تطورات اقليمية
أزمة مفتوحة على كل الاحتمالات..
سد النهضة والسيناريوهات الصعبة: مصر بين التهدئة وحماية المصالح الحيوية
«سد النهضة» الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)
في ظل استمرار أزمة النزاع حول «سد النهضة» الإثيوبي، جددت مصر، الأربعاء، تأكيدها رفض التفريط في أي قطرة من مياه نهر النيل، مشددة على أن حقوقها المائية تمثل قضية أمن قومي لا تقبل المساومة. جاء ذلك خلال ندوة نظمتها هيئة الاستخبارات العسكرية في القاهرة، تناولت ملف مياه النيل بوصفه أحد أكثر الملفات حساسية وتأثيراً على الأمن القومي المصري.
وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، أكد خلال الندوة أن سياسة مصر المائية تقوم على ثوابت راسخة، في مقدمتها الالتزام بقواعد القانون الدولي المنظم للأنهار المشتركة، واعتماد الحوار والتعاون سبيلاً لتحقيق المصالح المشتركة بين دول حوض النيل. وأوضح أن مصر تعتمد بنسبة تقارب 98 في المائة على مياه نهر النيل لتلبية احتياجاتها من الموارد المائية المتجددة، ما يجعل أي مساس بهذه الموارد تهديداً مباشراً لأمنها القومي واستقرارها المجتمعي.
وتعارض كل من مصر والسودان مشروع «سد النهضة» الذي دشّنته إثيوبيا رسمياً في سبتمبر الماضي، وتطالبان بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات ملء وتشغيل السد، بما يضمن عدم الإضرار بحقوق دولتي المصب. وكانت القاهرة قد أعلنت في وقت سابق انتهاء مسار التفاوض مع الجانب الإثيوبي ووصوله إلى طريق مسدود، مؤكدة احتفاظها بحق استخدام الوسائل المتاحة وفقاً للقانون الدولي للدفاع عن مصالحها المائية.
وفي سياق متصل، شدد سويلم على أن مصر تواصل دعمها لدول حوض النيل من خلال تنفيذ مشروعات تنموية في مجالات تطهير المجاري المائية، وبناء سدود لحصاد مياه الأمطار، وحفر آبار جوفية تعمل بالطاقة الشمسية، إضافة إلى إنشاء مراسٍ نهرية ومراكز للتنبؤ بالأمطار، في إطار مقاربة تقوم على الشراكة وتحقيق المنافع المتبادلة.
ويرى المستشار الأسبق لوزير الري المصري وخبير المياه، ضياء الدين القوصي، أن تجديد القاهرة تأكيدها على رفض التفريط في «أي قطرة» من مياه النيل يمثل رسالة سياسية واضحة لإثيوبيا، بعد سنوات من المطالبة باتفاقية تعاون تشمل آليات الإدارة والتشغيل وفض النزاعات، دون استجابة حقيقية من الجانب الإثيوبي.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أكد، مطلع الأسبوع الجاري، خلال المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة الروسية – الأفريقية بالقاهرة، أن بلاده لا تسعى إلى خلق أزمات مع إثيوبيا، وأن مطلبها الوحيد يتمثل في عدم المساس بحقوقها التاريخية في مياه النيل، والتوصل إلى اتفاق قانوني وملزم بشأن تشغيل السد. وشدد السيسي على أن السياسة المصرية تقوم على عدم التدخل في شؤون الآخرين، وحل الخلافات عبر الحوار والوسائل السياسية، رغم تعثر المسار التفاوضي.
من جانبه، اعتبر أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، نادر نور الدين، أن نهج التهدئة الذي تبنته القاهرة في هذه المرحلة كان ضرورياً، لكنه شدد في الوقت ذاته على أهمية استئناف المفاوضات، محذراً من ترك السيطرة الكاملة على النيل الأزرق لطرف واحد دون ضوابط قانونية واضحة.
وتعود جذور الأزمة إلى عام 2011، حين بدأت إثيوبيا بناء سد النهضة على نهر النيل الأزرق، في مشروع تبلغ كلفته مليارات الدولارات، وتعده مصر تهديداً مباشراً لحقوقها التاريخية في مياه النيل. وفي ديسمبر 2023، أعلنت القاهرة فشل آخر جولة من المفاوضات وإغلاق المسار التفاوضي بعد سنوات من المحادثات غير المثمرة.
وتحصل مصر على حصة سنوية تبلغ 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، وتعاني بالفعل من الفقر المائي، إذ يقل نصيب الفرد عن المعدلات العالمية. وقد تصاعدت المخاوف المصرية في الآونة الأخيرة عقب تدشين السد، مع تسجيل تقلبات غير مسبوقة في منسوب المياه، سواء في السودان أو في عدد من المحافظات المصرية، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات فنية عاجلة للتعامل مع تداعيات عدم انتظام تصريف المياه.
ورغم أن بعض الخبراء يرون أن التأثيرات المباشرة للسد على مصر لا تزال محدودة في الوقت الراهن، إلا أنهم يحذرون من أن الخطر الحقيقي قد يظهر في حال تعرض المنطقة لفترات جفاف ممتدة، وهو سيناريو تعتبره القاهرة خطاً أحمر لا يمكن القبول به. وفي هذا الإطار، تؤكد مصر أن جوهر الأزمة لا يكمن في بناء السد بحد ذاته، بل في طريقة تشغيله وإدارته، مطالبة إثيوبيا بالالتزام بالمعايير الدولية لضمان تدفق عادل ومنتظم لمياه النيل، بما يحفظ استقرار دول المصب ويجنب المنطقة أزمة مائية واسعة النطاق.