تطورات اقليمية
كارثة طبيعية غير مسبوقة في دارفور..
انهيار أرضي يبتلع قرية بأكملها في جبل مرة: أكثر من ألف قتيل وناجٍ واحد فقط
انهيار أرضي يطمر قرية كاملة في دارفور
وقع مساء الأحد 31 أغسطس 2025 انهيار أرضي ضخم في قرية ترسين الجبلية، شرقي جبل مرة بإقليم دارفور في غرب السودان. نتيجة الأمطار الغزيرة التي هطلت في أواخر أغسطس، جرفت السيول والانهيارات الجبلية كل ما في القرية من مساكن ومحاصيل، مطمرة بأكثر من ألف نسمة دفعة واحدة. ولم ينجُ من هذه الفاجعة سوى رجل واحد، ليصبح الشاهد الوحيد على مأساتهم
.
خسائر القرية فادحة: تدمير كامل للمنازل والبنى التحتية وغمر الأرض بالطمي والوحل، وتحول منطقة القرية إلى ما يشبه مقبرة جماعية. يقدر بيان حركة تحرير السودان (التي تسيطر على المنطقة) أن جميع سكان القرية –أكثر من ألف شخص– لقوا مصرعهم دفعة واحدة وأن القرية سويت بالأرض بالكامل. سبّب انهيار التربة هذا دماراً مفجعاً في منازل القرية ومزارعها، واستنجدت الحركة بالإغاثة الدولية لاستخراج الجثامين من تحت الأنقاض.
تظهر في الصورة أعلاه آثار الدمار بعد الانهيار، حيث غمر الوحل بقايا المنازل وشبّك أشجاراً مقطوعة تحت وطأة السيول، وتحولت القرية إلى مساحة مسطحة مغمورة بالمياه. المشهد يؤكد وصف المصادر للقرية بأنها مطمة تماماً بالأرض ودُفنت تحتها جميع المنازل والسكان.
الاستجابة الأولية والدعوات للمساعدة
أصدرت قيادة حركة تحرير السودان (المناوئة لحكومة الخرطوم) بياناً مفاده أن الانزلاق نجم عن الأمطار الغزيرة خلال الأسبوع الأخير من أغسطس، وأن المعلومات الأولية تفيد بمصرع كل سكان القرية. وحذّرت الحركة من تكرار الكارثة في القرى المجاورة إذا استمرت السيول، مؤكدة ضرورة إجلاء السكان وتوفير ملاجئ طارئة. ودعت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العالمية إلى الإسراع بعمليات انتشال الجثث وتقديم الإغاثة للمتضررين. من جهته، أبلغ المنسق الإنساني للأمم المتحدة في السودان أنّ المصادر المحلية تشير إلى مقتل ما بين 300 و1000 شخص، وأن الأمم المتحدة تعمل على دعم المجتمعات المتضررة.
ردود الفعل الدولية والإقليمية
أعربت مؤسسات دولية وإقليمية وعربية عن تعازيها واستنكارها للفاجعة. ففي الخرطوم أبدى المجلس العسكري الانتقالي تأييده الكامل لتقديم كل الدعم الممكن للمتضررين. كما دان رئيس حكومة نيالا الموالية لقوات الدعم السريع الحدث ووصفه بأنه لحظة إنسانية تتطلب تجنّب الانقسامات السياسية وحتَّى العسكرية. وفي القاهرة، أعلن المتحدث باسم الخارجية المصرية تضامن مصر الكامل مع السودان، معرباً عن خالص تعازيها لضحايا الانهيار ومواساتها لأسرهم.
على الصعيد الإقليمي، حثّ الاتحاد الإفريقي الأطراف السودانية على «إسكات الأسلحة» وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى ضحايا الكارثة. وأكّد رئيس مفوضية الاتحاد «التضامن الثابت» مع الضحايا داعياً الأطراف كافة للاتحاد في وجه الأزمة. من جهته، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن «حزنه العميق» للكارثة، فيما دعا الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إلى وحدة الصف للسودان في مواجهة المآسي الإنسانية المتفاقمة.
السياق السياسي والإنساني
تأتي هذه الكارثة في ظل نزاع مسلح دامٍ منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما غرق البلاد في «أسوأ أزمة إنسانية في العالم الحديث». الحرب قد أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 14 مليون شخص داخلياً وخارجياً. وانقسم السودان عملياً بين مناطق نفوذ: فالجيش يسيطر على معظم الشمال والشرق، بينما أصبحت دارفور خاضعة عملياً لسيطرة قوات الدعم السريع. والجدير بالذكر أنّ محافظة الفاشر –عاصمة شمال دارفور– تحاصرها قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام، مما أجبر مئات الآلاف على النزوح إلى المناطق المجاورة، ولا سيّما إلى الجبال وغربي دارفور. وقد سيطرت حركة تحرير السودان ذات النفوذ في جبال مرة على جزء كبير من المنطقة لكنها التزمت الحياد نسبياً عن القتال الدائر.
في هذا الإطار، تتفاقم الأزمة الإنسانية: أعلنت الأمم المتحدة حدوث مجاعة في مناطق متعددة من دارفور بسبب الحصار ونقص الغذاء، خصوصاً مع قدوم موسم الحصاد الصعب في ظل الحرب. وقد أظهرت تقديرات أممية حديثة أن 4 ملايين من سكان الخرطوم فرّوا خارج البلاد، وعشرات الآلاف قتلوا بسبب الاقتتال الداخلي والجوع. كما شهدت دارفور في السنوات الأخيرة انهيارات أرضية مشابهة؛ ففي 2018 أودى انزلاق تربة في جبل مرة بحياة ما لا يقل عن 20 شخصاً. لكن ما حدث في قرية ترسين يعد من أخطر الكوارث الطبيعية في تاريخ السودان الحديث بعدما أودى بأكثر من ألف نفس دفعة واحدة.
التحديات أمام الإغاثة
تعرقل المعارك المستمرة والحالة الجبلية وصول فرق الإغاثة إلى المناطق النائية، بما في ذلك موقع كارثة ترسين. فالحرب الدائرة أعاقت دخول المساعدات الدولية وسيّرت السلاح إلى جوانب البلاد، في حين أدّى هطول الأمطار الموسمية إلى تحويل الطرق الجبلية إلى طرقات غير سالكة تقريباً. ويضاف إلى ذلك عدم استقرار الوضع الأمني وندرة الخدمات الأساسية، ما يزيد من هشاشة البنى التحتية في جبل مرة. كل هذه العوامل تجعل جهود الإنقاذ واستعادة الجثث بطيئةً للغاية ومعقدةً في آنٍ واحد. يُذكر أن فرق محلية تمكنت حتى الآن من انتشال نحو 90 جثة فقط باستخدام معدات بسيطة، بينما يظل المئات تحت الأنقاض ينتظرون دفنهم.
الدعوات والاستنتاج
تجدد الأحداث الأخيرة مناشدات المنظمات الإنسانية لوضع حد فوري للقتال وتمكين إيصال المساعدات الطارئة. وحثت دول ومنظمات عدة أطراف النزاع على إسكات الأسلحة ووضع الخلافات جانباً في مواجهة هذه الكارثة الطارئة. وفي الوقت نفسه، تواصل السلطات السودانية –من كل الفصائل– عرض تضامنها مع الضحايا وتعهداتها بتقديم المساعدات اللازمة. وتتطلب تلك المأساة التضامنَ الإنساني الدولي لإغاثة السكان الجبلية المحاصرين، فكلّما طالت الأزمة وصعب الوصول، ازداد حجم المعاناة الإنسانية.