تطورات اقليمية

أطلاق عملية الحسم ضد التنظيمات الارهابية في أبين..

مشاورات عدن.. الزُبيدي يؤكد وحدة الصف والعليمي يعيد فتح ملف التوتر المناطقي

فريق عسكري سعودي إماراتي يصل عدن

 تشهد العاصمة عدن حالة سياسية وأمنية معقدة تتداخل فيها مسارات المشاورات السياسية الرفيعة مع التحركات العسكرية في الميدان، في وقت وصلت فيه وفود عسكرية سعودية وإماراتية إلى المدينة، بالتزامن مع إعلان القوات المسلحة الجنوبية إطلاق “عملية الحسم” ضد التنظيمات الإرهابية في محافظة أبين. هذه التطورات المتلاحقة لا تعكس فقط حجم الضغوط التي تواجهها الشرعية اليمنية، بل تكشف أيضاً عن انقسام واضح في الخطاب بين مكونات مجلس القيادة، مقابل رؤية جنوبية موحدة تتبلور حول قيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي.

في محافظة أبين، أعلنت القوات المسلحة الجنوبية بدء “عملية الحسم”، وهي عملية واسعة تأتي استكمالاً لعمليات “سهام الشرق” التي استهدفت خلال العامين الماضيين تفكيك معاقل القاعدة في المناطق الوسطى. البيان العسكري الصادر عن القوات الجنوبية قدم صورة واضحة عن طبيعة التهديدات التي تواجه المحافظة، مشيراً إلى تحركات مشتركة لتنظيم القاعدة ومليشيا الحوثي تستهدف أبين وما تحقق فيها من أمن واستقرار. وقد أكد البيان أن الإرهاب لم يكن سوى أداة احتلال صُنّعت لخدمة مشاريع سياسية معادية للجنوب، وأن استكمال تحرير أبين يمثل ضرورة وطنية لحماية الجنوب وتعزيز قدرته على مواجهة التحديات المقبلة.

إطلاق العملية في هذا التوقيت يحمل دلالات سياسية لافتة، فهي ليست مجرد تحرك أمني يهدف إلى ملاحقة عناصر إرهابية، بل خطوة تؤكد أن القوات الجنوبية تمتلك زمام المبادرة الأمنية وأنها قادرة على حماية أرضها واستئصال الخطر الذي طالما استُخدم لإرباك الجنوب واستنزاف قواه. كما أن العملية تمثل رسالة للقوى الإقليمية مفادها أن الجنوب ملتزم بمكافحة الإرهاب وماضٍ في تنفيذ التزاماته الأمنية، وأن أي مقاربة تسعى لتحجيم دوره في حضرموت أو المهرة لا تعكس الواقع الميداني ولا تأخذ بعين الاعتبار حجم التضحيات التي قدمها في مواجهة الإرهاب.

وبالتزامن مع هذا التحرك العسكري، انطلقت في عدن مشاورات سياسية مهمة تجمع قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بوفدين عسكريين من السعودية والإمارات. ووفق مصادر مطلعة، فإن هذه المشاورات تهدف إلى تقييم الوضع السياسي داخل الشرعية وإعادة النظر في أداء مجلس القيادة الرئاسي، خصوصًا بعد تصاعد التوتر خلال الأسابيع الماضية. وقد نفت المصادر الجنوبية وجود أي نقاش حول انسحاب القوات الجنوبية من حضرموت أو المهرة، مؤكدة أن تلك القوات تنتشر في مناطق عملياتها بالتنسيق الكامل مع التحالف ضمن مهمة تأمين الحدود وخطوط الإمداد.

في المقابل، جاء بيان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ليعكس توجهاً مختلفاً تماماً، إذ دعا إلى مغادرة القوات الجنوبية لمحافظتي حضرموت والمهرة، وهو ما فُسر على نطاق واسع بأنه محاولة لإعادة إنتاج خطاب مناطقي داخل الجنوب، عبر التعامل مع المحافظات الشرقية وكأنها ليست جزءاً من الجنوب أو لا تخضع لتاريخه السياسي والإداري. هذه الدعوة أثارت استغرابًا واسعًا لأنها تتناقض مع المسار الذي تمضي فيه مشاورات عدن، كما تتعارض مع الوقائع الميدانية التي تؤكد حاجة التحالف إلى القوات الجنوبية لضمان الاستقرار في الشرق.

خطاب العليمي بدا منفصلاً عن أولويات المرحلة، إذ لم يتناول التهديد الحوثي المتصاعد في جبهات مأرب أو شبوة أو البيضاء، بل ركز على القوات الجنوبية التي تقوم بواجبها الأمني في حضرموت والمهرة. هذا الطرح أثار تساؤلات حول دوافعه، خصوصًا في ظل توقيته الحساس الذي يتزامن مع تقييم التحالف لأداء مجلس القيادة في الفترة الماضية، ومع وجود مطالب عدة من داخل المجلس لإعادة هيكلته بشكل يضمن فاعلية أكبر وتقليص حالة التشتت التي انعكست على أداء الحكومة والملف الأمني.

في الجهة المقابلة، كان الرئيس عيدروس الزُبيدي يقدم خطابًا مختلفًا تماماً خلال لقائه بقيادة القوات المشتركة للتحالف العربي، حيث شدد على وحدة الصف الجنوبي وعلى الشراكة الاستراتيجية مع السعودية والإمارات، مؤكداً أن الجنوب يقف بثبات في معركة مواجهة الحوثيين وفي الحرب على الإرهاب. هذا الخطاب الوحدوي حمل دلالة مهمة، فهو يُظهر الانتقالي كطرف منسجم مع رؤية التحالف ويعمل ضمن إطار موحد، بينما يبدو الخطاب الصادر من رئاسة المجلس الرئاسي أكثر ميلاً إلى خلق اصطفافات داخلية وإعادة فتح ملفات مناطقية تجاوزها الجنوب منذ سنوات بعد تحرير عدن والمحافظات المجاورة.

ويُقرأ لقاء الزُبيدي مع قيادة القوات المشتركة باعتباره رسالة تطمين للتحالف بأن الجنوب ماضٍ في تنفيذ التزاماته الأمنية ومكافحة الإرهاب، وأن القيادة الجنوبية تتعامل مع التحديات من منظور الدولة وليس من منظور الفصيل أو الجغرافيا. وهذا الخطاب يتقاطع مع الرؤية الإقليمية التي ترى في الجنوب شريكاً أساسياً في حماية الملاحة الدولية وتأمين خطوط التجارة العالمية في بحر العرب وخليج عدن.

تزايد التناقض بين خطاب الزُبيدي والعليمي أعاد إلى الواجهة أزمة مجلس القيادة الرئاسي، الذي يعاني منذ تشكيله من ضعف التنسيق وغياب الرؤية الموحدة. فبينما تعمل أطراف في المجلس على ترسيخ الشراكة مع التحالف وترتيب البيت الداخلي، يتجه العليمي في الاتجاه المعاكس عبر طرح مقاربات تزيد من الانقسام وتضعف القدرة على مواجهة الحوثيين. وتبدو الدعوة إلى خروج القوات الجنوبية من حضرموت والمهرة خطوة تصعيدية تنسف جزءاً من جهود التحالف لإعادة ترتيب الجبهات، وتفتح الباب أمام فراغ أمني قد تستفيد منه الجماعات المتطرفة والحوثيون على حد سواء.

تطورات أبين وما شهدته من إطلاق عملية الحسم تمثل إحدى أهم نقاط القوة في الموقف الجنوبي، فهي تظهر استعداد المجلس الانتقالي لإدارة ملف الأمن بمهنية عالية وقدرته على فرض الاستقرار في محافظة ظلت لعقود هدفاً للجماعات الإرهابية. ومن خلال نجاح العمليات السابقة مثل “سهام الشرق” و“سهام الجنوب”، أثبتت القوات الجنوبية أنها القوة الأكثر فاعلية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وأن الأمن في الجنوب يستحيل أن يستقر من دون دورها.

وفي ظل هذه الصورة الميدانية الواضحة، تبدو الدعوات السياسية لانسحاب هذه القوات من حضرموت والمهرة خارج سياق الواقع، بل تأتي في إطار مشروع سياسي يرى كثيرون أنه يهدف إلى تفكيك الجنوب وإضعاف قدرته على تشكيل موقف موحد. وقد عبر أبناء حضرموت والمهرة في أكثر من مناسبة عن رغبتهم في وجود قوات جنوبية قادرة على ضبط الأمن ومنع تهريب السلاح والمخدرات، وهي ملفات أثبتت القوات الجنوبية كفاءة عالية فيها خلال السنوات الماضية.

مشاورات عدن تبدو، وفق مراقبين، الفرصة الأخيرة لترميم مجلس القيادة الرئاسي وإعادة تفعيل دوره في مواجهة الحوثيين. وفي حال فشل هذه المشاورات في إيجاد صيغة توافقية، قد تتجه الأمور نحو سيناريوهات أكثر تعقيدًا، منها إعادة تشكيل المجلس أو وضع ترتيبات جديدة تمنح القوى الفاعلة على الأرض دورًا أكبر في صياغة المرحلة المقبلة. ومن الواضح أن أي مقاربة ستتجاهل الدور الجنوبي ستكون محكومة بالفشل، لأن الجنوب اليوم يمتلك قوة سياسية وعسكرية وجماهيرية يصعب تجاوزها.

في نهاية المطاف، تعكس الأزمة الراهنة مفترق طرق حقيقي تمر به الشرعية اليمنية. فهناك مسار يقوده الرئيس الزُبيدي يركز على توحيد الصف الجنوبي وتعزيز الشراكة مع التحالف، ومسار آخر يقوده العليمي يعيد فتح ملفات التوتر المناطقي داخل الجنوب ويهدد بخلق اصطفافات جديدة قد تقوض الجهود المبذولة لمواجهة الحوثيين والإرهاب. وبين هذين المسارين، يبدو أن عملية الحسم في أبين ليست مجرد معركة ضد الإرهاب، بل رسالة بأن الجنوب قادر على حماية قراره السياسي وعلى فرض استقراره الأمني، وأن أي محاولة لتفكيك وحدته ستصطدم بواقع القوة على الأرض.

وبين المشاورات السياسية في عدن والمعارك ضد الإرهاب في أبين، يظل مستقبل الشرعية مرهونًا بقدرتها على تجاوز الانقسامات الداخلية، وبمدى استعداد قياداتها للعمل ضمن رؤية مشتركة تحفظ الأمن والاستقرار وتدعم التحالف العربي في مواجهة المشروع الحوثي المدعوم من إيران. وفي هذا السياق، يبرز الجنوب اليوم كطرف أساسي في معادلة القوة، ليس فقط بوصفه قوة ميدانية، بل كحامل لرؤية سياسية تُعلي من شأن الوحدة وتواجه مشاريع التفكيك، سواء جاءت من الحوثيين أو من داخل مؤسسات الشرعية نفسها.

دعوات أوروبية إلى إنهاء سياسة الاسترضاء ومحاسبة نظام الملالي


ترجيحات بتحركات لإعادة هيكلة مجلس القيادة الرئاسي في مشاورات عدن


اتصال الزبيدي وصالح: هل يشكل خطوة لإعادة ترتيب أولويات معركة صنعاء؟


بين الهدنة والانتقال السياسي: كيف تقود الإمارات جهود التهدئة في السودان؟