تطورات اقليمية
تحالفات خفية تهدد استقرار اليمن..
القتل بالإيديولوجيا والاختراقات الداخلية: اليمن أمام تحديات مزدوجة
حوثيون شمال اليمن_ ارشيف
في لحظة مفصلية من تاريخ اليمن، تزداد الدعوات لتوحيد الصفوف وتكثيف الجهود لمواجهة ميليشيا الحوثي واستعادة الدولة، بينما يعود ملف الدور الذي يلعبه تنظيم الإخوان في تعطيل مسار المعركة وإرباك المشهد السياسي والعسكري إلى الواجهة، ليؤكد أن الأزمة اليمنية ليست مجرد صراع مسلح، بل صراع متعدد الأبعاد بين الدولة، القوى المتطرفة، والمصالح الإقليمية والدولية.
يعتبر الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية عبد الملك اليوسفي أن تنظيم الإخوان يمثل عدواً مباشراً للدولة اليمنية، مشيراً إلى أن تحالفاته مع الحوثيين وارتباطاته التاريخية مع نظام الملالي في إيران أسهمت في إطالة أمد الصراع وتعقيد فرص الحل السياسي والعسكري، ويضيف أن التنظيم الدولي للإخوان لم يشارك يوماً في تعزيز الاستقرار، بل سعى دائماً إلى اقتناص الفرص المرحلية لإضعاف الدولة وخلق فوضى منظمة تضمن استمرار نفوذه، ويصف اليوسفي هذا النهج بـ"السفاح السياسي" الذي يعتمد على تفرعات ونتوءات سياسية تسعى لتقديم نفسها على أنها جزء من الشرعية، في حين تعمل خلف الكواليس لتعطيل مسارات الدولة والجيش.
ويؤكد اليوسفي أن هذه التفرعات، التي حاولت لسنوات الاختباء خلف شعارات وطنية، كشفت الأحداث الأخيرة زيف مواقفها، وظهرت بوضوح كمجموعات تتصرف بما يخدم أجندة خارجية تتناقض مع مصلحة الدولة اليمنية، وأن هذا السلوك السياسي والإعلامي هو الذي جعل من الصعب على أي حكومة أو سلطة محلية تحقيق استقرار حقيقي، ما زاد من تعقيد التوازنات الداخلية وأضعف القدرة على مواجهة الحوثيين.
ويشير اليوسفي إلى أن حزب التجمع اليمني للإصلاح يختلف عن التنظيم الدولي، فهو جزء من الشرعية اليمنية لكنه يضم تيارات متعددة، تشمل تيارات قبلية وأخرى معتدلة، مع وجود قيادات تنتهج خطاباً سياسياً منفتحاً وغير مؤدلج، بينما تم تهميش تيار متشدد بسبب تشدده وأجندته المتطرفة، مؤكداً أن هذا التنوع داخل الحزب يعكس صعوبة الفصل بين الولاء المؤسسي والمصالح الإقليمية، لكنه في الوقت نفسه يمنح الدولة فرصة لتعزيز خطاب سياسي متوازن يواجه مشاريع الإخوان التخريبية.
ويضيف اليوسفي أن أخطر ما يواجه اليمن هو ما سماه "القتل بالإيديولوجيا"، حيث يرى أن الحوثيين نتاج مباشر لإيديولوجيا التطرف التي شكلت عقلية الانقسام والكراهية، بينما ساهم الإخوان منذ عام 2015 في تعميق هذه الأزمة عبر التآمر والاختراقات داخل أجهزة الدولة والمؤسسة العسكرية، إلى جانب نشاط إعلامي يهدف إلى تشويه الواقع وخلق حالة من البلبلة والفوضى، ما يفاقم من صعوبة مواجهة الحوثيين ويعطل أي جهود حقيقية لإعادة الدولة إلى مسارها الطبيعي.
ويعتبر اليوسفي أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي كان خطوة حاسمة لحماية الدولة من اختراق القوى المتطرفة، وأن القرار جاء برعاية خليجية وتوافق يمني، مؤكداً أن دولاً مثل الإمارات والسعودية التي تصنف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، لم تكن لتقبل بإدماج تنظيم مصنف إرهابياً في منظومة حكم ترعاها، مشيراً إلى أن هذه المعادلات الإقليمية الصارمة فرضت حدوداً واضحة على أي مشاركة محتملة للإخوان في السلطة، وأن الاستقرار السياسي في اليمن لا يمكن تحقيقه إلا ضمن إطار يحمي الدولة من التدخلات المتطرفة داخلياً وخارجياً.
ويشير اليوسفي إلى أن التحديات الراهنة تتجاوز مجرد إدارة الدولة، لتشمل اختراقات معقدة شكلت معسكرات مستقلة خارج إطار الدولة، الأمر الذي عمّق تعقيد الوضع اليمني وأضاع الوقت الثمين في مواجهة الحوثيين، مؤكداً أن المرحلة الحالية تمثل اختباراً حقيقياً للوطنية اليمنية وتتطلب تجاوز الرؤى الضيقة والمشاريع الصغيرة، والارتقاء إلى نضج سياسي مسؤول، يضمن قدرة الدولة على مواجهة التحديات المزدوجة التي يمثلها وجود تنظيم الإخوان الدولي وأدواته من جهة، وميليشيا الحوثي من جهة أخرى، محذراً من أن أي تقاعس قد يؤدي إلى انزلاق اليمن نحو دوامات صراع وعنف مفتوحة، ويضع مستقبل الدولة وشعبها في مأزق طويل الأمد.
ويضيف اليوسفي أن مواجهة هذا الواقع تتطلب تنسيقاً داخلياً قوياً، حيث يجب على مؤسسات الدولة والعسكرية أن تعمل بشكل موحد، وأن تكون هناك رؤية سياسية شاملة تجمع بين الضغط العسكري على الحوثيين وتعزيز الشرعية الوطنية، مع ضرورة احتواء الاختراقات التي يخلقها الإخوان عبر الإعلام ووسائل التأثير المختلفة، معتبراً أن أي نجاح في مواجهة هذه الاختراقات سيسهم في تحييد المخاطر الداخلية ويقوي قدرة اليمن على استعادة سيادته وأمنه واستقراره.
ويختم اليوسفي بأن المرحلة الراهنة هي لحظة فاصلة في تاريخ اليمن، وأن الأمة بحاجة إلى تجاوز الانقسامات التقليدية والمصالح الجزئية، والعمل على مشروع وطني شامل يعيد بناء الدولة ويضع حدًا لدور القوى المتطرفة، مؤكداً أن الشعب اليمني سيبقى الرادع الأساسي لأي محاولة لإضعاف الدولة أو تحويلها إلى ساحة نفوذ للحوثيين أو الإخوان، وأن المسؤولية الوطنية تقع على الجميع لمنع انزلاق اليمن نحو دوامة طويلة من النزاعات والصراعات التي قد تدمر مستقبل الأجيال القادمة.