تطورات اقليمية

هيكلية أمن خليجية جماعية..

الإمارات تستبعد المشاركة في قوة غزة وتدعو إلى حل سياسي شامل

الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات

أبوظبي

في كلمته الرئيسية بملتقى أبوظبي الاستراتيجي الحادي عشر (الأول من نوعه بعد التغييرات العالمية الجيواستراتيجية الأخيرة)، أكد الدكتور أنور قرقاش مستشار الرئيس الإماراتي أن «الإمارات لا ترى حتى الآن إطاراً واضحاً لعمل قوة حفظ الاستقرار في قطاع غزة»، مشيراً إلى أنه في ظل الظروف الراهنة لن تشارك البلاد في هذه القوة، لكنها ستظل داعمةً لجميع الجهود السياسية نحو السلام وستبقى «في طليعة المساعدات الإنسانية». وأضاف أن هناك «فرصة تاريخية» للسلام في غزة، معرباً عن اعتقاده بأن التوافق الأخير بين الشركاء العرب والدوليين بقيادة واشنطن حول «خطة ترامب للسلام في غزة» قد يتيح أخيراً معالجة المظالم العميقة. وتشمل المهام المفترضة لهذه القوة الدولية في غزة نزع سلاح الفصائل المسلحة وتدمير البنى العسكرية وتأمين الحدود مع مصر وحماية الممرات الإنسانية والمدنيين، وهو ما يؤكد حساسية أي مشاركة دون إطار واضح أو تفويض دولي محكم.

في غزة، أوضح قرقاش أن الإمارات ظلت ملتزمةً بدعم وقف إطلاق النار والعمل الإنساني، مشيراً إلى أن بلاده قدمت أكثر من 2.57 مليار دولار مساعدات للقطاع. وأكد ضرورة ربط وقف إطلاق النار بـ«أفق أوضح نحو حل الدولتين»، في إشارة إلى أن حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي السياسي هو الضمان لاستقرار دائم. كما شدد على أن الشرق الأوسط «لا مسار عسكرياً للاستقرار»، وهو ما يتماشى مع موقفه الداعي إلى الابتعاد عن التصعيد العسكري والسعي للمفاوضات، كما ذكرت وكالة رويترز أن قرقاش أكّد أن الإمارات «لا ترى بعد إطاراً واضحاً لقوة الاستقرار، وتحت هذه الظروف لن تشارك».

على صعيد الأزمة السودانية، جدد قرقاش موقف الإمارات الداعي إلى وقف فوري للحرب، مشدداً على أنه «لا يوجد حل عسكري»، وأن الحرب يجب أن تتوقف الآن. ودعا إلى انتقال شامل بقيادة سودانية نحو حكم مدني بعيد عن التجاذبات العسكرية، محذِّراً من عودة ما وصفه بـ«ديكتاتورية الإخوان العسكرية في العقود السابقة». وأكد أن جهود الإمارات عبر «المبادرة الرباعية» (مع الولايات المتحدة والسعودية ومصر) تركز على دفع هدنة تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار وانتقال سياسي شفاف. وفي تغطية إنجليزية أوضحت صحيفة «ذا ناشيونال» أن قرقاش شدد على ضرورة «خطة تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار وانتقال شفاف إلى حكم مدني». ويركز الجانب الإماراتي في هذه المبادرة على إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق وحماية المدنيين في السودان، تماشياً مع قلق واسع إقليمي ودولي حيال تدهور الوضع الإنساني (حيث تجاوز عدد النازحين 13 مليوناً ونزح أكثر من نصف السكان مع إعلان مجاعة في دارفور).

وفيما يخص الأمن الإقليمي، شدد قرقاش على أن حماية الخليج تتطلب «هيكلية أمنية خليجية جماعية». وقد جاء كلامه في أعقاب هجمات نفذتها أطراف إقليمية على قطر؛ ففي يونيو 2025 قصفت إيران قاعدة «العديد» الجوية الأميركية في قطر، وفي سبتمبر 2025 شنّت إسرائيل أول هجوم من نوعه على العاصمة الدوحة. وكلا الحدثين يُظهران هشاشة الأمن الإقليمي من دون آليات دفاع مشتركة، ما دفع قرقاش للقول إن هذه التطورات «تؤكد الحاجة إلى هيكلية أمنية خليجية جماعية». ودعت الإمارات دائماً إلى تضامن خليجي شامل لتعزيز الأمن المشترك، كما سبق أن أكدت أن «أمن دول الخليج لا يجوز التفريط فيه، ولا يتجزأ» في مواجهة التهديدات سواء من طهران أو أي جهة أخرى.

أبرز الدكتور قرقاش أن السياسة الخارجية للإمارات قائمة على ثلاثة محركات رئيسية، تشكل أركان رؤيتها الاستراتيجية:

الاستقلالية الاستراتيجية: اتخاذ قرارات وطنية مستقلة تعكس مصالح الإمارات في عالم متعدد الأقطاب، بعيداً عن محاور الضغوط الخارجية.

الرؤية الاقتصادية: بناء اقتصاد عالمي تنافسي ومستدام، يرتكز على التنويع ودعم الاستثمارات. وقد وقّعت الإمارات في السنوات الأخيرة 31 اتفاقية للشراكة الاقتصادية الشاملة لتعزيز الروابط التجارية مع دول العالم.

الطموح التكنولوجي: التركيز على الابتكار والاستثمار في التقنيات المتقدمة. ومن أمثلة ذلك تدشين الحرم الأميركي الإماراتي المشترك للذكاء الاصطناعي في أبوظبي، الذي يهدف إلى وضع الإمارات في طليعة اقتصاد المستقبل.

ووفق تقدير قرقاش، فإن العمل على هذه المحركات الثلاث يسهم في تعزيز مكانة الإمارات كـ «منصة اقتصادية واستراتيجية» في المنطقة، ويرسخ دورها في دفع السلام والاستقرار عالمياً. وبالرغم من التحديات المتعددة التي تواجه الشرق الأوسط، فإن الرسالة الجامعة من كلامه هي أن السلم والأمن الدائمين لا يتحققان إلا عبر الحلول السياسية والاقتصادية والإصلاحات، لا عبر القوة العسكرية. في ختام تقريره، أكّد قرقاش أن منطقة الخليج والشرق الأوسط تقف عند «نقطة انعطاف حاسمة»، وأن التحدي الرئيس يكمن في تحويل الفرص الحالية إلى اتفاقات سياسية ملموسة، تضمن توزيع مصالح أكثر عدلاً بين الأطراف.

"الموج الأحمر 8": مناورات بحرية لحماية شريان الملاحة العالمي


تفكيك شبكة تجسس في صنعاء: إنجاز أمني أم تغطية على ضربة استخباراتية؟


الشيخ سلطان القاسمي يوثّق ذاكرة الخليج بصرياً في معرضٍ دائم بالشارقة


الانقسام الفلسطيني يتشظى.. ميليشيات محلية تنازع حماس على السلطة