخراط في أنشطة غير مصرح بها مثل العمل دون تصريح قانوني. يبرز هذا المفهوم كإطار مركزي لفهم التحديات التي تواجه الدول الهشة مثل اليمن، حيث يتفاقم تأثير الهجرة غير الشرعية نتيجة ضعف الحوكمة، الصراعات المسلحة، وتدهور البنية التحتية المؤسسية، مما يجعل إدارة هذه الظاهرة تحديًا معقدًا.

أشكال الهجرة غير الشرعية بناءً على دوافعها وسياقاتها فمن جهة، هناك الهجرة القسرية الناتجة عن النزاعات المسلحة، الاضطهاد السياسي أو الديني، والكوارث الطبيعية، حيث يبحث اللاجئون عن ملاذ آمن. ومن جهة أخرى، تبرز الهجرة الاقتصادية كدافع رئيسي، حيث يسعى الأفراد إلى تحسين ظروف معيشتهم أو الحصول على فرص عمل، وهي السمة الأكثر شيوعًا بين المهاجرين إلى اليمن.

 كما تشمل الهجرة غير الشرعية حالات التهريب والاتجار بالبشر، حيث يقع المهاجرون ضحايا لشبكات إجرامية منظمة تستغلهم اقتصاديًا أو جنسيًا. وأخيرًا، تظهر الهجرة العائلية غير النظامية، الناتجة عن محاولات لم شمل الأسر أو الزواج العرفي بطرق غير قانونية، مما يعكس تنوع الدوافع والتحديات المرتبطة بهذه الظاهرة.

 

لفهم الهجرة غير الشرعية بدقة، يجب التفريق بينها وبين مفاهيم متعلقة. فالهجرة الشرعية تشير إلى تنقل الأفراد وفقًا للقوانين المعمول بها في الدولة المضيفة، بينما تتميز الهجرة غير الشرعية بعدم الامتثال لشروط الدخول أو الإقامة. أما اللجوء السياسي، فيُمنح للأفراد الفارين من الاضطهاد في بلدانهم، وفقًا لاتفاقيات دولية مثل اتفاقية اللاجئين لعام 1951. وفي سياق آخر، يُعرف النازح الداخلي بأنه الشخص الذي يترك مكان إقامته داخل بلده دون عبور الحدود الدولية. هذه الفروقات تُبرز تعقيدات إدارة الهجرة في دولة مثل اليمن، حيث تتداخل هذه المفاهيم في ظل النزاعات والتحديات الإنسانية.

تسعى النظريات الحديثة إلى تفسير دوافع الهجرة غير الشرعية من زوايا متعددة. تنطلق نظرية الدفع والجذب من فكرة أن عوامل الطرد، مثل الفقر، الحروب، البطالة، والاضطهاد، تدفع الأفراد لمغادرة بلدانهم، بينما تجذبهم عوامل مثل فرص العمل، الأمان، التعليم، والخدمات الصحية في بلدان الوجهة. وفي سياق اليمن، تُعد هذه النظرية ذات صلة وثيقة، حيث يدفع الفقر والصراعات في القرن الإفريقي المهاجرين نحو اليمن كبوابة عبور محتملة. أما نظرية الشبكات الاجتماعية، فتركز على دور الأقارب والأصدقاء في بلد الوجهة في تيسير الهجرة من خلال توفير الدعم الاجتماعي والمعلومات. من جهة أخرى، ترى نظرية الهجرة العالمية الحديثة أن الهجرة تنتج عن التفاوتات العالمية في التنمية وتكامل الأسواق، مما يجعل اليمن وجهة بسبب قربه الجغرافي وانخفاض تكلفة الوصول إليه. وأخيرًا، تؤكد نظرية العالم الثالث والاختراق الاقتصادي أن الهجرة من الدول النامية إلى دول أضعف مجاورة، مثل اليمن، تحدث نتيجة التدخلات الاقتصادية والسياسية الخارجية التي أضعفت البنية المحلية، مما يعزز من هشاشة الدولة المضيفة.

على المستوى الدولي، تُنظم الهجرة غير الشرعية مجموعة من الاتفاقيات، مثل الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990، واتفاقية اللاجئين لعام 1951، إلى جانب بروتوكولات الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين. غير أن اليمن، رغم توقيعه على بعض هذه الاتفاقيات، يعاني من تحديات كبيرة في تطبيقها بسبب ضعف التنفيذ، غياب رؤية موحدة بين السلطات، والتأثيرات المباشرة للحرب والانقسام السياسي. على المستوى الوطني، توجد قوانين لتنظيم دخول الأجانب، لكنها تظل محدودة الفعالية في ظل الفراغ الأمني والمؤسسي، مما يجعل اليمن بيئة مواتية لانتشار الهجرة غير الشرعية وشبكات التهريب.

واقع الهجرة غير الشرعية إلى اليمن – المسارات والخصائص

 

على الرغم من الأزمات المتواصلة في اليمن منذ عام 2015، تظل البلاد وجهة ومعبرًا رئيسيًا للمهاجرين غير الشرعيين، خاصة من دول القرن الإفريقي مثل إثيوبيا، الصومال، إريتريا، وجيبوتي. يعود ذلك إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي القريب من أفريقيا عبر باب المندب وخليج عدن، إلى جانب ضعف الرقابة البحرية والبرية الناتج عن الحرب. كما يسهم تفكك الأجهزة الأمنية وغياب سلطة الدولة في العديد من المناطق في جعل اليمن بوابة عبور سهلة نحو دول الخليج، خصوصًا المملكة العربية السعودية.

هذا الواقع يعكس التحديات المركبة التي تواجه دولة منهكة في إدارة تدفقات بشرية غير متوقعة.

تتمحور مسارات الهجرة غير الشرعية إلى اليمن حول ثلاثة محاور رئيسية. المسار الأول هو البحري الشرقي، الذي يبدأ من جيبوتي عبر باب المندب إلى محافظتي لحج وعدن.

يُعتبر هذا المسار الأكثر نشاطًا، حيث يعتمد المهاجرون، خاصة الإثيوبيون والصوماليون، على قوارب بدائية يديرها مهربون، مما يعرضهم لمخاطر الغرق والاستغلال. أما المسار الثاني، وهو البحري الجنوبي، فيمتد من الصومال إلى سواحل أبين، شبوة، وحضرموت. ورغم أنه أقل كثافة، إلا أنه يتسم بخطورة أكبر بسبب حالات الغرق المتكررة والعنف الممارس من قبل المهربين. وأخيرًا، يبرز المسار البري الذي يبدأ من المناطق الساحلية نحو الشمال، مرورًا بمأرب وصعدة، وصولًا إلى الحدود السعودية. يواجه المهاجرون في هذا المسار مخاطر الاختطاف، العمل القسري، والاستغلال الجنسي، مما يعكس الطبيعة الإجرامية لشبكات التهريب.

تتميز التركيبة الديموغرافية للمهاجرين غير الشرعيين إلى اليمن بتنوع محدد. فمن حيث الجنسية، يشكل الإثيوبيون أكثر من 85% من المهاجرين، بينما تتوزع النسبة المتبقية بين الصوماليين، الإريتريين، ومواطني جيبوتي. ومن حيث الفئة العمرية، يتركز المهاجرون في الفئة الشابة (15-35 عامًا)، مع وجود عدد متزايد من القاصرين غير المصحوبين بذويهم، مما يزيد من تعرضهم للاستغلال. أما من حيث الجنس، فتميل الغالبية إلى الذكور، لكن النسبة المتزايدة من النساء والفتيات تعكس تحديات إضافية، خاصة مخاطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

تتعدد دوافع الهجرة غير الشرعية إلى اليمن على مستويين. على مستوى بلدان المصدر، يدفع الفقر، البطالة، الصراعات العرقية والدينية، والجفاف المهاجرين للبحث عن بديل. كما تساهم قناعة كاذبة بأن اليمن بوابة عبور سهلة إلى دول الخليج في زيادة التدفقات. أما على مستوى اليمن، فيسهم ضعف الرقابة البحرية والبرية، وجود شبكات تهريب متجذرة، والفراغ الأمني في جذب المهاجرين. إضافة إلى ذلك، يعزز طلب العمالة الرخيصة في الزراعة والبناء من جاذبية اليمن كوجهة، رغم هشاشة اقتصادها.

تتولى شبكات تهريب منظمة إدارة عمليات نقل المهاجرين مقابل مبالغ مالية، مستخدمة قوارب غير مجهزة تزيد من مخاطر الرحلة. كما تمارس هذه الشبكات أعمال الابتزاز واحتجاز المهاجرين كرهائن للحصول على فدية. في بعض الحالات، ترتبط هذه الشبكات بجماعات مسلحة تستخدم المهاجرين في أعمال قسرية، مما يعزز من تعقيدات الأزمة الإنسانية والأمنية في اليمن، يعيش المهاجرون غير الشرعيين في اليمن ظروفًا إنسانية مأساوية، حيث يفتقر معظمهم إلى المأوى والرعاية الصحية.

 ويتعرض الكثيرون للابتزاز، الاستغلال الجنسي (خاصة النساء والفتيات)، والعمل القسري في قطاعات الزراعة والبناء. تقدم المنظمات الدولية، مثل المنظمة الدولية للهجرة، مساعدات محدودة لا تلبي حجم الاحتياجات، مما يعكس الفجوة الكبيرة في الاستجابة الإنسانية.

وساهمت الحرب المستمرة في اليمن منذ عام 2015 في تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية. فقد أدى ضعف سلطة الدولة وتفكك أجهزتها الأمنية إلى تقليص الرقابة على الحدود، مما سهل عمليات التهريب.

 كما استفادت بعض الميليشيات المسلحة من هذه الظاهرة عبر فرض رسوم على المهربين أو استخدام المهاجرين في أعمال قسرية مثل حفر الخنادق أو القتال. هذا الانفلات الأمني جعل اليمن بيئة مواتية لتوسع شبكات التهريب، مما زاد من تعقيد الأزمات.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن اليمن يستقبل سنويًا ما بين 70,000 إلى 100,000 مهاجر غير شرعي، مع وجود أكثر من 200,000 مهاجر عالقين داخل البلاد دون القدرة على المغادرة. وتتركز هذه التدفقات في محافظات عدن، لحج، أبين، مأرب، الحديدة، وصعدة، مما يعكس الضغط الكبير على هذه المناطق.

وتكشف هذه المعطيات أن اليمن لم يعد مجرد محطة عبور، بل تحول إلى بلد استقرار إجباري لمئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين، نتيجة تعقيدات الحرب والانهيار المؤسسي. هذا الواقع يطرح تحديات جسيمة أمام الحكومة والمجتمع الدولي، مما يستدعي استراتيجيات شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية وتداعيات هذه الظاهرة.

 

 

الأبعاد الأمنية للهجرة غير الشرعية إلى اليمن

 

تُشكل الهجرة غير الشرعية تحديًا أمنيًا معقدًا في اليمن، حيث تتداخل العوامل الداخلية، مثل ضعف المؤسسات واستمرار الحرب، مع العوامل الخارجية، مثل تدفق المهاجرين من القرن الإفريقي. يدخل المهاجرون غير النظاميين البلاد في ظل غياب أجهزة رقابة فعالة، ويستقرون في مناطق خارجة عن سيطرة الدولة، مما يخلق بيئة مواتية لتفاقم التهديدات الأمنية. تتراوح هذه التهديدات بين الجريمة المنظمة، العنف، وصولاً إلى مخاطر التطرف، مما يجعل الهجرة غير الشرعية قضية ذات أولوية في سياق الأمن القومي اليمني.

تُعد السواحل اليمنية الطويلة، التي تمتد لأكثر من 2200 كيلومتر، نقطة ضعف استراتيجية تسهل التسلل غير القانوني. تتم معظم عمليات التهريب دون رصد فعال، مما يفتح المجال لنقل الأشخاص، الأسلحة، والمخدرات، وهو ما يعزز من هشاشة الأمن القومي. إضافة إلى ذلك، يعاني اليمن من ضعف الرقابة البحرية والبرية، حيث تفتقر قوات خفر السواحل إلى الإمكانيات اللوجستية والتجهيزات الضرورية، بينما يعيق انعدام التنسيق بين السلطات في الشمال والجنوب جهود الضبط الأمني. هذا الواقع يجعل الحدود اليمنية بوابة مفتوحة للتهديدات المتعددة.

وترتبط الهجرة غير الشرعية ارتباطًا وثيقًا بالجريمة المنظمة، حيث تدير شبكات تهريب دولية عمليات نقل المهاجرين من إفريقيا إلى اليمن مقابل مبالغ مالية باهظة. يتعرض المهاجرون خلال هذه العمليات للاحتجاز، التعذيب، والابتزاز بهدف الحصول على فدية، خاصة في مناطق مثل لحج، شبوة، مأرب، وصعدة، حيث تنشط عصابات الاتجار بالبشر. هذه الشبكات لا تقتصر على استغلال المهاجرين، بل تمتد إلى تعزيز اقتصاد غير مشروع يؤثر سلبًا على استقرار المناطق المحلية.

في مناطق النزاع، يُجبر المهاجرون، بما في ذلك القاصرون، على الانخراط في أعمال قسرية مثل القتال أو حفر الخنادق، خاصة من قبل جماعات مسلحة مثل الحوثيين أو شبكات أخرى. أما في المناطق المستقرة نسبيًا، فيُجبر العديد من المهاجرين على العمل في الزراعة والبناء دون أجر أو بعقود وهمية، بينما تواجه النساء والفتيات استغلالاً في الدعارة المنظمة أو العمل المنزلي القسري. هذه الممارسات تعكس استغلالًا ممنهجًا يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية والأمنية.

ويؤدي تركز أعداد المهاجرين في الأحياء الشعبية إلى احتكاكات اجتماعية وثقافية تثير توترات محلية، وقد تتطور إلى عنف مجتمعي. كما يسهم نمو شبكات غير رسمية تسيطر على بعض الأحياء في تفاقم ظواهر مثل السرقة، البلطجة، وبيع المخدرات، مما يهدد الاستقرار المحلي ويعزز من انعدام الأمن في المناطق المتأثرة.

وقبل اندلاع الحرب في 2015، كانت الأجهزة الأمنية اليمنية تمارس رقابة محدودة على المنافذ البحرية والبرية، مع تنفيذ حملات ترحيل بالتعاون مع المنظمات الدولية. لكن بعد الحرب، تفككت المؤسسة الأمنية، وتعددت السلطات المتصارعة، مما أتاح للمهاجرين وشبكات التهريب حرية حركة نسبية. هذا التفكك أدى إلى تراجع قدرة الدولة على إدارة الأزمة، مما زاد من تعقيدات الوضع الأمني.

ورغم عدم وجود دلائل قاطعة على تورط المهاجرين مباشرة في أعمال إرهابية، تثير الهجرة غير الشرعية مخاوف من تسلل متطرفين ضمن موجات المهاجرين، أو استغلال بعضهم من قبل جماعات مثل داعش أو القاعدة. كما تسهم المناطق الخارجة عن السيطرة في توفير بيئة مواتية لإيواء أو تدريب المتطرفين، مما يشكل تهديدًا طويل الأمد للأمن القومي.

 

وثقت تقارير حقوقية حالات تعذيب وابتزاز ضد المهاجرين في مناطق التهريب، خاصة في مأرب، حيث سجلت منظمات إنسانية انتهاكات جسيمة بحق المهاجرين العالقين. كما تم رصد حالات لمهاجرين يحملون أسلحة أثناء محاولاتهم العبور إلى السعودية، مما يبرز العلاقة بين الهجرة غير الشرعية والتهديدات الأمنية.

وتتعدد التحديات الأمنية المرتبطة بالهجرة غير الشرعية، حيث يعيق الانقسام السياسي وتعدد مراكز القرار التنسيق بين الجهات الأمنية.

كما تعاني الأجهزة الأمنية من نقص الموارد اللوجستية اللازمة لرصد السواحل ومراقبة الطرق. إضافة إلى ذلك، يسهم الفساد، من خلال تورط بعض الأفراد في تسهيل التهريب مقابل مكاسب مالية، في تعقيد جهود المكافحة. وفي ظل غياب استراتيجية وطنية موحدة، تظل الاستجابة الأمنية عشوائية وغير فعالة.

وتُظهر المؤشرات أن الهجرة غير الشرعية تحولت إلى تهديد حقيقي للأمن القومي والمحلي في اليمن، مدفوعة بضعف مؤسسات الدولة وتوسع شبكات الجريمة المنظمة. يتطلب التصدي لهذه الظاهرة نهجًا أمنيًا متكاملاً يوازن بين الحلول الأمنية والإنسانية، لضمان استعادة السيطرة على الحدود وتقليل التهديدات المرتبطة.

 

الأبعاد الاقتصادية للهجرة غير الشرعية إلى اليمن

 

وتُشكل الهجرة غير الشرعية عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على اليمن، حيث تتفاقم آثارها في ظل الاقتصاد الهش الذي يعاني من تداعيات الحرب المستمرة. رغم أن المهاجرين غير النظاميين لا يشكلون أغلبية سكانية، إلا أن تركزهم في مناطق معينة، وغياب تنظيم قانوني لوضعهم، يضع ضغوطًا متزايدة على الخدمات العامة وسوق العمل، مما يؤثر على فرص التنمية المحلية.

ويزيد تدفق المهاجرين من الطلب على الخدمات الصحية، خاصة في المناطق الساحلية والحدودية، حيث ظهرت حالات وبائية مثل الحصبة، الكوليرا، والملاريا، نتيجة انتقال الأمراض عبر بعض المهاجرين. يفاقم غياب التأمين الصحي لهؤلاء المهاجرين العبء على المؤسسات الصحية اليمنية، التي تعاني أصلًا من نقص الموارد. كما يؤدي الاستهلاك العشوائي للمياه وخدمات الصرف الصحي في مناطق مكتظة بالمهاجرين إلى تدهور بيئي، خاصة في المخيمات العشوائية. في المجال التعليمي، تحاول بعض الأسر المهاجرة إدخال أطفالها إلى المدارس المحلية، مما يزيد الضغط على الموارد التعليمية المحدودة ويؤدي إلى تراجع جودة التعليم.

 

ويتركز عمل المهاجرين غير النظاميين في قطاعات مثل الزراعة، البناء، الصيد، وخدمات النقل والتنظيف، حيث ينافسون العمالة اليمنية الضعيفة اقتصاديًا بسبب استعدادهم للعمل بأجور زهيدة. هذه المنافسة تؤدي إلى خفض الأجور بشكل عام وزيادة استغلال العمال. كما يسهم انتشار سوق العمل غير الرسمي، الذي يعتمد على المهاجرين دون تراخيص أو عقود، في إضعاف القطاع الرسمي، وتفشي التهرب الضريبي، وتدهور ظروف العمل.

 

وتتحمل الدولة تكاليف باهظة نتيجة الهجرة غير الشرعية، تشمل توفير الأدوية وموازنات الطوارئ لمواجهة الأمراض، إلى جانب نفقات ضبط التهريب، الترحيل، وإيواء المهاجرين. كما يؤدي تآكل شبكات المياه والصرف الصحي في مناطق استقبال المهاجرين إلى استنزاف البنية التحتية. إضافة إلى ذلك، يعتمد اليمن بشكل مفرط على المساعدات الخارجية بدلاً من الاستثمار في التنمية، مما يحد من قدرته على بناء اقتصاد مستدام.

ورغم الأعباء، يساهم بعض المهاجرين في تحريك قطاعات اقتصادية محلية، خاصة في الأعمال الزراعية والموسمية التي يتجنبها اليمنيون. كما يعتمد بعض التجار وأرباب العمل على المهاجرين كيد عاملة رخيصة. ومع ذلك، فإن هذه المساهمات محدودة ولا تعوض الآثار الاقتصادية السلبية الأوسع التي تفرضها الهجرة غير الشرعية.

وتتحمل المنظمات الدولية، مثل المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، جزءًا من تكاليف رعاية وإيواء المهاجرين، لكن هذه المساعدات تظل غير كافية ولا تغطي سوى نسبة ضئيلة من الاحتياجات. في المقابل، تعاني الحكومة اليمنية من نقص الموارد اللازمة لإدارة الأزمة بشكل مستقل، مما يعزز من الاعتماد على الدعم الخارجي.

ويُجبر بعض المهاجرين على الانخراط في أنشطة غير مشروعة مثل التسول، تهريب القات أو الديزل، والدعارة، مما يغذي الاقتصاد غير الرسمي ويعزز الفساد المحلي. كما تستفيد بعض الجماعات المسلحة من الهجرة من خلال فرض جبايات أو تشغيل المهاجرين بأجور متدنية أو دون أجر، مما يزيد من تعقيدات الأزمة الاقتصادية.

وتتضرر القرى والمناطق الريفية من التوسع السكاني غير المخطط له، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد المحدودة مثل المياه والأراضي الزراعية، وتدهور الخدمات الأساسية. هذا الوضع يقلل من مستوى التنمية المحلية ويزيد من التوترات المجتمعية بين السكان المحليين والمهاجرين.

وتعاني الدولة اليمنية من غياب سياسات اقتصادية واضحة لتنظيم العمالة المهاجرة أو تقنين وضعهم القانوني، مما يؤدي إلى تعامل عشوائي وطارئ مع الظاهرة. كما أن عدم وجود استراتيجيات للاستفادة من طاقات المهاجرين بطريقة منتجة يحد من الفرص الاقتصادية المحتملة ويزيد من الأعباء.

وتُظهر المعطيات أن الهجرة غير الشرعية تمثل تحديًا اقتصاديًا كبيرًا لليمن، حيث تفرض ضغوطًا على الخدمات العامة، سوق العمل، وفرص التنمية. وفي ظل غياب سياسات منظمة، تتفاقم الآثار السلبية، مما يستدعي استراتيجيات اقتصادية شاملة لتقليل الأعباء وتعزيز الاستفادة من المهاجرين كقوة اقتصادية محتملة.

 

 

الأبعاد الاجتماعية والثقافية للهجرة غير الشرعية إلى اليمن

 

تمتد آثار الهجرة غير الشرعية إلى ما هو أبعد من الأبعاد الأمنية والاقتصادية، لتشمل النسيج الاجتماعي والثقافي في اليمن. يظهر تأثير هذه الظاهرة بوضوح في المحافظات التي تستقبل تدفقات كبيرة من المهاجرين، مثل عدن، مأرب، لحج، وشبوة. في ظل غياب سياسات وطنية لتنظيم وجود المهاجرين أو دمجهم، تتفاقم التحديات الاجتماعية والثقافية، مما يهدد التماسك المجتمعي ويؤثر على الهوية المحلية.

ويؤدي تركز المهاجرين غير النظاميين في مدن مثل عدن ومأرب إلى اختلال في التركيبة السكانية المحلية، حيث يخلق التوسع السكاني المفاجئ ضغطًا ديموغرافيًا غير منظم. يزيد هذا الوضع من الطلب على السكن، ويؤدي إلى التزاحم في الأحياء الشعبية، مما يعطل توازن المجتمع المحلي ويثير توترات بين السكان والمهاجرين.

وينتمي معظم المهاجرين إلى ثقافات مختلفة من حيث اللغة، الدين، والعادات، مما يصعب التواصل مع السكان المحليين ويؤدي إلى حالات رفض اجتماعي أو تحفظ تجاههم.

وتظهر هذه الاحتكاكات في سلوكيات غير مألوفة للمجتمع المحلي، مما يثير توترات مجتمعية في بعض المناطق، خاصة في ظل غياب برامج دمج فعالة.

ويعيش معظم المهاجرين في مساكن عشوائية، مخيمات غير رسمية، أو أحياء شعبية مكتظة، مما يؤدي إلى تدهور الخدمات الأساسية في هذه المناطق. ينتج عن هذا الوضع نمو مظاهر الفقر المدقع، وارتفاع معدلات التسول والبطالة، مما يزيد من التحديات الاجتماعية التي تواجه المجتمعات المستقبلة.

وتشير تقارير ميدانية إلى ظهور مشكلات اجتماعية مرتبطة بالمهاجرين، مثل التسول المنظم، خاصة بين النساء والأطفال، إلى جانب التحرش الجنسي، العنف المنزلي، والعمالة القسرية للأطفال. كما يُرصد بيع الخدمات الجسدية في بعض المناطق، مما يعكس تفاقم الأزمة الاجتماعية الناتجة عن الهجرة غير المنظمة.

ويُنظر إلى المهاجرين أحيانًا كغرباء أو عبء على المجتمع، مما يؤدي إلى عزلتهم الاجتماعية وصعوبة اندماجهم في الحياة العامة. يسهم هذا الوضع في نمو مشاعر الكراهية أو العنصرية في بعض الأوساط، مما يعيق أي فرص للتعايش المشترك.

 

وتواجه النساء المهاجرات تحديات مضاعفة، تشمل التعرض للاستغلال الجنسي، العمل المنزلي الشاق، وغياب الحماية القانونية. أما الأطفال المهاجرون، فيتعرضون للاستغلال في العمل أو التسول، ويحرمون من التعليم والرعاية الصحية، مع مخاطر العنف النفسي والجسدي، مما يفاقم معاناتهم الإنسانية.

 

ويعاني اليمن من غياب حملات تثقيفية لتوعية المجتمع المحلي بكيفية التعامل مع المهاجرين، أو برامج موجهة للمهاجرين لفهم قوانين البلد، خصوصيات الثقافة المحلية، وسبل الاندماج الإيجابي. هذا النقص يزيد من الفجوة بين المهاجرين والمجتمع المحلي، ويعيق بناء علاقات تعاونية.

لا تمتلك الدولة اليمنية سياسات واضحة لدمج المهاجرين في النسيج الاجتماعي، أو لمعالجة النزاعات الاجتماعية والقضايا الثقافية الناتجة عن الهجرة. كما تفتقر إلى جهات متخصصة للتعامل مع قضايا الهوية والانتماء، مما يعزز من الفوضى الاجتماعية الناتجة عن التدفقات المهاجرة.

 

وتُبرز الورقة أن الهجرة غير الشرعية تترك آثارًا اجتماعية وثقافية خطيرة في اليمن، تتمثل في خلخلة التوازن الاجتماعي، تفاقم الاحتكاكات الثقافية، وانتشار الفقر والتمييز. في ظل غياب سياسات دمج فعالة وتدخلات محدودة من المنظمات المختصة، تتطلب هذه التحديات استجابة عاجلة للحد من تداعياتها وضمان التماسك المجتمعي.

 

 

جهود الدولة والمنظمات الدولية في التعامل مع الهجرة غير الشرعية إلى اليمن

 

مع تصاعد أعداد المهاجرين غير النظاميين إلى اليمن، ظهرت محاولات محدودة من الحكومة اليمنية والمنظمات الدولية للتعامل مع هذه الظاهرة. ومع ذلك، تظل هذه الجهود مبعثرة وغير كافية نتيجة استمرار الحرب، ضعف مؤسسات الدولة، والضغوط الاقتصادية والإنسانية، مما يعيق تحقيق استجابة فعالة للأزمة.

قبل اندلاع الحرب في 2015، كانت الحكومة اليمنية تشرف على نقاط مراقبة حدودية ومراكز احتجاز مؤقتة للمهاجرين، مع تنظيم حملات إعادة طوعية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، خاصة للمهاجرين الإثيوبيين والصوماليين. كما حاولت الحكومة تقنين وجود المهاجرين من خلال تسجيل مؤقت وحملات ضبط وترحيل، بالتنسيق مع السفارات والمنظمات الدولية. ومع ذلك، كانت هذه الجهود محدودة بسبب ضعف الموارد والتنسيق.

منذ 2015، تراجعت قدرات الدولة بشكل كبير نتيجة تفكك المؤسسات الأمنية والإدارية، تعدد السلطات بين الشمال والجنوب، وانهيار البنية التحتية لمراكز الإيواء والمراقبة. تشمل الجهود الرسمية المحدودة دعم مراكز استقبال في عدن، لحج، ومأرب بالتعاون مع المنظمات الدولية، إلى جانب تصاريح للترحيل الطوعي عبر ميناء عدن أو مطار صنعاء عند توفر التمويل.

كما حاولت بعض المحافظات ضبط المهربين ومراكز الإيواء غير الرسمية، لكن هذه الجهود تعتمد بشكل كبير على المنظمات الدولية وتفتقر إلى التمويل والسياسات المتكاملة.

تُعد المنظمة الدولية للهجرة الفاعل الأبرز في إدارة ملف المهاجرين في اليمن، حيث تقدم مساعدات غذائية ودوائية، خدمات إيواء ورعاية، وبرامج إعادة طوعية إلى بلدان المصدر. تدير المنظمة مراكز استقبال مؤقتة في عدن، مأرب، لحج، والحديدة. من جهة أخرى، تركز مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على المهاجرين المؤهلين للحصول على صفة اللاجئ، مقدمة خدمات التسجيل، الحماية القانونية، والدعم النفسي والاجتماعي. كما تقدم منظمات مثل الصليب الأحمر وأطباء بلا حدود دعمًا إنسانيًا محدودًا في المجالات الصحية والغذائية، لكن هذه التدخلات لا تلبي حجم الاحتياجات.

تواجه جهود إدارة الهجرة غير الشرعية تحديات متعددة، تشمل ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، وتداخل الصلاحيات بسبب الانقسام السياسي وتعدد السلطات المحلية. كما يعيق نقص التمويل تنفيذ خطط طويلة الأمد، بينما يؤثر ضعف البنية التحتية في مراكز الإيواء على جودة الخدمات. إضافة إلى ذلك، يشكل الفساد والابتزاز عائقًا أمام وصول المساعدات إلى المستحقين.

 

نتيجة لهذه التحديات، يستمر تكدس المهاجرين في مناطق غير آمنة، مما يفاقم معاناة النساء والأطفال المهاجرين. كما يظل التهريب والاتجار بالبشر دون رادع فعال، في ظل غياب قاعدة بيانات وطنية دقيقة حول أعداد المهاجرين وخصائصهم، مما يعيق صياغة سياسات فعالة.

تتطلب إدارة الهجرة غير الشرعية وضع سياسة وطنية شاملة تشمل إحصاء وتسجيل المهاجرين، تنظيم وضعهم القانوني وفق القوانين الدولية، ومراقبة الحدود بالتعاون مع المجتمع الدولي. كما يجب تعزيز التنسيق بين الحكومة والمنظمات الإنسانية، والتعاون مع دول المصدر مثل إثيوبيا والصومال لمعالجة الدوافع الجذرية للهجرة.

تشير التجارب الإقليمية، مثل جيبوتي والسودان، إلى إمكانية تطوير سياسات لإدارة الهجرة حتى في ظل الموارد المحدودة. فعلى سبيل المثال، بدأ السودان تطبيق نظام تسجيل للمهاجرين بالتعاون مع الأمم المتحدة، مما يشير إلى إمكانية تطبيق نماذج مماثلة في اليمن إذا توفرت الإرادة السياسية والدعم الدولي.

وتظهر الجهود الحالية للحكومة والمنظمات الدولية في التعامل مع الهجرة غير الشرعية محدودية كبيرة، مما يستدعي إطارًا وطنيًا موحدًا مدعومًا بالتعاون الدولي. في ظل تصاعد الظاهرة، تبرز الحاجة الملحة لسياسات منسقة تستند إلى إرادة سياسية قوية لمواجهة هذا التحدي.

 

 

أثر الهجرة غير الشرعية على مستقبل اليمن

لم تعد الهجرة غير الشرعية إلى اليمن ظاهرة مؤقتة، بل تحولت إلى تحد استراتيجي يهدد مستقبل البلاد على المستويات الأمنية، الاقتصادية، والاجتماعية. في ظل هشاشة الدولة، الانقسام السياسي، وضعف المؤسسات، تتعمق آثار هذه الظاهرة، مما يعيق فرص التعافي وإعادة البناء بعد الحرب.

يؤدي استمرار تدفق المهاجرين دون تنظيم إلى تعميق فقدان الدولة لسيطرتها على حدودها ومنافذها، مما يزيد من احتمالية تجنيد المهاجرين في النزاعات المسلحة أو تحول بعض المناطق إلى بؤر للجريمة والتطرف. إذا لم تُعالج هذه الظاهرة، قد تُستخدم الهجرة كورقة ضغط إقليمي أو دولي، مما يهدد الأمن القومي اليمني على المدى الطويل.

تتفاقم الضغوط على الخدمات الأساسية المحدودة نتيجة الهجرة غير الشرعية، مما يوسع الاقتصاد غير الرسمي ويزيد من التهرب الضريبي. كما تؤدي المنافسة بين المهاجرين والعمال المحليين إلى انخفاض الأجور وارتفاع معدلات البطالة، مع تحويل الموارد والمساعدات الدولية من التنمية إلى الإغاثة الطارئة، مما يعيق بناء اقتصاد مستدام.

تهدد الهجرة غير الشرعية التماسك الاجتماعي من خلال الاحتكاك الثقافي والاختلالات السكانية في بعض المناطق، مما قد يؤدي إلى نشوء مجتمعات مهاجرين منعزلة ثقافيًا واجتماعيًا. كما يزيد ضعف التوعية والدمج من مظاهر التمييز والكراهية، مما يعيق التعايش المشترك ويثير توترات مجتمعية.

تستنزف الهجرة غير الشرعية قدرات الأجهزة الأمنية، الصحية، والخدمية، إلى جانب الموارد الشحيحة للدولة. كما أن الاعتماد المستمر على المنظمات الدولية لإدارة ملف الهجرة يضعف سيادة الدولة وقدرتها على صياغة سياسات مستقلة، مما يعيق بناء مؤسسات قوية.

في حال إهمال هذه الظاهرة، قد يتفاقم التدهور الأمني نتيجة انتشار التهريب، التجنيد، والعنف. كما قد تؤدي الأزمة السكانية الناتجة عن الضغط على المدن والموارد إلى انهيار محلي في بعض المناطق الهشة. إضافة إلى ذلك، قد تتيح التدخلات الخارجية بذريعة إدارة ملف المهاجرين فرصة لتآكل السيادة الوطنية.

يبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الهجرة غير الشرعية في اليمن. في السيناريو الأول، السيطرة والتنظيم، يمكن لسياسة وطنية مدعومة دوليًا وتحسن أمني واقتصادي تدريجي أن يقلل الأعباء ويحول المهاجرين إلى قوة منتجة منظمة. أما السيناريو الثاني، استمرار الوضع الحالي، فيعني غياب السياسات وزيادة التدفقات، مما يؤدي إلى تفكك محلي وتآكل البنية الاجتماعية والاقتصادية. وفي السيناريو الثالث، الانفجار، قد يؤدي ازدياد موجات الهجرة دون رادع، مع تفاقم الأزمات المعيشية والتدخلات الخارجية، إلى انهيار اجتماعي وتفشي العنف والنزوح الداخلي.

رغم أن الهجرة غير الشرعية تمثل تحديًا وجوديًا، فإن تنظيمها قد يوفر فرصًا للاستفادة من طاقات المهاجرين في قطاعات الإنتاج، وإعادة بناء سياسات شاملة للهجرة والتنمية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمعالجة الظاهرة من جذورها.

يمثل استمرار الهجرة غير الشرعية خطرًا بالغًا على مستقبل اليمن أمنيًا، اقتصاديًا، واجتماعيًا، في ظل غياب التنظيم والاستجابة الاستراتيجية. دون حلول واقعية تبدأ فورًا، قد تواجه البلاد موجات معقدة من الانهيارات المحلية المرتبطة بهذه الظاهرة.

 

التوصيات والمقترحات

تتطلب إدارة الهجرة غير الشرعية إعداد استراتيجية وطنية شاملة تتناول الجوانب الأمنية، الاقتصادية، الاجتماعية، والقانونية، مع خطة عمل لتسجيل وتنظيم وجود المهاجرين. يجب تعزيز الرقابة على الحدود والمنافذ البحرية من خلال إعادة تفعيل خفر السواحل وتزويده بالتجهيزات الضرورية، وإنشاء نقاط مراقبة في المناطق الساحلية المفتوحة مثل لحج، أبين، وشبوة. كما ينبغي محاربة شبكات التهريب والاتجار بالبشر عبر التنسيق بين الجهات الأمنية، إصدار قوانين رادعة، والتعاون مع الإنتربول والمنظمات الدولية. إضافة إلى ذلك، يتعين إنشاء قاعدة بيانات وطنية لتسجيل المهاجرين وتحركاتهم، مع ربط البيانات بين الجهات المعنية مثل وزارات الداخلية، الصحة، والتخطيط. وأخيرًا، يجب تعزيز دور الإعلام في نشر حملات توعية حول الآثار السلبية للهجرة غير الشرعية، من خلال برامج إذاعية وتلفزيونية بالتعاون مع المنظمات.

تتطلب إدارة الأزمة زيادة الدعم المالي واللوجستي للمراكز الإنسانية في محافظات مثل مأرب، عدن، لحج، والحديدة، مع التركيز على برامج العودة الطوعية الآمنة والكريمة بالتنسيق مع بلدان المصدر مثل إثيوبيا والصومال، وتقديم حوافز مالية أو دعم بعد العودة. كما ينبغي إنشاء مشاريع تنموية في بلدان المصدر للحد من دوافع الهجرة، مثل دعم المشاريع التشغيلية في الريف الإثيوبي والصومالي، وتقديم منح دراسية وتدريبية للمراهقين المعرضين للهجرة القسرية. إضافة إلى ذلك، يجب مراقبة أوضاع المهاجرين داخل اليمن، والضغط على الجهات المسيطرة لمنع استخدامهم في النزاعات أو الأعمال القسرية، مع توثيق الانتهاكات وتقديم الدعم القانوني للضحايا.

يجب إشراك المجتمع المحلي في إدارة الظاهرة من خلال دعم المبادرات المجتمعية لرعاية المهاجرين أو ضبط أوضاعهم، وتنظيم دور اللجان القبلية والمحلية في التصدي للتهريب. كما ينبغي تعزيز ثقافة التسامح والاندماج المؤقت من خلال نشر الوعي المجتمعي لمنع وصم المهاجرين، وتشجيع التكافل الإنساني ضمن حدود القانون. إضافة إلى ذلك، يتعين مراقبة سوق العمل المحلي لمنع استغلال المهاجرين في أعمال غير قانونية، وتطبيق القوانين على أصحاب العمل المخالفين.

تتطلب معالجة الهجرة غير الشرعية صياغة سياسة وطنية شاملة، تعزيز الرقابة على المنافذ، ومحاربة شبكات الاتجار بالبشر، إلى جانب تطوير التعاون الإقليمي مع دول القرن الإفريقي لمعالجة الدوافع الجذرية للهجرة.

يجب تشجيع الدراسات الميدانية حول الهجرة غير الشرعية، خاصة في المحافظات ذات الكثافة المهاجرة، مع دعم الجامعات والمراكز البحثية لإنتاج أوراق سياسات واضحة. كما ينبغي فتح حوار وطني حول سياسة الهجرة بمشاركة الحكومة، الأكاديميين، المنظمات، والقطاع الخاص، لصياغة استراتيجيات مستدامة.

 



 

·      

· المصادر والمراجع

·       أولاً: الكتب والدراسات الأكاديمية

·       عبد السلام، علي (2019). الهجرة غير الشرعية والأمن القومي العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.

·       هلال، أحمد (2016). الهجرة غير الشرعية وأثرها على الدول المستقبلة: دراسة مقارنة. القاهرة: دار الفكر العربي.

·       الجعدي، هدى (2021). أثر الهجرة غير الشرعية على الأمن في اليمن. رسالة ماجستير، جامعة عدن.

·       مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية (2022). ديناميكيات الهجرة عبر البحر الأحمر: اليمن كنقطة عبور. صنعاء.

 

·       ثانياً: التقارير الدولية

 

·       المنظمة الدولية للهجرة (IOM). تقرير نظرة عامة على الهجرة في اليمن (2018-2024). جنيف.

·       مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR). تقارير رصد الحماية في اليمن والهجرة المختلطة في اليمن وقرن إفريقيا. جنيف.

·       أطباء بلا حدود (MSF) (2023). الوصول إلى الرعاية الصحية للمهاجرين في اليمن. جنيف.

·       مركز الهجرة المختلطة (MMC). تحديثات ربع سنوية عن الهجرة المختلطة: اليمن وقرن إفريقيا (2021-2024). جنيف.

 

·       ثالثاً: القوانين والتشريعات اليمنية

 

·       قانون تنظيم دخول وإقامة الأجانب في الجمهورية اليمنية (1991). صنعاء: وزارة الداخلية.

·       مشروع قانون مكافحة الاتجار بالبشر (2014). صنعاء: وزارة حقوق الإنسان اليمنية.

·       اللوائح الأمنية البحرية اليمنية (2012). صنعاء: وزارة الداخلية.

 

·       رابعاً: المقالات والتحليلات الصحفية

 

·       العربي الجديد. تحقيقات حول المهاجرين الإثيوبيين في اليمن.

·       موقع ReliefWeb. تحديثات المساعدات الإنسانية وحالة المهاجرين في اليمن.

·       الجزيرة نت. تقارير عن شبكات التهريب وظروف المهاجرين في مأرب وعدن.

·       بي بي سي عربي. ملفات إنسانية عن أوضاع اللاجئين والمهاجرين في اليمن.

·       مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات. سلسلة تقارير وتحليلات حول الهجرة غير الشرعية من إثيوبيا إلى عدن: رحلة بحث عن الأمان أم تهديد للاستقرار؟. عدن.

 

·       خامساً: البيانات والإحصائيات الميدانية

 

·       قاعدة بيانات IOM Flow Monitoring. رصد أعداد الوافدين والمغادرين من اليمن (2018-2024). جنيف.

·       مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان (HRITC). تقارير توثيق الانتهاكات بحق المهاجرين في صعدة ومأرب. اليمن.

·       البنك الدولي (2020-2023). تقديرات تأثير الهجرة على الدول منخفضة الدخل. واشنطن.

 

·       سادساً: المصادر الشرعية والقانونية الدولية

 

·       اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين (1951). جنيف: الأمم المتحدة.

·       البروتوكول الخاص بالاتجار بالأشخاص، خاصة النساء والأطفال (بروتوكول باليرمو، 2000). نيويورك: الأمم المتحدة.

·       المواثيق العربية والإفريقية بشأن حقوق المهاجرين واللاجئين. الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي.

 

·       سابعاً: الدراسات السابقة

 

·       المنظمة الدولية للهجرة (IOM) (2018-2024). تقارير حول استقبال اليمن لما يقارب 90 ألف مهاجر سنويًا في فترات معينة رغم الحرب. جنيف.

·       مركز صنعاء للدراسات (2020). دراسة تربط بين الهجرة غير الشرعية وازدياد النشاط الإجرامي في المناطق الجنوبية. صنعاء.

·       دراسات عربية. تركز معظمها على بلدان الاستقبال الغنية، بينما اليمن قلما حظي بدراسات متخصصة

بعثة الأمم المتحدة في الحديدة تستمر لستة أشهر رغم وصفها بـ"الشكلية"


صحف فرنسية: برلمانيون يدعون لحلول جذرية تجاه إيران بعيداً عن الحرب والمساومة


كيف ساهمت بطولة الرئيس الكوري في تأهل العراق إلى مونديال 1986؟


صوت الخبز أعلى من الرصاص.. هل يسقط النظام الإيراني من الداخل؟