تطورات اقليمية
الحسابات العسكرية والتكلفة السياسية..
حشد أميركي غير مسبوق في الكاريبي: هل تقترب واشنطن من خيار التدخل في فنزويلا؟
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال مؤتمر صحافي في مارالاجو
على مدار الأشهر الماضية، نشرت الولايات المتحدة نحو 11 سفينة حربية، وما يقارب 15 ألف عنصر من القوات البحرية، في منطقة الكاريبي، بالتزامن مع تصاعد التوتر مع فنزويلا. وتبرر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذه التحركات بأنها جزء من جهود مكافحة تهريب المخدرات إلى الأراضي الأميركية.
غير أن هذا الحشد العسكري، إلى جانب تنفيذ عمليات قصف تقول واشنطن إنها استهدفت شبكات تهريب المخدرات، أثار جدلاً واسعاً، لا سيما في ظل آراء محللين يرون أن هذه العمليات قد تكون خارج الإطار القانوني، فضلاً عن تساؤلات متزايدة بشأن احتمال انزلاق الوضع نحو تدخل عسكري أميركي مباشر، بحسب ما أوردته مجلة The National Interest المتخصصة في الشؤون الخارجية والأمن القومي.
ورغم أن تجنب التورط في النزاعات الخارجية شكّل أحد المحاور الرئيسية لحملة ترمب الانتخابية، فإن الواقع العسكري الحالي في منطقة الكاريبي، وخصوصاً انتشار حاملة الطائرات العملاقة USS Gerald R. Ford، يعكس مستوى من الجاهزية يتجاوز عمليات مكافحة التهريب التقليدية، ويشير إلى استعدادات محتملة لعمل عسكري أوسع.
وفي حال قررت الولايات المتحدة التدخل عسكرياً في فنزويلا، ترجح المجلة أن يكون التدخل محدوداً، مع استبعاد سيناريو الغزو البري الشامل. وتشير التقديرات إلى أن أي عملية عسكرية محتملة ستسعى إلى ممارسة ضغط مباشر لإجبار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على التنحي عن السلطة، أو إزاحته بوسائل غير تقليدية، وهو ما سبق أن لوّح به ترمب علناً، قبل أن يرفضه مادورو بشكل قاطع.
وتستند هذه التقديرات إلى أن الولايات المتحدة، رغم سجلها الطويل في إسقاط حكومات بأميركا اللاتينية، باتت تواجه رفضاً داخلياً لأي وجود عسكري طويل الأمد خارج حدودها، خاصة بعد التجارب المكلفة في العراق وأفغانستان. كما أن القوات البحرية المنتشرة حالياً في الكاريبي لا تمتلك الحجم أو التكوين اللازمين لتنفيذ عمليات برية واسعة أو احتلال فعلي لفنزويلا، ما يجعل خيار التدخل المحدود هو السيناريو الأكثر ترجيحاً من الناحيتين السياسية والعملية.
ووفقاً للمجلة، فإن أقرب نموذج محتمل لهذا التدخل يتمثل في السيناريو الليبي عام 2011، القائم على حملة جوية مكثفة تهدف إلى إضعاف النظام وإخضاعه دون الانخراط في احتلال بري مباشر. وقد يبدأ هذا التدخل بعمليات لتحييد القدرات الفنزويلية الجوية والبحرية، عبر هجمات حرب إلكترونية وسيبرانية تستهدف شبكات الاتصالات، ورادارات الإنذار المبكر، ومنظومات الدفاع الجوي المتكاملة.
ويتضمن السيناريو توجيه ضربات بصواريخ كروز بعيدة المدى، مثل صواريخ توماهوك التي تطلقها المدمرات والغواصات الأميركية، إلى جانب صواريخ JASSM التي تطلقها القاذفات أو الطائرات المحمولة على حاملات الطائرات، لاستهداف مواقع صواريخ أرض-جو بعيدة المدى، والرادارات، والقواعد الجوية الرئيسية، وملاجئ الطائرات المحصنة، إضافة إلى مراكز القيادة والسيطرة.
ورغم امتلاك فنزويلا أنظمة دفاع جوي روسية الصنع، من بينها بطاريات S-300، فإن هذه المنظومات، وفق التقديرات العسكرية، ستكون أهدافاً ذات أولوية في المراحل الأولى، ومن غير المرجح أن تصمد أمام حملة قصف أميركية متواصلة.
وتشير المجلة إلى أن الهدف الأساسي للولايات المتحدة يتمثل في إضعاف الجيش الفنزويلي وإرباك منظومته العملياتية، بما يسمح للطائرات الأميركية العاملة من حاملة الطائرات Gerald Ford، التي تُعد قاعدة جوية عائمة، بالعمل في بيئة أقل خطورة. وستلعب مقاتلات F/A-18 Super Hornet، وربما F-35C، دوراً محورياً في فرض التفوق الجوي واعتراض أي محاولات إقلاع للقوات الجوية الفنزويلية.
كما سترافق هذه العمليات طائرات الدعم المتخصصة، مثل E-2D Hawkeye للإنذار المبكر وإدارة المعارك، وEA-18G Growler لتنفيذ الهجمات الإلكترونية وقمع الدفاعات الجوية، بما يضمن استمرار السيطرة الجوية الأميركية.
وإلى جانب ذلك، يمكن أن تنطلق قاذفات استراتيجية بعيدة المدى من الأراضي الأميركية، من طراز B-1B وB-2 وB-52، لتنفيذ ضربات دقيقة بصواريخ كروز ضد أهداف ثابتة عالية القيمة. ويتوقع أن يترافق هذا النمط من العمليات الجوية مع فرض حصار بحري أو قيود صارمة على حركة الملاحة في الموانئ الفنزويلية الرئيسية، بهدف خنق قدرات النظام الاقتصادية والعسكرية.
ولا تستبعد التقديرات تنفيذ قوات العمليات الخاصة مهام محدودة على الأرض، تشمل جمع المعلومات الاستخباراتية، أو توجيه الضربات، أو تأمين مواقع حساسة، غير أن خيار الغزو البري الواسع يظل مستبعداً سياسياً ولوجستياً.
وعلى الرغم من أن ميزان القوة العسكري يميل بشكل حاسم لصالح الولايات المتحدة، فإن المجلة تحذر من أن الكلفة السياسية لأي تدخل ستكون مرتفعة. فمثل هذا التحرك قد يثير جدلاً داخلياً واسعاً داخل الولايات المتحدة، ويقابل برفض واستنكار شديدين في أميركا اللاتينية، وهي منطقة تحمل حساسية تاريخية عالية تجاه التدخلات الأميركية.
كما أن التجارب السابقة، وفي مقدمتها العراق، أظهرت أن التدخل العسكري قد يخلّف تداعيات طويلة الأمد، ويقود إلى فراغات سياسية أو حالات عدم استقرار مزمن، ما قد يورط واشنطن في أزمة مفتوحة وغير محسوبة النتائج داخل فنزويلا.