تطورات اقليمية

الحكومة اليمنية والحوثيون يتفقون في مسقط على صفقة تبادل واسعة..

من الملف الإنساني إلى السياسة.. هل يفتح اتفاق الأسرى باب السلام في اليمن؟

اختراق مسقط الإنساني يختبر نوايا السلام في اليمن

عمان

تمكنت الدبلوماسية العُمانية مجددًا من إحداث اختراق ملموس في أحد أكثر ملفات النزاع اليمني حساسية وتعقيدًا، وتحديدًا في جانبه الإنساني، عبر إنجاز اتفاق واسع لتبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي، في خطوة تُعيد تحريك مسار السلام الذي ظل يعاني جمودًا طويلًا رغم الجهود الأممية والإقليمية المتكررة. ويعكس هذا التطور الدور المحوري الذي تلعبه سلطنة عُمان، مستندة إلى خبرة تراكمية في الوساطة، وقدرتها على بناء الثقة مع أطراف متباعدة في الرؤى والمواقف، كما هو الحال في المشهد اليمني شديد التشظي.

وأعلنت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، الثلاثاء، التوصل إلى اتفاق يقضي بإطلاق سراح آلاف الأسرى والمحتجزين، بعد نحو أسبوعين من المشاورات المكثفة التي استضافتها العاصمة العُمانية مسقط. وقال عضو الفريق الحكومي المشارك في المفاوضات ماجد فضائل، في تدوينة على منصة “إكس”، إن الاتفاق أُنجز في إطار الجولة العاشرة من مشاورات ملف المحتجزين والمختطفين، موضحًا أن عملية الإفراج ستشمل محتجزين من جميع الأطراف ومن مختلف الجبهات، في خطوة تهدف إلى معالجة أحد أكثر الملفات الإنسانية إلحاحًا في النزاع اليمني.

من جهتها، أعلنت اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى التابعة للحوثيين توقيع اتفاق مع الحكومة اليمنية على تنفيذ صفقة تبادل واسعة، مشيرة في بيان إلى أن الصفقة تشمل الإفراج عن نحو 1700 من أسرى الجماعة مقابل 1200 من أسرى الطرف الآخر، بينهم سبعة سعوديين و23 سودانيًا. وأعربت اللجنة عن شكرها وتقديرها لسلطنة عُمان على ما وصفته بالجهود الكبيرة التي بذلتها في احتضان ورعاية وإنجاح هذه الجولة، في إشارة واضحة إلى الدور العُماني المباشر في تهيئة أجواء التفاهم.

وفي السياق نفسه، قال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ إن أطراف النزاع اتفقت، في ختام اجتماع استمر 12 يومًا في عُمان، على مرحلة جديدة من إطلاق سراح المحتجزين المرتبطين بالنزاع. وأوضح بيان صادر عن مكتب المبعوث أن الاجتماع عُقد في إطار عمل اللجنة الإشرافية المعنية بتنفيذ اتفاقية إطلاق سراح المحتجزين، برئاسة مشتركة بين مكتب غروندبرغ واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويُعد هذا الاجتماع العاشر للجنة الإشرافية التي أُنشئت بموجب اتفاقية ستوكهولم الموقعة عام 2018، بهدف دعم الأطراف في الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالإفراج عن جميع المحتجزين على خلفية النزاع. وقد رحّب غروندبرغ بنتائج الاجتماع، موجّهًا شكره لسلطنة عُمان على دورها، ومؤكدًا الأهمية الإنسانية البالغة لإحراز تقدم في هذا الملف الذي يمس حياة آلاف العائلات اليمنية.

وقال المبعوث الأممي إن التوصل إلى اتفاق حول مرحلة جديدة من الإفراج عن المحتجزين يمثل خطوة إيجابية ومهمة من شأنها التخفيف من معاناة المحتجزين وأسرهم في مختلف أنحاء اليمن، مشددًا على أن التنفيذ الفعلي للاتفاق يتطلب استمرار انخراط الأطراف وتعاونها، إلى جانب دعم إقليمي منسق وجهود متواصلة للبناء على هذا التقدم وصولًا إلى عمليات إفراج أوسع. كما جدّد مكتب المبعوث الخاص التزامه بمواصلة تيسير تنفيذ اتفاق تبادل المحتجزين بما يتماشى مع المبادئ الإنسانية.

وكانت مشاورات مسقط قد انطلقت في 12 ديسمبر الجاري، بحسب مصدر حكومي يمني، فيما تحدث مسؤولون في جماعة الحوثي بعد يومين عن أجواء إيجابية سادت المفاوضات، ما مهّد الطريق للتوصل إلى هذا الاتفاق. ويأتي هذا التطور في ظل تهدئة نسبية يشهدها اليمن منذ أبريل 2022، بعد حرب اندلعت قبل نحو 11 عامًا بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى منذ سبتمبر 2014.

وسبق للطرفين أن نفذا في أبريل 2023 آخر صفقة تبادل كبرى، أُفرج بموجبها عن نحو 900 أسير ومحتجز من الجانبين، بينهم سعوديون وسودانيون ضمن قوات التحالف العربي، بوساطة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة، بعد مفاوضات جرت في سويسرا. كما أقدمت جماعة الحوثي في يناير 2025 على الإفراج الأحادي عن 153 شخصًا كانوا محتجزين لديها، في خطوة وُصفت حينها بأنها ذات طابع إنساني محدود التأثير سياسيًا.

ولا تتوافر أرقام دقيقة حول عدد الأسرى والمعتقلين لدى الطرفين حاليًا، غير أن قوائم قُدمت خلال مشاورات ستوكهولم عام 2018 أشارت إلى أكثر من 15 ألف أسير ومحتجز، بينما تقدّر مصادر حقوقية العدد بنحو 20 ألفًا، ما يجعل ملف الأسرى أحد أكبر التحديات الإنسانية في النزاع اليمني.

ورغم أن هذا الاختراق الإنساني لا يعني بالضرورة تحقيق تقدم سياسي شامل، فإنه يعيد تسليط الضوء على قدرة المسار الإنساني، عندما يُدار بوساطة موثوقة مثل الوساطة العُمانية، على فتح نوافذ محدودة في جدار الأزمة اليمنية. ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه البلاد تعقيدات إضافية، لا سيما مع تطورات أمنية في جنوب اليمن أثارت مخاوف من تعميق الانقسام، ما يجعل من نجاح مسقط في هذا الملف الإنساني خطوة ذات دلالات تتجاوز بعدها الإنساني إلى اختبار حقيقي لإمكانية إعادة إحياء مسار السلام المتعثر.

دمشق تأمر بوقف استهداف قسد في حلب وقوات سوريا الديمقراطية تعلن التهدئة


تصعيد محسوب بين إسرائيل وإيران وخطر سوء التقدير يخيّم على المشهد


إيران تنفذ 344 حكم إعدام خلال أقل من شهر في تصعيد قضائي غير مسبوق


لماذا تراهن السعودية على الإدماج الفكري لبناء أمن مستدام في دول الساحل؟