تطورات اقليمية

مقاربة سعودية شاملة لمكافحة الإرهاب..

برنامج سعودي–إسلامي في نيامي يعزز جهود مكافحة التطرف في الساحل الإفريقي

التحالف الإسلامي يختتم في نيامي برنامجًا لإعادة تأهيل المتطرفين

الرياض

اختتم التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، السبت، في نيامي عاصمة النيجر، أعمال برنامج «تدريب المتخصصين في مراكز الإدماج وإعادة تأهيل المتطرفين»، في خطوة تعكس الدور القيادي الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في توجيه الجهود الإسلامية المشتركة لمواجهة الإرهاب والتطرف، خصوصًا في البيئات الأكثر هشاشة أمنيًا وفكريًا، وعلى رأسها دول الساحل الإفريقي.

ويأتي هذا البرنامج ضمن مسار متكامل يقوده التحالف انطلاقًا من رؤية سعودية تقوم على أن مكافحة التطرف لا يمكن حسمها بالوسائل العسكرية وحدها، بل تتطلب معالجة فكرية واجتماعية عميقة تستهدف الجذور البنيوية للظاهرة، لا مظاهرها الأمنية فقط.

ومنذ تأسيس التحالف عام 2015 بمبادرة سعودية، سعت الرياض إلى بلورة نموذج مختلف في مقاربة مكافحة الإرهاب، يقوم على العمل الجماعي بين الدول الإسلامية، ويعزز مبدأ المسؤولية المشتركة، بعيدًا عن الارتهان الكامل للمبادرات الدولية أو التدخلات الخارجية. وقد حرصت المملكة منذ البداية على أن لا يكون التحالف إطارًا عسكريًا تقليديًا، بل منصة شاملة توظف الأدوات الفكرية والإعلامية والأمنية في آن واحد، بما يعكس فهمًا مركبًا لطبيعة التطرف بوصفه ظاهرة متعددة الأبعاد.

وفي هذا السياق، يكتسب برنامج تدريب المتخصصين في مراكز الإدماج وإعادة تأهيل المتطرفين أهمية خاصة، إذ يجسد انتقال التحالف من التركيز على المواجهة الأمنية المباشرة إلى الاستثمار في بناء الإنسان وتحصين المجتمع. فالبرنامج، الذي نُفذ ضمن المسار الفكري للتحالف، استهدف تأهيل كوادر وطنية من المختصين العاملين في القطاعات ذات الصلة، وتمكينهم من التعامل مع المتأثرين بالفكر المتطرف وفق مقاربات علمية متكاملة تراعي الجوانب الفكرية والنفسية والاجتماعية.

ويعكس اختيار النيجر، ودول الساحل عمومًا، ساحةً لتنفيذ هذه البرامج إدراكًا سعوديًا لطبيعة التحديات الأمنية المعقدة في هذه المنطقة، التي باتت من أخطر بؤر التطرف العنيف في العالم، في ظل هشاشة مؤسسية، وأزمات اقتصادية واجتماعية متداخلة، وحدود جغرافية واسعة تسهل اختراقها، ما يمنح التنظيمات المتطرفة قدرة أكبر على التمدد والاستقطاب.

ومن هذا المنطلق، تنظر السعودية إلى دعم دول الساحل باعتباره استثمارًا في الأمن الإقليمي والدولي، وليس تحركًا تكتيكيًا ظرفيًا. وقد شارك في البرنامج الذي اختُتم في نيامي 29 متدربًا من المختصين في القطاعات المعنية، واستمر على مدى خمسة أيام، وتضمن جلسات تدريبية وورش عمل تفاعلية ركزت على منهجيات الإدماج وإعادة التأهيل، وآليات تفكيك الخطاب المتطرف، إلى جانب تبادل الخبرات المهنية بين المشاركين.

ويؤكد حضور مدير الإدارة الفكرية في التحالف الإسلامي، إلى جانب مسؤولين من وزارة الدفاع الوطني في النيجر، أن هذا الجهد لا يُنظر إليه بوصفه نشاطًا فكريًا معزولًا، بل جزءًا من مقاربة شاملة تسعى إلى ربط العمل الفكري بالمؤسسات الأمنية والرسمية، بما يضمن تكامل الأدوار وعدم تعارض السياسات. ويمثل هذا التكامل أحد أبرز ملامح الرؤية السعودية في مكافحة التطرف، حيث يُنظر إلى الفكر والأمن باعتبارهما مسارين متوازيين لا غنى لأحدهما عن الآخر.

وتبرز أهمية هذا النهج في ضوء تجارب سابقة أثبتت أن الاقتصار على المعالجة الأمنية يؤدي غالبًا إلى نتائج مؤقتة، ويترك المجال مفتوحًا أمام عودة التطرف بأشكال جديدة. ومن هنا، يركز التحالف، بقيادة سعودية، على تفكيك البنية الفكرية للتطرف، والعمل على إعادة دمج المتأثرين به في مجتمعاتهم، بما يقلل من احتمالات الانتكاس ويحد من قدرة التنظيمات المتطرفة على إعادة إنتاج نفسها.

كما لا ينفصل هذا البرنامج عن مسار أوسع يقوده التحالف لتعزيز أدوات مواجهة التطرف، إذ سبق أن اختتم مطلع الشهر الجاري في نيامي برنامجًا تدريبيًا في المجال الإعلامي، ركز على توظيف الإعلام في مواجهة خطاب التطرف، في ظل إدراك متزايد لأهمية المعركة السردية، خاصة مع استخدام الجماعات المتطرفة لمنصات التواصل الحديثة في نشر أفكارها واستقطاب الأنصار.

وعلى المستوى السياسي، يعزز هذا النشاط موقع السعودية كقائد للعمل الإسلامي المشترك في مجال مكافحة الإرهاب، ويمنح التحالف الإسلامي العسكري مصداقية إضافية بوصفه إطارًا نابعًا من إرادة الدول الإسلامية نفسها، لا امتدادًا لأجندات خارجية. غير أن نجاح هذه الجهود يبقى مرهونًا بعوامل عدة، في مقدمتها الاستمرارية، وتوفير الموارد، وربط برامج الإدماج وإعادة التأهيل بسياسات تنموية أوسع تعالج جذور الفقر والتهميش والبطالة.

ويمثل اختتام برنامج تدريب المتخصصين في مراكز الإدماج وإعادة تأهيل المتطرفين في نيامي محطة مهمة في مسار التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، ويعكس عمق الدور السعودي في توجيهه نحو مقاربة شاملة تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية، وتراهن على الفكر وبناء القدرات المحلية كمدخل لبناء أمن مستدام ومواجهة فعالة للتطرف العنيف على المدى الطويل.

لماذا تراهن السعودية على الإدماج الفكري لبناء أمن مستدام في دول الساحل؟


من المناخ إلى الأمن المائي: عدن تفتح نقاشًا علميًا حول مستقبل الاستدامة


حين تُلغى السيادة عن الدول الجارة.. عبدالرحمن الراشد يحاكم «الجنوب» بجرم الجغرافيا (وجهة نظر)


الإمارات تنظّم جلسة حوار في جنيف حول إصلاح منظومة حقوق الإنسان