تطورات اقليمية

برؤية استباقية..

التحالف الإسلامي يدشن مرحلة جديدة من العمل الاستخباراتي المتقدم في مكافحة الإرهاب

برنامج استخباراتي يرفع مستوى التنسيق الأمني بين دول تمتد من غرب إفريقيا إلى جنوب آسيا

الرياض

يمثل إعلان التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب عن بدء برنامجه المتخصص في الاستخبارات التكتيكية خطوة لافتة ضمن مسار بناء قدرات متقدمة في مواجهة الإرهاب، إذ لا تأتي هذه المبادرة كتدريب اعتيادي، بل تعكس تحولًا استراتيجيًا في إدراك الدول الأعضاء لطبيعة التهديدات الأمنية المتغيرة، وضرورة الانتقال من مقاربة ردّ الفعل إلى نهج أكثر استباقية يعتمد على المعلومات الدقيقة والتحليل العميق.

ويحمل إطلاق البرنامج من مقر التحالف في العاصمة السعودية الرياض دلالة واضحة على أن الاستثمار في الكوادر الأمنية أصبح ضرورة ملحّة في ظل بيئة أمنية تتغير بسرعة غير مسبوقة. فخلال خمسة أيام يجتمع 22 متدربًا من 11 دولة تمتد جغرافيًا من غرب إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا، ليعكس هذا التنوع حقيقة أن الإرهاب أصبح ظاهرة عابرة للحدود لا يمكن التعامل معها إلا عبر أدوات تعاون مشتركة، وفهم جماعي لطبيعة المخاطر الحديثة. وتبرز مشاركة دول مثل بوركينا فاسو ونيجيريا وسيراليون إلى جانب دول آسيوية كماليزيا وبنغلاديش وباكستان، إضافة إلى المغرب والأردن، مدى إدراك هذه الدول بأن التهديدات التي تواجهها رغم اختلاف سياقاتها تلتقي جميعها عند نقطة مركزية: الحاجة إلى منظومات استخباراتية أكثر قدرة على التوقع والتحليل.

ويكشف البرنامج عن طموح واضح لدى التحالف في رفع مستوى العمل الاستخباراتي من خلال دورات مكثفة تبدأ من مراحل جمع البيانات، وتمتد إلى التحليل المعمّق، وتنتهي عند توفير منتجات استخباراتية تدعم صانع القرار العسكري والأمني. وفي عالم أصبحت فيه البيانات عنصر قوة لا يقل أهمية عن السلاح، يسعى البرنامج إلى تمكين المتدربين من تحويل التدفقات المعلوماتية الضخمة إلى معرفة عملية تساعد على قراءة الواقع الأمني وتقدير مخاطره بطريقة أكثر مهنية.

ولم يعد بناء القرار الأمني يعتمد على المعلومات الأولية فقط، بل على القدرة على تحليل الاتجاهات وتقدير المواقف في بيئات معقدة وسريعة التحول، وهو ما يمنحه البرنامج للمشاركين عبر تدريب متخصص على آلية دعم القرار وفهم السياقات المحيطة بالصراعات، بما يتيح لهم التعامل مع سيناريوهات متعددة قد تتغير معطياتها في أي لحظة. كما يشكل التدريب على تقنيات المراقبة والاستطلاع أحد أهم مكونات البرنامج، بالنظر إلى الدور الحاسم الذي تلعبه هذه القدرات في رصد التهديدات ومنعها قبل تحولها إلى وقائع ميدانية، سواء عبر الوسائل التقليدية أو التقنيات الحديثة كالمسيرات وأنظمة الاستشعار المتقدمة.

ويمتد أثر هذا البرنامج إلى ما هو أبعد من تطوير مهارات المتدربين، إذ يشكل منصة للتبادل المعرفي بين دول تواجه تهديدات مختلفة لكنها مترابطة في جوهرها. ومن خلال جمع خبرات متعددة، تتشكل شبكة تواصل عملياتية تساعد على بناء فهم مشترك للتهديدات الإقليمية، وتعزز من إمكانية تنسيق الجهود بين دول التحالف، في خطوة تعد ركيزة أساسية في بناء منظومة أمن جماعي قادرة على التعامل مع الإرهاب بأساليب حديثة وأكثر مرونة.

ويأتي البرنامج في توقيت يشهد فيه العالم تحولات كبيرة في طبيعة الجماعات الإرهابية التي باتت تعتمد على أساليب لامركزية، وخلايا صغيرة تستخدم التكنولوجيا بمهارة عالية في الاتصال والتخفي والتجنيد. كما تشهد بعض المناطق في إفريقيا وجنوب آسيا عودة عمليات إرهابية تستغل الفراغات الأمنية التي تتركها النزاعات الداخلية أو تراجع بعض القوات الدولية، وهو ما يجعل الحاجة إلى تطوير قدرات استخباراتية نوعية مسألة تتجاوز حدود التدريب الروتيني لتصبح جزءًا من الأمن القومي لكل دولة داخل التحالف.

وتؤدي المملكة العربية السعودية، من خلال احتضان البرنامج في الرياض، دورًا محوريًا في تعزيز مفهوم الأمن الجماعي داخل العالم الإسلامي، عبر قيادة مبادرات مشتركة تستهدف بناء بنية تحتية معرفية وعملية تساعد على مواجهة التهديدات المعاصرة. فمكافحة الإرهاب لم تعد مرتبطة بالاستجابة المسلحة فقط، بل باتت تعتمد على أنظمة معلومات دقيقة وقدرة على تحليل المعطيات واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.

وتتجاوز أهمية هذا البرنامج فوائده العملية المباشرة، فهو يعكس رؤية أعمق لدى التحالف الإسلامي العسكري، تقوم على إدراك أن التهديدات الحديثة لا يمكن مواجهتها بالأدوات التقليدية، وأن التعاون الاستخباراتي وتطوير المهارات البشرية يمثلان حجر الأساس لأي استراتيجية فعالة في مكافحة الإرهاب. فالجماعات المتطرفة اليوم تعتمد على وسائل متطورة تشمل الاتصالات المشفرة والفضاء الرقمي والتكتيكات المتغيرة باستمرار، ما يجعل الاستثمار في التدريب النوعي ضرورة لا يمكن تأجيلها.

وفي المحصلة، يشكل برنامج الاستخبارات التكتيكية خطوة نوعية نحو بناء منظومة استخباراتية مشتركة داخل التحالف الإسلامي العسكري، تعكس فهمًا عميقًا لطبيعة التهديدات التي تواجه الدول الأعضاء، وتضع أسس تعاون طويل الأمد قادر على تعزيز الأمن والاستقرار. ومع استمرار تغير المشهد الأمني العالمي، تبدو هذه المبادرة جزءًا من رؤية أوسع تهدف إلى الارتقاء بقدرات الدول الإسلامية عبر بناء جيل جديد من الضباط والمحللين القادرين على قراءة التهديدات والتعامل معها بمنهجية أقرب إلى العلم منها إلى ردود الفعل الطارئة.

تهديدات «إخوان مأرب» بحرب ضد الجنوب.. مغامرة قد تكلف التنظيم خسارة أغنى المحافظات اليمنية (نظرة فاحصة)


نتنياهو: انتهاء المرحلة الأولى من وقف النار.. ومسار جديد نحو “إنهاء حكم حماس”


من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد التعافي.. قراءة في التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لمحفظة الطاقة الإماراتية في اليمن


الولايات المتحدة الأمريكية تصف النظام الإيراني بأنه “أكبر داعم للإرهاب” وتدعم