تطورات اقليمية
أربع أزمات كبرى تهز النظام الإيراني..
تصدعات النظام الإيراني تكشف هشاشة الداخل وفشل الأذرع الخارجية
الشارع الإيراني يتجاوز المطالب المعيشية إلى الهتاف بسقوط خامنئي
شهد الداخل الإيراني تصاعدًا خطيرًا في مؤشرات الأزمة السياسية والاجتماعية، مع بروز انقسامات حادة بين قيادات النظام وتزايد معاناة المواطنين. تشير التقارير الدولية إلى زيادة غير مسبوقة في أعداد الإعدامات وتنفيذها علنًا، الأمر الذي يعكس رغبة النظام في بث الرعب. فقد وثقت صحفٌ غربية تنفيذ إيران حوالي 1000 إعدامٍ خلال عام 2024، شملت بالغين وفتية. ونفّذ النظام خلال أسابيع تمهيدية عدة إعدامات علنية بالساحة العامة، حيث ظهر في تقارير حقوقية أنه تم إعدام رجلين شنقًا خلال عطلة واحدة فقط من شهر يوليو 2025. وسعت هذه الإجراءات إلى ترسيخ هيمنة القمع المستمرّة على المجتمع.
في تطورٍ رمزي، أقرّت سلطات طهران رسميًا بتجريف مقبرة “القطعة 41” في “بهشت زهرا” — التي تضمّ رفات آلاف السجناء السياسيين المُعدمين في الثمانينيات — وتحويلها إلى موقف للسيارات. وقد وصف نائب رئيس بلدية طهران هذا التحويل بأنه قرارٌ جاء لعدم الحاجة إلى تلك المقابر المهملة. ويرى المراقبون أن هذه الخطوة تمثل سعيًا صريحًا من النظام لإزالة آثار جرائمه الفظيعة ومحو ذاكرة الضحايا. فقد أكد خبراء أنه «منذ سنوات، تقوم السلطات بحملات للتنكيل بمقابر المعتقلين المعدومين، بما يخشى النظام أن يشكّل أي شاهد قبر منها تهديدًا لوجوده».
الشارع الإيراني: من المطالب المعيشية إلى الهتاف ضد النظام
على الأرض، لم تعد المطالب الاقتصادية وحدها مجدية في ظل تردّي الوضع المعيشي. فقد امتدت احتجاجات غاضبة في عدة مدن على خلفية انقطاع المياه والكهرباء، وارتفاع التضخّم وتراجع القدرة الشرائية. وسرعان ما انقلبت هذه الاحتجاجات السلمية إلى شعارات سياسية مباشرة، نادى بها المتظاهرون رفضًا للقيادة السياسية. وثّقت وسائل إعلام عالمية رفع شعارات مثل «الموت للديكتاتور» و«الموت لخامنئي»، إضافة إلى هتافات تندد بسياسات التصدير الخارجي للصراع على حساب شعب إيران. فقد سجلت احتجاجات 2021 في الشمال الإيراني هتافات من هذا النوع، مثل “لا لغزة، لا للبنان” و«الموت للديكتاتور»، مما يبرهن على تزايد رفض الشارع لمحاولات النظام تصدير أزماته إلى الخارج.
إن هذه المطالب الجديدة في الشارع تجسّد تحولًا نوعيًا: شعبٌ لا يقبل بعد اليوم بأن تُستمر المعادلة القديمة بتوجيه غضبه نحو قضايا خارجية، ويطالب باستثمار الموارد الوطنية لحل مشكلاته الداخلية. ويقول محللون إن انضمام شعارات مثل «روحی فداء لإيران» إلى النداء الشعبي يُظهر تماسكًا وطنيًا متناميًا ضد الاستبداد، وهو مؤشر على استعداد المجتمعات المحلية لرفع سقف مطالبها السياسية.
أيلول: شهر العقوبات والضغوط الدولية
يربط الخبراء بين التطورات الداخلية وإطار الضغط الدولي المتزايد على طهران. فمن المتوقع أن تشهد الأشهر المقبلة إعادة تفعيل آلية “السناب باك” للعقوبات الأممية وفق الاتفاق النووي القديم، ما يعني إعادة فرض عقوبات شاملة على الاقتصاد الإيراني. وذكرت صحيفة الغارديان أن الدول الغربية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) هددت بدعم إعادة تفعيل العقوبات قبل انتهاء مهلة الاتفاق في منتصف أكتوبر 2025. ويُرجّح أن تُتخذ هذه الخطوة في سبتمبر 2025 بالتزامن مع انتهاء رئاسة روسيا لمجلس الأمن، مما يجعل سبتمبر شهرًا حاسمًا: إما أن يُصمد النظام في سياساته القمعية واستمر العقوبات، أو يواجه انفجارًا غير مسبوق داخل البلاد.
بين الإصلاح المفقود والمقاومة المنظمة
تتفق غالبية التقييمات على أن الانقسامات في صفوف الحكم لا تشير إلى استعداد لإصلاح فعلي، بل تعكس هشاشة متزايدة. فخامنئي لم يعد قادرًا على السيطرة الكاملة على مفاصل السلطة، كما أقرَّ الرئيس الإيراني الجديد بمشكلات شاملة في إدارة البلاد. وفي غياب بديل سياسي داخل النظام، ترى بعض التحليلات أن التنظيمات المعارضة المعارضة كالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق هي الخيار الوحيد المُنَظَّم لإحداث التغيير. وترى دوائر مراقبة أن النظام يخشى بشدة أي اتساع لوعي الشعب تجاه تاريخ القمع، حيث «تفيد التقارير بأن النظام يخشى من أن يؤدي كشف جرائمه التاريخية إلى دعم متزايد للمقاومة المنظمة».
أربع أزمات كبرى تعصف بالنظام
يواجه النظام في إيران اليوم أربع أزمات متزامنة تزيد من هشاشته وتضعه في مواجهة شعبه:
خطر الحرب: تستمر الحرب في الأفق كتهديد دائم. فقد أكد مسؤولون كبار في الحرس الثوري أن إيران تعيش «في حالة حرب» مع القوى المعادية، مشيرين إلى استعدادهم لمواجهة أي عدوان.
هاجس العقوبات الدولية: مع اقتراب مواعيد إعادة فرض العقوبات الأممية، يترقب النظام عقوبات جديدة قد تخنق اقتصادًا منهارًا. وتشير تقديرات دولية إلى أن العقوبات المُحتملة ستُعاد تفعيلها في أكتوبر 2025 إذا لم تستجب طهران لمطالب الغرب.
الأزمات الاجتماعية: الانقطاعات المتكررة للمياه والكهرباء، إضافة إلى تضخمٍ حاد وانكماش اقتصادي، تُفاقم الغضب الشعبي. ففي يوليو 2025 حذّر الرئيس الإيراني من أن السحب المفرط للمياه قد يؤدي إلى «أزمة حادة» مع حلول سبتمبر، ونفذت الحكومة إجراءات طارئة مثل إغلاق مكاتب عامة للتعامل مع موجة قيظ وانقطاع للكهرباء.
الانقسامات الداخلية: تستمر الصراعات بين أجنحة النظام (الإصلاحيين والمحافظين) بشكل علني على النفوذ والقرارات، مما يقوّض القدرة على اتخاذ أي إجراءات فعّالة. وقد وصف محللون هذا الوضع بأنه «صراع ذئاب في العلن» يعكس فقدان النظام لوحدته الداخلية.
هذه الأزمات المتفاعلة تضع النظام في حالة شلل وظروف طاردة للسلطة، وتزيد من زخم المطالب الشعبية بالتغيير الجذري.
رسالة إلى الرأي العام العربي
اختتمت فعاليات اللقاء بتأكيد رسالة هامة: أن المعركة الأساسية ليست في ساحات بيروت أو بغداد، بل في قلب طهران نفسها. ودعا المتحدثون الإعلاميين العرب إلى تكثيف تغطيتهم لما يجري داخل إيران، بهدف كشف جرائم النظام وتوضيح مدى الاستعداد الشعبي للتغيير. وأشاروا إلى أن على النخب الفكرية ووسائل الإعلام العربية كسر جدار الصمت وبث صوت الشعب الإيراني وقضيته، ليس فقط لفضح القمع، بل لإيصال بُعد المعركة الوطنية داخل إيران إلى الجمهور العربي.
يرسم المشهد الراهن لإيران صورة نظامٍ مأزوم داخليًا، يزداد قمعه وشحنه بالتهديدات دون حلول اقتصادية واجتماعية. وبينما يقف النظام على «حافة الهاوية» وفقًا لما ورد في التحليلات، يظهر الشعب الإيراني أكثر تصميمًا على التغيير والإصلاح. وفي ظل تكثف المظالم اليومية وتوسع دائرة الاحتجاجات، باتت بدائل تُمثّل صوت الشعب المنظم (كما عبر عنها متحدثو اللقاء) تنال اهتمامًا متزايدًا، فيما يتجه الرأي العام نحو إدراك أن إيران تشهد تحوّلًا تاريخيًّا قد يؤدي إلى سقوط النظام القائم.