تطورات اقليمية
تل أبيب تحذر وطهران تتمسك بالردع الصاروخي..
تصعيد محسوب بين إسرائيل وإيران وخطر سوء التقدير يخيّم على المشهد
إسرائيل تعد ملفًا استخباراتيًا عن إيران وتحذر واشنطن
في تصعيدٍ جديد للخطاب السياسي والأمني بين تل أبيب وطهران، قال بنيامين نتنياهو، الاثنين، إن أي تحرك من جانب إيران سيُقابل برد إسرائيلي عنيف، مؤكدًا في الوقت ذاته أن إسرائيل لا تسعى إلى مواجهة مفتوحة مع طهران، لكنها تراقب عن كثب كل ما يجري على الساحة الإيرانية. وجاءت تصريحات نتنياهو في وقت شددت فيه إيران على أن برنامجها الصاروخي ذو طابع دفاعي بحت، وليس مطروحًا للنقاش أو التفاوض.
وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس، أوضح نتنياهو أن إسرائيل تتابع عن كثب المناورات العسكرية الإيرانية الأخيرة، مشيرًا إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تأخذ هذه التحركات على محمل الجد في ظل المناخ الإقليمي المتوتر.
وتزامنت هذه التصريحات مع تداول واسع لمقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام إيرانية في وقت سابق، تظهر ما بدا أنها عمليات إطلاق صواريخ في عدة مدن إيرانية، من بينها طهران وأصفهان ومشهد. وقد بثت قناة “نور نيوز” عبر تطبيق تليغرام مقاطع مصورة لعمليات الإطلاق دون تحديد مواقعها بدقة، بينما أفادت تقارير إعلامية إيرانية بأن عمليات الإطلاق جرت من أكثر من موقع داخل البلاد.
غير أن وكالة “مهر نيوز” الإيرانية عادت لاحقًا لتنقل عن مصادر وصفتها بالمطلعة نفيها إجراء أي اختبارات صاروخية، مؤكدة أن الصور المتداولة تعود لطائرات تحلق على ارتفاعات عالية، في محاولة لاحتواء الجدل الذي أثارته المقاطع المصورة في الداخل الإيراني وعلى المستوى الإقليمي.
وفي خلفية هذا المشهد، كان الحرس الثوري الإيراني قد أجرى في وقت سابق من الشهر الجاري مناورات بحرية استمرت يومين، قالت طهران إنها هدفت إلى التصدي للتهديدات الأجنبية، وشملت إطلاق صواريخ باليستية وصواريخ كروز باتجاه أهداف وهمية، في رسالة عسكرية واضحة تعكس جاهزية القوات الإيرانية.
على صعيد موازٍ، أوضح نتنياهو أن زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة ستتضمن مباحثات مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تتركز على تطورات الأوضاع في قطاع غزة ولبنان، إضافة إلى الملف الإيراني الذي يحتل أولوية متقدمة في الحسابات الأمنية الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، نقل موقع أكسيوس عن مصادر إسرائيلية وأميركية أن تل أبيب حذرت إدارة ترمب من احتمال أن تستخدم إيران مناورات الحرس الثوري غطاءً لشن ضربة صاروخية ضد إسرائيل. وفي المقابل، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن طهران لا تستبعد بدورها احتمال تعرضها لهجوم جديد من الولايات المتحدة أو مواجهة عسكرية أوسع.
وأشار التقرير إلى أن التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية لا تزال تشير إلى أن التحركات الإيرانية تندرج في إطار إعادة تموضع داخلي، إلا أن هامش التسامح مع المخاطر داخل الجيش الإسرائيلي بات أقل بكثير منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي شكّل صدمة استراتيجية لإسرائيل وغيّر قواعد تقدير التهديدات. وبحسب المصادر ذاتها، فإن احتمال وقوع هجوم إيراني لا يتجاوز خمسين في المئة، لكن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لا ترغب في التعامل مع هذه التحركات على أنها مجرد استعراض عسكري.
وفي إطار الاستعدادات، دعا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير إلى تنسيق وثيق مع الولايات المتحدة تحسبًا لأي تطور مفاجئ، في وقت زار فيه قائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر تل أبيب، حيث ناقش مع القيادة العسكرية الإسرائيلية المخاوف المتزايدة من المسار الإيراني.
ويرى مراقبون أن الخطر الأكبر في المرحلة الحالية لا يكمن فقط في نية أي طرف شن هجوم مباشر، بل في احتمال وقوع سوء تقدير استراتيجي يدفع الطرفين إلى مواجهة غير محسوبة، في ظل بيئة إقليمية شديدة الحساسية وتعدد ساحات الاشتباك غير المباشر.
وفي موازاة ذلك، كشفت صحيفة “إسرائيل هيوم” أن تل أبيب تعمل على إعداد ملف استخباراتي شامل عن إيران، يتناول تطورات برنامجها النووي والصاروخي، إضافة إلى دورها الإقليمي ودعمها لجماعات مسلحة مثل “حماس” و“حزب الله” و“الحوثيين”. وتهدف إسرائيل من خلال هذا الملف إلى تعزيز التنسيق مع واشنطن وإقناع الإدارة الأميركية بأن ما تصفه بـ“المشكلة الإيرانية” يتطلب مقاربة أكثر صرامة.
وبحسب الصحيفة، سيُعرض هذا الملف على الرئيس الأميركي وفريقه خلال اللقاء المرتقب في ولاية فلوريدا، إلا أن مصادر إسرائيلية أبدت شكوكًا في أن يمنح ترمب ضوءًا أخضر لشن هجوم جوي واسع على إيران، خشية انزلاق المنطقة إلى تصعيد كبير يصعب احتواؤه.
وفي مؤشر إضافي على حساسية المرحلة، سيجري نتنياهو زيارته هذه المرة من دون وزير الشؤون الاستراتيجية السابق رون ديرمر، الذي كان يتمتع بعلاقات واسعة داخل دوائر صنع القرار الأميركي، على أن يتولى المهمة سفير إسرائيل لدى واشنطن يحيئيل لايتر، في خطوة قد يكون لها أثرها على مستوى التنسيق السياسي في واحدة من أكثر الملفات الإقليمية تعقيدًا.