تطورات اقليمية

اقتصاد ينهار وصحة تتآكل..

تقرير: تلوث الهواء في إيران.. القتل الصامت الذي يصنعه نظام الملالي

إيران تحت الغبار السام

يشهد الإيرانيون واحدة من أسوأ أزمات تلوث الهواء في العالم، أزمة لم تعد مجرد خلل بيئي عابر، بل تحوّلت إلى مأساة وطنية تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية، وتنعكس آثارها على الصحة والاقتصاد والاستقرار الاجتماعي. فوسط مدن مكتظة كطهران وأصفهان والأهواز، يرتفع تركيز الجسيمات السامة إلى مستويات خطرة تهدد حياة ملايين السكان، وتفرض تعطيل المدارس والمؤسسات الحكومية مع كل موجة تلوث جديدة. هذا الواقع القاتم لا يعود إلى عوامل طبيعية أو صناعية فحسب، بل يرتبط ببنية سياسية واقتصادية أنتجت الأزمة ورعتها، وجعلت تلوث الهواء جزءًا من نمط إدارة الدولة تحت حكم ولاية الفقيه.

تأتي جذور هذه الكارثة من الفساد وسوء الإدارة، إذ يُدار ملف البيئة في إيران بعقلية الغنيمة لا بعقلية حماية المجتمع. فالدولة تستخدم وقودًا منخفض الجودة بنسبة كبريت تفوق المعيار العالمي بعشرين مرة، وتسمح لأكثر من عشرة ملايين سيارة متهالكة بإغراق المدن بانبعاثاتها السامة. وتلجأ محطات الطاقة والمصانع إلى حرق المازوت داخل المدن وفي محيطها، ما يضاعف التلوث خلال الشتاء تحديدًا، حين يتسبب الانعكاس الحراري في احتباس الملوثات على ارتفاع منخفض. وفي الوقت نفسه، دمّرت السدود العشوائية وتجفيف الأهوار الغطاء النباتي، ما أدى إلى تفاقم العواصف الترابية والغبارية التي تخنق مناطق واسعة من البلاد، خاصة في الجنوب والغرب.

لا يقتصر الخلل على الجانب التنفيذي، بل يمتد إلى غياب الإرادة السياسية وانعدام الشفافية. فالجهات الرسمية لا تجدّد أنظمة النقل العام، ولا تلزم المصانع الملوِّثة بالمعايير، ولا تكشف الأرقام الحقيقية لوفيات التلوث. أما وزارة البيئة فباتت عمليًا جزءًا من منظومة مصالح الحرس الثوري، فيما تُعدّل معايير قياس جودة الهواء وتُخفَّض قيمها لتقديم صورة مزيفة للرأي العام. وحتى الأهوار والبحيرات، التي تُعد رئة طبيعية للبلاد، جرى تجفيفها لمصلحة مشاريع نفطية وعسكرية، ما أدى إلى تحويل مساحات واسعة إلى بؤر غبار سامة.

تشير التقديرات الدولية إلى أن تلوث الهواء يقتل ما بين ثلاثين إلى أربعين ألف شخص سنويًا بشكل مباشر، إضافة إلى عشرات الآلاف الذين يعانون أمراضًا تنفسية وقلبية مزمنة، ويواجه الأطفال في المدن الكبرى مخاطر صحية مضاعفة قد تلازمهم مدى الحياة. ورغم هذه الخسائر الهائلة، لا يتحرك النظام الإيراني باتجاه أي إصلاح جاد، بل يستمر في تمويل الأجهزة القمعية وعملياته الخارجية على حساب الصحة العامة.

اقتصاديًا، تستنزف هذه الأزمة مليارات الدولارات سنويًا في شكل إنفاق صحي وعطالة في القطاعات الإنتاجية وتعطيل للمدارس والدوائر الحكومية. كما يتكبد الاقتصاد خسائر إضافية مرتبطة بتدمير رأس المال البشري وارتفاع معدلات المرض والوفيات المبكرة. وهي خسائر تتراكم عامًا بعد آخر دون أي رؤية وطنية لمعالجتها أو الحد من آثارها.

إن تلوث الهواء في إيران ليس كارثة طبيعية ولا مجرد أزمة إدارة، بل هو نتيجة مباشرة لبنية سياسية تُعطي الأولوية للمشاريع العسكرية والنفطية على حساب صحة السكان، وتتعامل مع البيئة باعتبارها عائقًا يمكن التضحية به، لا باعتبارها حقًا إنسانيًا. ما يحدث هو قتل بطيء يطال المجتمع الإيراني بأكمله، ويمثل شكلًا آخر من أشكال القمع المستتر الذي لا يظهر في عناوين الأخبار، لكنه يتسلل إلى رئتي كل مواطن. وفي النهاية، لا يمكن معالجة هذه الأزمة البيئية دون معالجة الأزمة السياسية التي أنتجتها، فالهروب من تلوث الهواء يمر أولًا عبر التخلص من التلوث الأكبر: تلوث نظام ولاية الفقيه ذاته.

وفي ظل هذا الواقع، تواصل المدن الإيرانية تسجيل مستويات مرتفعة في مؤشر جودة الهواء الذي يتراوح بين الصفر والخمسمئة ويُعد أي رقم فوق المئتين خطيرًا على جميع السكان. وتصل طهران والأهواز وأراك أحيانًا إلى مستويات تتجاوز الثلاثمئة، ما يعكس حجم المخاطر اليومية التي يعيشها المواطنون. وقد أصبح الشتاء الفصل الأكثر قتامة بسبب احتراق الوقود الرديء والازدحام المروري والانعكاس الحراري، بينما تسجل المناطق الصناعية والجنوبية عشرات الأيام "غير الصحية جدًا" كل عام.

الرئيس الأوكراني تحت الضغط: واشنطن تقترح السلام مقابل التنازل


عدن تحتضن اجتماعات حاسمة لرسم ملامح جنوب ما بعد الحرب


مستقبل الحدود اليمنية العمانية بعد تأمين المهرة: صراع نفوذ أم شراكة أمنية؟


التحالف الإسلامي يدشن مرحلة جديدة من العمل الاستخباراتي المتقدم في مكافحة الإرهاب